لا حول ولا قوة إلا بالله، لو قرأته بالألمانية لما شعرت بهذا الثقل :)! كانت قراءة ثقيلة، موحشة، كليحة، نزرة الأنس، ثقيلة الظل، صاحبها حمى في بعض اللياللا حول ولا قوة إلا بالله، لو قرأته بالألمانية لما شعرت بهذا الثقل :)! كانت قراءة ثقيلة، موحشة، كليحة، نزرة الأنس، ثقيلة الظل، صاحبها حمى في بعض الليالي، ولا أدري من الذي تسبب في الآخر. الترجمة بحاجة لترجمة، والتقييم هنا لترجمة "موسى وهبة" لا لصاحبنا الألماني، الذي غازلت أفكاره مرارا، وأجلت الالتحام معها رهبة وتهيبا.
خرجت من الكتاب بفهم حروف الجر، وبضعة أسطر في الفصل الأخير الذي شعرت معه أن المترجم ترك العنان للغته القريبة في التعبير، مع مؤازرة صاحبي الصدوق "شات جي بي تي"، والذي لولا مساندته في فك الشفرات، لغدوت كالكفيف وأنا أقلب صفحاته.
لم أتمنّ أن يكون لقائي الأول بكانت على هذا النحو، لكن لعل الأيام تجمعنا مرة أخرى وأنا على معرفة بالألمانية!...more
هذا الرجل لم يبق ولم يذر -ماشاء الله لا قوة إلا بالله-. مع العلم بأنه مصنف من نيف وخمسين مصنفا قام بتأليفها! يصعب علي تصنيف الكتاب، فقد جاء على كل فصولهذا الرجل لم يبق ولم يذر -ماشاء الله لا قوة إلا بالله-. مع العلم بأنه مصنف من نيف وخمسين مصنفا قام بتأليفها! يصعب علي تصنيف الكتاب، فقد جاء على كل فصول الشريعة، أصولها وفروعها، أحكامها وحكمها، كبيرها وصغيرها. يصح أن يكون كتاب جامعا لعلوم الدين وأسراره، وأن قصد كاتبه أن يكون غنية لصاحبه عن غيره.
يعيب النسخة التي معي خلوها من التحقيق الجيد، وتخريج الأحاديث....more
{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} الزاد الشعباني لرمضان.. لا تدري، لعلك بحسن استقبالك تعتق من أول ليلة.
اللهم بلغناه، وأعنا على صيامه وقيامه، وتقبل منا، إن{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} الزاد الشعباني لرمضان.. لا تدري، لعلك بحسن استقبالك تعتق من أول ليلة.
رائع! هذا الرجل الموفق أوتي فهماً، ونباهة، وحسن التقاط معان، ولعل هذا ببركة خدمته لكتاب ربه. باحث حذر، وعارض ورع، يتروى قبل أن يتصور، ويتريث قبل أن يحكمرائع! هذا الرجل الموفق أوتي فهماً، ونباهة، وحسن التقاط معان، ولعل هذا ببركة خدمته لكتاب ربه. باحث حذر، وعارض ورع، يتروى قبل أن يتصور، ويتريث قبل أن يحكم، يبادرك بجمله التنبيهية قبل أن تستدرك عليه، وينتشل إعجابك بأصالة قلمه ومصطلحاته. أوتي سلاسة في الأسلوب، وحسن اطراد في العرض والتمهيد، فأحسن التعريف قبل أن يحسن التنظير، اعترافا منه بقيمة المصطلحات، واللغة المكتوبة بها، حيث "اللغة أداة تفكير". سمى صنيعه "استهداء بالقرآن"، لاتساقه مع لغة علوم القرآن، وروح نصه، ولم يتلطخ بحديث الألفاظ، أو غريبها. أصّل اللفظ، وبين موقعه في الممارسة التفسيرية ومسالكه، ثم حلل مناهجه، وعلل بواعثه، ومثّل بنماذج عليه، ثم ذكر مثارات الغلط في هذا الباب. وقد ذكر أنه طليعة مؤلفاته، عسى الله أن يمد بعمره، ويبارك في وقته؛ ليتبعه بتفسيره التطبيقي، وقد بدأه مجالس مدارسة قبل عام أو عامين -فيما أظن-، إلا أنه توقف، وأرجو أن يكون الباعث خيراً. أزعم أن هذه الوريقات أكلت من عمره الكثير، إلا أنها أورثته بركة في علمه وأرجو أن يكون في عمله.
أغبطه حقيقة على هذا التصنيف، وأسأل المولى بعزته أن يمن علينا بخدمة كتابه، ويزيل عن طرقنا الشواغل والصوارف، ويرزقنا الاهتداء بكلامه، والتوفيق لرعاية معانيه، والاشتغال بها، إنه ولي ذلك والقادر عليه....more
مليء بالمباحث اللطيفة، والنكت البديعة، وأظنه مرتع خصب للأفكار البحثية. يظهر لك من خلاله أن كثيرا مما انتهى إليه علم النفس اليوم، بدهيات عند أصحابنا. بحامليء بالمباحث اللطيفة، والنكت البديعة، وأظنه مرتع خصب للأفكار البحثية. يظهر لك من خلاله أن كثيرا مما انتهى إليه علم النفس اليوم، بدهيات عند أصحابنا. بحاجة لتحقيق، كما يعيبه الكثير من العبارات الإنشائية التي ينقصها الاستدلال، أو تتكئ على الضعيف من الأحاديث. كما أنه ينقل عن الفلاسفة اليونان ويستخدم كثيرا من مصطلحاتهم....more
"عن أنس، قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شي، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها کل شيء، وما نفضن"عن أنس، قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شي، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها کل شيء، وما نفضنا أيدينا من التراب وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا" أكثر النصوص التي يسدل بها الستار على السيرة وجعا، وأصدقها في وصف الحال للصاحب والتابع. وهذا حال كل كتاب جمع همه على لملمة شتات ما تفرق من سيرته، إذ يشد القارئ الرحال في سفر أنيسه فيه وجليسه الشهد المنتقى، والجليس المجتبى؛ فتضيء أيامه، وتأنس بمعيته أوقاته، فما يكاد يبلغ الخاتمة إلا ويشعر بالغصة التي شعر بها أنس -رضي الله عنه-، فيعاوده السؤال ككل مرة: كيف عادت عجلة الحياة للدوران من بعده؟
فرطنا علَى الحوضِ، المكاثر بنا الأممَ يوم القيامة: “كلُ� المـدائـحِ إلا فـيـكَ جـعـجـعـةٌ كلُ� المـجــازاتِ إلا فـيكَ عــرجــاءُ لي� الزمانَ المكانَ استرجَعَاكَ لنا الآ� بــوصـلـةُ الـتـاريـخِ عـمــيــاءُ� �
الكتاب من خير المناهل اليومية والأسبوعية، ومن أفضلها في الشمائل المحمدية، وأشهرها، وأكثرها اختصارا، وأحسنها جمعا. لا غنى للبيت المسلم من أمثاله، وإن شئت الاستزادة فما حسن من الشروحات عليه.
"عَلَيـك سَلامُ اللهِ منّي مُضَاعَفًا إلى أن تغيبَ الشمسُ من حيثُ تَطلُعُ"...more
كرنفال من الرمزيات التاريخية الدينية (المسيحية خاصة)، تنم عن قارئ نهم ابتلع مكتبته؛ وأخرجها على صورة رواية، حافلة بالعناوين والموضوعات، إلا إنها تعبر كرنفال من الرمزيات التاريخية الدينية (المسيحية خاصة)، تنم عن قارئ نهم ابتلع مكتبته؛ وأخرجها على صورة رواية، حافلة بالعناوين والموضوعات، إلا إنها تعبر عن فكر رجل واحد، مهما حاول الاستتار خلف تلك المعارف المتنوعة. كان إيكو في هذه الرواية صورة عملية لمقولته: "ما لا يمكن تنظيره ينبغي سرده"، فسرد بذكاء كثيرا من نظرياته في صورة رواية تحمل طابع روايات دان براون وروحها. أظنها من فئة الروايات الشعبية التي يكاد لا يفلت من وهجها أحد، إلا إنني أجد لطابعها السردي، النابع من تاريخ لاتيني كنسي، سببا في ضعف تفاعلي معها، وشعوري بالانطفاء أثناء القراءة. طابع النصوص المنقولة والمختارة بعناية، بل وحتى العربي منها، يتسم بروح اهتمامات القارئ الغربي، فحتى الأسامي العربية كابن سينا والكندي وغيرهم، هي في الواقع تنتمي للسردية الغربية التي استقبلتها بالاحتفاء وتبنتها، كما فعلت مع "ألف ليلة وليلة"، التي أكرر مراراً أنني لا آبه بها، ولا أجد في أصالة نصها العربي كفاية لأصنفها من أمهات أدب العربية، أو حاملات روحها. من هنا كان أثر الرواية علي قاصراً وضعيفاً. السرد والقصة والذكاء في صياغة الرموز، التشويق والنفس البوليسي، كل ذلك كفيل بوضعها في قائمة الروايات الأكثر مبيعا. الرواية غرقى بالرمزيات التاريخية الدينية، وعلى قدر ما يكسبها ذلك غموضاً وقداسة، فإنه يجعلك كمن يمشي في حقل ألغام. المعنى النهائي، لا كما يدعي أو يرحب الكاتب بأنه متروك للقارئ، فالحق أن الرسالة أوضح من أن يتلبسها تفسيرات متناقضة، إنها دعوة للسخرية والتهكم شرعة ومنهاجا في مواجهة حقائق الوجود، ومقارعة دعاتها الجادين الصارمين. النفس الوجودي في الرواية واضح، كطبيعة ٩٥٪ من الإنتاج الروائي الحديث، لا تخلو كذلك من مسحة عدمية عبثية، ودعوى لقبول مطلق التفسيرات، التي تفضي بالضرورة لانعدام المعنى وضياعه، كما ضاع بطل الرواية -مختارا- في العدم بانتهائها.
الدهاء كل الدهاء في عنوان الرواية وسطرها الأخير، اللذان يؤكدان رسالية الرواية، ومغزاها الذي ينقض نفسه بنفسه، أننا لا نملك إلا الأسماء، وأن المعاني متجددة، متغيرة، فكل شيء قابل للتأويل، وكل زمن يحمل من المعاني ما يطمس سابقه. وباحتراق الدير الذي آلم صاحبنا، ولد دير آخر في داخله، دفعه لأن يكفر بكل تأويل خارجي، ويبحث عن المعنى من الداخل، فكانت رقصة الموت الأخيرة، قربانه الذي قدمه قبل أن يسقط في هوة العدم....more
لم تتعب الأحصنة الفلسطينية، ولم تطلق صهلتها الأخيرة بعد.. أما نحن، المتفرجون في مدرجات الخذلان، فما زلنا نقارف القراءة عن أساطيرها، ولمّا تنشف الأرض منلم تتعب الأحصنة الفلسطينية، ولم تطلق صهلتها الأخيرة بعد.. أما نحن، المتفرجون في مدرجات الخذلان، فما زلنا نقارف القراءة عن أساطيرها، ولمّا تنشف الأرض من دماء فوارسها بعد�...more
لا غنى عن الذكرى فإنها {تنفع المؤمنين}، اللهم اجعلنا منهم بفضلك وكرمك. الكتيبات الذكية المختصرة مثل هذا، المهمومة بالجمع والتركيز على موضوع وخدمته، خيرلا غنى عن الذكرى فإنها {تنفع المؤمنين}، اللهم اجعلنا منهم بفضلك وكرمك. الكتيبات الذكية المختصرة مثل هذا، المهمومة بالجمع والتركيز على موضوع وخدمته، خير مقترح في أزمان مخصوصة؛ لقرب التناول، ويسر الاصطحاب، وبركة الانتفاع على المستوى الشخصي والجماعي.
*لحظت حرص الشيخ المنجد -حفظه الله- على تقييد الفضائل المتعلقة بأزمان ومناسبات مخصوصة، والتقاط الفوائد والاهتمام بجمع النصوص والفوائد الشرعية في كل باب، وتحت كل عنوان. فأنعم بذلكم مشروعاً يضع في خدمته أنفاس عمره. اللهم اجزه خيرا وتفضل علينا بكرمك مما تفضلت به عليه....more
عن الانفجارات الاقتصادية التي أحدثتها الرأسمالية، كما وكيفا، والتي علمتنا أن "ماهيتنا انعكاس لمقدار ما نملكه". وبعد أن أحدثت طفرة في أدوات القياس الاقعن الانفجارات الاقتصادية التي أحدثتها الرأسمالية، كما وكيفا، والتي علمتنا أن "ماهيتنا انعكاس لمقدار ما نملكه". وبعد أن أحدثت طفرة في أدوات القياس الاقتصادية، التي كانت متعلقة بالأوزان، فتوسعت بصورة شمولية إلى المعلومات والموجودات الذكية، والتجارب، وإتاحة الوصول، وغيرها. وحيث أن كل شيء أضحى قابلا للاحتكار والبيع، الفكرة والهواء والعلاقات وحتى حمضك النووي، فإن الحديث عن ما تفعله بنا الرأسمالية لم يعد ترفاً. في عالم لو وصف بالـ"تسليعي" فلن تعد مبالغة، حيث أضحت العواطف والذكريات مادة تصنع وتستثمر في اقتصاد المتعة، وفقدت عبارة "تقديم خدمة" معناها، و"هدية مجانية" حقيقتها، إذ لم يعد هنالك شيء بالمجان. في دين الرأسمالية "كل منتجاتك سريعة الزوال"، وعبيد تلك الرسالة هم الزبائن، لدين يقوم على زوال متجدد. ك� زبون هو في عين أرباب الرأسمالية تابع ثمين، فعلى سبيل المثال: الزبون الجديد لوكالة سيارة ما، يساوي ٣٢٢٠٠٠ دولارا -آنذاك والدراسة قديمة-، هذا الرقم تقدير لاحتمالات عدد السيارات المتوقع شراؤها، وعدد الخدمات التي تحتاجها تلك السيارات خلال عمره، ناهيك عن الشراكات والشبكات المعقدة بين الشركات الكبرى والتي قد تعظم من قيمة الفرد بمحاولة اختراق كل مجالات حياته، وقدرتها على أن تستدر أمواله عبر صناعة الاحتياجات، وإيهامه بأولوية الرفاهيات. هذا أحد الأمثلة على "كيف ترانا الشركات؟"، والخطورة هنا لا في معرفة ذلك، بل في معرفة أن العالم الذي نعيشه اليوم هو عالم "الشركة"، وعليه صيغت الأنظمة ورسمت الحدود.
لماذا "عصر الوصول"؟ لأن الرأسمالية بنموها السريع والخطير، كوحش فرانكشتاين، تخطت صورتها المتخيلة عند أعدائها الأوائل، فقد تجاوزت في "عصر الوصول" شراء الأشياء إلى شراء الوصول إليها، فلم يعد يسأل المتبضعون أنفسهم: ما الشيء الذي أريد امتلاكه؟ بل: ما الشيء الذي أريد تجربته؟ فأضحى الوصول إلى التجربة، واختبار الشعور، وصناعة الذكريات في حد ذاته سلعة. وحيث أن الجشع القيمة العليا للشركات، فإن النجاح يتجلى في امتلاك الأصول والبذور، بالمعنى الحقيقي لا المجازي وحسب، وبيع الوصول إليها. فمثلا في مجال الزراعة، احتكرت بعض الشركات ملكية بذور الحياة، ولم تعد في أيدي الفلاحين، فلا يملك الفلاح إلا شراء أذن الوصول إليها، بل بلغ الإفراط بالشركات إلى أن تمتلك الأشخاص وأعضاءهم، فلم يعد امتلاك الإنسان لنفسه بدهية من البدهيات، ففي إحدى الدعوات القضائية، أثبتت محكمة في كاليفورنيا أن أجزاء من جسم رجل أعمال من ألاسكا قد أصدرت لها براءات اختراع دون موافقته، وذلك أثناء خضوعه للعلاج في جامعة كاليفورنيا، حيث اكتشف أحد الأطباء أن نسيج طحاله ينتج نوعا من بروتينات الدم التي تسهل نمو خلايا الدم البيضاء التي تعمل على مكافحة السرطان، فاستحدثت الجامعة خطا لإنتاج الخلايا من طحاله، واستلمت عن ذلك براءة اختراع تقدر بقيمة أكثر من 3,000,000,000$، ولما قاضى الرجل الجامعة مدعيا حق امتلاك أنسجة جسمه، قضت المحكمة برفض دعواه. وتخيل -عزيزي القارئ- أنه إذا احتاج شخص من عائلته إلى خلاياه مستقبلا للعلاج، فعليه أن يدفع أجور ذلك إلى الجامعة لتأمين الوصول إليها! هذا يجيب على سؤال: لماذا "رأسمالية مفرطة"؟ مضافاً إليه: أنها لم تعد تهدف إلى السيطرة على الموارد الطبيعية ووسائل التصنيع والتوزيع، بل إلى السيطرة على الموارد الثقافية واستغلالها على أسس تجارية، وهذا يعني أن تطورها ونموها سيفقدان الاستجابة التلقائية للواقع الاجتماعي والمعاشي للإنسان. وعليه� فإن العالم بأسره أضحى مسرحا، وساحة ألعاب ترفيهية، ومدناً افتراضية تستورد كل ما هو قابل للبيع -وكل شيء قابل للبيع فيما يبدو-. والمضحك في الأمر، أن تلك المحاولة لبيع تجارب فريدة للزبون، جعلت من التجارب ذاتها صورة سمجة، لا طعم لها ولا لون، تجدها أينما اتجهت في عواصم العالم. "إننا نجازف بكوننا أول أناس في التاريخ تمكنوا من جعل صورهم الخادعة زاهيةً ومنتشرةً وواقعيةً، لدرجة أن يستطيعوا العيش في داخلها". ويكفي� في معرفة الأثر الذي أحدثته، أن تتصفح الثبت التعريفي في نهاية الكتاب لترى حجم المصطلحات المتولدة عن ظهورها. فقد تآكلت الملكية الفردية لصالح عقود الإيجار والاشتراكات، وغاب الاستقلال الاقتصادي للأفراد والدول، وتوسعت هيمنة الشركات على الحياة اليومية، وتغير مفهوم العمل والوظائف، حيث أصبح الاقتصاد يعتمد على عقود مؤقتة وشبكات عمل غير مستقرة. خطورة هذا تعد مضاعفة إذا استحضرنا الهم الذي قد لا يقض مضجع الكاتب، أن مجتمعاتنا التي تملك خصوصية دينية وثقافية، أضحت في إسار شركات عالمية تملك رؤى أيدلوجية مناقضة، فبامتلاكها حق الوصول إلى كل أطيافه، وحق إيصاله إلى كل خدماته، تضمن إحكام قبضتها عليه.
لولا انتشار أفكار الكتاب -وفي هذا دلالة على قوتها-، لعددت قراءتي له إحدى القراءات الفارقة، والتي أحب أن أضع لها رفًّا باسم "قفزات قرائية"، ومع ذا، فشموليته جعلت منه مرجعا لا غنى عنه، وإنجيلا في التحذير من الثقافة الجديدة للرأسمالية المفرطة....more
أبو هيوم حاق الدنيا ومشى :) لعل أبرز ما اتسم به ديفيد هيوم هنا، هو جرأته في معارضة مسلمات الفلاسفة قبله، وجسارته على الهدم دون البناء، إلا أن الجرأة ليأبو هيوم حاق الدنيا ومشى :) لعل أبرز ما اتسم به ديفيد هيوم هنا، هو جرأته في معارضة مسلمات الفلاسفة قبله، وجسارته على الهدم دون البناء، إلا أن الجرأة ليست بالضرورة محمودة. فعلى ما توحي به اعتراضاته للوهلة الأولى من وجاهة، إلا إنك بعد التأمل تجدها تحمل من التناقضات الكثير، منها ما تلمحه من أول السطر، ومنها ما تصل إليه بعد مساءلته، أو مساءلة غيرك له. أظنه يعد رائد المذهب الشكي لا ديكارت، فالشك هنا قيمة جوهرية تقوم عليها فلسفته، وإليه تنتهي. ساهم في تحرير عدة مسائل عبر تشكيكه في طبيعتها، ومن ذلك: الأفكار والانطباعات، ومنها ولج إلى تشكيكه الشهير بمبدأ السببية، وإعادة تعريفه له بالعادة الناتجة عن التكرار، مما يدل ضرورة على إنكاره للماقبليات العقلية، وتقديسه للتجارب الحسية. ما فعله هيوم كان ذكيا، فقد تخلص من عبء السببية ولوازمها بإعادة تعريفها وفق مذهبه، أو ما نعده: "تسمية بغير اسمها"، وعليه، فإن لغط كثير من العقول وغلطها في قبول ذلك ابتداء، والواجب أن نسن سنته، فنرفض تعريفه ونعيد التعريف حسب رؤانا، لأن المصطلح وليد منظومة ورؤى وفكر متكامل، فإن ربّي خارج منظومته، كان كاللقيط، ليس له قيمة ولا اعتبار بين بني قومه، ولا عند غيرهم. لا أن نعيد إنتاج ذات الأفكار، ونحاول تدجينها، لنخرج بفكرة هجينة، تشغلنا بمداواة أعراضها عوضا عن اجتثاث الجذور. ومن الغرائب أيضا تشكيكه بالاستقراء منهجا من مناهج المعرفة، نافياً ضمانة حدوث أي شيء في المستقبل قياسا على استقرائنا للماضي، وهذه الأعجب في حقه لأنها تنسف أول ما تنسف تأملاته التي اكتسبت قوتها من استقرائه -وعيا أو بغير وعي-، لكنها ضريبة تجريد الأفكار تجريدا متطرفا، مشترطا في قبولها الدلالة الحسية المباشرة. ومن الغرائب أن هيوم يرفض قبول المعجزات والتصديق بها ولو شهد عليها أشهاد ثقاة من أهلها؛ لأن معرفتنا بالعالم وسننه الثابتة أقوى من التصديق بشهادة غيرنا على انخراق عاداته. وأنا هنا نقلا عن هيوم أرد على هيوم بفساد رأيه المبني على الاستقراء، لأن هيوم يرى أن الاستقراء عملية معرفية مشكوك فيها :) فأي الهيومين نقبل قوله منهما؟ كما أنه وقع في الدور عندما رفض المعجزات مستدلا بفرضية ثبات القوانين الطبيعية. ناهيك عن أنه أدخل من الشباك بقوله هذا الميتافيزيقا التي أخرجها من الباب. وفيما يخص الأخلاق، فإنه يرى أنها تستند للشعور لا العقل، ويرفض فطريتها، ويرى أنها تتكون عبر التجربة والعادات الاجتماعية، وبالتالي يلزم القول بنسبيتها. وطبعاً أظنك استنتجت بنفسك رأيه في الدين والاستدلال على الخالق، والذي سقط مع إسقاطه للسببية، وكان أحد أبرز لوازم مقوله. إن أظهر ما قام بعمله هو وغيره من رواد المدارس التجريبية والحسية، هو أنهم ضيقوا علينا خناق هذا العالم، وحرموا الإنسان من الطرائق المتعددة التي بها -عبر الزمان- تعرف إلى نفسه وخالقه، فكأنه بإعراضه عن تلكم الوسائل عاقب نفسه بالـ"معيشة الضنك"، ففي أحسن الأحوال وبأحسن الأوصاف، نستطيع أن نصف رواد تلك المدرسة بالتطرف، فقد كانوا كمن رفض وبكل حدية، أن يتعرف على العالم إلا بحاسة واحدة من حواسه، فإن قبلنا -جدلا- سلامة تلك الحاسة، وقبلنا بشهادتها، فلا يعني ذلك تسليمنا لاحتكارهم الذي اختاروه، ثم أجبروا العالم عليه عند المعرفة والاستدلال، ناهيك عن الفراغ الكبير الذي تركوه، عندما آثروا الصمت عوضا عن تقديم بديل لتفسير المعنى والوجود. فسبحان من وصف أهل الضلال بقوله: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء}، فوسع الضيق الحرج في الآية كل معاني الضيق، من ضيق الأنفس والعقول، وطرق النظر، وصور الفكر، فتأمل.
بلغة الفلسفة التي يهذي بها هيوم نقض كثير من الفلاسفة أقواله، ككانط وتوماس ريد ولويس، أما إن كنت من أنقياء الفطرة، فلا حاجة لك إلى هؤلاء، ويكفيك بقية من عقل لتعلم فساد كثير مما ذكر وضعفه.
*قراءة أولى سريعة، كانت ستكون أغنى وأمتن لو صاحبها نقاشات إثرائية....more
لكل كسول عاجز يود القراءة عن الليبرالية، أسسا ونظرية وظروف نشأة وتطور، في سياق نقدها ومراجعة أصول أفكارها، بلغة رصينة، هادئة، مرتبة الأفكار، أقول لك: لكل كسول عاجز يود القراءة عن الليبرالية، أسسا ونظرية وظروف نشأة وتطور، في سياق نقدها ومراجعة أصول أفكارها، بلغة رصينة، هادئة، مرتبة الأفكار، أقول لك: يا ابن المحظوظة.. ها قد عثرت على ضالتك في كتاب لا يجاوز ال٢٠٠ صفحة! هذا الطيب أبو عزة تفضل بعصر قراءاته وأبحاثه الطويلة في كتيب صغير جامع مانع، فكفى المشغول مؤونة الجولان بين أزقة كتب الفكر طولا وعرضا، وضمن له بجودة خبرته أن يستند إلى كتابه عند مقارعة خصومه. كان الأوجب في حقه أن يعنون الكتاب بـ"موجز في الليبرالية - عرض ونقد".
عن الليبرالية التي صارت "تسوق بوصفها الدين الخاتم"، أو كما عبر عن ذلك فوكوياما بـ"نهاية التاريخ"، الذاهل -في وثوقيته- عن الطاقة الإبداعية للفكر والفعل البشريين، وانطلاقا من رفض الطيب النزوع الاحتكاري للحرية في الليبرالية، الذي يتجاهل مثالية هذا المفهوم "أفقا" لحركة الفكر والفعل، ويمذهب المثال؛ فيستحيل بذلك إلى وثوقية سياسية وفلسفية مغلقة، ويوقف عجلة المراجعة النقدية، وطلب التجويد والتطوير، جاء هذا الكتاب.
تمتاز قراءته النقدية باستحضار الشرط التاريخي، وعدم الاكتفاء بالمعاجم اللغوية، حيث دحض كثيرا من مزاعم الليرالية عبر التتبع التاريخي والمجتمعي، أولها الحرية، وآية ذلك أن الاستعمار، وما ارتبط به من استعباد، كان نتاج الرأسمالية الليبرالية، ولم يكن نتاج المجتمع الإقطاعي.
يوثق التطور الدلالي الهام، الذي شهده مفهوم الليبرالية في تاريخ الثقافة والاجتماع الأوروبي؛ وهو أنه في القديم لم تكن الحرية ترتبط بالكائن/ الفرد، بل ترتبط بالمدينة/الدولة، وكانت اللفظة تعني باللاتينية: الشخص الكريم النبيل الحر (يلحظ التشابه الدلالي بين اللاتينية والعربية قديما). لقد كان وعي الحرية في المجتمعات التقليدية وعيًا بمفهومٍ جمعي، يخُصُّ أرضًا أو شعبًا أو جماعةً. أما الفرد، فلم تكن له هويته كينونةً مُتفرِّدة مُتميزة؛ بل كان يُنظر إليه من جهة انتمائه إلى قبيلة أو عشيرة... بمعنى أن هويته كانت موصولة ومتماهية مع هويَّة الجماعة، وكان أناه الفردي ذائبًا في أنا الجماعة، التي ينتمي إليها عضويًّا وإثنيًّا ودينيًّا. ولذا، يحرص الفكر الليبرالي على إرجاع ميلاد الحرية -بمدلولها الفردي- إلى القرن الثامن عشر، أي إلى (نظرية العقد الاجتماعي). لك� من أجل الإحاطة بنظرية الحرية في الفكر الغربي، لابد من الرجوع إلى ما قبل زمن الاستنارة، وإلى القرن السادس عشر تحديدًا؛ حيث سنجد مفهوم حرية المَلَكَةِ الفكرية للفرد، قد تبلور مع حركة الإصلاح الديني؛ إذ معها برزت المناداة بإطلاق التفاعُل الحر للفرد مع النص المقدَّس، وتحريره من سلطة التأويل الكنسي. وهنا يمكن أن نعُد هذه الحركة أول تمظهُر لإرادة الحرية المعرفية. وقد كان مقام العقل في النسق المعرفي للإصلاح الديني الأوروبي مقامًا خفيضًا مُحتقرًا، فسواء عند لوثر أو كلفن أو هولدريخ زْوينكَل، لن نجد للعقل أي تقدير. إن رفضهم لوصاية الكنيسة على الفرد لم يكن يُرادف إطلاق فعالية التأويل العقلاني، بل كان مجرد إطلاق لتفاعُل وجداني وشعوري مع النص، خارج الوصاية البابوية وتفسيرها الأحادي (وهذه ملاحظة ولفتة هامة). لكنَّ هذا الجانب الذي أغفلته حركة الإصلاح الديني، أي: تحرير فعل التفكير والتأويل العقلاني؛ هو ما سيأتي القرن التالي (السابع عشر) للتوكيد عليه، مع تأسيس الأنساق العقلانية (الديكارتية، والسبينوزية، واللايبنتزية). وإذا كانت حركة الإصلاح الديني حرَّرت الفرد من إطلاقية السلطة التأويلية الكنسَّية، والديكارتية قد حررَّته بوصفه ذاتًا مُفكِّرة؛ فإن القرن الثامن عشر سيُحرر الفرد بوصفه ذاتًا سياسية، وذلك بالتأكيد على مفهومي الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي. غير أن ليبرالية القرن التاسع عشر ستنقلب على هذا المفهوم؛ إذ لم تعُد الحرية معها تُقدَّم بوصفها استحقاقًا طبيعيًّا للكائن الإنساني برسم إنسانيته، بل تم تغير مدلول الحرية هو الآخر؛ فأصبحت لا تعني سوى حرية الفرد المالك! وذلك قلب جذري للمدلول الماهوي للإنسان؛ من إنسان عاقل إلى إنسان اقتصادي؛ وبذلك، استوت الفلسفة الليبرالية بوصفها منظورا اقتصاديًّا يبتذل الحرية، ويختزلها إلى مُجرَّد دال على حرية القوة الاقتصادية. ولا يزال هذا التصور ناظمًا للوعي الليبرالي، ومهيمنًا على خطابه إلى اليوم. وبذلك، يصح القول إن الليبرالية -بدءًا من القرن التاسع عشر، وإلى اللحظة الراهنة- ليست دعوة إلى حرية الفرد بوصفه كائنًا إنسانيًّا، بل هي دعوة إلى حرية الفرد بوصفه مالكًا اقتصاديًّا لأدوات الإنتاج، ليس بمدلولها المادي المختَزَل في السيولة النقدية والتقنية الآلية والثروة الطبيعية، بل بمدلولها الموسَّع باعتبارها ثروة. ويخلص في كتابه هذا إلى القول: بأن الليبرالية في جوهرها ليست تحريرا للكائن الإنساني، إنما هي تحرير للرأسمال؛ ليتحول من أداة إنتاج تخضع للمراقبة الاجتماعية، إلى كيان مهيمن يتحكم في الاقتصاد والسياسة والإعلام، ويوجه مسار الحياة الإنسانية وفق منطقه المادي القاصر.
منهجه البحثي: اشتغ� بمنظورين اثنين: � الأول، وهو الناظم لرؤيته النقدية يقوم على مقاربة فلسفية تتناول الأسس المفاهيمية والمعرفية الليبرالية، بقصد الكشف عن زيف مزاعمها (نقد مثالي). الثاني� يرتكز على المقاربة التاريخية والسوسيولوجية للنسق الليبرالي، من حيث هو نظام مجتمعي.
ف� الفصل الأول؛ يبحث دلالة مفهوم الليبرالية، بسؤال ناظم، هو: ما المدخل المنهجي المناسب لهذه المقاربة الدلالية؟
أما الفصل الثاني؛ فخصَّصهُ لبحث الليبرالية، من حيث هي نظرية سياسية. محدداتها: ١- الفصل بين السياسي والأخلاقي. ٢- الرؤية الذرية للوجود الاجتماعي. ٣- النزوع نحو تحرير الفرد المالك (للقوة الاقتصادية) من استبداد السلطة السياسية المطلقة. والأطروحة التي يتبناها، هي إنه يعد ميكيافيللي مؤسِّسًا للنزعة السياسية الليبرالية؛ بفصله بين السياسي والأخلاقي. ثم سينتقل إلى بحث الإسهام الفلسفي/ السياسي لجون لوك، حيث سيقف عند بنائه لمفاهيم النسق السياسي الليبرالي. ولاستكمال صورة النظرية السياسية الليبرالية، لا بُد من بحث مسألة فصل السلطات، وهنا سيكون من اللازم دراسة إسهام الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو، والتساؤل عن دوره في بناء المنظور السياسي الليبرالي.
في الفصل الثالث؛ ينتقل إلى بحث بُعدها الاقتصادي (الذي يرى الإنسان كائنا اقتصاديا)؛ حيث يحلل مرجعيتها الفكرية، لكن دون اختزالها في الاقتصاد السياسي الإنكليزي (عند سميث وريكاردو ومالتوس)، كما هو مسلك غالبية الدراسات. بل يستحضر أيضًا مرجعيتها الفيزيوقراطية، وجدلها مع المركنتالية.
أما في الفصل الرابع؛ فيبحث النيوليبرالية، بدءًا من تحليل سياق نشأتها، وإلى بحث اتجاهاتها النظرية التي تبلوَرَت مع المدارس الثلاث: المدرسة النمساوية مع كارل مينغر وبوم فون باڤرِك، ومدرسة لوزان مع فالراس وڤيلفردو پارتو، ومدرسة كمبريدج مع ستانلي جيفُنس وألفريد مارشال. وفيه حصر المحددات النظرية للنيوليبرالية في: ١- انتقاله من أن العمل هو محدد القيمة في الليبرالية، إلى أن المنفعة المتعلقة بذاتية المستهلك هي محدد القيمة، وعليه انتقل من مستوى الموضوعية إلى الذاتية. ٢- توسم المدارس الثلاث بالمدرسة الحدية، وذلك أنها في تحليلها الاقتصادي تتقصد دراسة الوحدات الاقتصادية الأخيرة، فالرأسمال الحدي هو آخر مقدار استثمر من الرأسمال، والأجر الحدي هو أجرة آخر عامل، والسعر الحدي هو سعر آخر وحدة أنتجت من مادة معينة. ٣- النزوع الخيالي التجريدي، وذلك أن هذه المدارس تنزع إلى بلورة ما تسمية الاقتصاد الخالص أو المحض. ٤- استمداد الصياغة الرياضية التي تنظر إلى الوحدات الصغرى وتؤسس باستقرائها مفاهيم وأحكام عامة. ونظرًا لمحورية مفهوم السوق داخل النسق النيوليبرالي، أعطاه اعتبارًا استثنائيًّا؛ فخَصِّص له ما يكفي لبيان وضعه في الرؤية النيوليبرالية.
في الفصل الخامس؛ ولأن الليبرالية ليست محض نظرية، بل هي منظومة مجتمعية تتجاوز الحقلين الاقتصادي والسياسي، إلى حقل الإنسان ببُعده الأخلاقي؛ سيقف لمساءلتها؛ من حيث علاقتها بالحرية والأخلاق. وسيذك� محدداتها، ثم يستعرض ملاحظاته عليها: الشكلية؛ من حيث أن بحث فلامان المسألة الأخلاقية في كتابه لم يجاوز صفحة ونصفا، والمضمونية؛ من حيث تحليل هذه المبادئ الأخلاقية ذاتها وتفكيكها؛ مؤكدا إفلاسها الأخلاقي، لكتابتها بلغة تجارية، تقوم على مفاهيم الثمن والبيع والشراء ومقدار الادخار. ناهي� عن أن أكبر أصل نظري للأخلاق الليبرالية يتمثل في الإسهام الفلسفي لجيرمي بينثام، الذي انتهى بنزعة موغلة في تجريد القيم الأخلاقية من كل أساس مرجعي متعال، إلى أن المبدأ الأخلاقي الوحيد هو مبدأ المنفعة بمدلوله الفردي الخاص، واضعا معيارا لقياس السلوك الأخلاقي والعملي قياسا كميا من خلال سبعة محددات، هي: - المدَّة: مُحدِّد لقياس المدة الزمنية للذَّة؛ فاللذة المستمرة - أو الممتدة زمنيًّا-أفضل من العابرة. - الشِدَّة: قياس مدى قوَّة اللذة، أو ضعفها. - التيقُّن من الإنجاز: فإن اللذة المؤكَّد حصولها، أفضل من التي نشك في إنجازها. - القُرب: فإن اللذة العاجلة أفضل من الآجلة. - الخصب: النظر في مدى إثمار اللذة لِلَذَّاتِ أخرى! - الصفاء: أن تكون اللذة خالصة غير مصحوبة بألم! - الامتداد: أي قياس مدى تعدي اللذة من الفرد إلى الآخرين. لذا� يصح القول إن الفلسفة الأخلاقية الليبرالية في جوهرها لا أخلاقية، بل لن نبالغ لو قلنا: أنه لم يسبق لمذهب فلسفي أن ابتذل الأخلاق، وقاس قيمها بأوراق البنكنوت، مثلما فعلت الليبرالية.
وفي الفصل السادس؛ يلقي نظرة على الخطاب الليبرالي العربي، بدءًا من لحظة دخول المفاهيم الليبرالية مع أولى لحظات الصدام العسكري الذي حدث بين العالم العربي وأوروبا في القرن التاسع عشر، حيث انطلق الوعي العربي نحو مسألة أناه الحضاري، بالتفكير في أسباب ضعفه ومكمن قوة الآخر. وعند الاطلاع، وجد الليبرالية هي الأيديولوجية الفلسفية المهيمنة. وينب� إلى أن كثيرا ممن يتم إرجاع الليبرالية العربية إليهم من رواد الفكر النهضوي، مثل الطهطاوي والتونسي والأفغاني ومحمد عبده ليسوا بالضرورة ليبراليين، لكن الصحيح أن كثيرا من المفاهيم الليبرالية استحضرها هؤلاء الرواد، ودخلت من خلالهم في شكل مفاهيم وأفكار، وليس مذهبا أو نسقا جاهزا. فقد استوت في شكل نسق مع لطفي السيد. ثم انتهى إلى تحليل مفاهيم ونقائص الخطاب النيوليبرالي العربي المعاصر، التي تتجلى خاصة في ضعف تحليلها النقدي للأطروحة الفلسفية الليبرالية الأوروبية وضعف فهم شروط إنتاجها، والاختزالية في فهم مفهوم الحرية، منبهًا إلى إدراك أن تجديد أي حضارة لا بد من أن ينبع من تجديد نسقها الذاتي، لا من استمداد مذاهب وأنساق جاهزة، وتغليفها باصطلاحات أصيلة؛ لإخفاء عجمتها أو المستورد منها. ومع ذلك فيرى أن الخطاب الليبرالي النهضوي القديم أفضل من الخطاب الجديد الذي يقدم هذا المفهوم في صورة فكرة حمقاء على ظهر دبابة غربية، مدعومة بلغة الإملاء والتهديد.
وبعد هذه الفصول الستَّة، ينبغي أن تتوفر مادَّة معرفية كافية؛ تمكننا من الإجابة على سؤال:هل ثمة بديل عن الليبرالية، أم أنها نهاية للتاريخ البشري؟ وأجده دار عند معالجتها في دائرة مغلقة، تؤكد على أهمية الوعي وتأصيل الأفكار -بصفته منظرا-، فكانت المعالجة هنا قاصرة وغير كافية.
يؤكد لي هذا الرجل الطيب -كما اسمه- أنه ممن جمع بين جودة العطاء الكتابي والمرئي، فأنا من خريجي مدرسة شروحاته اليوتيوبية، ومحاضراته القيمة النوعية، واليوم يثبت لي هذا التكامل في العطاء لديه، فاللهم بارك في علمه وارزقنا من واسع فضلك....more
على عكس ما يخيل لك مما يتناقله "بتوع التنوير"، ودعاة "مخالفة القطيع"، ورواد "مدرسة الشك"، الذين صنعوا من المنهج الديكارتي معولا لهدم الأصول وزعزعة الثعلى عكس ما يخيل لك مما يتناقله "بتوع التنوير"، ودعاة "مخالفة القطيع"، ورواد "مدرسة الشك"، الذين صنعوا من المنهج الديكارتي معولا لهدم الأصول وزعزعة الثوابت، بدا لي ديكارت هنا رجلا محافظا، حساسا، مراعيا وورعا، يتخير من الألفاظ والطرق ما يحفظ به على الناس ثوابتهم، ويتحرج من نشر ما قد يعود عليها بالبلبلة وعليه بالضجيج. ولكم صرح مرارا بأن لديه آراء في الطبيعة تخالف المشهور، إلا إنه يؤثر الاحتفاظ بها لنفسه ما دام الناس غير مستعدين لها، وما دامت ستخلخل من أساسات رجال الدين الذين عزا لهم -صراحة- سلطانا على أعماله: "لهم على أعمالي سلطان لا يقل عما لعقلي من سلطان على أفكاري". كما يحسب له موقفه الأخلاقي المتناغم مع أفكاره، عبر تصريحه برفضه استخدام الدولة علمه لغاية حربية: "أن ميلي ليبعدني كل البُعد عن أي مطلب من المطالب الأخرى، وعلى الأخص تلك التي لا يمكن أن تكون مفيدة لبعض الناس إلاّ إذا أضرّت ببعضهم الآخر".
دعا ديكارت لسك قواعده في هذا الكتاب حرصه على "أن يبني علومه على الصخر، والصلصال، لا على المتحرك من الرمال"، فالشك عنده وسيلة يتحقق بها من صحة المواقف التي يتكئ عليها، على عكس الريبيين الذين جعلوا منه مبتغى وغاية. لم يسع ديكارت إلى هدم البناء الذي يعيش تحت سقفه، وإنما التحقق من ثباته، جدارا تلو الآخر، أو كما كتب مرة إلى الأب ميلان: «إذا كان لديك سلّة من التفاح بعضه جيّد وبعضه فاسد، مفسد للباقي، فماذا أنت فاعل؟ إنه لا بد لك من أن تفرغ السلة عن آخرها، وتتناول التفاح واحدة واحدة، لكي تعيد الجيد منها إلى السلة، وتُلقي بالفاسد في مكان الأقذار». وقد سعى إلى اقتصاره في كتابه على قواعد معدودة، لأنه رأى أن انصراف الناس عن المنطق القديم إنما نشأ عن كثرة قواعده وتعقيدها، وأن رؤساء الدول الذين يحكمون بلادهم بعدد قليل من القوانين أقدر على تجتّب المشكلات من الذين يحكمون البلاد بقوانين كثيرة يصعب على الناس مراعاتها. لذلك اكتفى ديكارت في مقالة الطريقة بأربع قواعد: الأولى: قاعدة البداهة، واشتراط الوضوح في تبني الأحكام. الثانية: التقسيم والتحليل للمعضلات قبل حلها. الثالثة: الانتقال من البسيط إلى المركب عند المعالجة. الرابعة: الإحصاء والاستقراء للتأكد من الإحاطة بجميع أجزاء الكل. وهو -كما اشتهر عنه- معجب ومستعمل للمنهج الهندسي والرياضي، ويرى فيه شمولية في معالجة الأمور كلها. أما مراحل فلسفته: فالأولى: الانتقال من الشك إلى اليقين، والذي عالجه بإثبات وجوده عبر إثبات تفكيره وشكه، فالشك هنا أصبح إثباتا في ذاته. والثانية: الانتقال من النفس إلى الله، عبر ما يسمى بالدليل الأنطولوجي (الوجودي)، فالشك علامة النقص، ومعرفتي بنقصي ناتجة عن امتلاكي لفكرة الموجود الكامل، فمن أين جاءتني؟ لا بد من أن يكون لهذه الفكرة من علة، لها من الكمال ما لمعلولها على الأقل، وإذا كانت طبيعتي ناقصة، يلزم عن ذلك أنني لم أخلق بنفسي فكرة الكمال، ولا يمكن أن تستمد من العدم، فلا بد من وجود موجود كامل هو الله. (ويعد من أشهر الأدلة على إثبات الخالق وكماله) بل يجد في فكرة وجود الله وثوقية تعدو ثقتك بأن لك جسما وأن هنالك كواكب وأرض، فهي في نظره أقل ثبوتا من فكرة وجود الخالق. ويعزو إشكالية المشككين إلى قصر عقولهم على المحسوسات، فكل ما لا يمكن تخيله هو غير معقول. ويشبه فعلهم بمن يصر على النظر بسمعه، أو الاستماع بعينه. والثالثة: الهبوط من الله إلى العالم، فوجود الله يضمن له وجود العالم الخارجي، وعلى عكس الكثير، لم يستدل على الله بخلقه، بل استدل بالخالق على مخلوقاته. بعد ذلك تطرق باختصار لفلسفته في الأخلاق، بعد أن أثبت وجود نفسه وخالقه والعالم، ببيان أن السعادة إنما تتحقق بسلوك مسلك موافق لشروط العالم الذي خلقه الإله الكامل، وأن نتقبل حوادثه الصادرة عن إله حكيم. وأثبت في هذا الفصل النفس وانفصالها عن الجسد، وتميزها عنه بالخلود، وعليه فيبطل الخوف من الموت، ويدعو لاحتقار الدنيا، وهاتان قاعدتان أساسيتان من قواعد الأخلاق. ثم إن علم الطبيعة يتمم لنا تعاليم علم ما بعد الطبيعة، فيظهر لنا عظم الكون واتساعه، وينقذنا من الاهتمام بالأمور التي تتجاوز طاقتنا، فـ"الحكمة تقضي بوجوب الإقلاع عن كل ما لا قدرة لنا عليه". وعلى عكس ما قد يوحي به لفظ "فيلسوف الشك" إلى ذهنك، فقد دعا لقواعد أخلاقية، أولها: الخضوع لقوانين البلاد وعاداتها ودينها، واتباع التوسط من الآراء لا المتطرف منها، واعتباره لما ندعوه "العرف" محكاً -بشكل صريح- عند تنظيم السلوك. والثانية: تجنب التردد في المسائل العملية، والتسليم مؤقتا بالآراء المشكوك فيها، واعتبارها يقينية ريثما ينجلي الأمر. ونطق بحكمة ثمينة، مؤداها: السير على الطريق وعدم التوقف وتغيير الوجهة في كل لحظة، لأنه بدون الثبات لا يمكن الاهتداء إلى غاية. وهي حكمة ثمينة مهداة لمن تضطرب به أمواج الحياة، وتموج به شكوكها، فلا تكاد قدمه تثبت على وجهة. أما الثالثة: فمجاهدة النفس، عوضا عن مغالبة الحظوظ والمقادير، فـ"المرء لا يرغب إلا فيما يتصور إمكان حدوثه". والرابعة: "أن البحث عن الحقيقة هو أسمى عمل يليق بالإنسان". وفي القسم الأخير من كتابه، أبان عن منهجه والأسباب التي حملته على الكتابة.
لفت نظري عدة تشابهات وتقاطعات لمقولاته مع غيره، وأنا من هواة جمع الأشباه والنظائر لكبار العقول، ومن ذلك اتفاقه مع ابن تيمية في أن المنطق "ليس فيه وحده كبير فائدة لأنه يكتفي بالبرهان على أن حقيقة من الحقائق منطوية في حقيقة أخرى، ويعجز عجزًا تامَّا عن الكشف عن أية حقيقة جديدة. وهو أيضًا يصلح لإيضاح المعلوم لا لتعلم المجهول"، يقابله رأي ابن تيمية الذي أكد مراراً على أن التصورات متحققة دون الحدود المنطقية، وأن "ما ذكروه من صور القياس ومواده، مع كثرة التعب العظيم ليس فيه فائدة علمية، بل كل ما يمكن علمه بقياسهم المنطقي، يمكن علمه بدون قياسهم المنطقي، وما لا يمكن علمه بدون قياسهم، لا يمكن علمه بقياسهم، فلم يكن في قياسهم لا تحصيل العلم بالمجهول الذي لا يعلم بدونه، ولا حاجة به إلى ما يمكن العلم به بدونه. فصار عديم التأثير في العلم وجودا وعدما، ولكن فيه تطويل كثير وتعب. فهو مع أنه لا ينفع في العلم، فيه إتعاب الأذهان، وتضييع الزمان، وكثرة الهذيان". ويعضد قوله: "العقل أعدل الأشياء توزّعًا بين الناس، لأن كل فرد يعتقد أنه قد أوتي منه الكفاية، ولأن الذين يصعب إرضاؤهم بأي شيء آخر ليس من عادتهم أن يرغبوا في أكثر مما أصابوا منه" قول الجاحظ: "ليس على ظهرها إنسانٌ إلا معجب بعقله، لا يسرُّه أن له بجميع ما له ما لغيره، ولولا ذلك لماتوا كمدًا ولذابوا حسدًا". كما أنه يشبه الغزالي في المنهج ابتداء، حيث اختار كلاهما الشك منهجا، ومنه توصلا لليقين، كما تشابهت أفكارهما وطرق التوصل إليها، ومن ذلك اتفاقهما على التفريق بين العقل والحواس، وإبراز أهمية العقل في تصحيح أخطاء الحواس، يقول ديكارت: "وعلى ذلك فإنه من السهل علينا جدًّا، بعد أن جعلتنا معرفة اللّٰه والنفس على يقين من هذه القاعدة، أن نعرف أن الأحلام التي نتخيلها في النوم لا تحملنا أبدًا على الشك في صدق الأفكار التي تحصل لنا في اليقظة. لأنه إذا اتفق للمرء، حتى في النوم، أن يتصور فكرة جد متميزة، كأن يكشف أحد علماء الهندسة برهانًا جديدًا، فإن نومه لا يمنع هذا البرهان من أن يكون صحيحًا. أما الخطأ العادي في أحلامنا، وهو يقوم على أن الأحلام تصوّر لنا أمورًا مختلفة على النحو الذي تفعله حواسنا الظاهرة، فليس مهمًّا أن يكون هذا الخطأ باعثًا على الارتياب في صدق مثل هذه الأفكار، لأنها نستطيع أيضًا أن تخدعنا في كثير من الأحيان من دون أن نكون نيامًا، كمثل المصابين بمرض اليرقان، فهم يرون كل شيء أصفر اللون، أو كمثل الكواكب والأجسام البعيدة جدًّا، فهي تظهر لنا أصغر بكثير مما هي عليه" ويقول الغزالي: "وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيرًا في مقدار دينار، ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار". ولعل أبرز نتائج هذا الإقرار الأخير، الرفض الصريح للشك المؤدي للعبثية. أيضا عبارته: "أولئك الذين لا يسيرون إلا ببطء شديد، يستطيعون، إذا سلكوا الطريق المستقيم، أن يحرزوا تقدمًا أكثر من الذين يركضون ولكنهم يبتعدون عنه" تتفق ضمنياً مع العبارة الشهيرة "من سار على الدرب وصل". وهذه من أبرز الوصايا لكل سائر على أي طريق. ومن السمات التي جمعته مع غيره من رواد العمل والإنجاز، اختياره معاركه بعناية، لعلمه بقيمة الوقت، يقول في سياق رفضه لخوض معارك إثبات صحة آرائه: "ولكنني أعتقد أنه ينبغي لي أن لا أضيع ما بقي من الوقت على قدر ما لي من الأمل في القدرة على حسن استخدامه." ولعل أبرز التقاطعات بينه وبين العلماء غيره، هذا الإقرار الدائم بالتواضع والاعتراف بالجهل: "وإني لأريد حقا أن يعلم الناس بأن القليل الذي تعلمته حتى الآن ليس شيئا يذكر بالنسبة إلى ما أجهله، ولست بيائس من تعلمه". كما يوصي ختاماً بتداول آرائه كما هي دون تحريف أو تبديل، ويرجو من أحفاده مستقبلا أن لا يصدقوا ما سينسب إليه من الأمور ما لم يذعها بنفسه :)
الترجمة رائعة.. الكتاب سلس ويسير وواضح، لا يصبو للتنطع أو العبث، وإنما التوصل للحقيقة.
عبارة الامتنان الختامية: "سأكون دائمًا معترفًا بالجميل للذين يعينونني على الاستمتاع بأوقات فراغي، دون عائق، أكثر من اعترافي بجميل الذين يعرضون عليَّ أشرف مناصب الأرض."...more
أخيراً، كتاب تواجه به من يتلكأ ويتهرب من تحسين ملكته اللغوية، ويقطع مواقع الاستشارات والأسئلة طولا وعرضا سائلاً بأسى عما يمكن أن يلج به لعالم اللغة، مأخيراً، كتاب تواجه به من يتلكأ ويتهرب من تحسين ملكته اللغوية، ويقطع مواقع الاستشارات والأسئلة طولا وعرضا سائلاً بأسى عما يمكن أن يلج به لعالم اللغة، متذرعاً بوعورة الطريق، وحيرة المبتدئ.
يتميز الكتاب -وهو من الصنف المتوسط القابل للتحسين والتطوير- بتقديم خطة عملية، وأنا أجلّ وأثني على كل من يهتم بهذا النوع من التصانيف؛ لما له من النفع العملي في الساحة، والأثر الواضح والمباشر للعاملين والمنشغلين بالإحسان والتصحيح. كما يبدو واضحا من عنوانه والمراجعات المكتوبة عنه، يقدم خطة عملية لتكوين لغوي بارع، أو قل ممتلك لزمام اللغة بتحصيل أبرز مهاراتها، عبر تحذيره من الوقوع في عقبات الطريق، ثم إملاكه خطة البناء والتطوير، شاملة علوم النحو والبلاغة والعروض والإملاء، متبلغة لمعالي الأدب وعزيز النصوص. غالباً ستخرج منه بمصنفات فاتك الاطلاع عليها، أو مساعدتك في البت في اقتنائها بعد التردد والشك. مختصر وواضح، ولا يترك لقارئه عذراً؛ لتقديمه خارطة طريق، وتيسيره بيانها.
أجد الأمثلة التطبيقية لمثل هذا النوع من الطرح، تتجلى في برامج الأ. فيصل المنصور، وبرنامجه النوعي "مجالس العربية"، فمن رام الصحبة في الطريق، والمعلم في العناية والتقييم، فليلتحق به. *رابط البرنامج في التلجرام: ...more