ŷ

أحمد فؤاد's Reviews > من حديث النفس

من حديث النفس by علي الطنطاوي
Rate this book
Clear rating

by
17142249
's review

it was amazing

هناك من الكتب ما لا ينفع معه تقييم، بل ولا ينفع معه تعقيب أو مُراجعة. كتب تقرأها كي تدعوك للتأمّل، للغرق في لُجّتها دون الرغبة في الإنقاذ. تتماهى مع كاتبها حتى إنك لتشعر بأن الكاتب يتحدّث عنك، بل وقد تتخيّل أنك من كتبت هذه الكلمات في غفلة منك!

لا أدري لماذا تأثرت بهذا الكتاب بشدة، وكأن الكاتب الذي يرثي حاله، كان أيضاً يرثيني؟ هل لأنني أديب أو هكذا يُهيأ لي؟ هذه الأفكار المتصارعة التي تدق في الرأس كطبول معركة لا أعرف طرفيها، وكأنهم تركوا الدنيا وما رحبت كي يتصارعا في عقلي! أم لأنه مَسّ وتر المعضلة التي تدور داخلي بين كشف أسرار حياتي لمشاركة من يقرأني وبين الاحتفاظ بها داخلي فتثقل عليّ، فالأديب ليس كسائر البشر فهو لا يستطيع التسرية عن نفسه إلا بالبوح على الورق. أم لعلّ السبب هو إعجابي بشخصية الكاتب التي اجتمعت فيه ملكة الأدب وحُب الثقافة وعمق الدين وأصل اللغة وفصاحة الأسلوب وخفّة الدم.

رغم أنني ضحكت من قلبي على موقفين في فصلين في الكتاب، إلا أن الكتاب به طاقة عالية من الحزن والشجن، وكيف لا والكاتب يحنّ إلى ماضيه في كل يوم وفي كل مقال يكتبه. هذا التعلّق القوي أشجاني فكيف لا يشجنه؟ حتى شعور الوفاء يؤلمه كما آلمني كلما تذكّر أحد مدرسيه أو أصحابه أو أهله، سوّاء غيّبه الموت عنه أو غيّبته مشاغل الدنيا.

أكاد أشعر بحنينه إلى وطنه بالشام دمشق، يبكي عليها وعلى أيامها وبيوتها وأهلها الطيبين. إن كان هذا حاله فسببه أنها بلدته وفيها قضى طفولته وساح في شوارعها وتعلّم في مدارسها، فما بالي أنا الذي لا أنسى دمشق رغم حداثتها التي بكاها الشيخ؟ فأنا آخر عهدي بدمشق كان منذ عشر سنوات، ولا يكاد يمر اسم الشام حتى يملأني الحنين وأظل أحكي عنها لمن حولي حتى أصابهم الضجر من حكاياتي. فلمّا قرأت ما كتبه الشيخ عن أماكن دمشق، تجسّد الماضي أمامي وتذكّرت تأملاتي على قمّة جبل قاسيون أشاهد من طلّته البهيّة شوارع دمشق، تذكّرت ثانوية مكتب عنبر الذي دخلتها وشاهدتها بأم عيني. مشيت في حارات دمشق القديمة وسحت في أحياءها، أتخيّل في عقلي أنني انتقلت إلى زمن ليس بزمني أستقي من قراءاتي وحكايات الناس معلومات وتفاصيل تجعلني أرى ما قد أخفى الزمن ملامحه عني. بيد أنني لم أكن قد قرأت للشيخ علي الطنطاوي من قبل حينها، فندمت الآن على ذلك فقد كنت فاقداً لعمق تاريخي ثقافي لبلدة هواها فؤادي. لكن كلما ذكر الشيخ مكاناً فيها شعرت بأنني أراه بعيني وكأن حديثه قد استحضر ذكريات الماضي داخلي ليبث فيها الحياة. فهل سكنت دمشق روحي دون دراية مني؟

كل مكان كنت قد ذهبت إليه هناك لا يزال يناديني: باب توما � سوق الحميدية � سوق مدحت باشا � البزورية- الحريقة- ساحة المرجة � مقهى النوفرة- ضريح صلاح الدين الأيوبي وقلعته� حمّام نور الدين الشهيد � حي الأمين � حي الميدان. دخلت بيت من بيوت دمشق القدمية التي حكى عنها الشيخ وأعرف ما يتحدث عنه عندما وصف بيت عمّه في العفيف، والذي بالتأكيد كان أجمل مما قد شاهدته أنا. أما الجامع الأموي � أحد عجائب الإسلام السبعة في العالم � فله في نفسي ذكرى وحنين، وكأن طاقته النفسية التي شعرت بها في أول دخول لي لحرمه قد حلّت بي ولم تتركني.

فكيف بعد كل ذلك ألا يؤثر في هذا الكتاب، وألا يعتريني الشجن والحزن والحنين؟

وما هذه بمراجعة للكتاب، ولكنه تعقيباً لما اعتمل في نفسي بعد أن قرأته.

أما توصيتي... اقرأوا هذا الكتاب بقلوبكم، وتأمّلوا أفكار الكاتب، فهي تكاد تُعبّر عمّا في نفوسنا جميعاً، ولكن باختلاف الأسماء والأماكن والأزمنة.

تقييمي 5 من 5

أحمد فؤاد
24 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read من حديث النفس.
Sign In »

Quotes أحمد Liked

علي الطنطاوي
“مساكين الأدباء، يجلبون فلذات قلوبهم بدموع عيونهم ليقيموا منها تماثيل الأدب، فيأخذها الناس عابثين، وينظرون إليها لاهين، ويعيبونها ظالمين، ثم يملّونها كما يملُّ الصبي لعبته فيرمونها فَيحْطِمونها ويفتّشون عن لعبة جديدة! مساكين الأدباء!”
علي الطنطاوي, من حديث النفس

علي الطنطاوي
“ثم كبرت سني وزاد علمي،فذهبت السكرة وصحّت الفكرة، فرأيت أن صاحب الشهوة الذي يسلك إليها كل سبيل كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر وكلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، ووجدت أن مَن لا يرويه الحلال يقنع به ويصبر عليها لا يرويه الحرام ولو وصل به إلى نساء الأرض جميعاً.”
علي الطنطاوي, من حديث النفس


Reading Progress

January 16, 2019 – Started Reading
January 16, 2019 – Shelved
January 16, 2019 –
12.0%
January 18, 2019 –
30.0%
January 21, 2019 –
65.0%
January 22, 2019 –
80.0%
January 23, 2019 – Finished Reading

Comments Showing 1-6 of 6 (6 new)

dateDown arrow    newest »

message 1: by Mora (new) - added it

Mora Gmal " وكأن الكاتب الذي يرثي حاله، كان أيضاً يرثيني"
يالله علي صدق الكلمات التي كتبها الشيخ علي الطنطاوي والتي توصلنا إلي تلك الجملة التي كتبتها " هل لأنني أديب أو كاتب أو هكذا يُهيئ لي ؟"


أحمد فؤاد Mora wrote: "" وكأن الكاتب الذي يرثي حاله، كان أيضاً يرثيني"
يالله علي صدق الكلمات التي كتبها الشيخ علي الطنطاوي والتي توصلنا إلي تلك الجملة التي كتبتها " هل لأنني أديب أو كاتب أو هكذا يُهيئ لي ؟""


أدخلني هذا الكتاب في حالة نفسيّة شجيّة عجيبة لا تزال آثارها باقية في نفسي حتى اليوم.

كتاب رائع وكلمات الشيخ علي الطنطاوي عذبة لدرجة ،ها أربكتني ما بين لذّة وشجن!

ودّ🌹


message 3: by Lillia (new) - added it

Lillia Gossa علي الطنطاوي رائع ومؤلفاته تستحق ان تكون موجودة في أي مكتبة ..وكما قلت بعض الكتب لا تحتاج تقييم


أحمد فؤاد مرحبًا ليلى 😊

أنا لم أقل أن الكتاب لا يحتاج تقييم، وإنما قلت أن التقييم لن ينفع معه لأنه أصبح ممتزجًا بالنفس وصعُب عليّ تقييمه، لأن التقييم لم يعد مُحايدًا 😊

صدقتِ... مؤلفات علي الطنطاوي رائعة ومريحة للنفس بشكل عجيب.

تحياتي 🌹


message 5: by Heba (new) - added it

Heba مراجعة رائعة تلامس القلب يا أحمد
ومشجعة لقراءة الكتاب ..شكراً لك


أحمد فؤاد كتاب جميل يا هبة، لا بد أن تقرأيه.

شكراً لمروركِ


back to top