ŷ

إيمان عبد المنعم's Reviews > لن تتكلم لغتي

لن تتكلم لغتي by Abdelfattah Kilito
Rate this book
Clear rating

by
12708367
's review

it was amazing

كما يبدو من العنوان فالأمر متعلق باللغة، الحقيقة معظم كتب كيليطو إن لم تكن كلها متعلقة باللغة، إنه يحتفي بها ويتعمق في أسرارها ويتبحر في دلالاتها بذكاء مدهش وصبر عجيب.
الكتاب عبارة عن تقديم ومقالات سبعة وخاتمة يجمع بينها خيط دقيق، ألا هو العلاقة بين لغتين، بين أدبين، بين ثقافتين، كيف تكون؟
في المقالة الأولى وعنوانها "في المرآة" يواجهنا كيليطو بهذه الحقيقة القاسية: "إن ما تغير جوهريا عندنا في العصر الحديث هو أن عملية القراءة والكتابة مصحوبة حتما بترجمة محتملة، بمحاولة نقل إلى آداب أخرى، وهو ما لم يكن يدور إطلاقا بخلد القدماء الذين لم يكونوا يرون الترجمة إلا داخل الأدب العربي" .
هكذا إذن دار الزمان وانقلبت الموازين وصرنا لا نرى أنفسنا إلا في مرايا الآخرين، فنحاول أن نقيم صلات بين أدبنا القديم وغيره من الآداب الأوروبية رغم أن فارق الزمن لصالحنا ورغم أنه أمر غير منطقي أن ننظر إلى مقامات الهمذاني مثلا كنوع من الرواية التشردية التي ازدهرت في إسبانيا ي القرنين السادس عشر والسابع عشر، أليس العكس هو الأولى بالنظر؟ لكنها سطوة الثقافة السائدة وولع المغلوب بالغالب.
في المقالة الثانية وعنوانها "الترجمان" يستهل كيليطو موضوعه بسؤال مباغت ومربك (كمعظم أسئلته): هل يستطيع المرء أن يمتلك لغتين؟، ثم يتمادى بسؤاله حتى يقول:هل يمتلك المرء لغة من اللغات؟، بالنسبة للجاحظ في كتابه البيان والتبيين فهذا لا يمكن، فكل من يتكلم لغتين لا شك أنه يدخل الضيم على إحداهما، وهو يستثني من ذلك موسى بن سيار الأسواري الذي كان يفسر القرآن بالعربية والفارسية في نفس المجلس، يسترسل كيليطو في ملاحظاته واستطرادته بهذا الشأن استرسالا لا يمكنني الإحاطة به ولا التعبير عنه، إنه ببساطة يجب أن يُقرأ على مهل وتفصيل لتتذوق حلاوته قطرة قطرة، في النهاية يتساءل كيليطو إن كان الجاحظ قد فشل في تأسيس كتاب طول حياته؟ وإن كانت كتبه نوعا من الرواية والنقل الشفوي من الحوار الدائر في المجالس والمأدبات والذي لا ضابط له ولا تسلسل للمعاني؟ اقرأ واعرف بنفسك :))
في المقالة الثالثة وعنوانها "وهم" يضعنا كيليطو في قلب معضلة كبيرة، إلى أين يمكن أن يذهب بنا خطأ في الترجمة؟ إلى أي وهم يمكن أن يقودنا؟، حسب ما أتذكر فقد أشار كيليطو في كتاب سابق(حسب ترتيب قراءاتي) إلى حكاية ابن رشد العجيبة هذه وخطأه في ترجمة كتاب فن الشعر لأرسطو، وربط بينها وبين بورخيس.
هاهنا ملاحظات ثاقبة عن الشعر العربي وعلاقته بالترجمة وأشعار اللغات الأخرى.
في المقالة الرابعة وعنوانها "بين الحركة والسكون"، وهي بالمناسبة من أجمل المقالات وأكثرها جدة وإبداعا بالنسبة لي، يحدثنا كيليطو عن الرحالة ابن بطوطة وطرفا من رحلاته وكيف دون رحلته بعد عودته، وهو في حديثه ذلك يتعمق في فلسفة الحركة والسكون وعلاقة ابن بطوطة بهذه الفلسفة وفهمه لها وتحققه بها.
في المقالة الخامسة وعنوانها "التصاوير" يعود بنا كيليطو إلى العصر الحديث، ويعود بنا كذلك إلى موضوعه المفضل، المواجهة بين الشرق والغرب، بين ثقافة كل منهما وحضارته وتصوراته ورؤيته عن الكون والحياة، ومن خلال رحلة محمد الصفار المغربي إلى فرنسا سنشاهد جانبا من هذه المواجهة، جانبا متعلقا بالصورة والتماثيل وهوس الغرب بها وتركيزه عليها، وهو الهوس الذي انتقل إلينا بطبيعة الحال حتى كدنا ننحبس فيه.
في المقالة السادسة وعنوانها "المنزلة بين المنزلتين" يصف لنا رحلة فارس الشدياق إلى فرنسا لكنه يتناولها من منظور مختلف عن رحلة الصفار السابقة، إنه هنا يتساءل أي قول يتسنى في القرن التاسع عشر لأديب عربي شاهد أوربا ولاحظ البون الشاسع الذي يفصلها عن عالمه المألوف؟ ماذا يبقى له حين يدرك أن ثقافته الأصلية تنتمي إلى الماضي بينما ثقافة الإفرنج مرادفة للحاضر؟، والجواب الذي يقرره كيليطو أن هذا الأديب سينكب على عقد موازنة لا نهائية بين للعالمين، بين الزمانين، سيضع ساقا على ساق وسيستغرق في التفكير في موقعه وموضعه في هذا العالم.
في المقالة السابعة وعنوانها "لا تتكلم لغتي ولن تتكلمها" وهي التي ينسب إليها عنوان الكتاب، يعرض لنا كيليطو ملاحظة غريبة عنه، وهو أنه اكتشف ذات يوم أنه لا يحب أن يتكلم الأجانب لغته، وهو يجمع ملاحظات مماثلة بشأن أناس آخرين ويحاول فهم هذا الشعور الغريب بالارتياب حين نقابل أجنبيا يتقن لغتنا، هل نشعر ساعتها وكأننا فقدنا فردوس لغتنا؟ هل نشعر بالاستلاب والخوف؟.
ثم خاتمة الكتاب وخلاصة أفكاره وأعجوبته، هنا يسلك كيليطو مسلكا مختلفا عن التفكير الشائع بشأن علاقة الثقافة العربية بغيرها، نعود معا إلى قصة ترجمة كتاب فن الشعر لأرسطو والخطأ الفادح الذي ارتكبه "متى بن يونس" حين ترجم التراجيديا والكوميديا بالهجاء والمدح، لقد اعتبر عبد الرحمن بدوي أن هذا الخطأ كلف الثقافة العربية كثيرا وأخرها عن ركب الحضارة، بينما يرى كيليطو أن هذا الخطأ تحديدا أنقذ الأدب العربي من محاولات تقليد الأدب اليوناني والنسج على منواله، لقد ساعد العرب في أن يحتفظوا بهويتهم وتصوراتهم عن أنفسهم، وهو ما يراه كيليطو مكسبا عظيما وأراه أنا كذلك :)).
وبعد،
فكل هذه الثرثرة لا تغني عن قراءة الكتاب شيئا، كل هذه الثرثرة لم أستطع أن أصف فيها ما أشعر به ويتخلل في مسام فكري وروحي عندما أقرأ لكيليطو وأندهش وأبتسم، إنه نسيج وحده، ولعل نظرته المختلفة لتراث الأدب العربي تلك المتشبعة بالحب والانتماء والألفة هي ما أورثته تلك النظرة المتبصرة والنافذة التي تتحفنا بالعجائب وتمدنا بالدهشة، ثمة ملاحظة يضعها كيليطو بين قوسين في مفتتح مقالته الأخيرة، إنه ينقل قولا لأحدهم ويضع بين قوسين (ولكم كنت أود أن أكون أنا صاحب القول)، لقد توقفت عند هذه العبارة وارتبكت مشاعري، دهشت لأنها المرة الأولى تقريبا التي يعبر فيها كيليطو عن مشاعره الخاصة بهذا الشكل البسيط الحميم دون استطراد إلى ملاحظات موضوعية، وتعجبت لأنني لم أتخيل كاتبا في قامته يتمنى أمنية كذلك، هل هو تواضع منه؟ أم أنه أمر طبيعي ووارد ويعرفه كل كاتب؟، وسعدت لأن كاتبي المفضل يتمنى أمنية طالما تمنيتها كلما قرأت ما يمس روحي ويدهش عقلي، حسنا فلأعترف، لكم كنت أود أن أكون أنا صاحبة كل ما قلته يا كيليطو :D
6 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read لن تتكلم لغتي.
Sign In »

Reading Progress

Started Reading
March 25, 2020 – Shelved
March 25, 2020 – Finished Reading

Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)

dateDown arrow    newest »

Shaimaa شيماء أول كتاب أقرأه لكيليطو، فعلا يا من كاتب غير تقليدي والريفيو بتاعك رائع 😍😍😍


إيمان عبد المنعم الحمد لله أنه عجبك يا شيماء 😍


back to top