Mohamed Al's Reviews > العمى
العمى
by
by

لا بد لمن يزور باريس أو لندن أو دبي أن يجرب تناول العشاء في مطعم "الظلام"، فالمطعم كما يوحي اسمه غارق في العتمة، ويعمل به ندل عميان سيتحولون إلى العين التي ستبصر بها في الظلام الدامس، وتبلغ الإثارة ذروتها عندما ستجلس إلى الطاولة وأمامك أطباق لا تعرف مافيها ولا كيف تصل إليها لتضعها في فمك. قد لا تكون التجربة ممتعة، ولكنها حتمًا ستعطيك مذاقًا -ولو لساعات- عن المعاناة التي يعيشها فاقدو البصر والعالم الذي يتعثرون فيه!
أو بإمكان من لم يتسنى له زيارة هذا المطعم أن يقرأ هذه الرواية التي تتحدث عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يصاب أهل هذه المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق موجة من الذعر والفوضى العارمة.
كانت هذه الرواية -بالنسبة لي- بمثابة تأشيرة الدخول إلى مملكة خوسيه ساراماغو الأدبية قبل سنوات. على الرغم من أنني سبق وأن شاهدت الفيلم المستوحى من الرواية إلا أنه لا شيء يعدل متعة قراءة الكتاب!
يستكشف ساراماغو في هذه الرواية فرضية مثيرة: ماذا لو تحول مجتمع ما -فجأة- إلى مجموعة من العميان؟ كيف سيتعامل ويعامل أفراد المجتمع بعضهم البعض؟ أي تغيير سيصيب بنية مجتمع أفراده من العميان؟ هل سيحكم في نهاية المطاف من بيده القوة والسلاح؟ هل سيسود "مجتمع الغابة" الذي تحدث عنه توماس هوبز، الفيلسوف الإنجليزي الذي أعلن عن "ذئبية الإنسان" حينما أطلق عبارته الشهيرة، "لقد أصبح الإنسان ذئباً على أخيه الإنسان"!
هنالك شيئان آخران، بعيدًا عن كل هذه الأسئلة وبعيدًا عن رمزية الرواية وحبكتها التي أشبعها القراء/النقاد بحثًا، شدا انتباهي. أحدهما أسلوب الكتابة!
سيلاحظ من يقرأ الرواية أن ساراماغو يستخدم الفواصل (،) والنقاط (.) فقط في لملمة حوارات الرواية. فلا وجود للفواصل المنقوطة (؛) ولا وجود للأقواس ( ) أو الشرطات (-) أو النقاط الرأسية (:) أو حتى علامات الإقتباس (") أي أنه -وبمعنى آخر- يعمل على بناء سرد غارق في حالة من الفوضى المترامية الاطراف.
سيصاب القارئ بكثيرٍ من الارتكاب، وسيستغرقه بعض الوقت ليعتاد على القراءة.
الأمر الآخر الذي شد انتباهي، وأربكني بنفس القدر الذي أربكتني فيه الحوارات، عدم تسمية أي من شخصيات الرواية، والإكتفاء بالإشارة إليهم هكذا: الأعمى الأول، زوجة الطبيب، الرجل ذو العصابة السوداء!
هذه المناورة الأسلوبية (إن صح الوصف) هدفها التشويش على القارئ بجعل عملية القراءة أكثر صعوبة. كم مرة توقفت -عزيزي القارئ- أثناء قراءة أحد الحوارات وتساءلت "من قال هذا؟" هل هي زوجة الطبيب أم الرجل ذو العصابة السوداء أم أم !!
وهي بالمناسبة نفس الطريقة التي كانت تتفاعل بها الشخصيات العمياء في الرواية
باختصار .. إن ساراماغو يريد أن يجعل القارئ يشعر بأنه أعمى جزئيا.
لهذا السبب أعتقد أن قراءة الرواية أهم من مشاهدة الفيلم المستوحى منها على الرغم من أن ساراماغو أشاد به، وقال بعد مشاهدته : أشعر بسعادة وأنا أشاهد الفيلم تشبه السعادة التي شعرت بها بعد أن أنهيت كتابة الرواية!!
أو بإمكان من لم يتسنى له زيارة هذا المطعم أن يقرأ هذه الرواية التي تتحدث عن وباء غامض يصيب إحدى المدن، حيث يصاب أهل هذه المدينة بالعمى فجأة، مما يخلق موجة من الذعر والفوضى العارمة.
كانت هذه الرواية -بالنسبة لي- بمثابة تأشيرة الدخول إلى مملكة خوسيه ساراماغو الأدبية قبل سنوات. على الرغم من أنني سبق وأن شاهدت الفيلم المستوحى من الرواية إلا أنه لا شيء يعدل متعة قراءة الكتاب!
يستكشف ساراماغو في هذه الرواية فرضية مثيرة: ماذا لو تحول مجتمع ما -فجأة- إلى مجموعة من العميان؟ كيف سيتعامل ويعامل أفراد المجتمع بعضهم البعض؟ أي تغيير سيصيب بنية مجتمع أفراده من العميان؟ هل سيحكم في نهاية المطاف من بيده القوة والسلاح؟ هل سيسود "مجتمع الغابة" الذي تحدث عنه توماس هوبز، الفيلسوف الإنجليزي الذي أعلن عن "ذئبية الإنسان" حينما أطلق عبارته الشهيرة، "لقد أصبح الإنسان ذئباً على أخيه الإنسان"!
هنالك شيئان آخران، بعيدًا عن كل هذه الأسئلة وبعيدًا عن رمزية الرواية وحبكتها التي أشبعها القراء/النقاد بحثًا، شدا انتباهي. أحدهما أسلوب الكتابة!
سيلاحظ من يقرأ الرواية أن ساراماغو يستخدم الفواصل (،) والنقاط (.) فقط في لملمة حوارات الرواية. فلا وجود للفواصل المنقوطة (؛) ولا وجود للأقواس ( ) أو الشرطات (-) أو النقاط الرأسية (:) أو حتى علامات الإقتباس (") أي أنه -وبمعنى آخر- يعمل على بناء سرد غارق في حالة من الفوضى المترامية الاطراف.
سيصاب القارئ بكثيرٍ من الارتكاب، وسيستغرقه بعض الوقت ليعتاد على القراءة.
الأمر الآخر الذي شد انتباهي، وأربكني بنفس القدر الذي أربكتني فيه الحوارات، عدم تسمية أي من شخصيات الرواية، والإكتفاء بالإشارة إليهم هكذا: الأعمى الأول، زوجة الطبيب، الرجل ذو العصابة السوداء!
هذه المناورة الأسلوبية (إن صح الوصف) هدفها التشويش على القارئ بجعل عملية القراءة أكثر صعوبة. كم مرة توقفت -عزيزي القارئ- أثناء قراءة أحد الحوارات وتساءلت "من قال هذا؟" هل هي زوجة الطبيب أم الرجل ذو العصابة السوداء أم أم !!
وهي بالمناسبة نفس الطريقة التي كانت تتفاعل بها الشخصيات العمياء في الرواية
باختصار .. إن ساراماغو يريد أن يجعل القارئ يشعر بأنه أعمى جزئيا.
لهذا السبب أعتقد أن قراءة الرواية أهم من مشاهدة الفيلم المستوحى منها على الرغم من أن ساراماغو أشاد به، وقال بعد مشاهدته : أشعر بسعادة وأنا أشاهد الفيلم تشبه السعادة التي شعرت بها بعد أن أنهيت كتابة الرواية!!
Sign into ŷ to see if any of your friends have read
العمى.
Sign In »
Reading Progress
Comments Showing 1-18 of 18 (18 new)
date
newest »

message 1:
by
Mohammad
(new)
-
rated it 5 stars
Jul 31, 2014 02:05AM

reply
|
flag







ولكن في النسخة العربية التي بين يدي مشكلتان: أولاهما أن من سوء حظنا أن هذه الرواية لم تكن من نصيب صالح علماني، لأن في ترجمتها بعض ضعف.
الثانية هي حس اللامسؤولية عند دار المدى حيث لم يتعنوا حتى تقسيم الفصول كما هي في نسختها الأصلية، بل جعلو الرواية كلها فصلًا واحدًا وذلك لعله لأسباب تجارية.. هذا أمر مخزٍ حقيقةً