من المشط تقييم هذه الرواية في ضوء معايير ومقاييس تقدم الرواية العربية اليوم. ولست بصدد فعل ذلك فلا معنى له منهجيا. لكن هذا لا ينفي عنها مواطن الضعف المن المشط تقييم هذه الرواية في ضوء معايير ومقاييس تقدم الرواية العربية اليوم. ولست بصدد فعل ذلك فلا معنى له منهجيا. لكن هذا لا ينفي عنها مواطن الضعف الكثيرة مقارنة بالإنتاح الأدبي الذي عاصرها (سطحية الحكاية والشخصيات، ضعف الحبكة، الإسهاب المبالغ فيه في الأسلوب التحليلي على حساب السرد والحوار) هي على كل حال من المحاولات المبكرة لا أكثر، لها كل ما للتجارب الأولى من السذاجة والهشاشة. لو فقط نتوقف عن نعتها بالريادة، ونبحث عن نقطة انطلاق أكثر ثباتا ووضوحا في التأريخ للتجربة الروائية العربية عموما والمصرية خاصة....more
هذه رواية غير جادة، إن صحّ أن نسميها رواية. وكأنك حين تقرأها أمام فيلم مصري من أفلام السبعينات مع الكثير الكثير من كليشيهات أفلام الخمسينات. وفعلا قد هذه رواية غير جادة، إن صحّ أن نسميها رواية. وكأنك حين تقرأها أمام فيلم مصري من أفلام السبعينات مع الكثير الكثير من كليشيهات أفلام الخمسينات. وفعلا قد أخبرني المعلم جوجل أنها تحولت إلى مسلسل سنة 1978 يحمل نفس إسمها من بطولة نبيلة عبيد وحسين فهمي. بعد قراءتها يبدو أن الكاستينغ كان ممتازا. أو ربما أن هذه "الرواية" قد فصّلت من الأساس على مقاس الأعمال الفنية السائدة في تلك الفترة. خيباتي فيها كثيرة، وبدأت من العنوان. كان أحرى بالكاتب أن يسمي روايته "صاحب الجلالة الفساد" لا الحب. فكل ما أخبر عنه إسمه فسااااد وأنزه الحب كعاطفة إنسانية بناءة عن مشاهد المجون والعربدة والدعارة التي تم حشو القسم الأعظم من الكتاب بها. أن يفتتن أمير بغانية إلى درجة ان يسرق مال الدولة والجيش وأرامل الشهداء ليدللها فذلك فجور وفساد مالي وأخلاقي وليس حبا. ولا أستغرب خلط الكاتب في المفاهيم بالعودة إلى الحقبة الزمنية التي كتب فيها "روايته". وعلى العموم فكل الشخصيات الشريرة في هذه الحكاية دون استثناء تدور في فلك الدعارة وكل الأحداث مبنية على هذا، على نحو جدّ مبتذل جدّ تجاري. قد تكون أطروحة الكاتب صحيحة باعتبار أن الفساد هو سبب رئيس من أسباب الخسارة المهينة للجيوش العربية في حرب 1948، لكن تصويره لها خال من أي عمق، خال من أي نقد حقيقي، خال من أي جدية في الوصول بالقارئ إلى صورة أقرب ما يمكن إلى واقع تلك الحقبة السوداء في تاريخنا.. غول الفساد أكبر وأخطر من مجون الماجنين.. خيبتي الثانية في بناء الشخصيات وفي تسلسل الأحداث ومتانة الحبكة، ولن أطيل هنا لأن هذه الملاحظة ستعود بنا إلى الاستنتاج الأول: ستجد في شخصيات هذه الرواية محمود المليجي ومحمود ياسين وهند رستم وماجدة ونادية لطفي وعبد المنعم إبراهيم وتوفيق الذقن وكل النماذج الكلاسيكية للشخصيات الطيبة جدا والشريرة جدا التي انبنت عليها سينما الأبيض والأسود. لا يوجد في بناء هذه الشخصيات أي انسجام أو منطق ولا يوجد في العلاقات بينها أي اجتهاد يحترم أدنى درجات الذكاء لدى أبسط قارئ يستعمل عقله. خيبتي الثالثة في الخطاب الذي تبناه الكاتب: خطاب مباشر ساذج. يسمي مثلا الشخصيات "الطيبة" حين تجتمع حول نشاطها المتمرد "الفرسان الثلاثة" ثم "الفرسان السبعة". ذكرني فعلا بأدب الأطفال حين يمدح النص وهو يعلّم الأطفال دروس الأخلاق الأفعال الحميدة والأشخاص الخيّرين.. لا أحب الأديب الذي يفضح عدم حياده مع شخصياته فيفرض علي رؤيته ويستولي على حريتي الفكرية كقارئة للوصول إلى حكم خاص بي بناء على المعطيات التي أراها ووفقا للمعايير التي أتوصل إليها من طرحه. بعض المشاهد أيضا ذكرتني بمسرح الطفل وما يميزه من مباشرتية. يبرز ذلك خاصة من مشاهد المحاكمات الصورية. ونجد فيها -يا سبحان الله- نفس الشخصيات الشريرة، هي نفسها قادة للجيش ومسؤولين إداريين وقضاة أيضا. لم يستطع الكاتب أن يبذل مجهودا صغيرا إضافيا لخلق شخصية قضاة موالين للمنظومة التي ينقدها... خيبتي الموالية في الخاتمة: خاتمة على مدى مائة صفحة. بلى مائة صفحة أتحفنا الكاتب فيها بسيناريوهات عديدة لنهاية قصته الفذّة. سيناريوهات أحال فيها الكلمة إلى شخصياته لتقترح عليه خاتمات وفق تصورها وحسب منظارها الشخصي. ما هذا؟؟ لم أفهم لماذا يهرب هذا الكاتب من وضع نهاية لحكايته؟ ألأن الخاتمة هي حمالة الموقف وهو لا يملك رأيا نهائيا حول الموضوع الذي يطرحه؟؟ باختصار لم ينجح هذا الكاتب لا في إيصال فكرة واضحة ولا في الدفاع عنها. أول مرّة أقرأ كتابا دون رسالة.. الرسالة الوحيدة التي وصلتني هي أن الفساد المستشري هو الأقوى وأن الظلم بلا نهاية وأن الوقوف بوجهه لا طائل منه. كيف لا وخاتمة الشخصيتين المناضلتين التين استفتاهما حول النهاية كانت السجن.. في نهاية هذه الرواية الناقدة للفساد والمنتفضة على ضياع فلسطين مات الموقف الحرّ بالسلّ في زنزانة دون نوافذ بفعل البرد والرطوبة. إيه نعم... حتى الخاتمة التي طلب إلى القارئ أن يخطها بنفسه اعتبرها "بداية الأسطورة". أسطورة؟؟ ما هذا الأدب الذي يقتل الأمل ويقتل الثقة في الحرية؟؟ ما هذا الأدب الذي يبعث على العبث؟؟ بقيت خيبة أخيرة مردها نظرة هذا "الأديب" إلى المرأة. لن أقف على شخصية الغانية التي تمسك بسلطان الجسد جميع خيوط الشخصيات ومن ورائهم الدولة وكل الحكاية. ولن أقف أيضا على كليشيهات الزوجات الوفيات أو اللاتي زلت القدم بهن مرة ثم تبن، ولا على كليشيهات فصص الحب على طريقة أفلام السبعينات والتي لا وظيفة حقيقية لها في الرواية ولا تخدم فيما بعد تطور الأحداث. كل ذلك يمكن التجاوز عنه أو مناقشته. لكن ما لا يمكن غفرانه هو ما ينطوي عليه كل هذا من نظرة دونية مهينة للمرأة. وتصورات "التقدميين" في هذا الجانب أقذر بكثير من تصورات المحافظين أو "الرجعيين". يقول هذا الروائي التقدمي على لسان بطلته الشريفة العفيفة المخلصة لزوجها وهي تدافع عن قيم الشرف والوفاء أمام الغانية التي جاءت تغويها "بالسعادة" التي لم يعد بمقدور زوجها أن يمنحها إياها بعد أن فقد أصابع يديه العشرة (صفحة 463): "المرأة الشريفة حمام خاص لرجل واحد.. والمرأة التي تفقد شرفها تتحول إلى دورة مياه عمومية.. الفرق بينهما كالفرق بين نظافة الحمام الخاص وقذارة دورة المياه العمومية.. الرجل قد يضطر إلى دخول دورة مياه في الطريق، ولكنه لا يستريح إلا في حمامه الخاص". حمّام؟؟؟ خسئت من قائل وخسئ أدبك. وبئس الرجل الذي يقبل مثل ذا إهانة لآدميته.. أمّا فلسطين فلك الله وكل القلوب الحية والضمائر الصاحية.. وسحقا لكل من يستثمر في اسمك أو يجعل منك مطية للربح، أيا كان هذا الربح......more