نزار شهاب الدين's Reviews > محال
محال
by
by

كلما قرأت لزيدان ازداد اقتناعي أنه لا يصلح روائيًا بقدر ما يصلح كاتبًا للنثر الفني أو الفكري. الرواية فن صعب ولا يكفي أن يكون الكاتب ذا لغة جيدة (لا أعد لغة زيدان ممتازة ولا جيدة جدًا بل جيدة) أو يمتلك فكرة ما ليصبح روائيًا. وإذا أردنا الحيادية فلنعرض "روايات" زيدان على معيار مثل نجيب محفوظ، عربيًا، أو كورماك مكارثي، عالميًا، وهذان مجرد مثالين فحسب.
هنا لدى زيدان قصة شبه جاهزة وهذا على إيجابياته له تحديات، فالأحداث أكثرها معروف خاصة النهاية، مما يجعل مهمة الكاتب في الحفاظ على انتباه القارئ أصعب. ليحقق ذلك، لجأ زيدان إلى إدخال تفاصيل من حياة المصور السوداني سامي الحاج المهنية والعاطفية، وإن كنت لا أعرف هل هي معلومات حقيقية مستقاة من البحث أم إضافات من خيال الكاتب. لكني أرى تفصيلة مثل علاقته بنورا وتطوراتها مقحمة، وسأعود إلى هذا لاحقًا. هذه التفاصيل شملت أيضًا أحداثًا هامة مثل حادثة الدير البحري واختطاف الكيخيا لكن السؤال، هل أضافت هذه التفاصيل حقًا إلى عنصر التوتر في الرواية؟ في رأيي أنها لم تفعل، لأن دور البطل فيها كان دور المشاهد من بعيد، رغم أن الليبي المسؤول عن اختطاف الكيخيا هو من اختطف منه "نورا" حبيبته الإسكندرية، إلا أننا لم نر مواجهة مباشرة بين الاثنين. أتخيل مثلا كيف كان التوتر سيزيد لو تطرق الأمر إلى معرفة الليبي بأمر البطل ومحاولته التخلص منه مثلا.
في الواقع، الناظر إلى منحنى الصراع في الرواية يجد شيئًا أشبه بالظاهرة السلبية العامة لدى زيدان وكثير من الروائيين العرب: غياب الصراع الحقيقي. أصدق وأؤمن على قول من قال إن الدراما هي الصراع. لكننا نجد في "محال" الصراع يظهر على استحياء في مشاهد ثم ما يلبث أن يخبو. تظهر المشكلة وتحل في نفس الفصل وأحيانًا في نفس المشهد. بينما في روايات أكثر إحكامًا نجد الصراع يتنامى والحبكة تتعقد حتى تخطف أنفاس القارئ وتتركه عند نهاية الفصل معلقًا لا يملك إلا أن يبدأ الفصل التالي.
لو نظرنا إلى الخامة المتاحة لزيدان لرأينا كم "الفرص الضائعة" لخلق صراع شديد التوتر والتعقيد على أكثر من مستوى:
- المخابرات الليبية
- أحداث الدير البحري
- أسامة بن لادن/طالبان
- حرب الصومال
- أوزباكستان/طاجيكستان
- قناة الجزيرة وحرب أفغانستان
فماذا فعل زيدان بكل هذا؟
- المخابرات الليبية: اقتصر الأمر على اضطرار حبيبته للزواج من ضابط المخابرات لمرض أبيها، ولم نجد أي تأثير للمخابرات الليبية وسطوة هذا الضابط على نورا أو البطل بل صار المال هو المتحكم. ولو استبدل زيدان بالضابط أحد أثرياء الخليج لما شعرنا بفرق.
- الدير البحري: سمع عنها البطل من خلال الهاتف، لكنه - للأمانة - حاول إبهارنا ببعض المعلومات الإضافية عن الحادثة والتي كشفت للجميع في ما بعد. شكرًا!
- أسامة بن لادن: عرفه البطل في السودان فاعلاً للخير وانتهى الأمر. لم نره مقحمًا في المعركة التي تمت بالسلاح بين أنصار ابن لادن وأعدائه (كان البطل خارج السودان للأسف، معذرة) ولم نره يقابله في أفغانستان (اضطر للخروج بسرعة بعد عدة أيام، ظروف!)
- رغم علاقته بأحد من سافروا للجهاد في الصومال إلا أنه لم يصبه من ذلك إلا تحقيق مع أمن الدولة وعدم تجديد تصريح العمل.
- أوزباكستان/طاجيكستان: دخل البطل أوزباكستان وحكى لنا عن بعض الآثار تناول العشاء في نادي تعري لكنه ولله الحمد لم يصبه من الصراع القائم - الذي كان يغذيه بنقل الأموال - خدش واحد ولم يتم الزج به في أية معارك أو شبهات عن اغتيال أحمد شاه مسعود مثلا بل جاءه التحذير لينجو في الوقت المناسب.
- قناة الجزيرة وحرب أفغانستان: اقتصر الأمر على ليلة أو ليلتين من القصف ثم خرج من البلاد إلى باكستان
إن كان الكاتب لم يصرح باسم البطل حتى يجعل الأمر مفتوحًا ولا يربطه بوقائع معينة، وإن كان قد أضاف تفاصيل داخلية من عنده (لا أظن سامي الحاج باح له بغرامياته في الإسكندرية) فلماذا لم يستغل كل هذه العوامل المفجرة للصراعات والتي كانت كفيلة بخلق رواية أكثر ثراء بعشرات المرات؟ إنه الكسل في رأيي. الكسل عن خلق أفكار للعقد وأفكار للخروج منها. هذا الكسل الذي منحنا رواية مخففة منزوعة الدسم، واللبن، ببطل أقرب إلى الراصد أو المشاهد الخارجي منه إلى المشارك.
نأتي إلى الشخصيات. لا جديد. نفس الشخصيات النمطية التي يمكنك أن تفتح أي كتاب لتجدها وتأخذها جاهزة. شخصيات ذات بعد واحد كشخصيات أفلام الحركة الأميريكية الرخيصة لا دور لها إلا اتباع خط الأحدث، على فقره.
وكأن الرواية كانت بحاجة إلى نقطة سلبية إضافية فأضاف لها زيدان الحوار العامي غير مفهوم السبب في رأيي مع قدرته على كتابة حوار فصيح بسيط كانت له إرهاصة في عبارة البطل:
"السمك سخن ولذيذ"
مستخدمًا "سخن" الفصيحة على شهرتها كلفظة عامية. لم يضف الحوار العامي إلى العمل شيئًا (شخصيًا أنا مع الرأي القائل إن الحوار لا يجب أن يكون مشابهًا في حقيقته للغة المتكلم بل مشابهًا
في الشكل
Semblance not resemblance
لأن الرواية في أصلها ليست نقلاً مطابقًا للواقع، كما أننا إن اشترطنا في الحوار مطابقة الواقع لعجزنا عن قراءة الروايات التاريخية بل وعن كتابتها أصلا لاختلاف لغتها عن لغتنا)
كما أن كثيرًا من الحوار كان داخلاً في السرد، مثل فقالت له إنها لم تفعل كذا فأجابها أنه يفضل كذا، إلخ. (مما أضعف العمل لأن الحوار الجيد يرفع الإيقاع بينما إدغامه بهذه الطريقة يطيل السرد ويبطئ الإيقاع). فما السر في اللجوء إلى الحوار العامي إن كان الحوار زهيدًا أصلا وكان كاتبه قادرًا على صياغته بالفصحى؟
معادلة:
أحداث رواية محال - (ملخص حكاية سامي الحاج المنشورة على الإنترنت + أحدث الدير البحري المعروفة + قصة الكيخيا المعروفة + قصة ابن لادن المعروفة) = نورا والمشاهد الساخنة + مهيرة والمشاهد الساخنة + أوزباكستان ونادي التعري
هل أعطتنا الرواية تفاصيل حقيقية أكثر من هذا؟ ألا يحق لنا التساؤل إذن عن سر كون أكثر "الحشو" جسديًا بهذه الطريقة المقحمة المقززة؟ صحيح أن تفاصيل المشاهد الساخنة لم تصل إلى وقاحة عزازيل، لكن يظل التساؤل قائمًا: لماذا؟ وتظل شبهة التوابل المعتادة أو الهوس بهذه التفاصيل، بعد ثلاث روايات، أكثر إلحاحًا. الغريب أننا هنا بإزاء بطل رسمه لنا المؤلف ذا تدين وورع، لا يقع في الزنا رغم كثرته وسهولته في مهنته في الإرشاد السياحي، ويردد حديث "سبعة يظلهم الله في ظله" الذي لا يعرف منه إلا "وشاب دعته امرأة..." (ولنا عليه تعليق لاحقًا) ويقرأ من سورة النور ويتساءل عن كونها، من آيتها الثانية، تتكلم عن الزنا رغم اسمها (النور). توقعت أن يكون لهذا التساؤل جواب فيما بعد (قلت لعله تعلم التأسيس أخيرًا) واستبشرت حين وجدت اسم حبيبته "نورا" ظنًا أنها إشارة لاسم السورة، ثم.. لا شيء! الشاب الورع انهار مع أول قبلة، ولم يعان للحظة من الصراع تجاه الزنا بنورا، ولا قلل هذا من شأنها في نظره. نفس التناقض المستفز الذي رأيناه في شخصية هيبا الذي انهار أمام المرأتين اللتين عرفهما ووقع في الزنا دون لحظة تردد. ثم تأتي قمة الاستفزاز حين يقول عن علاقته بنورا: "ذنب عوقب عليه وعوقبت عليه من دون أن يقترفاه"! هذا الشاب الورع، بعد كل هذا، لم يرَ في ما فعل ذنبًا يعاقب عليه هو وصديقته الزانية.
لافتات:
- قتلوا بعضهم بعضًا: خطأ لغوي لا يصدر عن زيدان بكل اعتنائه باللغة. الصواب هو: قتل بعضهم بعضًا.
ومن الأخطاء اللغوية الأخرى:
سنارة، صوابها صنارة بكسر الصاد والنون المخففة؛ شواط وصوابها شياط، وهي فصيحة.
- لم تعجبني النصوص التي أطلق عليها زيدان وصف "الشعر" في روايته. جاءت شديدة التكلف من جهة، كما أنها كنصوص نثرية تفتقر إلى التبرير في ظل ما أورده عن شخصية البطل المشبع بالشعر الغنائي النوبي.
- يقول على لسان الشيخ نقطة "وإذا جاءكم فاسق بنبأ"! الآية الصحيحة هي:"إن جاءكم فاسق بنبأ"
- يقول في موضع: "إن الله محير" سبحانه وتعالى عن ذلك. أما كان باستطاعته أن يقول: "إن حكمة الله تعلو على الأفهام" فيتجنب سوء الأدب مع الله؟
- وجدت في أخبار نورا الساخرة التي كانت تكتبها لصحيفتها التخيلية تظرفًا أشبه بتظرف تلاميذ المرحلة الابتدائية!
- في حوار بين البطل ونورا عن حديث "سبعة يظلهم الله في ظله" علقت بأن السبعة من الرجال فأين نصيب النساء؟ وترك الكاتب السؤال معلقًا دون أن يطرح له إجابة، وهو ما أراه سببًا محتملا لفتنة، بمعنى أن السؤال قد يقع في نفس قارئ فيرى فيه غبنًا للنساء والعياذ بالله. ألم يكن باستطاعة البطل أن يسأل شيوخه ويرد على السؤال، مثلا؟ لماذا لم يبين زيدان، مثلا، أن الكلام عن الرجل لا ينفي الكلام عن المرأة وأن المواطن التي لا تصلح إلا للرجال في الحديث هي مواطن أعفيت فيها النساء من الابتلاء (رجل معلق قلبه بالمساجد: ليس على النساء واجب شهود الصلاة في المسجد؛ إمام عادل: الأصل أن تكون الإمامة للرجال؛ رجل دعته امرأة ذات مال وجمال: معروف أن الفتنة لا تستوي في الجانبين وأن الابتلاء هنا على الرجل أصعب، وإن كان لا ينفي أن تعرض المرأة لموقف مماثل له ثوابه المذكور في مواضع أخرى... إلخ.) وأن هذا الحديث ليس كل الإسلام ولا كل الثواب بل للمرأة ثواب ذكر في مواضع أخرى وهو أعلى من الرجل أحيانًا، كفضل الأم على الأب (ردودي هنا من اجتهادي الشخصي، ولا بد أن لأهل العلم ردودًا أفضل وأعمق)
- فتنة مشابهة جاءت في كلام سهيل عن الخمر وأنها غير محرمة لأسباب، رغم سذاجتها، فتنت أناسًا من قبل ولم يكلف الكاتب نفسه الرد على لسان بطله أو غيره.
- ككاتب ينعى فقر الروائيين للبحث المطلوب لكتابة رواية، وككاتب حريص على دقة الكلمات عربية كانت أم أجنبية وعلى تعليم قارئه أصول هذه الكلمات (بأسلوب المرشد السياحي أحيانًا، كما فعل مع "أوزباكستان")، لم أتوقع أن يقع في الخطأ الشائع بكتابة "كلاشينكوف" (بياء قبل النون) بدلا من "كلاشنيكوف" (بنون قبل الياء) كما هو الهجاء الصحيح لاسم الروسي مخترع السلاح
Kalashnikov
وللرد على حجة الخطأ المطبعي فقد ظهرت الكلمة عدة مرات بهذا الهجاء.
- لم أكن أعرف أنهم يقولون في أوزباكستان "حرمًا" بعد الصلاة وهو القول الذي لا أصل له شرعًا ولم أره بين المسلمين خارج مصر أو بين المسلمين من غير المصريين. أتمنى أن يكون زيدان قد بحث في هذا الأمر كعادته في تحري الدقة.
- ولم أكن أعرف، وهو الأدهى، أنه يصح الجمع بين صلاتي العصر والمغرب للمسافر كما قال زيدان إن بطله كان ينوي أن يفعل في أوزباكستان!! (لمن لا يعرف حكم الجمع، فهو يكون بين صلاتي الظهر والعصر أو صلاتي المغرب والعشاء)
هنا لدى زيدان قصة شبه جاهزة وهذا على إيجابياته له تحديات، فالأحداث أكثرها معروف خاصة النهاية، مما يجعل مهمة الكاتب في الحفاظ على انتباه القارئ أصعب. ليحقق ذلك، لجأ زيدان إلى إدخال تفاصيل من حياة المصور السوداني سامي الحاج المهنية والعاطفية، وإن كنت لا أعرف هل هي معلومات حقيقية مستقاة من البحث أم إضافات من خيال الكاتب. لكني أرى تفصيلة مثل علاقته بنورا وتطوراتها مقحمة، وسأعود إلى هذا لاحقًا. هذه التفاصيل شملت أيضًا أحداثًا هامة مثل حادثة الدير البحري واختطاف الكيخيا لكن السؤال، هل أضافت هذه التفاصيل حقًا إلى عنصر التوتر في الرواية؟ في رأيي أنها لم تفعل، لأن دور البطل فيها كان دور المشاهد من بعيد، رغم أن الليبي المسؤول عن اختطاف الكيخيا هو من اختطف منه "نورا" حبيبته الإسكندرية، إلا أننا لم نر مواجهة مباشرة بين الاثنين. أتخيل مثلا كيف كان التوتر سيزيد لو تطرق الأمر إلى معرفة الليبي بأمر البطل ومحاولته التخلص منه مثلا.
في الواقع، الناظر إلى منحنى الصراع في الرواية يجد شيئًا أشبه بالظاهرة السلبية العامة لدى زيدان وكثير من الروائيين العرب: غياب الصراع الحقيقي. أصدق وأؤمن على قول من قال إن الدراما هي الصراع. لكننا نجد في "محال" الصراع يظهر على استحياء في مشاهد ثم ما يلبث أن يخبو. تظهر المشكلة وتحل في نفس الفصل وأحيانًا في نفس المشهد. بينما في روايات أكثر إحكامًا نجد الصراع يتنامى والحبكة تتعقد حتى تخطف أنفاس القارئ وتتركه عند نهاية الفصل معلقًا لا يملك إلا أن يبدأ الفصل التالي.
لو نظرنا إلى الخامة المتاحة لزيدان لرأينا كم "الفرص الضائعة" لخلق صراع شديد التوتر والتعقيد على أكثر من مستوى:
- المخابرات الليبية
- أحداث الدير البحري
- أسامة بن لادن/طالبان
- حرب الصومال
- أوزباكستان/طاجيكستان
- قناة الجزيرة وحرب أفغانستان
فماذا فعل زيدان بكل هذا؟
- المخابرات الليبية: اقتصر الأمر على اضطرار حبيبته للزواج من ضابط المخابرات لمرض أبيها، ولم نجد أي تأثير للمخابرات الليبية وسطوة هذا الضابط على نورا أو البطل بل صار المال هو المتحكم. ولو استبدل زيدان بالضابط أحد أثرياء الخليج لما شعرنا بفرق.
- الدير البحري: سمع عنها البطل من خلال الهاتف، لكنه - للأمانة - حاول إبهارنا ببعض المعلومات الإضافية عن الحادثة والتي كشفت للجميع في ما بعد. شكرًا!
- أسامة بن لادن: عرفه البطل في السودان فاعلاً للخير وانتهى الأمر. لم نره مقحمًا في المعركة التي تمت بالسلاح بين أنصار ابن لادن وأعدائه (كان البطل خارج السودان للأسف، معذرة) ولم نره يقابله في أفغانستان (اضطر للخروج بسرعة بعد عدة أيام، ظروف!)
- رغم علاقته بأحد من سافروا للجهاد في الصومال إلا أنه لم يصبه من ذلك إلا تحقيق مع أمن الدولة وعدم تجديد تصريح العمل.
- أوزباكستان/طاجيكستان: دخل البطل أوزباكستان وحكى لنا عن بعض الآثار تناول العشاء في نادي تعري لكنه ولله الحمد لم يصبه من الصراع القائم - الذي كان يغذيه بنقل الأموال - خدش واحد ولم يتم الزج به في أية معارك أو شبهات عن اغتيال أحمد شاه مسعود مثلا بل جاءه التحذير لينجو في الوقت المناسب.
- قناة الجزيرة وحرب أفغانستان: اقتصر الأمر على ليلة أو ليلتين من القصف ثم خرج من البلاد إلى باكستان
إن كان الكاتب لم يصرح باسم البطل حتى يجعل الأمر مفتوحًا ولا يربطه بوقائع معينة، وإن كان قد أضاف تفاصيل داخلية من عنده (لا أظن سامي الحاج باح له بغرامياته في الإسكندرية) فلماذا لم يستغل كل هذه العوامل المفجرة للصراعات والتي كانت كفيلة بخلق رواية أكثر ثراء بعشرات المرات؟ إنه الكسل في رأيي. الكسل عن خلق أفكار للعقد وأفكار للخروج منها. هذا الكسل الذي منحنا رواية مخففة منزوعة الدسم، واللبن، ببطل أقرب إلى الراصد أو المشاهد الخارجي منه إلى المشارك.
نأتي إلى الشخصيات. لا جديد. نفس الشخصيات النمطية التي يمكنك أن تفتح أي كتاب لتجدها وتأخذها جاهزة. شخصيات ذات بعد واحد كشخصيات أفلام الحركة الأميريكية الرخيصة لا دور لها إلا اتباع خط الأحدث، على فقره.
وكأن الرواية كانت بحاجة إلى نقطة سلبية إضافية فأضاف لها زيدان الحوار العامي غير مفهوم السبب في رأيي مع قدرته على كتابة حوار فصيح بسيط كانت له إرهاصة في عبارة البطل:
"السمك سخن ولذيذ"
مستخدمًا "سخن" الفصيحة على شهرتها كلفظة عامية. لم يضف الحوار العامي إلى العمل شيئًا (شخصيًا أنا مع الرأي القائل إن الحوار لا يجب أن يكون مشابهًا في حقيقته للغة المتكلم بل مشابهًا
في الشكل
Semblance not resemblance
لأن الرواية في أصلها ليست نقلاً مطابقًا للواقع، كما أننا إن اشترطنا في الحوار مطابقة الواقع لعجزنا عن قراءة الروايات التاريخية بل وعن كتابتها أصلا لاختلاف لغتها عن لغتنا)
كما أن كثيرًا من الحوار كان داخلاً في السرد، مثل فقالت له إنها لم تفعل كذا فأجابها أنه يفضل كذا، إلخ. (مما أضعف العمل لأن الحوار الجيد يرفع الإيقاع بينما إدغامه بهذه الطريقة يطيل السرد ويبطئ الإيقاع). فما السر في اللجوء إلى الحوار العامي إن كان الحوار زهيدًا أصلا وكان كاتبه قادرًا على صياغته بالفصحى؟
معادلة:
أحداث رواية محال - (ملخص حكاية سامي الحاج المنشورة على الإنترنت + أحدث الدير البحري المعروفة + قصة الكيخيا المعروفة + قصة ابن لادن المعروفة) = نورا والمشاهد الساخنة + مهيرة والمشاهد الساخنة + أوزباكستان ونادي التعري
هل أعطتنا الرواية تفاصيل حقيقية أكثر من هذا؟ ألا يحق لنا التساؤل إذن عن سر كون أكثر "الحشو" جسديًا بهذه الطريقة المقحمة المقززة؟ صحيح أن تفاصيل المشاهد الساخنة لم تصل إلى وقاحة عزازيل، لكن يظل التساؤل قائمًا: لماذا؟ وتظل شبهة التوابل المعتادة أو الهوس بهذه التفاصيل، بعد ثلاث روايات، أكثر إلحاحًا. الغريب أننا هنا بإزاء بطل رسمه لنا المؤلف ذا تدين وورع، لا يقع في الزنا رغم كثرته وسهولته في مهنته في الإرشاد السياحي، ويردد حديث "سبعة يظلهم الله في ظله" الذي لا يعرف منه إلا "وشاب دعته امرأة..." (ولنا عليه تعليق لاحقًا) ويقرأ من سورة النور ويتساءل عن كونها، من آيتها الثانية، تتكلم عن الزنا رغم اسمها (النور). توقعت أن يكون لهذا التساؤل جواب فيما بعد (قلت لعله تعلم التأسيس أخيرًا) واستبشرت حين وجدت اسم حبيبته "نورا" ظنًا أنها إشارة لاسم السورة، ثم.. لا شيء! الشاب الورع انهار مع أول قبلة، ولم يعان للحظة من الصراع تجاه الزنا بنورا، ولا قلل هذا من شأنها في نظره. نفس التناقض المستفز الذي رأيناه في شخصية هيبا الذي انهار أمام المرأتين اللتين عرفهما ووقع في الزنا دون لحظة تردد. ثم تأتي قمة الاستفزاز حين يقول عن علاقته بنورا: "ذنب عوقب عليه وعوقبت عليه من دون أن يقترفاه"! هذا الشاب الورع، بعد كل هذا، لم يرَ في ما فعل ذنبًا يعاقب عليه هو وصديقته الزانية.
لافتات:
- قتلوا بعضهم بعضًا: خطأ لغوي لا يصدر عن زيدان بكل اعتنائه باللغة. الصواب هو: قتل بعضهم بعضًا.
ومن الأخطاء اللغوية الأخرى:
سنارة، صوابها صنارة بكسر الصاد والنون المخففة؛ شواط وصوابها شياط، وهي فصيحة.
- لم تعجبني النصوص التي أطلق عليها زيدان وصف "الشعر" في روايته. جاءت شديدة التكلف من جهة، كما أنها كنصوص نثرية تفتقر إلى التبرير في ظل ما أورده عن شخصية البطل المشبع بالشعر الغنائي النوبي.
- يقول على لسان الشيخ نقطة "وإذا جاءكم فاسق بنبأ"! الآية الصحيحة هي:"إن جاءكم فاسق بنبأ"
- يقول في موضع: "إن الله محير" سبحانه وتعالى عن ذلك. أما كان باستطاعته أن يقول: "إن حكمة الله تعلو على الأفهام" فيتجنب سوء الأدب مع الله؟
- وجدت في أخبار نورا الساخرة التي كانت تكتبها لصحيفتها التخيلية تظرفًا أشبه بتظرف تلاميذ المرحلة الابتدائية!
- في حوار بين البطل ونورا عن حديث "سبعة يظلهم الله في ظله" علقت بأن السبعة من الرجال فأين نصيب النساء؟ وترك الكاتب السؤال معلقًا دون أن يطرح له إجابة، وهو ما أراه سببًا محتملا لفتنة، بمعنى أن السؤال قد يقع في نفس قارئ فيرى فيه غبنًا للنساء والعياذ بالله. ألم يكن باستطاعة البطل أن يسأل شيوخه ويرد على السؤال، مثلا؟ لماذا لم يبين زيدان، مثلا، أن الكلام عن الرجل لا ينفي الكلام عن المرأة وأن المواطن التي لا تصلح إلا للرجال في الحديث هي مواطن أعفيت فيها النساء من الابتلاء (رجل معلق قلبه بالمساجد: ليس على النساء واجب شهود الصلاة في المسجد؛ إمام عادل: الأصل أن تكون الإمامة للرجال؛ رجل دعته امرأة ذات مال وجمال: معروف أن الفتنة لا تستوي في الجانبين وأن الابتلاء هنا على الرجل أصعب، وإن كان لا ينفي أن تعرض المرأة لموقف مماثل له ثوابه المذكور في مواضع أخرى... إلخ.) وأن هذا الحديث ليس كل الإسلام ولا كل الثواب بل للمرأة ثواب ذكر في مواضع أخرى وهو أعلى من الرجل أحيانًا، كفضل الأم على الأب (ردودي هنا من اجتهادي الشخصي، ولا بد أن لأهل العلم ردودًا أفضل وأعمق)
- فتنة مشابهة جاءت في كلام سهيل عن الخمر وأنها غير محرمة لأسباب، رغم سذاجتها، فتنت أناسًا من قبل ولم يكلف الكاتب نفسه الرد على لسان بطله أو غيره.
- ككاتب ينعى فقر الروائيين للبحث المطلوب لكتابة رواية، وككاتب حريص على دقة الكلمات عربية كانت أم أجنبية وعلى تعليم قارئه أصول هذه الكلمات (بأسلوب المرشد السياحي أحيانًا، كما فعل مع "أوزباكستان")، لم أتوقع أن يقع في الخطأ الشائع بكتابة "كلاشينكوف" (بياء قبل النون) بدلا من "كلاشنيكوف" (بنون قبل الياء) كما هو الهجاء الصحيح لاسم الروسي مخترع السلاح
Kalashnikov
وللرد على حجة الخطأ المطبعي فقد ظهرت الكلمة عدة مرات بهذا الهجاء.
- لم أكن أعرف أنهم يقولون في أوزباكستان "حرمًا" بعد الصلاة وهو القول الذي لا أصل له شرعًا ولم أره بين المسلمين خارج مصر أو بين المسلمين من غير المصريين. أتمنى أن يكون زيدان قد بحث في هذا الأمر كعادته في تحري الدقة.
- ولم أكن أعرف، وهو الأدهى، أنه يصح الجمع بين صلاتي العصر والمغرب للمسافر كما قال زيدان إن بطله كان ينوي أن يفعل في أوزباكستان!! (لمن لا يعرف حكم الجمع، فهو يكون بين صلاتي الظهر والعصر أو صلاتي المغرب والعشاء)
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
محال.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-16 of 16 (16 new)
date
newest »

message 1:
by
إبرايم
(new)
-
rated it 2 stars
Jan 28, 2012 04:06AM

reply
|
flag

يشرفني أن تنشرها يا صديقي، أنا نشرتها بالفعل على الفيس بوك بناءً على نصيحتك

وفعلاً كثير من المواقع توقفت عندها " وصفه لله تعالى "محير
حديث السبعة ، كان بإمكانه الاجابة عليها .
مثل هذه المراجعات تثرينا جداً .
شكراً جزيلاً ..