عمر الحمادي's Reviews > تاريخ أوروبا: وبناء أسطورة الغرب
تاريخ أوروبا: وبناء أسطورة الغرب
by
by

في توطئته للنسخة العربية من الكتاب - والذي كتب بالفرنسية في طبعته الأولى - أصر المؤلف على العرب أن لا يقبلوا دفع ضريبة اضطهاد اليهود في أوروبا ، ويبدو أن المؤلف أراد من هذا الكتاب وضع أوروبا في سياقها التاريخي الذي تستحقه بدون تحجيم ولا تضخيم.
اعتبر قرم أن مؤلفات "برنارد لويس" و"هنتيغتون" أتت لإستعادة اللغة الأكثر قدما والمستعملة في المناظرات الجدلية الإسلامية -المسيحية خلال القرون الوسطى وبالتالي استعادة النظرة التحقيرية التي كان ينظر بها إلى الشرق.
وانطلق المؤلف في حديثه عن التاريخ من حضارة اليونان القديمة ( الذين ابتكروا المدينة والحرية) والحضارة الرومانية ( الذين ابتكروا القانون والمعرفة ) والتوحيد اليهودي والمسيحية الأوروبية (الذين جاؤوا بالثورة الأخلاقية) والغزوات البربرية الجرمانية والحروب الصليبية، ثم طرد المسلمين واليهود من الأندلس، ثم عصر التنوير والنهضة وانتهاء بالمحرقة.
حرص الأوروبيون - كالمؤرخ الفرنسي "غوغنهايم" - على إقامة الدليل على أن أوروبا لم تكن مدينة للإسلام بشيء وأن الحضارة العربية لم تقدم جديدا في فهم الحضارة الأغريقية ، وأرادوا بذلك قطع الصلة بين الشرق والغرب المتفرد بالجلالة !
من أشهر المؤلفات التي أدانت الوظيفة المحقرة التي اضطلع بها الأدب الأوروبي المتعلق بالشرق هو كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ، والتي ركز فيها على كسر معادلة :
أوروبا = الحداثة = الغرب = مستقبل العالم
والتي كانت ومازالت طاغية منذ ما يقارب قرنين من الزمن.
يعتبر "دوروزيل" أن وحدة أوروبا هي وليدة عجزها عن تحديد هويتها ، فليس في الغربية منها الرتابة والإمتثالية والوحدة الإكراهية التي تتصف بها الأيدولوجيات السوفييتية ، وليس فيها الضغط الإجتماعي العملاق الذي يميز أمريكا ، فدوروزيل نفسه مرتاب من فكرة وجود تاريخي للحضارة الأوروبية.
إن عبقرية المسيحية ليست في ما يقصه علينا الخطاب الأسطوري عن الغرب بشأن قيمها التي هي تخيلية لا وجود لها في الواقع الديني، لاسيما وأنها تحجب عنا كون المسيحية ديانة شرقية نمت في الشرق قبل أن تستقر في أوروبا ، إن عبقريتها الحقيقية في كونها ديانة توحيدية كونية الرسالة وفي مقدرتها على التغلب على الموت وهو مالم تقدمه الديانات الوثنية ولا الديانة التوحيدية اليهودية ، وتكمن عبقرية المسيحية أيضا في تلك الوجوه الممجدة للبراءة والنقاوة المتمثلة في وجه مريم العذراء في مواجهة قسوة الوجود البشري ، وهي أنشودة الشقاء الإنساني التي بثت في أوروبا ازدهارا فنيا وموسيقيا استثنائيا.
تركز الخطاب الأوروبي حول عبقرية أوروبا على حدثين مفاجئين وغامضين : الثورة العلمية على يد "ليبنيز" و"غاليليو" والتي كسرت طوق الكنيسة حول العلم ، والحدث الثاني كان الثورة الصناعية ، مضافا لكليهما الفلسفة الألمانية سواء كان النهج المعتمد "فيبيريا" أم "ماركسيا".
يرى المؤلف أن العودة الى التراث الإغريقي-الروماني أعطى دفعة جديدة للإلهام الديني الذي واكب تنمية الحياة الفكرية والفنية في أوروبا ، فالأناجيل والمسيح واستشهاد المسيحيين الأوائل وعوالم الملائكة والشياطين بقيت موارد أساسية للرسامين ، ثم جاءت البروتستانتية الثائرة ضد البابوية وضد النهضة المزهوة بذخا وترفا والتي رأوها تنشر الفسق والفجور والسلوكيات المتراخية والمنحلة مؤدية إلى انهيار السلطات الكهنوتية ، فكان العهد القديم مصدرا رئيسا للإلهام في الثورة المذهبية الجديدة فيداخل البيت المسيحي الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن الأجزاء الأكثر فقرا بالموارد في أوروبا مثل البرتغال وهولندا وبريطانيا هي التي شهدت تحقيق الخطوات الكبيرة الأولى في مجال التقدم التقني والتي ساعدتها لاحقا على استعمار الآخرين.
إذا كان الغرب ذلك الكيان المتماسك الوارث للعبقرية الأغريقية والمسيحية والثورة العلمية والعقلانية ، فأي تفسير نعطيه لهذه النوبة الطويلة من الهمجية والتي تضرب جذورها في تاريخ أوروبا والتي سميت بالنازية والتي لاقت نجاحا هائلا خارج ألمانيا ، فكيف يمكن للفلاسفة والمؤرخين الجزم بوحدة الحضارة الأوروبية بعد ما حصل في الحربين العالميتين !؟ هل كان النازيون - المتأثرين بالداروينية الاجتماعية التي نصت على أن البقاء للأقوى - مسيرون بشعور الدفاع عن أوروبا برمتها ضد الخطر الشيوعي البلشفي ؟ وهذا ما حدى بالأوروبيين بالتدخل الى جانب الأطراف المتصارعة في الحرب الأهلية الأسبانية !
يقول "سبنغلر" إن مصطلح أوروبا هو الذي أوجد وعينا التاريخي بوجود وحدة بين روسيا والغرب مع أنه لا يوجد شيء يسوغ هذه الوحدة بسبب الوعي الفطري الروسي الذي ينظر بعدائية لكل ما هو خارج روسيا الأم والذي تجسد في كتابات تولستوي وأكساكوف ودوستويافسكي ، فإن "أوروبا" هو دوي صوتي أجوف وكل الإبداعات التي أتت بها العصور القديمة إنما تولدت من إنكار كل حد قاري بين روما وقبرص ، بيزنطة والإسكندرية.
ألمانيا كانت أمة ماورائية بإمتياز فهي لم تغز العالم عسكريا كما فعل الأوربيون ولكنها جعلت فلسفتها المتناقضة والمتكاملة والمتفجرة تتصدر كل العالم إلى أن ضلت الطريق في القرن العشرين ، إلا أن مؤلفات نيتشه كانت الشاهد الرئيس على انهيار وانقلاب القيم التي رفعت عليها الثقافات الأوروبية بنيانها منذ عصر النهضة، فدمر نيتشه أصنام المثالية والبحث عن الصالح العام والتوق للكونية ، فكتابه "هكذا تكلم زرادشت" ما هو الا كشف لاتساع الأزمة التي حلت بكل الفكر الغربي بعد انهيار الوحدة اللاهوتية والمؤسساتية في الديار المسيحية.
إن القادة الأوروبيين لا وقت لديهم للاهتمام - سوى هامشيا - بشؤون العالم بعدما كان القرن ال١٩ حقبة الأحلام المجنونة في تحول أوروبا بغرض البقاء على الدوام في طليعة البشر ، والآن سلمت دفة التاريخ للولايات المتحدة.
شد التقليد الفكري المحافظ في أمريكا بين ٢٠٠٠ و ٢٠٠٨ إعجاب أوروبا المحبة للفكر التقليدي ، وفي سذاجة محيرة يأمل العديد من الأوروبيين أن تكون أمريكا أتت لنجدتهم من خلال الحربين العالميتين ، مع أن أمريكا لم تعلن وقوفها الى جانب الحلفاء الا بعدما تضررت مصالحها.
كتاب جدير بالقراءة للمهتمين بالتغريب والتاريخ الأوروبي الحقيقيl
اعتبر قرم أن مؤلفات "برنارد لويس" و"هنتيغتون" أتت لإستعادة اللغة الأكثر قدما والمستعملة في المناظرات الجدلية الإسلامية -المسيحية خلال القرون الوسطى وبالتالي استعادة النظرة التحقيرية التي كان ينظر بها إلى الشرق.
وانطلق المؤلف في حديثه عن التاريخ من حضارة اليونان القديمة ( الذين ابتكروا المدينة والحرية) والحضارة الرومانية ( الذين ابتكروا القانون والمعرفة ) والتوحيد اليهودي والمسيحية الأوروبية (الذين جاؤوا بالثورة الأخلاقية) والغزوات البربرية الجرمانية والحروب الصليبية، ثم طرد المسلمين واليهود من الأندلس، ثم عصر التنوير والنهضة وانتهاء بالمحرقة.
حرص الأوروبيون - كالمؤرخ الفرنسي "غوغنهايم" - على إقامة الدليل على أن أوروبا لم تكن مدينة للإسلام بشيء وأن الحضارة العربية لم تقدم جديدا في فهم الحضارة الأغريقية ، وأرادوا بذلك قطع الصلة بين الشرق والغرب المتفرد بالجلالة !
من أشهر المؤلفات التي أدانت الوظيفة المحقرة التي اضطلع بها الأدب الأوروبي المتعلق بالشرق هو كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ، والتي ركز فيها على كسر معادلة :
أوروبا = الحداثة = الغرب = مستقبل العالم
والتي كانت ومازالت طاغية منذ ما يقارب قرنين من الزمن.
يعتبر "دوروزيل" أن وحدة أوروبا هي وليدة عجزها عن تحديد هويتها ، فليس في الغربية منها الرتابة والإمتثالية والوحدة الإكراهية التي تتصف بها الأيدولوجيات السوفييتية ، وليس فيها الضغط الإجتماعي العملاق الذي يميز أمريكا ، فدوروزيل نفسه مرتاب من فكرة وجود تاريخي للحضارة الأوروبية.
إن عبقرية المسيحية ليست في ما يقصه علينا الخطاب الأسطوري عن الغرب بشأن قيمها التي هي تخيلية لا وجود لها في الواقع الديني، لاسيما وأنها تحجب عنا كون المسيحية ديانة شرقية نمت في الشرق قبل أن تستقر في أوروبا ، إن عبقريتها الحقيقية في كونها ديانة توحيدية كونية الرسالة وفي مقدرتها على التغلب على الموت وهو مالم تقدمه الديانات الوثنية ولا الديانة التوحيدية اليهودية ، وتكمن عبقرية المسيحية أيضا في تلك الوجوه الممجدة للبراءة والنقاوة المتمثلة في وجه مريم العذراء في مواجهة قسوة الوجود البشري ، وهي أنشودة الشقاء الإنساني التي بثت في أوروبا ازدهارا فنيا وموسيقيا استثنائيا.
تركز الخطاب الأوروبي حول عبقرية أوروبا على حدثين مفاجئين وغامضين : الثورة العلمية على يد "ليبنيز" و"غاليليو" والتي كسرت طوق الكنيسة حول العلم ، والحدث الثاني كان الثورة الصناعية ، مضافا لكليهما الفلسفة الألمانية سواء كان النهج المعتمد "فيبيريا" أم "ماركسيا".
يرى المؤلف أن العودة الى التراث الإغريقي-الروماني أعطى دفعة جديدة للإلهام الديني الذي واكب تنمية الحياة الفكرية والفنية في أوروبا ، فالأناجيل والمسيح واستشهاد المسيحيين الأوائل وعوالم الملائكة والشياطين بقيت موارد أساسية للرسامين ، ثم جاءت البروتستانتية الثائرة ضد البابوية وضد النهضة المزهوة بذخا وترفا والتي رأوها تنشر الفسق والفجور والسلوكيات المتراخية والمنحلة مؤدية إلى انهيار السلطات الكهنوتية ، فكان العهد القديم مصدرا رئيسا للإلهام في الثورة المذهبية الجديدة فيداخل البيت المسيحي الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن الأجزاء الأكثر فقرا بالموارد في أوروبا مثل البرتغال وهولندا وبريطانيا هي التي شهدت تحقيق الخطوات الكبيرة الأولى في مجال التقدم التقني والتي ساعدتها لاحقا على استعمار الآخرين.
إذا كان الغرب ذلك الكيان المتماسك الوارث للعبقرية الأغريقية والمسيحية والثورة العلمية والعقلانية ، فأي تفسير نعطيه لهذه النوبة الطويلة من الهمجية والتي تضرب جذورها في تاريخ أوروبا والتي سميت بالنازية والتي لاقت نجاحا هائلا خارج ألمانيا ، فكيف يمكن للفلاسفة والمؤرخين الجزم بوحدة الحضارة الأوروبية بعد ما حصل في الحربين العالميتين !؟ هل كان النازيون - المتأثرين بالداروينية الاجتماعية التي نصت على أن البقاء للأقوى - مسيرون بشعور الدفاع عن أوروبا برمتها ضد الخطر الشيوعي البلشفي ؟ وهذا ما حدى بالأوروبيين بالتدخل الى جانب الأطراف المتصارعة في الحرب الأهلية الأسبانية !
يقول "سبنغلر" إن مصطلح أوروبا هو الذي أوجد وعينا التاريخي بوجود وحدة بين روسيا والغرب مع أنه لا يوجد شيء يسوغ هذه الوحدة بسبب الوعي الفطري الروسي الذي ينظر بعدائية لكل ما هو خارج روسيا الأم والذي تجسد في كتابات تولستوي وأكساكوف ودوستويافسكي ، فإن "أوروبا" هو دوي صوتي أجوف وكل الإبداعات التي أتت بها العصور القديمة إنما تولدت من إنكار كل حد قاري بين روما وقبرص ، بيزنطة والإسكندرية.
ألمانيا كانت أمة ماورائية بإمتياز فهي لم تغز العالم عسكريا كما فعل الأوربيون ولكنها جعلت فلسفتها المتناقضة والمتكاملة والمتفجرة تتصدر كل العالم إلى أن ضلت الطريق في القرن العشرين ، إلا أن مؤلفات نيتشه كانت الشاهد الرئيس على انهيار وانقلاب القيم التي رفعت عليها الثقافات الأوروبية بنيانها منذ عصر النهضة، فدمر نيتشه أصنام المثالية والبحث عن الصالح العام والتوق للكونية ، فكتابه "هكذا تكلم زرادشت" ما هو الا كشف لاتساع الأزمة التي حلت بكل الفكر الغربي بعد انهيار الوحدة اللاهوتية والمؤسساتية في الديار المسيحية.
إن القادة الأوروبيين لا وقت لديهم للاهتمام - سوى هامشيا - بشؤون العالم بعدما كان القرن ال١٩ حقبة الأحلام المجنونة في تحول أوروبا بغرض البقاء على الدوام في طليعة البشر ، والآن سلمت دفة التاريخ للولايات المتحدة.
شد التقليد الفكري المحافظ في أمريكا بين ٢٠٠٠ و ٢٠٠٨ إعجاب أوروبا المحبة للفكر التقليدي ، وفي سذاجة محيرة يأمل العديد من الأوروبيين أن تكون أمريكا أتت لنجدتهم من خلال الحربين العالميتين ، مع أن أمريكا لم تعلن وقوفها الى جانب الحلفاء الا بعدما تضررت مصالحها.
كتاب جدير بالقراءة للمهتمين بالتغريب والتاريخ الأوروبي الحقيقيl
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
تاريخ أوروبا.
Sign In »
Reading Progress
Finished Reading
July 27, 2014
– Shelved
Comments Showing 1-4 of 4 (4 new)
date
newest »

message 1:
by
Manal
(new)
Aug 07, 2014 12:53PM

reply
|
flag