ŷ

سا السباعي's Reviews > أسفار الفراعين

أسفار الفراعين by عزالدين شكري فشير
Rate this book
Clear rating

by
3660785
's review

liked it

عندما تقف متأملاً أمام لوحة، فأنت قد تفعل لذلك لأحد ثلاثة أسباب؛ إما إعجابك بجمالها الظاهري، أو محاولتك التعمق تحت الطبقات التي أحدثتها ضرباتُ فرشاة الفنان الذي رسمها، واختراق حجب الألوان، في فضول لمعرفة ماذا يريد الرسام أن يخبرك بإظهاره بواعثَ نفسه من مكمنها الأمين لتبصرها، وهنا قد لا تنال هذه المعرفة إلا إذا كنت تسبح مع هذا الرسام في نفس الموجة أو تحلق معه على نفس الجناح. أما السبب الثالث؛ فهو فضولك تجاه بواعث نفسك أنت، التي قد تنجح هذه اللوحة في إظهارها أمام عينيك، تلك المكنونات الداخلية التي أهملتََها تحت وطأة ضغط حياتك اليومية ودورانك المستمر مع الرحى، التي تطحن أجزاءً من نفسك كل يوم، ربما لا تدري حتى أنها موجودة.

وكما قد ينجح الرسام في أن يُنَقِّب داخل نفسك بفرشاته، كذلك قد يفعل الكاتب بقلمه � أو بـ "كي بورد"ه - ! خذ مثلاً رواية "أسفار الفراعين"*، تأمل الاسم؛ الأسفار قد تكون جمع "سِفْر" بكسر السين وسكون الفاء، وهو الكتاب الكبير؛ الكبير حجمًا وثقلاً لكثرة ما كتب فيه، والكبير قيمةً وقدسيةً حيث تسبق الكلمة أسماء أجزاءٍ من الكتب المقدسة كما في العهد القديم. وهذا المعنى قد يعبر عن بعض ما جاء في الرواية، فما عُرف عن الفراعين "أو كما يطلق بالعامية على قدماء المصريين بغض النظر عما إذا كانوا من بيوت الحُكم أو من عامة الشعب"، يملأ مجلداتٍ ضخمة حتى الآن، فما بالك بما لم يُعرف بعد! كما أن عقيدتهم التي تُقدس العديد والعديد من الأشياء، بدءًا من قرص الشمس مرورًا بالنيل وحتى حشرة الجعران، تجعل لنصوصهم قداسةً خاصة، وإن آمنوا وحدهم بها. وكما نستشف من الرواية، فهم لا يزالون ضاربين في القدم، متمسكين أبدًا بأسلوب حياةٍ وردود أفعال لا تؤدي بهم إلى نقطة وصول، بل لمجرد الاستمرار، مهما صدقت نواياهم الحسنة التي تفترش دائمًا طريقهم إلى جهنم!

الكلمة ذاتها في معناها الدارج هي جمع "سَفَر" بفتح السين والباء، التنقل والارتحال، من نقطة بداية إلى نقطة نهاية، وهذا المعنى بالفعل معبَّرٌ عنه بجلاء في الرواية، فجميع أبطالها في حالة ارتحالٍ دائم ، باستخدام جميع الوسائل التقليدية كالطائرة و"الأوتوبيس" و"التاكسي و"المترو" وغير التقليدية ، كالزمن. وعندما يتوقفون عن التنقل فهم يتوقفون فقط لركوب الوسيلة التالية. المشكلة مع الأبطال أنه ليس لأحدهم نقطة نهاية، فهم لا يصلون أبدًا، ونتركهم دائمًا في حالة انتظار! وهنا قد نتساءل عن جدوى الارتحال؟! فيرد علينا كافافيس بقصيدته الرائعة "إيثاكا"** .

ترتحل بك الرواية بين ميدان الجيزة بخصائصه المميزة وشارع الهرم بطوله ونهايته أو بدايته المميزة ، بين مكاتب الوزراء والبيروقراطية الأزلية للموظفين والفساد الإداري المخلوق معهم ضمنًا، بين عربات المترو على خط حلوان- المرج حيث "يسرح" عبد العال بأي شيء يباع نهارًا ثم ينام ليلاً في إحدى العربات بعد دفع المعلوم للشاويش، وبين حوارات المثقفين الذين فقد أحدهم الأمل واستمرأ الاستمرار في فعل لاشيء "لأن الكمون واللعن أسهل من الحركة والمواجهة" حتى يتجمد بينما استمرت الأخرى في فعل أي شيء وكل شيء للنجاة ومقاومة العفن حتى تختفي، بين الجندي المشرف على الموت التائه في صحراء سيناء 67 والهارب إلى الأسر وتمثال الكاتب المصري العائد إلى الحياة والتائه بدوره في شوارع باريس والهارب على الحدود الفرنسية الإيطالية في هجرة غير شرعية إلى الوطن، وتسير بك في شارع السودان وكورنيش النيل حيث ترش الطائراتُ المطهرات لتمنع الموت الزاحف من الانتقال من بولاق الدكرور وامبابة إلى المهندسين والزمالك، ولكن الوباء لا يقرأ العنوان في بطاقتك الشخصية.

تنتقل بدورك بين أبطال الرواية في لقطاتٍ سريعة، حيث لا راوٍ يمسك بيدك ويحكي لك، كلٌّ منهم يعترف طواعيةً ويشهد على نفسه أو معها بمنتهى الصدق. في نهاية الكتاب المطبوع ثلاث صفحاتٍ فارغة، حيث ترك لك الكاتب مساحة لتروي حكايتك بالصدق نفسه، وتكتب شهادتك، لنفسك، أو عليها.
7 likes · flag

Sign into ŷ to see if any of your friends have read أسفار الفراعين.
Sign In »

Reading Progress

Started Reading
September 20, 2012 – Finished Reading
April 2, 2013 – Shelved

Comments Showing 1-5 of 5 (5 new)

dateDown arrow    newest »

Fatmaelzahraa ازيك ياساسو انتى هنا معانا؟؟؟


سا السباعي ازيك يا فاطمة، أيوة، مؤخرًا.


Hoor  Monir حور منير اول مره اشوف تعليق اقوي من الكتاب نفسه، جربتي تكتبي ؟


سا السباعي Hoor wrote: "اول مره اشوف تعليق اقوي من الكتاب نفسه، جربتي تكتبي ؟"

أنا بكتب فعلا يا نور :)


سا السباعي ٍSoha wrote: "Hoor wrote: "اول مره اشوف تعليق اقوي من الكتاب نفسه، جربتي تكتبي ؟"

أنا بكتب فعلا يا نور :)"

آسفة ، يا حور


back to top