ŷ������

4.5

بليغ
تأليف: طلال فيصل Talal Faisal
دار الشروق:339 صفحة-يناير 2017.
---------------------------------------
بليغ أو سيرة مولع بالهوانم

أن كانت تجربتك الأولي مع طلال فيصل هي رواية بليغ ف أعلم أنك محظوظ للغاية ف أنت أمام أفضل مشروع للمؤلف الشاب،بدأت مع طلال من "سيرة مولع بالهوانم" ومن يومها لم أخرج من عوالمه ثم جاءت "سرور" لتجعلك تقف كثيرا وتفكر أكثر،ماذا قرأت بحق الجحيم؟ هل ما ذكر حقيقي؟ أم خيالي؟ سؤال لن تعرف إجابته ابدا في كتابته.
هل ما يفعله طلال له أسم؟
نعم fictitious biographies أو السير الذاتية الوهمية مثل دكتور فاوستوس ل توماس مان ولكن هنا ليس بشكل صافي هناك حقائق و خيال و أشياء أخري تتداخل ما أن توقفت عن البحث وعن التدقيق ستغرق في تلك المتع والسيناريو الأفتراضي الذي يعرضه عليك المؤلف،أقبله و أرتحل معه، والرحلة تلك المرة مع روح معذبة اخري بليغ حمدي.

"انت فين والحب فين
ظالمه ليه دايما معاك
ده انت لو حبيت يومين
كان هواك خلاك ملاك"
كلمات: عبد الوهاب محمد
ألحان: بليغ حمدى
غنا: أم كلثوم
إنتاج: 1960

-1-
أن كنت ستقرأ تلك الرواية بغرض معرفة بليغ حمدي أو الحكم عليه ف نصيحتي لك أن لاتفعل بليغ هنا انسان وليس "مزيكاتي" ستعرف معلومات تستطيع أن تقرا عنه الكثير علي الانترنت ولكن نسخة بليغ المقدمة هنا تخصه وتخص طلال فيصل.


لا يحاول طلال فيصل اخفاء أمر عنك من البداية يخبرك كيف تسير الأمور

"حكايتي معقدة ومبنية علي ثلاث خطوط متوازية،أولها سيرة موسيقار موهوب، وثانيها حدوتة فتر غر غادر بلاده، هربا أو عشقا أو كليهما، ثالثهما موسيقار مغربي"
المقتطف غير نصي حرصا علي عدم الحرق.


ظلمت الحياة طلال عندما ألقته في تجربة لا قبل له بها و ظلم نفسه أنه قرر أستكمالها للنهاية، أو هذا كله عدالة شاعرية بشكلا ما؟ من شاب أخواني يقع تحت طائلة بيت محافظ للغاية لا مجال للكثير من الأمور ومع الوقت والأنترنت يفلت الأبن من تلك القبضة الروحية ل يخسر روحه بعد ذلك طواعية عندما يقدمها لكل شئ آخر دون أي أكتراث حقيقي للنتيجة أو للأي خسارة ف من الأخوان الي وسط البلد الي فقدان الأيمان بكل شئ حتي ب نفسه الي حضن مارييل ولكن خلال الموسيقي و الأدب حاول إيجاد روحه.
فقال "إن فكرة الطرب وجوهرها هي توقف الزمن، أن الزمن لا يهم، أن الحياة السعيدة هي الفراغ السعيد هي القعود علي هامش هذا الزمن الذي لا يتوقف"

ولكن رحلته لم تكن سهلة مثل الحياة بالظبط،والاسئلة التي يجب طرحها ليست بالسهولة الاجابات ولا الحرية هي النقطة الأخيرة في الرواية هي مجرد نقطة ربما عند ايصال باقي النقاط تطرح لنا شكل له معني أو مجرد هراء،ولكن طلال لم يكن مهتم وكان مستعد للذهاب للنهاية حتي لو كانت نهايته هو، يترك أهله وبلاده و كل شئ دون لحظة تردد ويذهب وراء قلبه ليكتشف أن الحب عارض جانبي للحياة وليس كل الحياة ولكن بالطريقة الصعبة ولكن بسبب تلك الرحلة يقرر أكتشاف حياة "بليغ حمدي" ل كتابة روايته التي زيف سبب وجوده لمجرد تواجده مع مارييل ولكن أتضحت أن الكذبة كانت الشئ الوحيد الحقيقي في حياة طلال،و الحقائق لا تذهب بنا الي أفضل أماكن أحيانا تذهب بنا الي مستشفي الأمراض العقلية! و ربما هو المكان الطبيعي لم تعلقت أرواحهم ب أشياء لا يراها غيرهم،حاول الموسيقي سليمان العطار تحذيره ولكن منذ متي ونصائح الحب والعلاقات لم تؤدي الا ل مزيد من الغرس و التورط؟

سب سليمان العطار و بليغ و طلال و أم كلثوم و عبد الوهاب و ليلي مراد و عبد الحليم و وردة الحب ولكنهم يقدروا للحظة الفكاك منه، منهم من قدر علي الحفاظ عليه تحت السيطرة ومنهم من كان لا يهتم بأي شئ مثل بليغ، خلق بليغ فقط ل التأليف الموسيقي لم يكن يعرف غيره ولم يحب غيره كان يعبر بالموسيقي يحب بالموسيقي و يكره ويبتسم و يغضب بالموسيقي وكلما زاد الألم كلما زاد الشفافية و الشفافية هي أقسي شئ يحدث للفنان ف يجعله هدف سهل ويجعل الأحكام تنهال عليه يخبره الجميع " انت تلحن للأم كلثوم؟ أنت تروح تسمع ألحاننا عشر سنين وبعدين ربك يسهل"
لم يهتم بليغ ولم يحاول اثبات وجهة نظره ولم يتحدي ولم يسعي من الأساس أستمر فقط في العمل.

بينما طلال فيصل يحاول استكشاف فرنسا عبر حبيبته، هل وصف حبيبته وصف دقيق؟ وهل أكتشاف هي الصفة الملائمة؟ أم الهروب؟ أم الخوف من الوحدة؟ أم لاشئ من كل هذا؟ هل تحبه الفرنسية حقا؟ هل اللغة عامل اعاقة؟ هل الحضارات لا تلتقي؟ هل لابد أن تلتقي؟ ماذا كان ليفعل بليغ في مثل موقف طلال؟ هل يترك مصر من أجل وردة؟
هل يهجر الموسيقي؟ هل يستطيع ترك عوده؟

"اللى فات من عمرى كان لك من زمان
واللى باقى منه جاى لك له اوان
وأحب تانى ليه وأعمل فى حبك إيه
ده مستحيل قلبي يميل ويحب يوم غيرك أبداً
أهو ده اللى مش ممكن أبداً"

انساك يا سلام،ام كلثوم
كلمات: مأمون الشناوى
الحان: بليغ حمدى
غنا: ام كلثوم
انتاج: 1961

-2-
هل كانت علاقة طلال ب مارييل صحيحة وصحية؟ هل ما مارسه بليغ علي وردة شئ محبب؟ وهل أستغلال وردة له شئ منطقي؟ هل الحب يتلخص في الألم؟ هل تلك العلاقات المسيئة نفسيا علي الأقل تستطيع تخطيها؟

ف الواقع لا ، الكل كان يعلم أن الطرف الآخر في جحيم لا ينتهي ومع ذلك لم يغلق أحدهم الباب حتي و أن أنكسر الباب، لا خالص من تلك اللعنة تستطيع التظاهر بالتخطي و عدم الاهتمام ولكنك ستظل ما بينك وبين نفسك تعلم أن هناك اشياء لن ترحل الا برحيلك أنت شخصيا، يرحل طلال عن مارييل ويعود دون سبب،يتزوج بليغ وردة و يطلقها ولكن يظل يحب ظلها علي الأرض ومع ذلك لم يرحل طلال أو سليمان أو بليغ عن تلك العلاقات التي تسحب روحهم هناك من قدر علي الثبات وهناك من أنسحبت أرواحهم وهناك من صرخوا بعلوا أصواتهم و كسروا أرواحهم ولعنوا الحب ولكنهم ظلوا يحبون.

لا نوم ولا دمع فى عينيا .. ما خلاش الفراق فيا
نسيت النوم واحلامه .. نسيت لياليه و ايامه
وبين الليل و آلامه .. و بين الخوف و اوهامه
بخاف عليك .. و بخاف تنساني
والشوق اليك .. على طول صحاني
غلبني الشوق و غلبّني
وليل البعد دوبني
دوبني
ومهما السهد حيرني
ومهما الشوق سهرني
لاطول بعدك يغيرني
ولا الايام بتبعدني
بعيد عنك

بعيد عنك،ام كلثوم
كلمات: مأمون الشناوى
ألحان: بليغ حمدى
غنا: ام كلثوم
انتاج: 1965

يحاول طلال أن يتدبر ف يذكر نفسه بذلك طوال الوقت " فتدبر" ذكرت 19 مرة حسب ما أحصيت ولكنه لم يستطع التدبر.
لحن بليغ تلك الأغنية وجعل من أم كلثوم مرسال خفي ل وردة.

-3-
لم يحب طلال السياسة ولا بليغ كل منهم لم يهتف للأي نظام فقط يعلمون أن يحبون البلد لسبب مجهول ولكن ربما البلد لا تبادلهم نفس المشاعر ف أنت أن لم تختار جانب سيختارون لك وستحاسب علي هذا الأختيار ولكن لكل أختيار ثمن حتي وأن لم تقم بأي أختيار! ستدفعه من عملك من روحك من شغفك لابد من ثمن، حاول طلال تجنب دفع الثمن ف دفعه مضاعف و حاول بليغ أن لا يختار ف لم يجد من يحنو عليه وقت ما أحتاج الدعم.

عدّى النهار..
و المغربية جايّة
تتخفّى ورا ضهر الشجر..
و عشان نتوه في السكة..
شالِت من ليالينا القمر!..
عبد الحليم حافظ
تاريخ الإصدار1967
عبد الرحمن الأبنودي
تلحين بليغ حمدي

-4-
ولكن هل تستحق النتيجة ما تم دفعه؟ مثل تلك الاسئلة ليس له إجابة واضحة و نهائية ستضطر أن تمشي مع طلال فيصل في رحلته و تري من وجهة نظر بليغ الأمور ل تستطيع الحكم علي مثل تلك الاسئلة.

طلال و بليغ لم يكونوا ملائكة كانوا يرون الحياة ب منظور يحاول أن يكون إيجابي أو مريح منهم قضي نحبه ومنهم من ينتظر!
لم يكن يعلم طلال وهو يحفظ القرآن أن بليغ كان يجده شئ ساحر بسبب إيقاعه،لم يكن يعلم طلال أن تركه لكل شئ وراءه ربما يكون سبب في خسارة ما حسبه لم يعد موجود،حاول بليغ أن يحافظ علي صورته التي كانت دائما تتصدر أغلفة المجلات ب ابتسامة لطيفة و بسمعة أنه يعيش حياته دون هموم وقرر الأختلاء بتلك الهموم لتكون هي الصديق الحقيقي له بينما الموسيقي هي كانت المسكنات التي يتناولها ل روحه المعذبة، رحلة بليغ المولع بالهوانم لم تكن هينة ولكنه لم يندم علي خوضها ابداَ.

في النهاية أنهي كلامي علي اجواء الرواية ب مقتطف علي لسان بليغ حمدي
"لكن لوحدي ازاي؟ معايا النغمة الحلوة، معايا رحمة ربنا، ومعايا طيف المحبوب القاسي. ستنساني يا حبيبي ولن أنساك. لكني لست غاضبا. المحب لا يغضب. ستناسني و سأذكرك. ستسمر الحياة بدوني. ولكن حين أموت وحدي، أجمعي حروف اسمي الأربعة، وضعي 4 وردات يا وردتي - ياوردة الحب الصافي - علي قبري. و أذكري أعمي من العميان عاش ومات بلا معني. أعمي عاش وحيدا ومات وحيداَ، بلا أنيس ولا جليس، غير حبك المجنون."
-------------------------------------------------------------

أعتمد طلال فيصل - المؤلف - علي السرد المتوازي المحبب له و الذي يجعله قادر علي حرية التنقل ما بين عوالمه المختلفة،هنا فصل الأمور أكثر و أكثر أصبح لدينا سرد متوازي بداخل سرد متوازي! قصة بداخل القصة متشعب منها قصص ولكنك لا تتوهه للحظة ولا تختلط عليك الشخصيات أو الاحداث،لكل عالم شخصيته، ولكل شخصية طباع محددة واضحة تتعرف عليهم منذ البداية وتتعرف علي اختلافتهم،هنا تحرر طلال فيصل من الكثير و الكثير من الضغوط الوهمية ل يضع كل ما بداخله وكل ما يراه بصورة واضحة ف السباب متواجد عندما يكون طبيعي غير مقحم أو لمجرد التفاخر، تناول الشخصيات الفرعية تطور بشدة حتي و أن ذكر انه مهمش ولكن الحقيقة لولا الشخصيات الفرعية كانت بمثل تلك القوة في البناء لما كنت قادر علي هضم الكثير من ما كان يحدث.

تعليقي الوحيد يتحدد في فصل بليغ
المعلومات التي به قدمت بشكل متكرر، جري ذكرها في فصل طلال مواقف كثيرة تم حكيها
الفكرة ليست في التكرار بعض المواقف المكررة كانت تحكي من وجهة نظر الشخصية "بليغ" ولكن قصدت المواقف التي تكررت كما هي دون زيادة أو نقصان، فصل بليغ هو أفضل جزء كتبه طلال فيصل حتي الآن في مجمل أعماله بالنسبة لي،أختياره ل فكرة القصاصات جعلت من استرساله أمر متوافق بشدة مع شخصية عبثية مثل بليغ حمدي، في الغالب هذا الفصل هي أفكار طلال فيصل عن بليغ رؤيته كيف يتكلم أو يتعامل بليغ مع الأمور تم كتابتها بشكل مستقل و تجميعها ليكون فصل ليس له خط زمني محدد ولا الغرض منه غير هدية للقأري و أشتغالة محببة من طلال تجعل عقلك يفكر هل تلك القصاصات حقيقة؟ ام تأليف؟
مخاطرة طلال فيصل مستمرة بسبب حكم عملي في مكتبة لبيع الكتب و الروايات وعند ترشيحي أعمال طلال كنت أكرر دائما تلك ليست سيرة ذاتية أقسم بالله! والآن لن يصدقني أحد ابدا!
ومع كامل قناعتي ب أن الفصل مميز للغاية ولكن كنت أري أن كان تم توزيعه مع فصل طلال بالتوازي مع قصة طلال نفسها كان الأمر سيكون مثالي - ربما - لكي لا نقع في التكرار.

غير ذلك لم أري غير نضوج كبير للكاتب و تطور أسلوب حقيقي، تلك منقطة لم يسبق بشكل كبير وحقيقي الدخول بها ربما للأحداث خيالية بالكامل ولكن عن شخصيات حقيقة و لها أسمها في ظل بلاد بالنسبة لها السيرة الذاتية عبارة عن ملائكة تنقل الوحي، فهو شئ يحسب ل طلال فيصل، وعلي المستوي الأدبي و اللغة الرواية تعتبر عمل بديع لا يتفاخر ولا يحاول أن يستعرض أمامك أي شئ وهذا ليس موجود بكثرة.

في النهاية لا أجد أفضل من كلمات و ألحان بليغ للختام.

"أمطار الشتاء بتطفى كل ده
والقلب الحزين بين ليلة ويوم
يدوب من الأنين
حبيبى
ضحكتنا بكى قسمتنا كده
تهدينا السنين أيام الهموم
ونموت عطشانين
ونصبح ذكريات مجرد ذكريات
مجرد غنوة حلوة من ضمن الأغنيات
حبيبى"