ŷ������

هذا لقائي الثاني مع (ساراماغو). الكاتب الذي يُدهشك لا بأسلولب روايته العجيب فقط، بل وبأفكار رواياته.
مع ساراماغو تدخل غابةً من أشجار كثيفة متداخلة تشكّل في مجملها رواية. فالرواية عنده خليط مدهش من قصة تُحكى، وثرثرات راوٍ كثير التدخّل ، فلسلفةٌ تُقال، وأسئلة تُلقى في وجه القاريء. لكأنّ الرواية هامش على نصّ فكريّ. أسلوب لم أره إلا عنده!
و له طريقته في إدارة الحوارات على الورق، فلا ترى إلا فواصل من علامات الترقيم ( يستخدمون الحرف الكبير في الإنجليزية) لتنبيه القاريء إلى انتقال الحديث إلى شخصٍ آخر. لكنك بالكاد تجد انقطاعًا يزعجك.
أما أفكاره فغريبة لكنها من باب (ماذا لو؟!) : ففي روايته الأشهر التي لمّا أقرأها بعد (العمى) يتحدث عن مجتمع أصابه العمى كلّه. وفي روايته (حصار لشبونة) يطرح فكرة تدخّل راوي التاريخ في روايته مما يجعله يكتب تاريخًا مغايرًا بإضافة حرف نفي أمام حدث!
وأمّا هذه (انقطاعات الموت) فيالها من فكرة! ماذا لو توقف الموت؟؟!
وعلى امتداد نصف الرواية الأوّل يجعلك كسكّان تلك البلدة المبتلاة بعدم الموت! تتنظر عودته وترجوا حضوره! انتظار المشتاق لغائبه. فكم من مستفيد من الموت! كم من بائس إن طالت به الحياة!
ثمّ يريك من الموت أوجهًا؛ كذلك الموت الأكبر، أو الموت الذي يواعدك... أو الموت الذي يخدعك ويغويك.
غير أني تمنيت أن تنتهي القصة عند منتصفها لأني شعرت بالفكرة تضعف في النصف الثاني من الرواية. ولم تعجبني النهاية الوردية (غير الواقعية) التي أرادها الكاتب انتصارًا للحياة أو هزيمةً للموت. فنحن نعرف -كما هو- أنّ الموت لا يُهزم وإن كان ذكيا بجعل روايته دائرية، تُختم بما ابتدأت به! فلا هزيمة بالمعنى الدقيق.
يستطيع المؤمن بالله-خلافًا للكاتب- أن يرى في هذه الرواية آيات لله قلّما تدبّرناها. آيات الموت غير تلك التي نراه فيها نقمة أو ابتلاء.
ولا بدّ أن أشير إلى تلك الجملة البديعة التي افتتح بها الرواية (في اليوم التالي؛ لم يمت أحد!) فأي مطلعٍ أقدر على شدّ القاريء وسحره من مثل هذه الجملة!!
الرواية من ترجمة صالح علماني، الذي تدين له المكتبة العربية بالكثير الكثير لترجماته الغنية المنتقاة والمتقنة.