ŷ������

الحزن الخبيث ...
ألست معى أن الكاتب أتقن اختيار اسم الكتاب بشكل مذهل !
فما عساه أن يكون أخبث من ذاك المرض وذاك الحزن ؟
وهل هناك ما هو أخبث من الحزن ومن مرض لا يأكل فى خلايا الجسد بل يأكل وينهش في خلايا الروح والنفس حتى يأتي عليها مخلفا وراءه حطام إنسان وربما أخذ الحطام نفسه تاركا جثة مشنوقة .. أو مخنوقة .. مسمومة .. أو متردية
اختارت الموت فقط لتسكن كل هذا الألم
ولا عجب إذ أنت خيرت واحدا ممن عانوا من الأكتئاب بين سنوات يقضيها مع المرض البدني وبين يوما يقضيه مع الأكتئاب فسيختار عن صدق وطيب خاطر الحياة مع المرض البدني سنوات هربا من سموم الاكتئاب التى تجتاح روحه ونفسه
بالتأكيد سيهرب من الحزن والكآبة والكدر وهذا الإحساس الدائم بالإرهاق وعدم القدرة على التفكير والتركيز والتفكير الدائم في الموت والتخلص من حياته ومن ثم فقدان الإهتمام بكل شيء في حياته ونشاطاته اليومية وحتى القدرة على التحكم والسيطرة على حركات جسمه وربما من الهلاوس إذا كان إكتئابه حادا وهربا من الآلام الجسدية الذي يسببها له الأكتئاب مثل الصداع النصفي وألمه القاتل واضطرابات المعدة واضطرابات القلب والتنفس حتى ليشعر أن روحه ذاتها تُنزع كما يُنزع الشوك من الصوف

حزن دون ألم .. فارغ .. موحش .. مظلم
يخنقني .. يكبتني. .. ولا أجد متنفسا
فى الكلمات أو الآهات أو الدموع
قصيدة. .. انقباض - كوليردج

وياله من تعيس الحظ هذا الذي يعاني من الأكتئاب ال��وسي فيتميز ال��وس بتحسن مفرط فى المزاج دون سبب واضح
فيظهر المريض في حالة من السعادة والتفاؤل سريعا ما تتحول للغضب الشديد وسرعان ما تتلاشى وتحل محلها حالة من الكآبة فيتحول المرء من الضحك الشديد للبكاء الشديد
وأحيانا تتحول نوبات ال��وس لسلوكيات كفيلة بأن تضع المريض على لائحة المجانين بالنسبة لمن لا يعرفون شيء عن هذا المرض اللعين حيث تصاحب المريض أعراض غير مفهومة للعوام مثل
- فرط النشاط
- زيادة ملحوظة في التعبير اللفظي
- تسارع الأفكار والخواطر
- ثقة مفرطة وتضخيم للذات
- قلة النوم - الشرود
- سلوكيات طائشة غير حكيمة
- تدهور ملحوظ في الوظائف الإجتماعية والمهنية
وليس بأحسن منه حالا المصاب بالأكتئاب الموسمي
كآبة الصيف وكآبة الشتاء
حيث تهاجم المريض في نفس الموعد من كل عام لتضعه في أسوء حالة نفسية ممكنة وكأنه ضيف ثقيل يأبى أن يتأخر عن موعده ولو ليوم واحد .. ضيف بغيض يحمل معه ثقل الموت ذاته
...
صدقا مرضى الأكتئاب بجميع أنواعه وظروف محفزاته تعيسو الحظ وبأسين لأبعد حد ممكن وَمِمَّا يزيد من بؤسهم وألمهم عدم تفهم المحيطين بهم لحالتهم وكيفية التعامل معها

فيذكر الكاتب ما نصه ...
هناك جانب آخر لتجربة الأكتئاب على قدر كبير من الأهمية لكنه لا يحظى بنفس الإهتمام وهو الجزء المتعلق بمن يعيشون بالقرب من مريض الاكتئاب فنادرا ما نجد توثيقا للمعاناة التى يمر بها الذين يعتنون بالشخص المكتئب إذ يجد شريك المكتئب صعوبة بالغة فى فهم الأعراض التى يمر بها شريكه فى ظل عدم وجود سبب ظاهر لهذه الأعراض وقد يرى بعضهم أننا جميعا معرضون للقلق والمشاكل الصعبة بيد أن الشخص المكتئب لا يبذل الجهد الكافي لتجاوز ما يمر به لكن محاولات دفع المكتئب للخروج من حالته لا تنجح في معظم الأحيان

ورغم كل الدراسات والتحليلات والابحاث حول سرطان الروح هذا من عصر أبقراط وربما قبله وحتى يومنا هذا ما زال يكتنفه الكثير من الغموض حول أسبابه ومحفزاته وإمكانية إصابة شخص به دون أخر
وهل أسبابه نفسية فقط أم بيولوجية أم الاثنان معا أم وراثي ويجد طريقه عبر الجينات ؟ أم له جذور من سنوات الطفولة ؟
وهل له علاقة بثقافة الفرد والمجتمع وهل يختلف من دولة إلى أخرى ؟
ومن دين إلى أخر ؟ وكيف يكون شكله عند متبعى الأديان وأصحاب العقائد ؟ أو حتى شكله عند الملحدين ؟
ولماذا أحيانا يسوق صاحبه إلى الإلحاد لإعتقاد المكتئب أن الرب تخلى عنه ؟
وما هى علاقته بالأمراض البدنية وأي منهم كان سبب في وجود الأخر ؟
وعلاقته بدرجات الحزن المختلفة ومن منهم يصنع الأخر ؟

وبعد قراءة هذا الكتاب اكتشفت أن جميع الأسباب والمحفزات والظروف قائمة وتحدث بكل إختلافاتها السبب ينقلب نتيجة والنتيجة تجدها سبب !! لذلك استحق أن يُقرن بالخبث

وقد قسم الكاتب هذا الكتاب الذي اجده ممتع رغم كل شىء
للفصول التالية :
الإكتئاب بين الحاضر والماضي
تعريفه وتشخيصه
ال��وس
الاكتئاب فى الثقافات الأخرى
والفصل الأهم لماذا يتعرض للاكتئاب أشخاص بعينهم
الانتحار
التفسيرات النفسية
التفسيرات البيولوجية والدماغ وهو أعقد فصول الكتاب
مضادات الإكتئاب والتى أحيانا تترك أثر أسوء من الاكتئاب ذاته
والعلاج البدني والنفسي
ثم فصل رحلة إلى الشرق مثل الهند والصين والبيرو واليابان وكيف هى أعراض الأكتئاب فى تلك البلاد وعرض لبعض وسائل العلاج فيها
كجلسات الكهرباء واليوجا وجلسات العلاج النفسى القائمة على التعاليم البوذية وعلاج الوخز بالإبر فى الصين
ثم فصل النهاية المستقبل
وفيه رؤية الكاتب حول الاكتئاب والأبحاث المستقبلية حول المرض وكيف يمكن التقليص من حالات الاكتئاب والكف عن إعتباره وصمة إجتماعية ..
الكتاب نافع بلا شك ويعد من وسائل العلاج الذاتي وأظنه خير بداية لمن أراد أن
يقرأ عن هذا المرض ...