هذه «القراءات المعاصرة» لجوانب أساسية من تراثنا الفلسفي أنجزها مفكر بارز من مفكري المغرب، مساهمةً منه في المجهود المتواصل على صعيد الفكر العربي المعاصر من أجل اقرار طريقة ملائمة في التعامل مع التراث.
ورغم أن هذه القراءات قد تمت كل واحدة بمعزل عن الأخرى، بمعنى أنه لم يكن هناك ثمة تصور مسبق ينتظمها جميعاً إلا أنها تصدر عن منهج واحد وعن رؤية واحدة حدّد المؤلف اطارهما في المدخل العام للكتاب، مما يجعلها، في الحقيقة، قراءة واحدة.. قراءة تتعدّى مجرد البحث أو الدراسة لأنها تتجاوز البحث الوثائقي والدراسة التحليلية وتقترح تأويلاً يعطي للمقروء معنى يجعله ذا مغزى بالنسبة لبيئته الفكرية ـ الاجتماعية ـ السياسية، وأيضاً بالنسبة إلينا نحن القراء المعاصرين.. إذْ تحاول هذه القراءة أن تجعل المقروء معاصراً لنا على صعيد الفهم والمعقولية.. فجعل المقروء معاصراً لنفسه معناه فصله عنا، وجعله معاصراً لنا معناه وصله بنا.. هذه القراءات تعتمد، إذاً، الفصل والوصل كخطوتين منهجيتين رئيسيتين.. وهنا بالضبط تكمن ميزتها الجوهرية وجدّتها.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أح� أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار�.
هذا هو كتاب الجابري المركزي و أحد أكثر الكتب إثارةً للجدل في الفكر العربيّ الحديث و هنا تبدأ أبجديّات مشروع الجابري و خطوطه العامّة التي بنى عليها كثيراً فيما بعد منهج قراءة التراث من حيث جعله معاصراً لنفسه ثمّ معاصراً لنا , و البحث عن الايديولوجيا وراء الابستمولوجيا , و الحديث عن تبيئة المصطلحات , و باقي خطوط المنهج , مع أبحاث يطبّق بها الجابري هذا المنهج عبر باقي الكتاب , و ما يميّز الجابري عن الكثيرين هو كونه صريحاً يضع منهجه و أهدافه و أدواته امام القارئ , و لا يخفي و لا يستبطن غير الذي يظهر . ما يهمّ الجابري من التراث هو التراث الفلسفي , و البحث عن إشكاليّات كان تختبئ وراء المشاريع الفلسفيّة المختلفة , قائلاً إنّ الابستمولوجيا أسيرة زمانها فقط , وما يهمّنا هو معرفة الدوافع الايديولوجية للاستفادة منها في النهضة الحديثة , هذه الإشكاليّة دائماً هي بين ثنائيّة العقل و النقل , هذا يراه الجابري لدى ابن سينا والفارابي و ابن باجة و ابن طفيل و ابن رشد و حتى ابن خلدون , و يقرأ النصوص من خلالها , بما يمكن أن يلحق هذه القراءة من اختزال و من ليّ أعتاق النصوص في أحيانٍ أخرى ( في حديثه عن ابن خلدون مثلاً ) عدا عن أنّ رؤية مسيرة الفكر العربي من خلال الفلسفة وحدها هي بحدّ ذاتها اختزال , فمعظم هؤلاء الفلاسفة كانوا نخباً معزولة عن مجتمعاتها , ما يجعل تصوير انحدار الثقافة العريبّة و سيطرة الجمود عليها نتيجةً لفلسفة ابن سينا مثلاً , استنتاجاً لا يخلو من الطرافة .. ليس القصد من كلامي أن أقول إنّ هذه الفلسفة لم تكن مؤثّرة , ففي تاريخ الأفكار لا بدّ من مثل هذه الدراسة , ولكن عدا عن أنّ هذه المشاريع التي يرتكز إليها الجابري في استنتاجاته و نماذجه التفسيريّ هي مشاريع انتقائيّة جدّا لتحقّق الصورة التي يريدها مع إهمال المشاريع التي قد لا تحقّق مبتغاه الايديولوجي ( الفصل بين المشرق و المغرب مثلاً ) و هذا مهمّ , فإنّ اختزال الصورة بالجدل الفلسفي وحده بحدّ ذاته كمعيار .. لا يمكن التسليم به إن أردنا أن نأخذ الصورة كاملةً أنا أتكلّم هنا عن الاستنتاجات المتعلّقة بالحضارة و هذا لا ينفي - بل يؤكّد - أهمّية ما قدّمه الجابري , وكم في قراءاته للمشاريع الفلسفيّة المختلفة من فتح لآفاق و أسئلة و جدالات كانت حبيسة قوالب قديمة جافّة قبله , و كم في الكثير من استنتاجاته من ذكاء موحٍ و من إبداع , ما فعله الجابري أنّه أحيا هذه الفلسفة و نقل ( بمنهجه ) ما فيها من اختلافات و فروق و ثراء إلى حيّز الفكر المعاصر , و نفض عنها غبار القدم و التقليد الذي ألصقه بها الخطاب الاستشراقي الذي يريد أن يصوّر هذه الفلسفة كمجرّد ناقل للفلسفة اليونيانيّة , مبيّنا كم في هذه الفلسفة من التعدّد و التجديد و العبقريّة و التفاعل مع بعضها و مع إشكاليّاتها المجتمعيّة . هذا الكتاب يقدّم الكثير حقّا لقارئه , الكثير من المعلومات و الكثير من الآفاق و الكثير من المشاكل و الإشكاليّات التي قد تستفزّه للتعمّق فيها و للاختلاف و طرح منهج بديل أكثر اكتمالاً ... و كم حصل ذلك ولا بدّ من قراءته للمهتمّين بالتراث الفلسفي الإسلامي أو بالفكر العربي المعاصر.
كنت دائما أخشى القراءة للجابري كما كنت اخشى غيره، لا زلت أذكر بعد مقالة لتركي الحمد وحديثه عن نقاش العقل العربي الذي دار بين الجابري وطرابيشي وملاحظة أن هذا الحوار يدور بين مثقفين لا صلة لهم بالواقع بحكم الفجوة الكبيرة في الثقافة التي يمارسها المثقف والثقافة التي يعرفها ويمارسها الإنسان العربي. منذ ذلك الوقت وأنا بين الفضولي والمتردد، إلا أنني قررت كسر هذا التردد مؤخرا عندما قررت الإطلاع على مشروع الجابري مع القرآن، فوجدته يقول بأنه ما أن انتهى من نحن والتراث، إلا وألح له سؤال العقل العربي، وما أن انتهى من نقد العقل العربي، إلا وبدأ بمشروعه القرآني. هنا قررت أن أبدأ من حيث بدأ الجابري في رحلته، والحقيقة أنني لم أندم، والقراءة له فعلا كما وصفت لي، تنتهي من الكتاب وأنت متأكد تماما بأنك لم تعد كما كنت قبل قراءة الكتاب.
في نحن والتراث، يبدأ الجابري بطرح منهجه في التعامل مع التراث، ومن ثم يحاول ممارسته. المشكلة في التعامل مع الجابري تكمن في أنه له آراء كثيرة يتخذها ويدافع عنها بقوة ويفرضها فرضا بأسلوبه، وهذا ما لا يعيب الباحث، بل المشكلة في القارئ الذي يريد أن يتأكد من كل قرار ورأي قرره الجابري عنه مسبقا وهذا ما يتعب القارئ كثيرا. إن إطلاع الجابري الواسع ومصادره الكثيرة بل ومنهجه الذي يحتم عليه إستخدام هذا القدر الكبير من المصادر، هو ما يتعب القارئ. كيف لي أن أعرف أن ما لخّصه الجابري عن ابن سينا مثلا أنه جملة ما قال ابن سينا؟ إن أردت أن أتأكد، سأحتاج لمراجعة التراث مرة أخرى، بالضبط كما فعل طرابيشي وأنا لم أقرأ له، لكنه ذكر في آخر مقالاته بأنه عاد للتراث ليكتب ما كتب في نقد نقد العقل العربي.
هناك أمر صغير ويبدو أنه لم يزعجني أنا فقط كما ذكر هو في هوامش الكتاب، وهو التركيز على وجود فلسفة مشرقية وأخرى غربية. حتى وإن كانت كذلك كما وصفها ابن سينا، وكما قال هو عن المدارس في حران، إلا أن هذا الإبراز الظاهر يثير الشكوك لدى أي قارئ عن مدى تحيز الباحث رحمه الله في قراءة التراث، بل وحتى توظيفه. إلا أن هذا الشك يبقى غير منضبطا حتى يتم الرجوع لكل المصادر وإعادة قراءة التراث من جديد، إما بمحاكمة الجابري بنفس منهجيته وبمدى إلتزامه، أو بالرجوع إليه بسلك منهجية أخرى.
التعامل مع الجابري صعب، ومحير بطريقة محفزة .. لا ألوم طرابيشي على الجهد الذي بذله!
هذا الكتاب هو المقدمة الحقيقية لمشروع "نقد العقل العربي" وتأتي هنا الإشكالية واضحة بين المعرفي "الإيبستمولوجي" والآيديولوجي, فتراثنا الفلسفي قام على نتاج فلسفة أخرى وهذا تتفق عليه كل المؤلفات والرؤى, لكن مايختلف هو التوظيف الآيديولوجي للموروث "اليوناني � الفارسي � الروماني". الجابري يحاول هنا أن يعيد النظر في الموروث بجعله معاصراً لنا ومعاصراً لزمنه في نفس الوقت, بمعنى أن الجابري يريد أن يجّدد في النظرة لتراثنا الفلسفي من خلال فهم المعطيات التاريخية بأبعادها الكاملة والتي أنتجت هذا النوع من الفلسفات داخل الفضاء الإسلامي. فلكلّ خطاب في تراثنا مضامين معرفية "الفلسفة اليونانية في الغالب" ومضامين آيديولوجية وهذا ما يحاول الجابري تسليط الضوء عليه, لأن المؤلفات التي تعاطت مع الفلاسفة الإسلاميين كانت دائماً تتعاطى ايبستمولوجياً مع التراث.تناول بعدها القراءات المعاصرة للتراث, وهي كلها سلفيّة بالمعنى اللغوي للكلمة. فكلها تعود إلى سلف في التراث وتحاول إبرازه وتهميش باقي أجزاء التراث. وبذلك أصبحت تفتقد للموضوعية والتاريخيّة, ولذلك نحتاج إلى عمل قطيعة ليس مع التراث بل مع قطيعة مع الفهم التراثي للتراث
في الفصل الأول يبدأ في التنقل بين الفلاسفة الإسلاميين وإظهار مناطق فلسفتهم وإسهاماتهم, والنقطة التي كان يريد توضيحها الجابري من خلال الخوض السريع بين علماء الشرق والغرب هو أن الفضاء الحضاري للثقافة العربية ينتقل بتموّج من الشرق الى الغرب والعكس على حسب المركزية السيّاسية والدينية
من المشاكل المنهجيّة في قراءة تراثنا هي في الدراسات "الإستشراقية نَفَسَاً" التي تحاول تجزيئ هذا التراث وإعادتها إلى التراثات الخارجيّة وهذه تأتي من مركزية الذات عند الأوروبيين ومن جاراهم من العرب, هذه التي تنظر إلى الفقه والنحو والمنطق والفلسفة كلّ بمعزل عن الآخر مع أنه كان الشخص نفسه فقيهاً ولغوياً وفيلسوفاً وهي نظرة من الأساس غير علميّة لأنها تنظر للواقع كما يريد الدارس ليس كما تقول النصوص, فالقراءة عادة ماتكون قراءة الفكر العربي قراءة يونانية إرجاعيّة
بعدها يبدأ في عرض قراءات لفلاسفة مسلمين مبتدءا بالفارابي, والذي يرى أنه قريب من أرسطو في المنطق ويختلف في المادة المعرفيّة الأخر. وبعد الفارابي إلى ابن سينا والذي يقدم فيه الجابري قراءة جديدة في أن ابن سينا هو مدّشن عصر الإنحطاط في الإسلام من خلال تهميش العقل والمنطق العقلي في الإستدلالات وأنه وجد العذر للخرافات بمحاولة إصباغها مصبغ علميّ, مختلفا بذلك عن جميع الآراء التي سبقت الجابري في قرائتها لابن سينا, على أن ابن سينا كان عقلانيّا في حياته الخاصة بشهادة من عايشه ولكنه كان يتحرك من خلال الآيديولوجية المشرقيّة التي كانت عند الفرس من دون وعي, فكان يعيش وعياً آيديولوجياً مقلوباً
ينتقل بعدها إلى الجزء الأفضل من الكتاب بالنسبة لي وهو فصل "ابن باجة", هذا الفيلسوف القاضي والذي أنتج فلسفة عقلانية متماسكة مهدّت بشكل واضح خروج الفلسفة الرشديّة وإن كانت تتجاوزها مسائل على قلّة المؤلفات الموجودة له. ابن باجة كان فيلسوفاً عقلانيّا ويمزج ثنائية العلم والفلسفة عكس الفلسفة المشرقية والتي كانت "الدين والفلسفة". الجابري يرى أن ابن باجة بعدم تطرقّه لنظريات سينوية كان يقصد بفعل واعي عمل قطيقة معرفيّة مع الفلسفة المشرقية لكي ينتج الفلسفة التي تنفصل عن الدين بشكل علميّ
بعد ذلك ينتقل إلى ابن رشد والجديد في قراءة فلسفته أن ابن رشد عمل قطيعة معرفيّة مع الفلسفة المشرقية وحاول من خلال قراءة مباشرة لأعمال أرسطو في خلق فلسفة عقلانيّة تتجاوز أحيانا أرسطو في الإتفاق مع المنطلقات الإسلامية وليس مع مقدماته. وينتهي الكتاب في طرح قراءة لابن خلدون وما جدّ فيها هو مطالبة الجابري بتجاوز الخلدونية من خلال نقدها ومحاولة استنطاق ماكان من المستحيل التحدث عنه في ذلك الوقت, فهي "المقدمة" على كثر ماتبهرنا فهي تقع بإزدواجية في المنهج "فلسفة التاريخ التأمليّة � فلسفة التاريخ النقدية" والإحادية في الرؤية. مايجب علينا فعله هو أن ننجز ماتبقى من الخلدونية وليس ما أنجزته
الجابري هنا يقول بشكل واضح : "إن القراءة الآيديولوجية الواعية للتراث, أفضل بألف مرة من القراءة الآيديولوجيّة الغير واعية.", مايريد أن ينتهي له الجابري هو محاولة تجديد العقل العربي من خلال إبراز الفلسفة العقلانيّة من داخل تراثنا, مع محاولة نقض الفلسفة الإشراقية وبتلك القراءة يحاول إسقاط تلك الحالات من خلال تبيان مضامينها الآيديولوجية إلى الواقع المعاصر
يقول الجابري أننا لاشك أخذنا الفلسفة اليونانيّة و لكن هو ينظر إلى ابعد من ذلك, بأن الفلاسفة المسلمين أخذوها وبيّئوا المفاهيم اليونانية للعقل المسلم كي تتناسب مع المنظور الإسلامي بحيث انهم أعملوا للمفاهيم تصحيح وليس تشويه. وتساؤلي هنا : إنتاج الفلاسفة المسلمين لم يقبله العقل العربي ولم يتم هضمه,فنرى أن الغزالي وابن تيمية حضروا في العقل العربي وليس ابن رشد والفارابي الذين بقوا وإلى الآن مهمشين في العقل العربي , فأين تكون المشكلة في الفلاسفة المسلمين لأن تكوينهم المعرفي ليس إسلاميّا بالكامل أو في العقل العربي ومكوّناته؟
هذا الكتاب كتب عام 80 وخرج الجابري من الحزب بشكل رسمي عام 81, نرى في هذا الكتاب سطوة فكر الحزب القومي على الجابري من خلال النص والتي تختفي وإن تدريجياً في مشروع نقد العقل العربي
هذا كتاب يمثل ذروة الاطروحات العلمانية و زبدة الأنظار الحداثية للتراث.. وصاحبه ألمعي عميق الضرب في الكتب والأحداث..
رأيت أن مدار الكتاب كان على نسف القراءات المعاصرة للتراث بحجة أنها قراءات غير معاصرة بل أسيرة التراث نفسه.. تصدر من دراستها له من تحيزاتها لتصبح قراءات سلفية لا تاريخية.
و قطب الرحى في المقالات التي يأنلف منها الكتاب وهي بحوث ودراسات عن أبرز فلاسفة العصر الذهبي الإسلامي .. الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد .. ثم ختامها بابن خلدون .. قطب الرحى فيها فكرتان رئيسيتان.
1- بيان الاختلاف بين مدرستين هما مدرسة المشرق ممثلة بابن سينا. وهي القائلة بالجمع بين الدين والفلسفة. ومدرسة المغرب ممثلة بابن رشد والقائلة بفصل الدين عن الفلسفة.
2- بيان أن مدرسة المغرب كانت قمينة بإحداث التقدم و تجاوز الانحطاط الذي كان منذرا الأمة بالهلاك. وان مدرسة المشرق كانت علامة الانحطاط.
من هذا الكتاب تبين نزعة مؤلفه المغاربية من حيث اجتهاده في فصل الفكر المغربي منهجيا و مضمونيا عن الفكر المشرقي .. و عزو التقدم الأوروبي جملة الى الأخذ من مدرسة المغرب. واجتهاده في ادخال ابن خلدون في سلك هذه الحركة المغربية مع كون ابن خلدون أشعري النزعة.
ملاحظاتي على الكتاب أجمعها في قراءة المؤلف المدفوعة بنزعة الفصل هذه التي تتجاوز الاختلاط والتنوع والاندماج في فكر الحضارة الاسلامية ومفكريه.. فهذه نظرة بعيدة عن الموضوعية .. محكومة بالقطيعة الجغرافية .. والقطيعة المعرفية مع الشرق .
نحن والتراث .. من أقوى كتب الجابري على حدة فيها .. مدخل وخمس بحوث وخاتمة تعرض فيها الجابري رحمه الله إلى تاريخ الفلسفة الإسلامية بمدرستيها المشرقية والمغربية. عرض مثل هذا الكتاب أمر غير مجد، فهو لا يرضى بغير قراءته كاملا .. الكتاب دفعني لمراجعة عدة إشكاليات ومفاهيم .. والأهم من ذلك كله أنه دفعني لمراجعة الجابري
الجابري كان مهتما بسؤال النهضة وكان دائم القول أن الحديث عن النهضة يجب أن يرادفه الحديث عن التراث يقصد بالحديث عن التراث هو اصطحاب هذا التراث عملا فيه وتلقيحا, بحثا عن ما هو صالح وما هو طالح, وكيف يمكن أن نوظف هذا ونستبعد هذا. ذلك لأن تيارا كبيرا من المفكرين نادى بأن نترك هذا التراث الاسلامي والعربي.
كان ينادي "بالعقلانية" ويقصد بها أن نعيد قراءة تاريخنا الاسلامي, وهذه القراءة ليست بغرض التشويش عليه, وليس بغرض النقد فقط, ولكن بغرض الوقوف على حقائق هذا التراث, وهذا ما تلخصه عبارته "أن نجعل هذا التراث معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا" كان التراث حاضرا تقريبا في كل كتابات الجابري. قال بأن المشكل الرئيسي في قرائتنا للتراث هو أننا ندمج ذواتنا بذات التراث, وهنا يكمن الهدف الرئيسي للكتاب "الفصل بين الذاتي والموضوعي" في قراءة التراث. فصل القراءات التاريخية في عالمنا العربي الى ثلاث قراءات: ١- الحركة السلفية في الفكر العربي بدأت مع الافغاني ومحمد عبده مع جوهر ولب هو تشجيع وتجديد"وترك التقليد" ولكن التقليد هنا هو "ترك" اي "إلغاء" كل التراث المعرفي والمنهجي والمفهومي المنحدر إلينا من "عصر الانحطاط" والحذر من السقوط "فريسة" الفكر الغربي. أما التجديد فهو بناء مفهوم جديد للدين وعقيدة وشريعة انطلاقا من الاصول, وجعله مناسبا لحاضرنا وعصرنا الحالي. بقول الجابري: التيار السلفي هو قراءة ايدولوجية جدالية, كانت تبرر نفسها عندما كانت آلية دفاع عن الذات والهوية, ولكن العكس حدث: "اصبحت الوسيلة غاية" فالماضي الذي أعيد بناؤه لدافع الارتكاز عليه والنهوض صار هو مشروع النهضة, هكذا اصبح المستقبل يقرأ بواسطة الماضي, ولكن ليس الماضي الذي كما كان "الحقيقي" ولكن الماضي الذي ينبغي أن يكون في نظرهم. ويضيف أن السلفي دائما يحيا بتلك الصورة صورة الماضي الذي كونه, في حالة من الرومانسية, حالة وجدانية مثل تلك التي في الاحلام. يبقى السلفي أسير التراث, لا يستطيع احتواؤه ولكن التراث هو الذي يحتويه.
٢- قراءة الليبرالي العربي الحاضر الغربي الاوروبي يفرض نفسه "كذات" للحاضر العربي وللحاضر الانساني, وبالتالي فأنه "اساس لكل مستقبل. هذا هو التصور الليبرالي. هنا يقول الجابري: بأن الليبرالي العربي ينظر للتراث العربي الاسلامي بنظره اوروبية النزعة, أي انه يرى كل ما يراه الاوروربي ولا يرى ما لا يراه الاوروبي. التراث العربي الاسلامي كان وصله بين الحضارة اليونانية وبين الحضارة الاوروبية القديمة, أي انه في نهضته تلك أستند على ثقافه وتراث اجنبي "الحضارة اليونانية" إذا فأن اي نهضة أسلامية عربية في المستقبل الآني إنما هي مشروطة باستيعاب الحاضر الاوروبي الغربي, هذه هي دعوى "المعاصرة" في الفكر الليبرالي العربي. والخطر كما يقول الجابري هنا ليس فقط انها توصف الحاضر أنه متخلف ولكن بادعائها بأن الماضي ايضا متخلف.
٣- الاشكالية الجدلية الثالثة "اليسارية" في الفكر العربي: وهنا جدلية الموضوع تدور حول مشروعان ١- مشروع الثورة "المستقبل ٢- مشروع بناء التراث "الماضي المشكل عند اليسارية بانها لا تتبنى الجدلية كمنهج للتطبيق انما تتبناه على أنه "منهج مطبق" فأنها تقرأ التراث على نحو أنه يجب ان يكون التراث العربي الاسلامي انعكاسا للصراع الطبقي من جهه وانه صراع بين "المادية" و"المثالية" من جهه أخرى. ومن هنا تصبح مهمة القراءة عند اليسارية إنما هي فقط تحديد المواقع وتعيين اطراف هذا الصراع, من هنا تصبح اليسارية هي سلفية ماركسية.
يعتبر هذا الكتاب أنه تمهيد لمشروع الجابري "نقد العقل العربي" هو وكتابه الثاني "الخطاب العربي المعاصر" ر
في المغرب، غالبا ما تسمى المؤسسات التعليمية، كالثانويات و الجامعات، او المؤسسات الصحية، كالمستشفيات العامة و المصحات الخاصة، بأسماء مثل : ثانوية ابن سينا، مستشفى ابن رشد... اكثر ما يعرفه العامة عن هؤلاء الاشخاص هو اسماءهم. لا أظن أن الكثير يعرف أي زمن عاشوا فيه أو أي مجال علمي ساهموا فيه. حتى أنني رأيت يوما مصحة ابن خلدون. آمل ان لا يكون ذلك ظنا منهم انه كان طبيبا!! يبدو أن بعض الجهات، العامة أو الخاصة، لا تتردد في استعمال هذه الاسماء لإضفاء نوع من الأبهةو الجلال على مؤسساتها، أو لتذكير العامة بماض مخضرم. قد تتعدد الأسباب؟ الدراسة التي يقدمها الدكتور محمد عابد الجابري، تتموقع في قلب هذه الاشكالية. ماذا يجب أن نفعل بتراثنا؟ ما محله من واقعنا المعاصر؟ ما الذي تعنيه مساهمات هؤلاء المفكرين، هل هي أكثر من أسماء جميلة و مجيدة نستعملها لاستحضار الماضي الجميل، لتأكيد الذات أو مغازلة النفس كما يقول الجابري.
في مقدمة الكتاب، يوضح الجابري أن إشكالية التراث تقع ضمن إشكالية أكبر و أعمق، هي إشكالية الفكر العربي ككل، فيحاول تشخيص علله الكثيرة : * غياب الموضوعية : فالذاتي في الفكر العربي هو الموضوعي، إذ لا يستطيع المفكر العربي الخروج من ذاته ليعالج موضوعه، و بالتالي هيمنة الذاتي و الايديولوجي على أي منتوج فكري. الجابري يعرف جيدا أنه لا وجود لقراءة أو تفكير موضوعي خالص، فكل تفكير هو ايديولوجي و يدافع عن إيديولوجيا صاحبه، لكنه يرى أن مستوى الموضوعية في الفكر العربي بعيد كل البعد عن ما يجب أن يكون عليه. إنه يدعو إلى قراءة و لو كانت إيديولوجية، تكون إيديولوجية واعية. فإن إستحالت الموضوعية، فلتكن الإيديولوجية واعية بما تدافع عنه. * اللاتاريخية : إن تاريخ العالم العربي الاسلامي يوجد خارج التاريخ. بمعنى أن كل إنتاجاته، منهاجه و حتى موضوعاته تم وضعها خارج الزمن، فبقيت معلقة هناك، نعود إليها متى أردنا، و نأخذ منها ما شئنا. هل هذا ممكن، هل يوجد شيئ ما، فما بالك بمعرفة ما، خارج التاريخ و الزمن ؟ الأخطر من ذلك، هل القراءة خارج التاريخ قراءة، أم مجرد إستعمال إيديولوجي سياسي يجرد كل مساهمة فكرية من أهم عناصرها و من سياق تكونها و هيكلها الذي بنيت عليه.
و بالتالي، و في إطار إشكالية الفكر العربي عامة، و إشكالية قراءة التراث خاصة، تشكل اللاموضوعية و اللاتاريخية معضلتين أساسيتين, يبني الجابري منهجه على هاتين النقطتين. فأولا، يحاول قراءة و إكتشاف إيديولوجية كل مفكر، عن طريق تحليل الافكار المهيمنة في عصره، لرؤية الهيكل الإيديولوجي وراء كل مشروع فلسفي، و هذا يرتبط إرتباطا وثيقا بالنقطة الثانية، أي وضع هذا المشروع الفلسفي في سياقه التاريخي. هذه المقدمة هي بحد ذاتها مساهمة فكرية هامة من الجابري، إذ نجد فيها ما يلمس الفكر العربي المعاصر كذلك.
إعتمادا على هذا المنهج، ينطلق الجابري في إعادة قراءة لكبار فلاسفة العالم العربي( الايراني) الاسلامي : الفارابي، ابن سينا، ابن باجة، ابن رشد و أخيرا ابن خلدون. الفلسفة العربية (الايرانية) الاسلامية ليست فلسفة بحد ذاتها، إنها قراءة لفلسفة اليونان: أرسطو و أفلاطون، تحت تأثير منظومات فكرية اخرى لا تقل تعقيدا:��لفرس خاصة. من أهم إشكالاتها، و خصوصا في المشرق :الموافقة بين العقل و النقل، أي فلسفة اليونان و الدين الاسلامي. نجد كذلك إشكالية منهج: القياس كما يستعمله النحو و الفقه أمام المنطق الاسطي. كل هذا في سياق تاريخي سياسي و إجتماعي متزعزع و متغير الاحوال. ينطلق الجابري في تحليل معمق و متشعب لكل هذه العوامل من أجل صورة أوضح لتراث أجدادنا، و العلاقة بين فاعليه، وسطه و النتائج التي توصل إليها، إغناء له بإرجاعه إلى تاريخه و تقريبه من حاضرنا.
من هنا بدأ مشروع عابد الجابري .. من أجل معرفة الأسس التي ارتكز عليها محمد عابد الجابري لابد ومن الضروري ا��رجوع إلى هذا المرجع من أجل فهم واضح للعناصر والمبادئ الذي بني عليها مشروع نقد العقل العربي. في هذا الكتاب قراءة جديدة للتراث الفلسفي العربي الإسلامي، يعيد فيه محمد عابد الجابري قراءة النص الفلسفي عند مجموعة من الفلاسفة العرب والناطقين بالعربية ليخلص إلى نتائج عديدة متميزة من بينها الفصل ما بين اللحظة الرشدية (ابن رشد) في المغرب الإسلامي واللحظة السنيوية (ابن سينا) في المشرق الإسلامي. كما اعتبر في هذا الكتاب في مدخله المنهجي الذي يشرح فيه منهجه ورؤيته (فهو يفصل ما بين المنهج والرؤية) أنه من الضروري القيام قبل استثمار التراث الفلسفي في عاصرنا الراهن يجب الاتطلاق من خطوات موضوعية في البداية، أساسها قراءة النص انطلاقا من النص. وقد حدد ثلاث نقط منهجية رئيسية وهي: 1- المعالجة البنيوية 2- التحليل التاريخي 3- المقاربة الأيديولوجية وأهم شيء يركز عليه في مستوى الرؤية هو وحدة الفكر ووحدة الإشكالية عموما، فأهم ما يركز عليه محمد عابد الجابري هو الفصل ما بين المحتوى المعرفي الذي يعتبره قراءة في الفسفة اليوناية، والمضمون الأيديولوجي الذي يعتبره هو العنصر المهم في التراث الفلسفي العربي الإسلامي، فهذا الأخير هو الذي أعطى الحيوية والتنوع للفسفة الإسلامية.
يرى المُفكر المغربي المرحوم محمد عابد الجابري أن الفكر العربي الحديث والمعاصر هو في مجمله فكر لا تاريخي يفتقد إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية، ولذلك كانت قراءته للتراث قراءة سلفية تُنزِّه الماضي وتقدّسه وتستمدّ منه "الحلول" الجاهزة لمشاكل الحاضر والمستقبل. القراءة السّلفية للتراث، حسب الجابري قراءة لا تاريخية، وبالتّالي فلا يمكن لها أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للتراث، هو الفهم التراثي للتراث. هذا الفهم، يجعلنا أمام بساط ممتدّ لا يتحرّك ولا يتموّج ، عبارة عن "زمان راكد" ومن هنا لا تاريخية الفكر العربي. إن العقل الرّاهن يقول عابد الجابري بِنية ساهمت في تشكيلها عناصر متعددة على رأسها أسلوب " الممارسة النظرية" ( النحوية والفقهية والكلامية) التي سادت في عصر الانحطاط، الأسلوب الذي قوامه قياس الغائب على الشاهد بدون مراعاة الشروط التي تجعل هذا القياس منهجاً علمياً. لقد أصبح " القياس" في شكله الميكانيكي ذاك، العنصر اللامتغير ( الثابت) في نشاط بنية العقل العربي، العنصر الذي يُجمّد الزمان ويلغي التطوّر ويجعل الماضي حاضراً باستمرار في الفكر والوجدان ليمدّ الحاضر الغير الحاضر بـ "الحلول" الجاهزة. ينعت مفكرنا الحاضر بالغير الحاضر، كونه مرفوض وحضور الماضي فيه قوي إلى الدرجة التي جعلته يمتدّ إلى المستقبل.
- يُعتبر هذا الكتاب هو بداية وأساس سلسلة نقد العقل العربي للكاتب نفسه.... ويتبع الكاتب في منهجيته لدراسة التراث والفكر العربي الإسلامي ثلاث خطوات، وهي: 1- ضرورة القطيعة (الابيستيمولوجية) مع الفهم التراثي للتراث. 2- فصل المقروء عن القارئ، أي فصل الموضوعية عن الذاتية. 3- وصل القارئ بالمقروء، أي الوصول إلى ما سكت عنه المقروء. والكتاب يتبع رؤية، اي منطلقات قراءة، وهي ثلاث عناصر: 1- وحدة الفكر، وحدة الإشكالية. 2- تاريخية الفكر (الحقل المعرفي (اي المادة المعرفية) والمضمون الأيديولوجي(الوظيفة السياسية والاجتماعية التي يُعطيها صاحب الفكر لتلك المعرفة). 3- كانت الفلسفة الإسلامية؛ قراءات لفلسفة أخرى، وهي الفلسفة اليونانية. - كانت طبيعة الخطاب الفلسفي في الإسلام ووظيفته الاجتماعية - التاريخية في بداية العصر العباسي هي صد الهجومات الغنوصية التي شنتها الارستقراطية الفارسية الموتورة؛ التي ركبت التشيع لآل البيت في ثورتها على الدولة الأموية، بعد أن فشلت في المواجهة السياسية والاجتماعية. وكان سلاح الفلسفة العربية الإسلامية في هذه المواجهة هي استقدام كتب العلم والفلسفة اليونانية (= الروم، خصوم الفرس التقليديين)، عن طريق الترجمة، وتشجيع المعتزلة لمواجهة الغنوصية. هذا التشجيع للمعتزلة أثار غضب أهل السنة؛ خصوم المعتزلة، وحنق الفقهاء النصيين، فقد وجد أهل السنة والفقهاء فرصتهم في الهجوم على علوم الأوائل، والتنديد بالفلسفة غطاءً يسترون به معارضتهم الحانقة للدولة، فكانت على الدولة مواجهة الفقهاء وأهل السنة بجانب الغنوصية. وفي ظل هذه المعركة وانهزام الغنوصية بمبدأ قياس الغائب على الشاهد؛ كمبدأ يتعمد عليه المعتزلة، فقد احتمت الغنوصبة بالتشيع، مجددًا، وقاموا بتوظيف علوم الأوائل هي، أيضًا، (وجانب السحر منها خاصة)، ووظفتها داخل الفكر الشيعي، فكانت الاسماعيلية وكانت رسائل إخوان الصفا، فبرز أهل السنة كقوة ثالثة بديلة، فكان انقلاب السنة على المعتزلة في عهد المتوكل، وتركز الصراع بين معسكر النقل ومعسكر العقل. - المرحلة التالية، تأني بمحاولة أنصار العقل، وأولهم الكندي بمحاولة إقامة نوع من التوازي بين الدين والفلسفة (وقبل ذلك كان مبدأ المعتزلة هو العقل قبل ورود السمع قبل مبدأ التوفيق بين العقل والفلسفة)، بجعلهما يسيران نحو هدف واحد هو الحق، لقد دشن الكندي عملية تعريب الفلسفة وتبيئتها في الصراع الأيديولوجي ضد القوى الرجعية والمحافظة؛ التي لجأت إلى توظيف جديد للغنوصية (=التصوف) والنصية (=الفقه لا الكلام) معًا، رغم تنافرهما. - ثم يأتي الفارابي، بعد الانقلاب السني على المعتزلة، وأثناء الانقلابات البويهية - الحمدانية - الشيعية على أهل السنة، على الخلافات التي أصبحت اسمًا دون مسمى؛ يأتي الفارابي ليُنادي بوحود السلطة واستمرارية الدولة، ومن ورائها وحدة العقل ودوام المجتمع، بإعادة الوحدة إلى الفكر وإلى المجتمع معًا، وبالدعوة إلى تجاوز الخطاب العقلاني المعتزلي، التجريبي- التجزيئي؛ الذي فشل في التوفيق بين العقل والعقل (بسبب دخول منطق استنباطي صارم أرسطوطاليسي جاء مع ترجمة الفلسفة اليونانية؛ تتعارض مع ثوابت البنية الإسلامية التي نسجها علماء الكلام والفقه والنحو)، ونادى بالأخذ بخطاب العقل الكوني؛ وبدمج الفلسفة في الدين، على أساس أن ما في الدين مثالات لما في الفلسفة، ، وبناء العلاقات في المجتمع على أساس من النظام والتراتب الهرمي الشبيه بالنظام والتراتب الهرمي الذي يسود الكون، بمختلف أجزائه، وخرج بذلك بحلمه بالمدينة الفاضلة؛ التي على رأسها، مؤسسها النبي الفيلسوف، ويأتي بعده الرؤساء الثواني؛ الذين لن يكونوا أنبياء، لكن يجب أن يكونوا حكماء فلاسفة، إلى جانب صفاتٍ أخرى؛ تتلخص في العلم بالشرائع والسنن، والقدرة على الاجتهاد واستنباط الأحكام، وأن يكون مستعدًا ببدنه وعدته لحماية البلاد ومباشرة أعمال الحرب، وهم مُطالبون بالحفاظ على شريعة الرئيس الأول، ولكن لهم، أيضًا، أن يُعدّلوا ويُغيروا فيها حسب ما تقتضيه ظروف عصرهم. وإذا صادف أن لا يكون هناك رئيس ثاني حكيمًا؛ يتمتع بالصفات الأخرى، فيمكن جعل الصفة المفقودة في مجموعة أشخاص؛ يُساعدونه على الحكم. - ثم يأتي ابن سينا؛ الذي عاش في فترة بلغ فيها التمزق بالامبراطورية العربية مداه، وفي أحضان إمارات فارسية الموطن والاتجاه، وفي مناخ ثقافي علمي؛ طبعه التنافس بين المشرقيين (أهل خراسان = عشيريته) والمغربيين (أهل العراق والشام ومن يليهم غربًا = خصوم قومه التقليديين)، فقام ابن سينا بتنبي المنظومة الفيضية الفارابية (رافضًا أن تكون مدينة الفارابي الفاضلة مجرد حلم)، ليوظفها في المجتمع والتاريخ، ليتخذ منها قنطرة تنقله إلى السماء، ليحجز هناك لنفسه (دون بدنه) مقعدًا في الدنيا قبل الآخرة. لقد كرس ابن سينا بفلسفته المشرقية اتجاهًا روحانيًا غنوصيًا، محولًا الفلسفة العربية الإسلامية من العقلانية المنفتحة التي حمل لواءها المعتزلة والكندي، وبلغت أوجها مع الفارابي، إلى لا عقلانية، لم يعمل الغزالي والسهرودي وأمثالهما إلا على نشرها وتعميمها. - أما في المغرب العربي الإسلامي (المغرب والأندلس)، فمن أجل حل قضية العقل والعقلانية، قامت هذه الفلسفة بقطيعة مع إشكالية المشارقة، لتتبنى إشكاليتها الخاصة مع بداية الثورة الثقافية التي دسنها ابن تومرت وواصلها خلفاؤه من بعده، ومناداة ابن باجة بالرجوع إلى الأصول؛ إلى مؤلفات أفلاطون وأرسطو، ورفض التقليد (رفض الفلسفية السينيوية)، فجيء بمدينة فاضلة على غرار مدينة الفارابي، ولكن النوابت في مدينة الفارابي (تعني السكان غير الفضلاء= الشوك)، ولا تتم المدينة إلا بإزالتهم، بينما النوابت في مدينة ابن باحجة (تعني السكان الفضلاء= الورد)، ويتكاثرون حتى تُصبح مدينته فضلاء. لقد استعاد ابن باجة حلم ووعي الفارابي، ولكن بروح نقدية (تقوم مدينة ابن باجة على توحد النوابت أي وحدة العقل للوصول إلى العقل المستفاد)، وها هو ابن طفيل يتصدى في قصته (حي ابن يقظان) للكشف عن أسرار الحكمة المشرقية التي ذكرها ابن سينا، بنفس الروح النقدية الواقعية (بعد أن يشرح المذاهب في كيفية نشأة حي ابن يقظان= التوالد الذاتي أو الرأي القائل أنه نتيجة حملٍ من أمه البشرية التي تركته)، مرورًا بنظرة الفلسفة المشرقية للأجرام، وأنها ذات نفس، وضرورة تقليد حركة الأجرام الدائرية، ويختم القصة بفشل الفلسفة المشرقية في تحقيق مشروعها في إنشاء فلسفةٍ يندمج فيها الدين، ثم يُقرر واقعًا، وهو أن لكل من الدين والفلسفة طريقه الخاص، ولكنهما يلتقيان عند الهدف. لقد كانت تكوين المعرفي لابن سينا مكونًأ من 3 عناصر: الفكر الاسماعيلي، وخصوصًا رسائل إخوان الصفا، والثقاقة والمعرفة السامانية. وتراث الفارابي؛ خاصة في فهم كتاب (ما بعد الطبيعة لأرسطو). لقد كان ابن سينا بين تيارين: المشرقيين (= الخراسانيين وهو منهم، وينتصر لهم)، والمغربيين (= البغدادية). ويذهب ابن سينا إلى أن السعادة الحقيقة هي بعودة النفس إلى المحل الأرفع، أي بتحررها من سجن البدن والتحاقها بنفوس الأجرام السماوية (لذا يُسمى ابن سينا بفيلسوف النفس)، في حين أن الفارابي يذهب إلى أن السعادة هي سعادة العقل، اي استكمال العقل النظري، أي المعرفة بحقائق الموجودات (لذا يُسمى الفارابي بفيلسوف العقل)، وبالتالي فالفارابي يسخر من الذين يعتقدون أن السعادة على الحقيقة إنما تكون بعد الموت، بل بالعكس، فهو يوصي سكان مدينته بالحرص على الحياة. - ومع قيام الدولة الموحدية، جاء الخطاب الفلسفي الرشدي، العقلاني النقدي الوقعي، متحررًأ معرفيًا من هيمنة الجهاز الابيستيمولوجي المشرقي الحراني والأفلاطوني الجديد، وأيديولوجيًا من العوامل الاجتماعية - التاريخية التي صاغت حلم مدينة الفارابي الفاضلة، والحكمة المشرقية السينيوية، فاتجه إلى معالجة العلاقة بين الدين والفلسفة؛ بمعالجة تحفظ لكلٍ من الدين والفلسفة هويته واستقلاله، وتسير بهما في اتجاهٍ واحد؛ هو البحث عن الحقيقة (فإذا كانت مبادئ الفلسفة يضعها العقل، وتتغير بتغير مستوى قدرة العقل، مما يجعلها نسبية، فإن مبادئ الدين، علاوة على تلك التي تُطابق مبادئ العقل، أمورٌ إلهية تفوق العقول الإنسانية، فلا بد من الاعتراف بها مع جهل أسبابها). لقد رفض ابن رشد مبدأ قياس الغائب على الشاهد؛ الذي اعتمد عليه المعتزلة، فلا يُمكن قياس المطلق على المقيد في إثبات وجود الله. كما أن آلية هذا القياس تنحصر في البحث عن قيمة ثالثة، تكون جسرًا بين الغائب والشاهد، وهو ما يُناظر الحد الأوسط في القياس الأرسطي، وهي ما يُسميه النحاة والأصوليون بالعلة أو الدليل عند المتكلمين، وهم بهذا القياس لا يبحثون عن النتيجة، فالنتيجة (وهي الحكم الشرعي عند الفقهاء، أو النص القرآني عند المتكلمين أو النص اللغوي بالنسبة للنحاة)، معطاة سلفًا؟ بالإضافة إلى ذلك فابن رشد يرفض نظرية الفيض الفارابية السينوية، ويصفها بأنها خرافات. كما أن ابن رشد يرى أن المعجزة هي: علامة على النبوة، وليست إثباتًأ لها كما يذهب إلى ذلك الغزالي. وفي جانب الظاهر والباطن، فقد رفض ابن رشد تصنيف الناس إلى خاصة وعامة (الفلسفة المشرقية تُميز بين نوعين من المعرفة: معرفة غنوصية إشراقية إلهامية، وهي خاصة بفئة محدودة من الناس؛ هم الفلاسفة وأهل العرفان، ومعرفة عامية حسية وعقلية خاصة بالعامة)، فالحقيقة واحدة، وإدراكها عند العلماء يختلف عن إدراك الجهور لها، وهذا الاختلاف في إدراكها راجعٌ إلى الاختلاف في الوعي بها، ويرجع إلى المستوى المعرفي للشخص لا إلى شيءٍ آخر، فالتسليم بالظاهر يشمل العلماء والجمهور، وأما العلوم الباطنة، فلا يُدركها إلى أهل البرهان؛ أهل المعرفة العلمية. وابن رشد يلوم فلاسفة المشرق ومتكلميه على إذاعة الفلسفة بين الجمهور، دون أن يُراعوا قدرتهم على تقبلها، فشوشوا فكره وعقيدته، فخرجت فرفتان: فرقة تذم الحكماء والحكمة، وفرقة تُحاول تأويل الشرع. - إن طريقة التعامل مع التراث تقوم على مستويين: مستوى الفهم (أي استيعاب التراث كاملًا، بمختلف منازعه وتياراته ومراحلة التاريخية، وعلى مستوى التوظيف (أي الاتجاه إلى أعلى مرحلة يقف به التقدم). - الأفلاطونية الجديدة لها تياران: مشرقي ومغربي: (المشرقية؛ نشأت في أنطاكية، وتعاليمها هي مزيجٌ بين الأفلاطونية والفيتاغورية واليهودية (حرانية - فارسية)، والعقول العشرة)، بينما (المغربية؛ نشأتها في الاسكندرية، وهي توفيقٌ بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية من جهة، وبين أفلاطون وأرسطو من جهةٍ أخرى (اسكندرية - مسيحية)، والتثليث المسيحي). - انتقلت العلوم الفلسفية اليونانية إلى الفكر العربي الإسلامي عبر 4 تيارات؛ لبست كلها تلبس ثوب الأفلاطونية الجديدة، وهي: 1- حمله التراجمة والكتاب الإيرانيون، الذين تقلوا الفلسفة اليونانية بصيغتها المشرقية (= الفارسية). 2- حمله الأدباء والتراجمة النصاري، الذي قَدِموا من مدرسة جنديسابور الفارسية. 3- حمله التراجمة والأساتذة والعلماء الحرانيون وتلامذتهم. 4- وفد مع مجلس التعليم القادم من الاسكندرية. - ابن خلدون ومقدمته، جاءت نتيجة خبرة وتجارب عاشها ابن خلدون، فامتزج الذاتي بالموضوعي، فحاول ابن خلدون اعتبار التاريخ علمًا وليس فنًا بالسرد والنقل، بل حاول نقد وتحليل التاريخ، ومحاولة الخروج بقوانين تحكمه؛ سماها طبائع العمران، أي جعل للعمران طبيعة مستقلة مؤثرة؛ خارجة عن إرادة الإنسان، فحاول قراءة التاريخ (الماضي) لمعرفة الحاضر، وربط أساس قيام الدول بالعصبية؛ بالانتقال من خشونة البدو إلى رقة الحضارة، وتناسي الجانب الاقتصادي (لعدم إثارته في عصره)، وهذا أحد أسباب صعوبة تطبيق الأبيستمولوجية الخلدونية في زماننا الحاضر، بالإضافة إلى أنه حاول فلسفة التاريخ، والتاريخ لا يتم فلسفته إلا إذا تم اليقين من صحة وصدق وقوع الحادثة التاريخية. إن مقدمة ابن خلدون تُحدثنا عما يحدث في واقعنا المعاصر؛ الذي لا يُمكننا التفوه به. ويُقسم ابن خلدون العلوم (وهو أشعري العقيدة) إلى ما لها علاقة بالعقل، وما لها علاقة بالنفس، فهي ثانية لديه، فللنفس قدرة على المعرفة من اللامحسوس اللامعقول؛ الذي لا يُمكن للعقل الوصول إليه لمحدوديته. وهو يُقسم العلوم إلى 3 أقسام: علوم نقلية (كالتفسير والحديث والفقه وعلم الكلام (والتصوف وتعبير الرؤيا: اعتبرهما نقليتان، لضرورة الاقتداء بسلوك الصحابة، وهم حملة النقل، في حياتهم وهذا هو التصوف، وأما تعبير الرؤيا فقد أيده كتاب الله)، وعلوم عقلية (كعلم الحساب والمنطق والسحر والكيمياء وعلم أسرار الحروف...)، وعلوم آلة (أي آله للعلوم النقلية كاللغة والنحو والبيان والأدب). ويرى ابن خلدون أن علم الكلام قد انتهى دوره، لعدم وجود ملاحدة أو مبتدعين، كما أنه قد أخطأ بجعله العقل يخرج عن محدوديته في أمور ما ورائية لا عقلانية ولا معقولية، لعجزه عن إداركه كل الأسباب. وبالنسبة للتصوف، فهو، في نظرة، ذوقٌ وليس علم، وبالتالي فلا يُمكن وصف ما يتم لصاحبه (دون إرادة منه)؛ لعجز اللغة في ذلك، كما أنه لا يُمكن تعلمه ولا تعليمه، وبالتالي فما يتم تناقله عن التصوف هو وهمٌ وباطل. وأما بالنسبة لتعبير الرؤيا، فالرؤيا قد تضيع بين تدخلات العقل الباطن وبين أضعاث الأحلام، لذا يجب أن تخضع لما يُقرره النقل. وأما علم التنجيم، فلا يُمكن أن يتم، لأن الاستقراء الذي يتم في حركة سير الأجرام للتنبؤ بالأحداث قاصرٌ، لأن بعض الأجرام تتحرك في حركتها بزمن يفوق العمر البشري. وهذا ينطبق على الكيميماء، فإن كان يصح نظريًا، ولكنه عمليًا مستحيلٌ، لأنه بحتاج إلى ظروف معملية وزمانية تفوق القدرة البشرية. وأما السيمياء وعلم أسرار الحروف، فهي مجرد اسم أطلقه أصحابه على السحر؛ تهربًا من الوقوع تحت طائلة الحكم الديني؛ الذي يُحرم السحر وممارسته، فكان الاستتار بالرياضة الشرعية؛ بالأذكار والتسبيحات والدعوات من كتاب الله والحديث النبوي، بدلًا عن الرياضة السحرية. وأخيرًا، يرى ابن خلدون أن للحالة الاقتصادية دورٌ مؤثر في الكتابة والتأليف، فمتى كانت الدولة تُشجع العلم والمعرفة، يكون الانتاج غنيًا، والعكس، وما حدث في عصر التدوين وأيام الدولة الأموية في الأندلس، من استقرار وحضارة، وإنشاء الدولة سوقًا للمعرفة، كان الانتاج وافرًا. - الكتاب رائع، ويستحق قراءة أخرى.
الفكرة المحورية في الكتاب هي ضرورة التمييز بين المحتوى المعرفي و المضمون الأيديولوجي في الفكر الإسلامي. لأننا إذا اقتصرنا على الجانب المعرفي (العلمي و الميتافيزيقي) كما في النظرة السائدة، وجدنا الفلسفة الإسلامية آراء وأقاويل مكرورة لا تختلف عن الفلسفة اليونانية إلا في طريقة العرض، والنتيجة هي الحكم عليها بالعقم. مايراه الجابري هو أن إشكالية الفلسفة الإسلامية كانت أيدولوجية (لاهوتيه) بالأساس: التوفيق بين النقل والعقل وخاصة في المشرق. بدأت عملية تعريب الفلسفة و تبيئتها مع الكندي. ثم جاء الفارابي في وقت أخذت فيه الإمبراطورية العربية في التفكك إلى دويلات متنافسه متناحرة لينادي بإعادة الوحدة إلى الفكر وإلى المجتمع معا. كان الفارابي المتفائل روسو العرب الذي يتطلع إلى تشييد دولة الحرية والإخاء والمساوة، دولة العدل والعقل. أما بن سينا فقد تبنى المنظومة الفيضية الفارابية ليتخذ منها قنطرة تقلّه إلى السماء، وكرّس بفلسفته المشرقية اتجاها روحانيا غنوصيا أكمله الغزالي (التصوف السني) والسهرودي (الحكمة الإشراقية). وهكذا بعد أن فشلت الفلسفة في تحقيق حلمها في المشرق، بدأت من الصفر في المغرب. استعاد ابن باجة وعي الفارابي بروح نقدية ماجعله أقل إغراقا في الحلم. وذلك مقال جديد في المنهج أسس عليه ابن رشد خطابه الفلسفي الأصيل (عقلانية نقدية واقعية) فدعا إلى فهم الدين داخل الدين، و فهم الفلسفة داخل الفلسفة وبواسطة مقدماتها ومقاصدها، وذلك هو طريق التجديد في الدين والتجديد في الفلسفة.
إن ما يعطي هذا الكتاب قيمته ليس المادة المعرفية التي قدمها الكاتب، وإنما تكمن قيمته في الأدوات والمنهج اللذان استخدمهما الكاتب وأشار إلينا باستخدامهما.
ينطلق الجابري من مستويين للقراءة: جعل المقروء معاصراً لنفسه وجعل المقروء معاصراً لنا.
جعل المقروء معاصراً لنفسه ينطلق الجابري من أن لكل فكر إشكالية واضحة يحاول معالجتها. والإشكالية هي محور عام للفكر قادر على استيعاب جميع عناصره وتحولاته بحيث تجد كل فكرة من أفكاره مكانها الطبيعي. ولإيجاد هذه الإشكالية/المحور يتم الانطلاق من المعالجة البنيوية بحيث يتم رسم هيكل عام للنص، والبحث عن ما يحقق "وحدة النص" أي ما يربط جميع أجزاءه.
اما المرحلة الثانية فهي المعالجة التاريخية. أي ربط هذا الفكر وفهم علاقته مع التطلعات العامة لعصره، بحيث نتعرف على "الجهاز الابستمولوجي" او الجهاز المعرفي الذي استخدمه الكاتب لتحليل المادة المعرفية التي بين يديه
جعل المقروء معاصراً لنا وتكون بالتوظيف او الاستثمار: أي نبحث عما بإمكانه أن يعيش معنا من هذا الفكر وأن نتجه بتطلعات الكاتب وطموحه البحثية الى مرحلة متقدمة تتجاوز ما قدمه لنا
كما يقدم لنا الكاتب نصائح مهمة أثناء قراءتنا للنصوص منها: - أن نقرأ النصوص المرجعية التي رجع لها الباحث لا كما نفهمها نحن وإنما كما فهمها هو منها. أي أن نقرأ هذه المراجع وفق تصورات الباحث وتطلعاته ونبحث عما اراده منها. ومن هذه النقطة يرى الجابري أنه أثناء دراسة أعمال الفلاسفة الاسلاميين، لا يجب علينا أن نقرأ الفلسفة اليونانية (المرجع) وفق تصورنا الحالي لها، وإنما يجب علينا أن نقرأ قراءة الفلاسفة لها، أي وفق تصوراتهم وتطلعاتهم (ما الذي أرادوه منها؟). ا
- أن نستنطق النصوص بأن نقرأ ما لم يذكر بصورة مباشرة ويكون هذا بقراءة نصوص من كتب قبله ونصوص من جاء بعده وفي الختام أرى أن قراءة هذا الكتاب مهمة لا من أجل النتائج التي توصل إليها الكاتب وإنما من أجل عملية القراءة نفسها، أي من أجل ممارسة قراءة النصوص بهذا المنهج البنيوي/التاريخي، حتى يتسنى لنا توظيفه مستقبلاً في قراءاتنا المختلفة
☕ها� جدا: "نحن والثراث" هو أول كتاب من سلسلة مشروع نحو فهم للثراث من زاوية صحيحة تزيل المغالطات على فلسفتنا الإسلامية وفكرنا الإسلامي على السواء. هذه المراجعة أنجزتها من القلب، وهذا الكتاب من أحسن ما قرأت في هذا السياق الى حد هذه التدوينة.
المصدر: #نحن_والثراث_قراءة_معاصرة_في_تراثنا_الفلسفي #الدكتورمحمدعابدالجابري دار النشر: المركز الثقافي العربي طبعة: 1993/ السادسة
#مراجعةعامة مفاهيم أولية: 🖇️الابيسيمولوجي�: تعني العلم او المعرفه العلميه وعقلانيه الاعتقاد والايمان. 🖇️الايديولوجي�: تعني علم الافكار واصبحت تطلق قران على علم الاجتماع السياسي.
🪙المعالم المبدئية الكبرى للدراسة:
🏅خصوصية قراءة الثراث: جعل المقروء معاصرا لنفسه معناه فصله عنا... وجعله معاصرا لنا معناه وصله بنا... وقراءتنا تعتمد اذا على الفصل والوصلك خطوتين منهجيتين رئيسيتين.
🏅خطوات المنهج: قراءات في السلفية كتبيان توضيحي فقط لقد تبث التيار السلفي في اول الامر لباس حركه دينيه وسياسيه اصلاحيه ومتفتحه مع الافغاني غايته التجديد وترك التقليد اي الغاء التراث المنهجي القادم من عصر الانحطاط وعدم السقوط فريسه الفكر الغربيه ايضا. وبالتالي الماضي الذي أعيد بناؤه أصبح هو نفسه مشروع النهظة. وعليه، هكذا أصبح المستقبل يقرأ بواسطة الماضي ولكن لا الماضي الذي كان بالفعل. إذن، فإن القراءة السلفية لاتنتج الا الفهم الثراثي للثراث(الثراث يكرر نفسه).
🪙وجهة نظر الجابري والشاملة والتي تعد مركزية تمحور الكتاب: اللا تاريخيه والافتقاد الى الموضوعيه هما وجهان لعمله واحده الا وهي الفكر العربي المعاصر الفكر الذي لا يستطيع الاستقلال بنفسه فيلجا الى تعويض هذا النقص بجعل موضوعاته تنوب عنه في الحكم على بعضها لهذا فان معظمه سلفي النزعه اي قياس الغائب على الشاهد هذا المبدا الفقهي الذي استوحته الفلسفه الاسلاميه والفقه من المبدا الاريستوتاليسي، الا ان توظيقه كان غير صحي ...(ستتوضح الصورة فيما بعد).
هكذا يقتبس العرب مشروع نهضتهم من نوع الماضي اما الماضي العربي الاسلامي واما الماضي الحاضر الاوروبي واما التجربه الروسيه او الصينيه الى اخره اي البحث عن الحلول الجائزه لكل المشاكل المستجده. عناصر الرؤية (منطلقات القراءة).
1.وحدة الفكر: ويعني الجابري بوحده الفكر وحده الاشكاليه مهما كانت الموضوعات والازمنه والامكنه والاشخاص فان الاشكاليه تضم حزمه من المشاكل المتداخله داخل وحده تؤلفها مثلا قاسم امين عندما طرح مشكل المراه تناوله من مقاربات عند اجتماعيه تربويه نهضويه. 2.تاريخية الفكر: يعني ذلك الجانب الابيستيمولوجي في الفكر وخاصة الجانب الاجتماعي والسياسي. ما هو المنهج الذي تبناه الجابري؟ المنهج الذي تبناه الجابري في قراءه التراث هو منهج ابن رشد لقد رفض ابن رشد الطريقه المتكلمين في التوفيق بين العقل والنقل ورفض طريق الفلاسفه الهادف الى دمج الدين في الفلسفه والفلسفه في الدين لان المتكلمين كانوا يحكمون عقلهم التجريبي والتجزيئي في الدين لقد قاسوا عالم الغيب على عالم الشهاده فابتدعوا فشوهوا الواقع وضيقوا على العقل. لان الفلاسفه كانوا يحكمون العلم اي الماده المعرفيه التي انتقلت اليهم من اليونان فاخضعوا العلم لمستوى فهمهم الذي لم يرقى الى مستوى العلم. لقد قطع ابن رشد العلاقه بين الدين والعلم لان العلم يتغير ويتناقض ويلغي نفسه باستمرار ذلك هو الطرؤق للتجديد في الدين والتجديد في الفلسفة. _____________ ا🪙لفلسفة المشرقية🪙 في فلسفة الفارابي والدين: 1. الدين الاسلامي هو الدين المسيحي وقد نقل الى الامه العربيه معدلا مصححا. 2. الدين المسيحي هو نواميس استنبطت من الفلسفه اليونانيه. 3.الفلسفه المنقوله الى الامه الاسلاميه هي الفلسفه اليونانيه التي كانت اصلا للدين المسيحي وبالتالي هي اصل الدين الاسلامي نفسه. مدينة الفارابي الفاضلة:
🏅الهدف منها هو: 1.ابراز وحده العقل. 2. ابراز القدره على اعطاء تاويل شامل لمثالات الدين. 3.بناء المجتمع والدوله بناء جديدا. تصور الفارابي ذلك من خلال الدولة المركزية التي يسود فيها حكم العقل عبر رئيس يمسك بكل السلطات. مشكلة النفس والجسد والأنطولوجيا عند الفارابي وإبن سينا: - تعد النفس وحدة مشكلة يتوقف وجودها على وجود الجسد. - اهتم الفارابي بالجانب الأنطولوجؤ في منضومته، طبقا للتسلسل النازل من العقل المحض(المستفاد) الى العثل الهيولاني (أدنى مستويات المادة). إذن فإن العقل هو مبدأ النظام والوحدة. - إهتم ابن سينا بالنفس، اعتقادا منه أن الإنسان هو غير هذا البدن المحسوس، بل هو سجين فيه حتى يؤدي ما عليه من استخلاف في الأرض. لم يكن ابن سينا ملتزما بايه عقيده او مذهب لم يكن اسماعيليا ولكنه في ذات الوقت لم يقطع مع رسائل الاخوان الصفا كما قراها وهو طفل فظل وعيه مقلوبا طول حياته. هذا هو ابن سينا الطبيب الذي اطلق العنان لكل شهواته كانه يعيش الاخره في الدنيا وكان فلسفته هي من نسيج المقابل لشخصيته. __________________ 🪙الفلسفة المغربية الأندلسية🪙 تطور الفكر العلمي والفلسفي في الاندلس عبر ثلاثه مراحل: 1. مرحلة الرياضيات 2. مرحلة المنطق (والرياضيات) 3. مرحلة الفلسفة.
🏅نموذج كتاب "تدبير المتوحد" لإبن باجة سيدشن ابن باجه العمل الذي سيتممه ابن رشد فيما بعد ونقصد بذلك شرح ارسطو بواسطه ارسطو نفسه. ان شروحات ابن باجه كانت اقرب الى الروح الارسطيه من ايه شروحات اخرى وعليه فان الجبر قرر قراءه ابن باجه بمن بعده اي بواسطه ابن رشد لا بما قبله. ان الغايه من تدبير المتوحد هي الوصول الى درجه من الكمال العقلي الذي يمكن الانسان ان يكون الهيا بسيطا بالعلوم النظريه فاذا انعدم هؤلاء في بعض المدن وجب عليه اعتزال الناس جمله الا للضرورة أو يهاجر إلى مدن فيها مقصده ان وجدت. ومعنى الكمال هو الانتقال عبر التدبير من درجه العقل الفردي والمدينه الناقصه الى العقل الكلي والمدينه الكامله وهذا ما يطابق ما انتهى اليه اريسطو في الاخلاق الى نيقوماخوس .
🏅مشروع قراءة جديدة لفلسفة إبن رشد يجمع بن رشد ابن سينا والغزالي وسائر المتكلمين في المشرق في كفه واحده ويتهمهم جميعا انهم لا يستعملون الادله البرهانيه كون ان منطقتهم جميعا ثلاثي القيم وهو القياس او الاستدلال بالشاهد على الغائب اي تمديد حكم الشاهد على الغائب فالهدف منه ليس هو البحث على النتيجه كما هو الشان في القياس الارسطي بل البحث فقط عن حل وسط تحت وطاه جلب المصلحه ودفع المضره.
فما كان وسيله للفرابي اصبح غايه لابن سينا حيث ان الاول سعى الى دمج الدين في الفلسفه لبناء دوله الخلافه على اساس العقل الكوني لا العقل التجريبي المعتزلي الاشعري اما عند الثاني اي ابن سينا فانه سعى الى دمج الفلسفه في الدين للصعود بالجانب الروحي بعد ان تعذر نجاح ذلك على الصعيد الواقعي وعلى خلاف ذلك فان ابن رشد الفلاسفه المغربيين خاصة في العهد الموحدي قد دعوا الى فصل الفلسفه عن الدين لان مبادئ الدين تعد مسلمات لا يجب الانطلاق بها قبلها وبالتالي فان هذا يخالف اهم مبدا في الفلسفه.
🏅ابيستيمولوجية المعقول واللامعقول عند ابن خلدون يحدد ابن خلدون دور العقل في العلوم النقليه الحاق الفروع من مسائلها بالاصول حيث اعتبر ابن خلدون ان العقل في العلوم النقليه مجرد مساعد فسواء تعلق الامر بالتفسير او بالحديث او بالفقه فدور العقل دائما دور ثانوي مكمل اما في علم الكلام فالامر مختلف اذ مهمته الدفاع بالعقل عن النقل.
يضطلع الجابري من خلال ثقافته التراثية المكثفة وتنظيمه الفكري ومنهجيته الثابتة بدور رئيسي في مجال الفكر العربي . كان مهما قراءة هذا الكتاب قبل المباشرة في قراءة مشروعه الأشهر (( نفد العفل العربي )) حيث أن المقدمات التي يسوقها في فصول هذا الكتاب إرهاصات واضحة للمنهج الفكري الذي سيقوده نحو مشروعه لإعادة قراءة التراث وتحليل اليات وعومل تكوين العقل العربي ووحدة الإشكالية التي يقوم عليها مشروعه الفكري . لا أبالي بالجدل القائم حول أسبقية الجابري في طرق هذه الأبواب وأصالة مشروعه لأن مسيرة الفكر العربي والإنساني عموما ليست في نظري سوى عملية نقد متواصل لما هو سابق . غير أن ألجابري بأسلوبه الأكاديمي الرائق مبهر في ترتيب أفكاره وعرضها قد نجح في أن يرمي أحجارا جمة في المياه الراكدة لتتوالد موجات وموجات من الجدل والنقد وإعادة التقييم وهو ما أعتقد أنه إنجازه الاهم . كقاريء عادي يفتح لي الجابري افاقا في كل صفحة من كتابه للرجوع إلى المدونات التراثية التي ينهل منها ويستقي أطروحاته التي قد تكون صادمة وقد تثير الجدل في كثير من الأاحيان غير أن المنصف لا يمتلك إلا أن يحترم هذا المشروع المهموم بالقضايا المعاصرة والذي يطرح فكرة إعادة قراءة التراث بعيدا عن الادعاءات الفارغة والضجيج الذي يصاحب أصحاب هذا المشروع عادة . الجابري يجب أن يقرأ وأطروحاته يجب أن تبقى موضع نقاش دائم وحيوي . حتى لو لم تتفق مع التائج التي خلص إليها فلا بد أن تحترم الطريق الذي سلكه .
يشكل الكتاب قراءة معاصرة لجوانب من التراث الفلسفي ،تطمح لتقديم صورة عامة عن وضعية الفلسفة الاسلامية وتاريخها ،وعمدت هذه القراءة إلى جعل المقروء معاصرا لنفسه (فصله عنا )من جهة و معاصرا لنا (وصله بنا ) من جهة أخرى . وقد انتقد الجابري مجموعة من القراءات للتراث المتسمة بالسلفية والمستعيدة لأيديولوجيات سابقة واعتبرها مفتقدة لموضوعية المنهج ولرؤية تاريخية .و يركن لمنهج ورؤية يخولان له تعبئة هذه القراءة حيث " القطيعة الابستمولوجية " أي التخلي عن ا��فهم التراثي للتراث والأساليب المعتمدة لتشكيل الفهم والعقل و فصل الذات عن الموضوع ثم وصل القارئ بالمقروء [عبر الحدس الاستشرافي يقوم على أساس رياضي يستكشف المسار ويستبق النتائج ويمكن قراءة ما سكت عنه المقروء ] من الناحية المنهجية ،أما الرؤية ستتكون من وحدة الفكر و الاشكالية ،تاريخية الفكر [ أي التمييز بين المضمون الأيديولوجي و البنية المعرفية ] ثم سؤال امتداد الفلسفة الاسلامية لفلسفات أخرى { خاصة اليونانية } . هذه العناصر تشكل المقاربة المنهجية لتناول هذه القراءة التراثية . صحيح أن الكتاب عبارة عن دراسات متفرقة إلا أنها تخضع لزوايا منهجية تصب في نفس الاتجاه .وهذا مايتضح في العلاقة بين دراسة وأخرى وكذا الامتدادات الضرورية للفهم بينها . قبل الحديث عن محتوى الكتاب الذي توزع بين المدرسة الفلسفية المشرقية [ فلسفة الفارابي وابن سينا ] ومدرسة المغرب والأندلس [ ابن باجة ،ابن رشد ، ابن خلدون ] قدم المؤلف محورا عنونه بالخلاصات و الآفاق والذي نراه كعائق منهجي - رغم التبرير المقدم - لقراءة الكتاب . بدأ الجابري بقراءة جديدة لفلسفة الفارابي " السياسية و الدينية " وأكد أنها لا تأخذ مسارها الصحيح إلا بقراءة ما قرأه الفارابي وبالشكل الذي قرأ به كما تجاوز النظرة الغربية الأروبية في المقاربة . و خلص إلى أنها تهدف للتوفيق بين الدين و الفلسفة استجابة للنقاش العام في عصره ، و تأسيسا لمدينته الفاضلة حيث يسود العقل والتحكم في السلطات بغرض فكرة التوحيد السياسي ،الفكري و الاجتماعي . أما فلسفة ابن سينا المشرقية توخى فيها قراءة مباشرة وغير مباشرة بهدف الكشف عن المضمون الأيديولوجي { هنا تكمن الفلسفة حسبه } .و خلص إلى أن الفيلسوف " الشيخ الرئيس " هو أكبر مكرس للفكر الغيبي ،الضلامي الخرافي في الاسلام . و أن فلسفته تحركها نزعة عصبية وأيديولوجيا قومية تؤسس لإتجاه روحاني لا عقلاني يعبر عن الفكر الاسماعيلي عبر رسائل إخوان الصفا . بل لم يكن مقتنعا بما كان يكتب ويتنافى مع سلوكاته العملية و��ذا ما تبين للجابري في القراءة الغير مباشرة. أما لحظة ظهور الفلسفة في المغرب و الأندلس جاء نتيجة تطور العلوم عبر مرحلتين ( مرحلة الطب و الرياضيات و مرحلة الفلسفة و المنطق ) ثم بزوغ الفيلسوف ابن باجة الذي عني بالعلم الطبيعي و الالهي فتميزت فلسفته بالعلمية و العقلانية و التحرر من قيود السياسة و من اشكالية التوفيق بين الدين و الفلسفة إلى اشكالية التوفيق بين العلم و الفلسفة . عبر الكاتب عن أصلة هذا الفيلسوف عبر " ابن رشد لاحقا " من ناحية التفسير الأرسطي المنسجم مع النظرة العلمية ( على عكس ارسطو الشرق ) وكذلك من جانب استثنائية رسالة تدبير المتوحد ، والتي قدم عنها قراءة توسل فيها لإطار منهجي ،محتوى معرفي ،مضمون فلسفي ثم تميزها بوحدة الأيديولوجي والابستمولوجي أي انسجام البنية المعرفية مع تطلعات عصره . و قبل أن يقدم الجابري مشروع قراءة جديدة لفلسفة ابن رشد و للإبستمولوجية الخلدونية عرج عن مجموعة من العناصر التي تؤكد استقلالية كل مدرسة على حدة رغم شعار " الفلسفة الاسلامية " الذي يجمعها ، ونذكر منها تأثر المدرسة الفلسفية في الامغرب و الأندلس بالثورة الثقافية و الحركة الاصلاحية التي قادها ابن تومرت المنادية بقراءة الأصول في حين كانت المدرسة المشرقية تستمد أفكارها من بعض المدارس السريالية القديمة ( حران ) ،كما يختلف التفسير و الشرح الأرسطي و كما كانت وحدة المنهج ( حسب ابن رشد ) الكامنة في طريقة المتكلمين { أساسها قياس الشاهد على الغائب = محل انتقاذ لأنه لا يمكن قياس عالم الغيب على عالم الشهادة } سبيلا لبناء الفكر النظري في المشرق ،وبرز هناك مشكل التوحيد و التعميم و وحدة السلطة و استمرارية الدولة لغرض دمج الدين في الفلسفة ،في وقت كان عنوان الفلسفة في المغرب و الأندلس الفصل بين الأخيرين لإنقاذ كل واحد منهما . يسجل الجابري أن فلسفة ابن رشد "فلسفة أكسيومية " ( ترجع إطاراتها الفكرية للأصل ) كما أن إعجاب هذا الأخير بأرسطو ( ليس ارسطو المشرق ) لا يدل دائما على تأييده ، و إنما على وحدة الهدف والغاية المشتركة وهي البحث عن الحقيقة { ابن رشد على وعي تام بأن الأسس و المبادئ التي استند اليها ارسطو تنافي و تعارض عقيدته } كما قدم نظرية التأويل من حيث لبانتها و شرو طها. ويمكن أن نخلص أن فيلسوف قرطبة احتفظ للدين و الفلسفة باستقلاليتهما ولا يقبل أن يجعل أحدهما بديلا للآخر . أما مسألة العقلانية فالمشرق تسوده عقلانية صوفية ،تأملية تأسست على أساس نظرية الفيض أما بالنسبة للمغرب و الﻷندل� كانت رسلة تدبير المتوحد نموذج و منتوج لوضعية فيلسوف عقلاني قبل ان يظهر ابن رشد بفلسفته الواقعية العقلانية ،القاطعة مع أفكار المدرسة الأولى سواء في الفصل بين الدين و الفلسفة أو في النظرة الأكسيومية أو في الاتجاه المستقبلي الذي استشفه من اسبينوزا . لحظة ابن خلدون وبالظبط مع المقدمة ،جاءت لتأسس علم جديد يرتفع من الفن ( السرد ، القصة ، الرواية ) إلى العلم ( البرهان و الاستدلال ) حيث يعتمد علر جهازين العقل و النفس . تميزت ابستمولوجية ابن خلدون بالمعقول و الامعقول في اتجاه تحركها لتحرير العقل من الاعقل و العقلانية من المثالي تجاه الوضعي ثم حصر العلوم العقلية ضمن إطار القابيلية للتحقيق بالحس و التجربة و حصر العلوم النقلية ضمن إطار إلحاق الفروع بالأصول ،كما لعبت دورا نقديا للعلوم المعاصرة لها التي مزجت بين المعقول و الامعقول في دائرة المعارف التاريخية . أما قراءة الجابري النقدية للخلدونية تستدعي الجوانب السياسية والاجتماعية و الفلسفية التي كشفت أن ابن خلدون قرأ التاريخ لذاته لاستنطاق حوادثه و الاستعانة بذلك الفهم للحاضر لا لغرض آخر ، كما أكدت عن عدمية جدوى منهج الأقدمين ( الجرح و التعديل ) في قراءة التاريخ . و خلص الى أن ما تبقى من الخلدونية هو الطموح العلمي { من الذاتي للموضوعي ، من الأيديولوجي إلى العلمي } و العوائق الابستمولوجية المتمثلة في تفسير الظاهرة العمرانية ككل ، الخلط بين العمران و التاريخ ،إنشاء علم جديد بمفاهيم قديمة ... **** الكتاب قيم يطرح يسائل التراث الفلسفي في مناهجه و معارفه و مذاهبه المختلفة و المتباينة ... كما يجب أن نذكر أننا تعمدنا إغفال الكثير من التفاصيل في هذه القراءة المتواضعة .
"إن ما تبقى من الخلدونية هو ما يجب أن ننجزه و ليس ما أنجزته". دراسة موسوعية لأهم مدارس الفكر الفلسفي العربي و الإسلامي و لكن بأداة ماركسية و أحكام مسبقة تحاول تحميل النصوص ما لا تحتمله. كتاب جميل لمن يبحث عن مدخل إلى المباحث الإبستيمولوجية في الفلسفة العربية الإسلامية.
قرأت عن الكتاب قبل قراءته . كتاب "نحن و التراث " لمحمد عابد الجابري الذي يرجع الى آراءه كثير من الكتاب مما أثار فضولي لقراءة شيء من كتبه و لم يخب ظني بعد رحلتي مع كتابه “نح� و التراث �
يمثل هذا الكتاب قراءة شاملة لآراء ابرز الفلاسفة المسلمين بدءاً بالجاحظ و الشهرستاني و البيروني ثم بقليل من التفصيل يعرض آراء الفارابي و منه الى ابن سينا . ينتقل الكاتب بعد ذلك الى فلاسفة المغرب العربي بدءاً بإبن باجة و منه الى ابن رشد و انتهاء بأن خلدون . م مقدمة الكتاب تشي بمنهج الكاتب الصارم في تعامله مع التاريخ و كيف يبني آراءه بشكل مستقل أخذا في الاعتبار عوامل مختلفة . الهدف الأسمى لهذه القراءات التراثية هو "كيف نستعيد حضارتنا ؟ "" هذا السؤال الذي يحاول جميع المفكرين المساهمة في الإجابة عليه . الا أن العربي يعيش في تراثه و يرى حاضره و مستقبله من خلال هذا التراث. يحاول الكثير من الكتاب إسقاط الماضي المجيد لأمتنا كحل يجب اتباعه لازدهار مستقبلنا ، مما يشي بسوء فهم لسنن الكون في اختلاف الأزمنة . يقتبس العرب مشروع نهضتهم من نوع من الماضي ، أما الماضي العربي الاسلامي ، و أما الماضي - الحاضر الأوروبي و أما التجربة الروسية أو الصينية ، إلخ . انه النشاط الذهني الآلي الذي يبحث عن الحلول الجاهزة لكل المشاكل المستجدة !! يرى الجابري أن مشروعه في قراءة التراث يعتمد على منهج له أساسيات منها قطع الفهم التراثي للتراث بمعنى أن يكون الباحث مستقلا في آراءه عن آراء من سبقوه. و أن يكون موضوعيا في مناقشته لأي موضوع ، فالقارئ العربي مؤطر بتراثه مثقل بحاضره . و بعد ذلك يأتي دور الكاتب في وصل الماضي بالحاضر . . يعرض الكاتب كيف ان العرب بعد أن اسسوا دولتهم ( الأمويين و العباسيين ) استعانوا بالفرس والعجم في تنظيم الملك و أساسيات الدولة . يأخذنا الكتاب في رحلة مع الفلاسفة المسلمين عبر العصور ، و يؤكد الكاتب أن الفلسفة لم تكن يوما ترفا فكريا ، بل كانت منذ نشأتها خطابا ايدولوجيا مناضلا . كان الكندي أول فيلسوف في الاسلام منخرطا بشكل مباشر في الصراع بين المعتزلة و فقهاء أهل السنة . لقد دشن الكندي عملية تعريب الفلسفة . يأتي بعده الفارابي في وقت اصبحت الخلافة اسما دون مسمى ، ، فكان ينادي بوحدة الفكر و المجتمع ، و قام بتأليف � المدينة الفاضلة � مدينة العقل ، ، النظام و الإخاء و العدل في حلم سخر فيه مختلف علوم عصره . أما ابن سينا الذي عاش في فترة بلغ فيها تمزق الامبراطورية الاسلامية مداه ، و في احضان امارات فارسية الموطن و الاتجاه ، . يستفيض الكاتب في مناقشة آراء ابن سينا الفلسفية التي رئاها تأثرت كثيرا بالتاريخ الفارسي حيث يعيش ابن سينا الفلسوف . يخلص الكاتب أن ابن سينا في “فلسفت� المشرقية � كرس اتجاها روحيا غنوصيا كان له ابعد الأثر في ردة الفكر العربي الاسلامي و ارتدادها من عقلانيته المتفتحه التي حمل لواءها الكندي و الفارابي الى لا عقلانية ظلامية . قاتلة . و لم يعمل الغزالي الا الى نشرها و تعميمها في مختلف الاوساط . أود أن اعترف هنا أني انصدمت بهذا الحكم على ابن سينا من الجابري ، و لكن بعد التمعن في فراءة الجابري رأيت أن بابن سينا وجهين . وجه الشفاء فهو الطبيب الكبير كما أن له وجه الرسائل المشرقية (الفيلسوف) الذي قال في مقدمته أن هذا الكتاب يخاطب الخاصة لا العامة . يدعي الكاتب هنا أنه لم تقم للفلسفة بعد الغزالي قائمة في المشرق العربي و بالتالي انتقلت الى حواضر المغرب العربي و خصوصا فاس و قرطبة . يعرض الكاتب في هذه الفصول كيف أن فلاسفة المغرب و ابرزهم اب طفيل و ابن باجه و ابن رشد أعادوا الحياة الى الفلسفة من خلال قراءتها من مصادرها الاولى و أعني بذلك مؤلغات اليونانيين و أرسطو بشكل خاص . يفرد الكاتب فصلا مميزا عن ابن رشد و تأثير فلسفته على الوقت الحاضر . ينتقل الكاتب بعد ذلك الى عبقري التاريخ والاجتماع ابن خلدون . الذي لا تزال نظرياته تتدوال حتى اليوم. يوضح الكاتب في فصلين متميزين جهد ابن خلدون الغير عادي في فلسفة التاريخ و العمل على انشاء قواعد لنهوض الامة. يشكل هذا الكتاب جرعة دسمة لكل من يحب سبر أغوار التاريخ الاسلامي و العربي و يجيب عن أسئلة مهمة . لا أملك أن أقول أن أقل ما يقال عن الكتاب أنه أتى بما عجز عنه الكثيرون قبله .
بعد قراءتي لكتاب تكوين العقل العربي و هو الجزء الاول لمشروع الجابري نقد العقل العربي وجد نفسي مضطرا للعودة للكتاب الذي يعده الكثيرون البذرة الاولي في هذا المشروع لما يحتويه من افكار و اطروحات تبلورت فيما بعد واختمرت لتؤسس لمشروع الجابري الضخم في نقد العقل العربي ، وبالفعل الكتاب هو كذلك بما تناوله من دراسة لأبرز رواد الفكر العربي الاسلامي ابتداء من المعلم الثاني فالشيخ الرئيس الي ابن باجه والشارح ابن رشد انتهاء بمن يعد اخر الرواد ابن خلدون و هنا نجد الجابري يقرر أن دراساته للتراث تصدر عن رؤية ابستمولوجية لهولاء المفكرين ضمن علوم عصرهم و ظروفهم الاجتماعية والساسية واشكاليات الثقافية وقضاياها تلك هي الدوافع المقررة لما افرزو وبالتالي مايمكن من قراءة الفارابي بالفارابي نفسه وابن سينا بابن سينا و تواليك و هو نفس المبدأ الذي أعتمده في تناول تكوين العقل العربي ، كما يأكد هنا مرارا علي وجود قطيعة معرفية بين المشرق الاسلامي من جهة والمغرب و الاندالس من جهة اخري قطيعة علي مستوي المعرفي و ضمن نفس حقل المعرفي و داخله علي مستوي الاشكاليات لا علي مستوي الادوات ففي حين كان هم فلاسفة المشرق دمج الدين في الفلسفة ضمن واقع متأثر بعرقيات مختلفة وتسريبات هرمسية منوية و اخري من نتاج الافلاطونية المحدثة كانت الفلسفة في المغرب تنادي بأنه لا يمكن الدمج بينهما و أن لكل من الدين و الفلسفة مجاله التداولي الخاص ضمن ماشهده المغرب من ثورة ثقافية تهدف الي رجوع الي الأصوال سواء علي مستوي الشريعة أو الفلسفة لتصل ذروتها في اللحظة الرشدية ..يبقي أن هذه القراءة للتراث هي قراءة جابرية بامتياز أسست للرؤية خاصة للتراث و الفكر الاسلامي و اسرت النظرة الي الفكري العربي للتراث ضمن إطارها رغما تصدي بعض المفكرين والنقاد لها علي غرار جورج طرابيشي و طه عبد الرحمن و بالتالي ضرورة الاطلاع علي كافة الاطروحات المتناولة للتراث والفكر العربي الاسلامي فضلا عن الاطلاع علي التراث نفسه بدون واسطة فكرية.
التعليق: نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، عنوان مهم جداً ربما للجابري أولاً لأنه يشكل نقطة البداية في مشروعه الفلسفي الكبير ويحدد الأطر التي سيرتكز عليها. الكتاب عبارة عن عدد من الدراسات التي تناولت كل على حدة العديد من الموضوعات والشخصيات الفلسفية في تراثنا العربي الإسلامي ومحاولة قراءة هذه الموضوعات قراءة معاصرة. وهنا يكمن لب مشروع الجابري الكبير فهو يحاول وعبر كتبه كافة أن يقنعنا بإعادة قراءة تراثنا وأن نستطيع من خلال إعادة القراءة أن نفرق بين الغث والثمين وأن نأخذ الثاني ونترك الأول لكي ننطلق في ركب الحضارة والعلم الحديث. ويتناول الكتاب موضوعات كثيرة منها قراءة جديدة لفلسفة الفارابي السياسية والدينية وابن سينا وفلسفته المشرقية والمدرسة الفلسفية في المغرب والأندلس وقراءة نقدية لفكر ابن خلدون. يعد الجابري واحد من أهم المفكرين العرب في العصر الحديث وأحد أهم الفلاسفة في الوطن العربي، تمتاز كتاباته بالرصانة العلمية والتجربة الأكاديمية، ولقراءة مؤلفاته متعة فكرية خاصة.