ŷ������

“وكانت دراسات سابقة قد كشفت عن أن بعض أنواع النمل قد تلجأ في ظروف الزحام الشديد إلى القوة أحيانًا، في مهمات تشبه عمل شرطة المرور، حيث تُغلِق مخارجَ الأعشاش عند مواضع الازدحام، لإجبار النمل الخارج من العش على البحث عن فتحاتِ خروجٍ بديلة إلى أن يزول الاختناق المروري.

وقد يبدو ما يفعله النمل أقرب كثيرا إلى المنطق السليم، لكن مَن قال إن المنطق وحده هو الذي يحكم سلوك البشر ويقرر دوافعهم؟ فبينما يحرص النمل على توزيع أفراده بالتساوي في "حارات" الطرق (حتى في ظروف الطوارئ)، نعرف جيدا أن البشر يتدافعون كل يوم، وربما دَهَسَ بعضُهم بعضًا وهم يشعرون أو لا يشعرون، خلال مساعيهم المحمومة لقضاء مصالحهم الفردية وتأمين احتياجاتهم الخاصة.”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“مرة أخرى أراهن على قوة صديقي الكاتب أحمد الديب، ورهافته، وغناه الإبداعي. في المرة الأولى، وقبل أن أعرفه أو أراه، لم أتورع عن وصفه بـ "طاغور السكندري" بعد قراءتي لنصوص كتابه القصصي الشفافة الدقيقة العميقة «حكايات بعد النوم».

والآن، باطمئنان تام، أصفه بأنه أحد أهم مبدعي الثقافة الثالثة النادرين في لغتنا العربية، الذين يمتلكون القدرة الخلاقة على دمج ثقافتي العلوم الطبيعية بأطيافها العديدة والعلوم الإنسانية بألوانها الخلابة. يلتقط المدهش من العلم، ويسرده بجمالية أداء الأدب والفن، فينجز نصوصًا تأملية، جذابة وداعية إلى التفكر والتدبر العميقين.

صناعة ثقيلة وعالية التحليق في آن. بالطبع ليست مبذولة للكافة، لكنها ليست مغلقة على الخاصة. هي متاحة لكل ذي قلب سليم، وعقل يفرح بسبك المعرفة والجمال. يا له من إنجاز!”
― محمد المخزنجي, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“أما الكفاح من أجل الحفاظ على النسل فيبلغ أحيانًا مبلغ التضحيات الأسطورية! مثلما نشاهد أنثى أخطبوط الباسيفيك العملاق وهي تحمل بيضها المخصب، وتدور بحثًا عن عرين يصلح مهدًا لصغارها، وضريحًا لها! فالأم -من أجل رعاية بيضها وحمايته- لا تغادر عرينها مطلقًا، حتى من أجل طلب الغذاء، فتتضور جوعًا حتى تهلك في صمتٍ وهي تدرك أنها تضحي بنفسها من أجل غاية أكبر.”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“يتعجب النبي سليمان -عليه السلام- من النملة فيتبسَّم ضاحكًا من قولها، ويتأمل الفيلسوف أرسطو النملَ فيُبدي دهشته من كونه "يعود إلى أعشاشه في خط مستقيم لا تعوق فيه نملة واحدة مسار أختها"، ويتحدث بعض أهل التصوف عن أن مَن يراقب النمل عشرين عامًا يصل إلى الحقيقة. فأيُّ أسرار لانهائية تُخفيها هذه المخلوقات الصغيرة، وتحار فيها تلك العقول الكبيرة؟”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“قد نتصور أن القدرة على استخدام الأدوات هي سمة ينفرد بها الذكاء البشري، لكن المشاهَدات العلمية تؤكد أنها ليست مقصورة على الإنسان وحده، وأنها قد رُصِدت في أنواع المملكة الحيوانية طولًا وعرضًا؛ من الشمبانزي الذي يستخدم الأغصان الحادة المسنونة كرماحٍ لصيد حيوانات الجالاجو الصغيرة والأغصان اللينة الرفيعة لاصطياد النمل الأبيض من فتحات جحوره الضيقة إلى الغوريلات التي تختبر أعماق مياه البِرَك بالعصي وقرود الكبوشي التي تستخدم الصخور الصلبة مثل كسارات البندق وطيور الصرد التي تستعمل الأشواك النباتية أو الصناعية كخطاطيف لتعليق وتمزيق فرائسها وطيور البلشون خضراء الظهر التي تستخدم الحشرات وغيرها كطُعم لاجتذاب الأسماك وصيدها والأخطبوط الذي يتخذ قشور جوز الهند دروعًا والأفيال التي تُلقي الأحجار الكبيرة على السياجات المكهربة لتخريبها عن بُعد!”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“لم يكن المهندس الإنجليزي «هيو لوفتِنج» يريد أن يحكي لأبنائه في خطاباته عن حقيقة أهوال الحرب العالمية الأولى التي كان يخوضها حينذاك، فاختَلق لهم مغامرات خيالية حاول فيها الهروب بصحبتهم من واقع البشرية المرعب إلى واحات عالم الحيوان. وهكذا وُلد بطل الروايات والأفلام «الدكتور دوليتل» الذي هَجَرَ مرضاه من البشر ليتعلم لغات الحيوانات من ببغائه «بولينيزيا»، وليتعلم من الحيوانات الكثيرَ عن طبيعة هذا العالم وتاريخه الحقيقي.”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“ربما لا يبدو تمييز انعكاسِ النفْسِ في المرآة -لنا نحن البشر- أمرًا متطلبًا لذكاءٍ خاص. لكن التقارير البحثية تقول إن القليل جدًا من أنواع الحيوانات (كبعض القرَدة العليا والدلافين والحيتان القاتلة وطيور العَقعق وفيل آسيوي دون غيره!) قد استطاعت اجتياز "اختبار المرآة" الذي تُرسَم فيه بقعة ملوَّنة فوق جسم الحيوان لمراقبة سلوكه عند ملاحظتها في المرآة، ومعرفة إذا ما كان سيحاول تفحُّص الموضع المَوسُوم. بينما فشلَت في هذا الاختبار أنواع عديدة من التي تشتهر بالذكاء، مثل الكلاب والقطط. ومن هنا يُعد تمييز النفس في المرآة علامةً فارقةً على تطوُّر الإدراك والوعي بالذات.”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“وإذا كنا نعتقد أن الوطاويط لا تؤثِّر كثيرًا في حياتنا فنحن في حاجة شديدة إلى إعادة النظر، فأهمية الوطاويط لا تقتصر فقط على كونها تتغذى على الحشرات الضارة (وأخطرها الناموس)، وإنما يؤكد العلماء أيضًا على أن أكثر من 300 نوع من النباتات تعتمد في تكاثُرها ونشر بذورها على الوطاويط. وبجانب كل هذا، كيف لا تؤثر الوطاويط على حياتنا وقد ألهمَتنا شخصية الرجل الوطواط «باتمان» أحد أشهر أبطال عالم الخيال على الإطلاق؟”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“وإذا كان هناك أبطال بقوى خارقة في الحقيقة، فالنمل يستحق اللقب عن جدارة! تستطيع النملة الواحدة رفع أجسامٍ بآلاف أضعاف وزن جسمها. وللنمل حاسة سمع حادة للغاية رغم أنها لا تملك آذانًا مثلنا، لكنها تلتقط بأرجلها أدق الذبذبات من أبعد الأماكن. وهناك أنواع من النمل تمتلك القدرة على بناء الجسور بأجسادها لعبور مسطحات الماء، أو السباحة، أو حتى المشي فوق الماء! يمضي النمل في طريقه مهمَا كانت الظروف. ولا شيء يستطيع الوقوف في وجه النمل!”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات

“للفئران سلوك فطري عند رؤية المفترس، وهو "التجمد" تمامًا في مكانها سعيًا إلى تفادي الرصد، ولكن المثير حقًا للاهتمام هو أن فئران الحقول كانت تتجمد فترات أطول عندما تُبصِر -تحت نور البدر الكامل- الأجساد الشبحية للبوم الأبيض.”
― أحمد الديب, أكوان الحيوان: نظرات في أمم الحيوانات