ŷ������

"كما يُقال إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر؛ فإن الصدمات والإساءات في الصغر أيضًا تنحت نقوشها على مادة التكوين الليِّنة الطرية التي لم تجف بعد، لذا تبقى آثارها."

هذه كتابة واعية، بيد طبيب خبير بالدهاليز والعلل النفسية، تعرف أقصر وأسرع طريق للوصول إلى عمق النفس، لتقديم الدواء الشافي، لكل نفس تعرض الطفل القديم بداخلها يومًا للإساءة أو الأذى النفسي أو الجسدي من الأبوين، أو من أي فرد من داخل عائلته، أو حتى من خارجها، ومازال الطفل بداخلهم محبوسًا في قفص الخوف وانعدام الثقة، غير قادر على أن يبرح بعدما قصوا جناحيه الضعيفين، وعجزوا عن تقديم أبسط حقوقه واحتياجاته :المحبة.
وكم هو مؤلم ومخزي أن تكون الإساءة من الأبوين، فحقيقة لا أستطيع حتى مجرد تخيل أن تمتد بأذى وبسوء يد أب أو أم لقطعة من روحه!
ولكن للأسف هذا ما يحدث من بعضهم!!

هنا محاولة جادة لمداواة جناحي العصفور الجريح، تمهيدًا لانطلاقه إلى خارج القفص، وبعدها تحليقه معافى من جروح الهجر.
غير أن اتخاذ خطوة التعافي لهؤلاء الضحايا صعبة، وقد تتمثل في ردود أفعال عكسية، بصد وإبعاد كل مَن يحاول أن يلمس مناطق الألم منهم، رغبة منهم في حماية جروحهم، وخوفًا من المزيد من الألم وزيادة رقعته وامتداده، وأيضًا بسبب فقدانهم للثقة في كل مَن يحاول الاقتراب.
الشجاعة منهم هنا خطوة أصيلة وضرورية، شجاعة فتح الملفات القديمة، والسماح بفحص الجراح القديمة، والإيمان التام منهم بأنه :
"كما تتعافى جلودنا من جراحنا، كل ما نحتاجه أن نفتح الجرح وننظفه ونعقمه، ثم أن نثق في أجسادنا فهي تعرف جيدًا كيف تلتئم."

إن أكثر ما يحتاجه شخص حُرم من المحبة والدفء،
هو ما افتقده دائمًا :المحبة.
"تلك المحبة اللا مشروطة تشفي.
تلك المحبة لها قدرة عجيبة على الشفاء، لا يمكنك أن تتخيل ما الذي يمكن أن يحققه إنسان فقط إن شعر بأنه محبوب حبًا غير مشروط."
المحبة المطلقة، الغير المشروطة، العفوية، والمستنيرة، هي أبسط وأغلى ما يمكن أن نقدمه لهم.
تلك المحبة تشفي، فأن تمنح إنسانًا، تأذت روحه، محبتك الخالصة، كأنك تمنحه أملًا جديدًا في أن يحيا من جديد، وأن يستعيد محبته لنفسه. وتستعيد أجنحته سلامتها وقوتها.
ويستعيد قدرته على التحليق. يتحرر من قفص الماضي، ويجد شجرته، ويبني عليها عشه الجديد، حيث ستبدأ حياته الجديدة، ويبدأ أمانه وسلامه الأبدي.

أعتقد أن هذا الكتاب كما هو جدير بأن يقع في يد كل شخص تعرض الطفل بداخله للإساءة، جدير أيضًا أن يقع في يد كل أب وأم لتلافي أخطاء التربية، وليعرفوا مقدار الأذى النفسي، وتراكماته، وآثاره الخطيرة الممتدة، التي قد تقع لأطفالهم، نتيجة لأخطاء التربية المتعمدة أو حتى غير المتعمدة.
ليس هذا فقط، بل بعض الأجزاء منه تصلح بصورة عامة لكل مَن تعرض للإساءة، كأنه جاء متخصصًا وشاملًا في آنٍ واحد.

"أرى الله بقلبي كلما ابتسمت لي عينا أمي، ومد لي صديقي كفه، أرى الله فيمَن أحب، وأعلم أن الله يحبني"... الحلاج.

إلى أبي الذي أحب، رحمه الله.
لم تسئ إليَّ يومًا بل، بفضلٍ ومنة من الله، أحسنت إليّ أبلغ الإحسان، يوم اخترت أن تكون أمي هي أمي، وأماني، وحارسي الأمين، أدامها الله لي...��

14.03.2020