ŷ

كلمات في الحب

يفكر العلماء كثيرا في العلاقة بين الكائنات، عن الشيء الذي يحدث بين كائن وآخر، عن التآلف والتنافر، كيف يتحقق، وبأي طريقة؟ ربما من البديهي أن العلاقة بين الناس تتضح بوجود لغة مشتركة بينهما، فحين يلتقي إنسان بآخر،


تكون اللغة هي جسر التواصل بين المشاعر، وطريقة التعبير الأقوى عما في داخلنا، لكن ماذا عن حالات الانسجام التي تتم بين اثنين لا يتحدثان اللغة نفسها! ماذا عن حالات الارتياح التي نشعر بها تجاه شخص ما نجده في إحدى صالات الانتظار أو في مجلس أحد الأصدقاء أو في الطائرة مثلا! غابرييل ماركيز الروائي الكولومبي الحائز على جائزة نوبل كتب قصة قصيرة عن امرأة شرقية رآها في المطار، لفتت انتباهه، ثم فوجئ بجلوسها إلى جانبه في الطائرة، كانت امرأة عملية للغاية، وتتحرك بصورة آلية ومحسوبة التوقيت، فمن حين جلست تهيأت للنوم وطلبت عدم إيقاظها، إلى أن وصلت الرحلة بعد ست ساعات، لكنه كان مكتفيا بالجلوس عن يمينها، كان يغط في خياله مستمتعا بحالة الارتياح أو الانسجام أو أيا كان اسمها، كان يعتقد أن ثمة ما يجذبه إليها، لكنه لا يدري سر ذلك، وصلت الرحلة وذهب كل إلى طريقه، ولم تفلح لغات العالم ولا قدرات غابرييل الهائلة في السرد على تطوير أو تجسير هذه العلاقة.


تتعقد المسألة أكثر حين نفكر في العلاقة بين الإنسان والكائنات الأخرى، بين الإنسان والحيوان، من قطط المنزل، أو مختلف أنواع الطيور، أو غيرها، وربما يصل الإنسان لحالة يشعر فيها بالانسجام مع الحيوان أكثر من بني جنسه من الإنسان، وقد تكون هذه العلاقة علاقة تبادلية، وتتعقد المسألة أكثر حين تكون بين الإنسان وبين الكائنات الصامتة، تلك النباتات التي لا يستطيع الإنسان أن يعرف على وجه التحديد ماهية مشاعرها تجاهه، علاقة الإنسان بأرضه، والفلاح بنخلته، والصياد ببحره، وراعي الجبل بأحجاره التي يمر عليها في يومه ذهابا وإيابا. يقترح بعض العلماء أن نفكر في (الحب) بشكل جدي، قد يكون الحب هو العلاقة وهو اللغة التي نتواصل بها، وهو الطاقة التي نفيض بها على بعضنا، يشعر الإنسان بمشاعر غيره تجاهه، وربما يكون هذا هو الشعور الوحيد الذي لا يمكن برهنته علميا والذي لا يخطئ فيه الحدس إلا نادرا، حين تشعر بشعور الحب تجاهك من غيرك أو حين تشعر بتلاشي هذا الحب ممن حولك، عليك أن تثق بهذا الإحساس في أكثر الأوقات. حين تكون مع مجموعة ما فإنك ستشعر إن كنت مقبولا بينهم أو لا، وكلنا جرب ولو في مرة من المرات رغبته في الخروج سريعا من أحد المجالس لشعوره بضغط نفسي هائل لأن ثمة من لا يحب وجوده ولو لم ينطق بذلك، وكلنا جرب تلك المجالس التي نتمنى أن يتلاشى فيها الزمن وتكون خالدة عبر الزمن.

يلاحظ بعض العلماء أن صفة الحب من الصفات الإلهية التبادلية، فقد قال تعالى (يحبهم ويحبونه) والصفات التبادلية قليلة، لذلك يقولون إن صفة الحب هي مركز العلاقة بين العبد وربه، وليس بين المحب والمحبوب قيود ولا سلطة، وبالتالي يكون الدين نابعا من داخلنا، لأن الأوامر والنواهي ستكون جزءا من هذه العلاقة، أما حين يتلاشى الحب فيصبح الدين سلطة خارجية، حينها يتحول الدين إلى قيود نؤديها إما لأجل النجاة فقط، أو لخوف المجتمع، أو حتى نفاقا. هل بإمكان الإنسان أن يكون محبا لكل ما حوله! أن يكون محبا للإنسان والوجود وسائر الكائنات! ربما يكون ذلك سهلا نظريا لكنه صعب من الناحية العلمية، أو على الأقل هو بحاجة إلى رياضة نفسية مستمرة، لكن العجيب حقا هو قدرة الإنسان على الاحتفاظ بقدر كبير من الكراهية لما حوله، كأنه مجبول على ذلك، أو مجبر عليه، من الناس من يكره كل شيء له علاقة به، يكره مدرسته وجامعته، وعمله، ومديره، وجيرانه، وسيارته، وبيته، وأثاثه، وحتى أهل بيته، كأنه يدور في طاقة من الكره لا يحسن الخروج منها، بل تتعجب من بعض العوائل التي تبدأ في كره أصهارها وأنسابها بمجرد الاتفاق على الزواج، وقصص الزوجات والحموات لا تخفى في موروثنا الشعبي. الحب طاقة ولغة وعلاقة، كلما أحببنا من حولنا قل الشر في المجتمع، هذه حالة طبيعية أشعر باطمئنان لها، لكني لا أحب تحويل هذه القناعة إلى حالة ميكانيكية، كإرسال طاقة الحب من مكان لآخر لتقليل الشر فيه، بل الشر يقل بالأخذ على يد الظالم، والقصاص منه، الحب قانون لكنه ليس كل القوانين.



 •  0 comments  •  flag
Published on August 01, 2012 07:28
No comments have been added yet.


مصطفى الحسن's Blog

مصطفى الحسن
مصطفى الحسن isn't a ŷ Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مصطفى الحسن's blog with rss.