What do you think?
Rate this book
256 pages, Paperback
Published January 1, 2005
يعاش التخلف على المستوى الإنساني كنمط وجود مميز، له ديناميته النفسية والعقلية والعلائقية النوعية. والإنسان المتخلف، منذ ان ينشأ تبعاً لبنية اجتماعية معينة، يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها. فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها، بمقاومة تغييرها، نظراً لإرتباطها ببنيته النفسية
التخلف نفسياً هو نمط من الوجود، اسلوب في الحياة ينبت في كل حركة وتصرف، في كل ميل او توجه، في كل معيار او قيمة. انه نمط من الوجود له خرافاته واساطيره ومعاييره التي تحدد للإنسان موقعه، نظرته الى نفسه، نظرته الى الهدف من حياته، اسلوب انتمائه ونشاطه ضمن مختلف الجماعات، اسلوب علاقاته على تنوعها...
لا شك في ان الفئة المتسلطة، بغية استمرار تسلطها، تعمل على تغذية عقدة النقص والعجز لدى الجماهير، حتى تظل على استكانتها وتبعيتها، وحتى لا تحاول اتخاذ زمام المبادرة في تقرير مصيرها بنفسها. الأمثلة على ذلك لا تحصى ويكفي ان نرى ما يحاوله المستعمر عادة من غرس مشاعر النقص في الشعوب التي يستغلها، وغرس وهم تفوقه عليه علماً وفناً وتقنية وحياة، لدرجة التضليل، والزعم انه اتى لتعليمها والارتقاء بها من خلال احتذاء مثاله
الإنسان المقهور، بدل ان يثور ضد مصدر عاره الحقيقي، يثور ضد من يمثل عاره الوهمي وهو المرأة المستضعفة. بينما تحتفظ الفئة المستغلة لنفسها بلقب الشرف والنبل من خلال ما تتمتع به من امتيازات
يصل المجتمع المتخلف بالضرورة في مرحلة من مراحل تطوره الى العنف، بعد فترة شيوع العلاقات الإضطهادية. وهنا يتوجه العنف ضد القوى المسؤولة عن القهر (المستعمر والمتسلط الداخلي). يتضح للشعب المقهور ان العنف المسلح هو السبيل الوحيد ك�� يعبّر عن نفسه وعن حق في الوجود
ان الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي، انه متحيّز بشكل تلقائي لتدخل العوالم الإنفعالية والعاطفية في أوالية التفكير. وهو قطعي في تحيزه، فإما ان يكون مع او ضد امر ما. ويبدو قصور الفكر النقدي بالتالي من خلال العجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة لمسألة ما، بين المميزات والعيوب
قصور التفكير الجدلي هو لب الذهنية المتخلفة. فهي جامدة قطعية، وحيدة الجانب، تتبع مبدأ السببية الميكانيكية، عاجزة عن العمل تبعاً لمبدأ التناقض
ان الأمر كله (سبب العقلية المتخلفة) يجد مفتاح تعليله في دراسة العلاقة بين البنية الإجتماعية والذهنية التي تنتج عنها، لا اكثر ولا اقل. كل بنية اجتماعية بما تتضمنه من نظام علاقات ومرتبية وإنتاج تفرز ذهنية تتصف بنفس خصائص تلك البنية، تخدم أغراضها وتعززها من خلال ترسيخ نظرة معينة الى الكون، وأسلوب محدد لمواجهة تحدياته وقضاياه
يعاني المتعلم في العالم المتخلف من استمرار الذهنية اللاعلمية لتضافر عدة أسباب: شدة غرس التفكير والمعاش الخرافي في ذهنه منذ الطفولة، سطحية التعليم وعدم مكاملته في الشخصية، لبعده عن تناول القضايا الحياتية والإجتماعية، الإنفصام بين العلم النظري والتجربة المعاشة، الخوف من التصدي للتيارات السائدة (الخوف من الإتهام بالإلحاد) حفاظاً على لقمة العيش في مجتمع قامع لا يضمن حرية الفكر ولا يؤمن للإنسان غده
الإنسان المتخلف كالمجتمع المتخلف سلفي أساساً. يتوجه نحو الماضي ويتمسك بالتقاليد والأعراف بدل التصدي للحاضر والتطلع للمستقبل. وتزداد السلفية شدة وبروزاً بمقدار تخلف المجتمع، وبشكل يتناسب طردياً مع درجة القهر التي تمارس على الإنسان فيه
اللافت للنظر هو ان المجتمع التقليدي، والذين يمسكون السلطة فيه ويتمتعون بكل الامتيازات، لا يبرزون من الدين سوى الجوانب التي تؤكد سلطتهم، وتعزز العرف الشائع والنظام المرتبي... اما الجوانب الثورية، اما جوانب التحرر والإبداع والتغيير والعدل والعدالة والتصدي والشجاعة والجهاد في سبيل الحق وفي سبيل كرامة الإنسان فيسدل عليها ستار كثيف من التعتيم
ان أداة السلطة في المجتمع المتخلف تمارس البطش، من خلال التماهي بالمتسلط، بقدر ما تعرضت له وتتعرض له من قهر. وهي في هذه الممارسة تعبير فصيح عما يعتمل في بنية ذلك المجتمع من قهر وعسف
ان العالم المتخلف مصاب بعقدة الوجاهة والمظهر. يتحول كل كائن فيه الى مخلوق يخفي ذاته من اجل التستر على خوائها الداخلي بكل ما يمكن ان يبهر الآخرين ويثير غيرتهم
هناك دائماً محاولة لإلباس الممارسات السحرية والمعتقدات الخرافية لباساً دينياً يجعلها تصل مباشرة الى قلب الإنسان المقهور ويربطها بإيمانه الديني، مما يزيد من سطوتها عليه، ويدفعه الى التمسك بها. وتصل الخرافة الى مرتبة تعطيل الفكر النقدي والتحليل الموضوعي للواقع واصطناع السببية المادية في التصدي له، مشكلة عقبة فعلية امام التغيير وعاملاً قوياً في استفحال التخلف
من خلال الصورة الخيرة للأولياء وكراماتهم وبركتهم والأدعية وغيرها من وسائل التقرب منهم، يملأ الإنسان المقهور خواء عالمه العاجز المحدد، بأمل القدرة على التصدي لواقعه والتحكم بمصيره، بمقدار ما يتخذ من هذه الرموز حلفاء له. جبروت الرجاء يحل محل قوة الفعل التغييري، روحية الإستجداء والإحتماء، تحل محل المطالبة بالحق والتصدي لإنتزاعه
وليس الشيطان مجرد رمز للغواية اللاواعية، بل يلعب الدور نفسه بالنسبة للوضعية الاجتماعية للأنسان. كل إغراء بالتمرد على المعايير القمعية يلصق بغواية الشيطان.. كل تقصير في النهوض لواجبات المصير الذاتي.. كل عدوان على الآخرين او نيل منهم يحمل وزره للشيطان... وبهذه الصورة تتحول الحياة بما فيها من احداث الى سلسلة مأساوية يقوم الشيطان بإخراجها، ويكون الإنسان مجرد ممثل فيها، دون ان يعرف، تحديداً، طبيعة الدور الذي يقوم به
قراءة الطالع وكشف البخت والتنجيم، وسائل يتوسلها الإنسان المقهور لتلافي عجزه وإدخال الطمأنينة إلى نفسه
يأخذ الغربيون على الإنسان العربي خصوصاً والشرقي عموماً قدريته واستسلامه للظروف، دون ان يحاول التأثير فيها. كما يلومونه على تخاذله وسلبيته اللذين يعتبرونهما عيباً خلقياً حضارياً. ولم ينتبه هؤلاء الى ان هذا الإنسان لم يتراجع الى هذه المواقع القدرية الاستسلامية، إلا بعد عصور طويلة من القهر الداخلي والخارجي، وبعد استفحال الحرمان واتصال المآسي. فالقدرية هي محاولة الدفاع الأخيرة التي توسلها كي يتمكن من الإستمرار في الحياة
ان الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يحسّ بالغربة في بلده، يحس بأنه لا يملك شيئاً، حتى المرافق العامة يحس بأنها ملك للسلطة، وليست مسألة تسهيلات حياتية له هو. ذلك ان الهوّة كبيرة جداً بينه وبينها وإن ما يستحق من خدمان وتقديمات، تقدّم له (إذا قدمت) كمنّة او فضل، لا كواجب مستحق له
العنف هو الوجه الآخر للقهر، وان العدوانية الدمرة التي تتخذ طابعاً فاشياً، هي قرينة الإرهاب. العنف هو الوجه الآخر للقهر والإرهاب، او على العكس، الإرهاب والقهر هما الوجه الخفي للعنف في العالم المتخلف. لا يوازي حدة العنف ولا يفوقه إلا شدّة القهر والإرهاب. فهما من العناصر الثابتة أبداً في بنية أي مجتمع متخلف.
السلطة (في المجتمعات المتخلفة) لا تريد مواطنين، بل أتباعاً، إنها تخشى المواطنية التي تعبّر عن ذاتها، تخشى المواطنية التي تنزلها من مكانتها الجبروتية الى مستوى اللقاء الإنساني
المرأة هي أفصح الأمثلة على وضعية القهر بكل أوجهها ودينامياتها ودفاعاتها في المجتمع المتخلف. في وضعيتها تتجمع كل تناقضات ذلك المجتمع، وفي سلوكها وتوجهها تظهر كل الأوليات التي عددنا. انها افصح معبر عن العجز والقصور، وعقد النقص والعار، وأبلغ دليل على اضطراب الذهن المتخلّف من حيث طغيان العاطفية وقصور التفكير الجدلي واستحكام الخرافة.. فهي رائدة الإنكفاء على الذات والتمسك بالتقاليد، وضعيتها تمثل اقصى درجات التماهي بالمتسلط
تسفل المرأة من خلال أدوار الرضوخ التي تفرض عليها (رضوخ للأب وللأخ ثم للزوج) تحول الى اداة للمصاهرة والإنجاب، الى خادمة، الى المعبرة عن المأساة، الى الإنسان العاجز القاصر الجاهل الغبي الذي يحتاج الى وصي، تماماً كحال الإنسان المقهور امام القوى التي تسلطت عليه. فما يلقاه من تبخيس ومهانة وما يفرض عليه من تبعية يعود فيمارسه على زوجته ونساء اسرته، كما يمكن ان يفرضه على اتباعه ومن هم في امرته
كلما كان الرجل أكثر غبناً في مكانته الإجتماعية، مارس قهراً أكبر على المرأة
يقسم العمل عادة انطلاقاً من اعتقاد ضمني بالدونية المهنية للمرأة. وتحاط هذه بمجموعة من الأساطير والمعتقدات حول إمكاناتها الذهنية، اثبتت الدراسات النفسية الحديثة بطلانها بشكل قاطع، كأسطورة عدم صلاحية المرأة للنشاطات العقلية والرياضية والعلوم المجردة والتطبيقية، والبحث العلمي العالي... حتى حين تتساوى الكفاءة المهنية، نجد ميلاً واضحاً نحو تفضيل الرجل على المرأة، اذ ان القناعة بدونية المرأة المهنية متأصلة في عقل المتخلف
يعاش التخلف على المستوى الإنساني كنمط وجود مميز، له دينامياته النفسية والعقلية والعلائقية النوعية.
يكاد التخلف يكون مرادفا لقلة التصنيع وبدائيته. هناك سوء استغلال للثروات، يصل أحيانا إلى درجة انعدام الاستغلال. وتبقى وسائل الصناعة المستوردة مكدسة يصيبها التلف بعد حين لعدم وجود من يستخدمها ولرداءة صيانتها.
يخرج إلى الحياة بشكل شبه اعتباطي. إنه يولد كمصادفة أو عبء، أو أداة لخدمة أغراض ورغبات أهله أو الآخرين. إنه لا يولد لذاته ولا يعيش حياته لذاته. ثم هو يتعرض لغزو المرض، ولسيطرة الأمية والجهل، ولقسوة الطبيعة وغوائلها بدون حماية أو سلاح كافيين.