ŷ������

اول لما قرأت عنوان الرواية "أرض النفاق" افتكرت رواية 1984 لجورج اوريل.. أوجه التشابه أن الرواية ديستوبية جدا لكن بواقعية مفزعة مصر فعلا بقت بلد الخبث والخبائث.. و أنها اتكتبت عام 1949 لكن بتعبر عن كل تفصيلة صغيرة في حياتنا بعد 68 سنه بكل صدق و من غير ذرة مبالغة..
اشمعنا أرض النفاق؟ ليه مش أرض الكذب مثلا؟ لما فكرت لقيت اننا بنعمل كل حاجه غلط من كذب وظلم وخداع وغش وسرقة و رشوة وممكن قتل عشان نرضى الأسياد و الزعماء ونحصل على مرادنا منهم.. في النهاية النفاق هو الكفر الأصغر..

اول مرة اقرأ رواية واحس فعلا اني عايزة اقرأها تاني و أول رواية تسيطر عليا وترضيني من جميع النواحي واقدر اديها 5 ستارز..
استغربت جدا لما اهدي الكتاب لنفسه بس حسيت بصدق الفكرة واقتناعه التام بأهمية خلع كل الاقنعه وجرئته في الاعتراف انه احب الاشخاص إليه و انه يعشق نفسه بجنون لكن رغبته في أنه يقدر نفسه ويقدره الناس في حياته وبعد مماته يكتبوا على قبره "هنا يرقد اكبر حمار أضاع عمره في لغو وهذر" أليس في ذلك بعض تناقض؟ واعتراف برغبة الإنسان في تلقي المجاملات والعبارات المرائية المزخرفة. واعتراف بتفضيل الإنسان أن يُخدع الف مرة ولا يكتشف انه خُدع ولو لمرة واحدة..!

يوسف السباعي.. انت كنت فين من زمان يا راجل؟! ..
يوسف السباعي قال إنه مابيقدمش موعظة وبيكره الوعظ والإرشاد لكن الرواية عكس كدا تماما .. الرواية بتنتقد و بتبرز معتقدات غلط و بتحل سوء الفهم عن حاجات كتيير.. اتعلمت منها اللي لا يمكن انساه طول عمري..

قضية الرواية هي نفاق أو لا نفاق؟
ما مدى قدرة الإنسان على أن يستطيع أن يرى كل عوراته.. وما مدى قدرة المجتمع علي احتمال كل هذه الصراحة..؟ هل تتخيل أن تقف أمام مديرك و صديقك وحبيبك دون رياء أو مجاملة؟
أن تتكلم دون فلتر وان تستغني عن المقدمات.. ان تعرض أفكارك بلا مونتاج و يصبح لسانك حاد كنصل السكين!وان تقف أمام عدوك دون أن تركضا ركض الثعالب في منافسة شريفة بلا غش ولا نقاط ضعف مخفية وكل مميزاتكما وعيوبكما واضحة للعيان. .. ان تتوقف عن التظاهر بالأخلاق والخشوع و تعترف انك أفاق كبير ثم تحاول إصلاح ذاتك.. ان تتوقف عن التسبيل بعينيك وقت خطبة الجمعه وتصلي حقا صلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر..؟ ان تقوِّم ولي أمرك كما يقومِّك وان تنتقد السياسيين و ان تضحك من كل قلبك على الشيخ الذي خرج من عمامته ما كان ينهي عنه الناس بكل الخطب المسجوعة وآيات الترغيب والترهيب...!
Impossible mission.. But someone once said that every thing is possible.. The impossible just take longer..

يوسف السباعي.. بهرتني بأسلوبك وطريقة سردك وتعمق في التفاصيل و الدراما الواقعية و وإيمانك الصادق والألفاط والأساليب المستمدة من القرآن و ابيات الشعر اللي دايما ناسي صاحبها وابيات الشعر المبتورة اللي بتيجي في موضعها.. ثقافة شعرية تليق بكاتب حفظ اشعار عمر الخيام في سن صغيرة.. لكن رغم الخلفية العسكرية أتعجبت هوا ليه مانتقدش السياسة العسكرية زي ما انتقد الحياة الاجتماعية و البرلمانية والمدنية..
الرواية خيالية لدرجة واقعية جدا و وواقعية جدا لدرجة خيالية.. لازم تقرأها عشان تفهم انا قصدي ايه..
الرواية اتكلمت عن البيروقراطية وقد ايه انها ظالمة الناس ومعطلة مصالحهم بدل ما تقضيها..
وقضية فلسطين و تفاهة السادة والزعماء. لاحظت أن طول الرواية كان بيوصف المحتل الإسرائيلي ب"بني صهيون" بكل حنق وغيظ وكره على الوضع وعلى الحكام والمسؤولين.. تخيل دلوقتي لو كان عايش و شافهم ماحيين فلسطين من على الخريطة ومسميينها إسرائيل كان عمل ايه؟ بيتهيألي ماكنوش هيضطروا يغتالوه. هوا كان هيموت لوحده من القهر.. و استغربت رأيه في المظاهرات وان كل المتظاهرين بيدمروا الحوانيت و بيعطلوا المصالح.. هتسمع احسن حل لسياسة الدولة عن طريق اقتراح يوسف السباعي العبقري وهو "فصل الحكم عن لعبة الحكم"..

هنا تجد الوجه الآخر للتسول و للصحافة حتى انك بعد الرواية لن تعطي مليما لمتسول لأنك ستتعلم أن الاحساس بالمروءة رائع حقا مادمت وضعتها في المكان الصحيح ولمن يستحقها.. ولن تقرأ الصحف بعد اليوم لأنك ستعرف انها لعبة "أكل عيش" .وان كاتبك الحماسي الرائع لا يجيد شيئا أكثر من الهجاء الا المدح الذي دُفِع ثمنه سلفاً.. و اقتنعت جدا بفكرة تنظيم النسل و ضحكت من قلبي على "فن القذارة"..
وفي آخر نص صفحة الرواية كلنا بقينا بلا نفاق. و مصر بقت يوتوبيا المدينة الافلاطونية الفاضلة..
ماقدرتش اقرأ الرواية دي بعيني.. لكن قرأتها بصوت مسموع تقريبا لأن كل فكرة فيها محتاجة تفكير..
كمية اقتباسات الرواية خلتني اندم اني ماقرأتهاش نسخه ورقية.. كل اقتباس تقريبا عن مقال صغير.. لكن مقال يستحق القراءة على مهل بسرعة السلحفاة وتركيز كبير ونفس لوَّامة ومواجهة صادقة مع النفس.

لكن الفكرة صعبة جدا ومهمة مستحيلة.. انا شخصيا بقدَّر النفاق جدا وشايفاه حاجه كدا زي الحبهان في الشوربة لا غنى عنه في العلاقات الاجتماعية..
تخيل أن ابي بيهزأني مثلا على فعل عملته و يفضل يتكلم عن قد ايه انا غلطانه وانا اتظاهر بقد ايه انا حاسة بالذنب رغم اني لا أكاد اسمع كلمة من كلامه.. تخيل لو صارحته بحقيقة "انه بيأذن في مالطه".. اوه ارجو ان الموقف دا لو حصل مثلا بعد ما اخدت جرعة "روح الأخلاق" الملعونة يحصل في الصيف فالنوم على السلم في الشتاء ليس من هواياتي المفضلة..
بعد الرواية دي هحاول اقلل من نفاقي لكن اعتقد ان دا هيفرض عليا عزلة أبدية وهيخسرني كتير من اصدقائي.. وفقط سأبدو كمجنون بين عقلاء..

"يا أهل النفاق! تلك هي أرضكم، وذلك هو غرسكم، ما فعلت سوى أن طفت بها و عرضت على سبيل العينة بعض ما بها فإن رأيتموه قبيحاً مشوهاً فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم.. لوموا الأصل ولا تلوموا المرآه..
أيها المنافقون.. من كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر"