القراءة الأولى لستيفن زفايح، رواية قصيرة تركز على تحليل الشخصيتين الرئيسيتين نفسيا وذهنيا، التقابل بين رجل سطحي التفكير متبلد يلعب الشطرنج بطريقة ميكاالقراءة الأولى لستيفن زفايح، رواية قصيرة تركز على تحليل الشخصيتين الرئيسيتين نفسيا وذهنيا، التقابل بين رجل سطحي التفكير متبلد يلعب الشطرنج بطريقة ميكانيكية ومع ذلك فهو مغرور معجب بذاته وبين رجل يخلق في ذهنه عوالم بأكملها ومع ذلك يعاني من هشاشة نفسية رهيبة سببتها له حادثة الاعتقال في سجن النازي، ولا يكاد يفصح عن عبقريته أصلا، للحظة تصورت أن مأساة العالم الحديث تكمن في هذين النموذجين المتقابلين، ربما أبالغ لكن بشكل ما يبدو هذا واقعيا....more
اختراع العزلة، لقد بلغ إعجابي بالعنوان حد الافتتان، وأتصور أنني تحمست للكتاب أصلا من أجل عنوانه :D ، في الحقيقة بداية قراءتي ل "بول أوستر " كانت لنفس اختراع العزلة، لقد بلغ إعجابي بالعنوان حد الافتتان، وأتصور أنني تحمست للكتاب أصلا من أجل عنوانه :D ، في الحقيقة بداية قراءتي ل "بول أوستر " كانت لنفس السبب، أعجبني عنوان روايته "في بلاد الأشياء الأخيرة" وكنت أستخدمه في توصيفي لأمور عديدة قبل قراءتي للرواية بكثير، ومن ثم قررت في النهاية قراءة تلك الرواية لأفهم بالضبط ماهية هذه الأشياء الأخيرة. " الأبناء نيام فإذا مات الآباء انتبهوا" بهذه الجملة يقدم "عبد الله السفر" للكتاب، لهذه الجملة تحديدا سأقرر أن الكتاب يستحق، لقد أردت أن أعرف كيف يواجه الآخرون موت آبائهم، أردت أن أتأكد إذا ما كان الجرح الحي في أعماقي حيا كذلك عند الآخرين مهما كبروا وأيا كانوا ؟! أردت أن أخوض هذه الأحزان مع بول أوستر وأن أبكي من جديد أبي متأملة ما يورثه موت الأب من أحزان لا تزول. يحكي "بول أوستر" عن أبيه الذي مات فجأة، يكتب عنه لا ليتذكره فقط ولكن ليكتشفه، ليعيد اختراعه. علاقة "بول أوستر" بوالده علاقة غريبة، متوترة ربما، باهتة، لا أملك وصفا دقيقا لها، لقد عاشا متباعدين لفترة طويلة، وحتى في الفترة القصيرة التي عاشا فيها معا لم يكن أبوه متواجدا بالشكل الكافي أبدا، لقد كان رجلا غريب الأطوار بشكل لا يصدق، أعترف أنني فوجئت تماما أن رجلا كهذا يمكن أن يكون حقيقيا فضلا عن أن يكتب عنه شيء، شعور بالاستغراب ثم النفور يعتريك في الجزء الأول من حديث أوستر عن والده، لكنه سيتبدل إلى شفقة عارمة في نهاية الحديث حين تكتشف أحداث القصة الرهيبة التي دفعت هذا الرجل ليكون ما صار إليه. كيف لرجل أن يسطح علاقاته بالناس _حتى أقرب الناس إليه_ إلى هذه الدرجة؟ كيف يفقد الشغف لأي شيء؟ كيف يعيش بلا طموح ولا اهتمامات فعلية ولا حب ولا حتى لأبنائه؟ كيف يحتفظ مع ذلك بتعاطف مع الفقراء وشهامة في التعامل معهم وانتماء للأم والإخوة وحب لابن أخت وحيد يبكي عليه عند موته أكثر من ابنه؟ طوال قراءتي للكتاب ومن خلال ملاحظات أوستر الذكية ووصفه الدقيق كنت أعيد اكتشاف معانى العزلة، وأثر فترة الطفولة على نفس الإنسان، وما تعنيه لنا الكتابة، ومدى تشابك علاقاتنا بآبائنا من ناحية مع علاقاتنا بأبنائنا من ناحية أخرى، كيف يكون الإنسان أبا وابنا في نفس الوقت؟ وكيف يرى في ابنه صورته هو نفسه ويستعيد فيه دوره كابن؟! وكيف يمتد الماضي ليحاصر الحاضر بل ويلاحق المستقبل؟! معان عميقة يبسطها أوستر على مهل بلغته الشاعرية العذبة ليجعلها رغم الألم الساكن فيها باعثة على الدهشة والتأمل في آن واحد. الجزء الثاني من الكتاب معنون ب "كتاب الذاكرة" وفيه يرصد بول أوستر طريقته الشخصية في اختراع العزلة عبر نصوص قصيرة ورمزية إلى حد ما، استطاع من خلالها أن يعيدنا إلى كتابه عن أبيه وكأنه يقول بطريقة ما أنه في النهاية صار يشبهه بشكل ما....more
اللقاء الأول مع إيزابيل الليندي، قرأت قبلها "مدينة البهائم" لكن أثرها علي كان سيئا لدرجة أني أجلت قراءة الليندي أكثر من عامين بسبببها، لذا س (1) مقدمة
اللقاء الأول مع إيزابيل الليندي، قرأت قبلها "مدينة البهائم" لكن أثرها علي كان سيئا لدرجة أني أجلت قراءة الليندي أكثر من عامين بسبببها، لذا سأعتبر "ابنة الحظ" هي اللقاء الأول. الصفحات الأولى كانت مدهشة بالنسبة لي، تفاصيل مذهلة منذ البداية وتشويق متقن يشدك لباقي الرواية دون لحظة ملل واحدة، وشخصيات ترسم ملامحها وحكاياتها وأغوارها النفسية بدقة . لا أفهم حتى الآن كيف استطاعت الكاتبة مزج كل هذه الحكايات عبر العالم، امرأة من انجلترا مع فتاة تشيلية ثم رجل صيني ولكل منهم حكايات مع أشخاص من مختلف بلدان الدنيا، حسنا لقد حددت ببساطة شخصيات الرواية الرئيسية في رأيي، مس روز وإلزا وتاو تشين، بقية الشخصيات كانت هناك لتسيّر الأمور لهؤلاء ومع ذلك ف"الليندي" بذلت مجهودا خرافيا في بناء هذه الشخصيات الفرعية كذلك، أتصور أن طبيعة الزمن الذي تحكي عنه هو ما سمح لها بهذا المزيج الغريب، الأراضي الشاسعة المفتوحة أمام الغرباء، والقرى التي تبنى بين ليلة وضحاها ثم تنمو وتكبر حتى تصبح مدنا ضخمة لا يتصور من يعرفها الآن ضآلة ماضيها وقذارته. (2) عودة إلى العنوان
ابنة الحظ؟ ما الحظ الذي تعنيه الكاتبة هنا؟ وهل هو حظ سعيد أم سيء؟ هل هو حظ إلزا أن تجوب العالم الجديد بحثا عن حبيب فتعثر على آخر؟ أم حظ تاو تشين أن يعبر من شرق العالم إلى غربه ليقابل فتاة مجهولة ويبقى معها في بلاد لم يقصدها؟ هل هو حظ إلزا السيء أن تفقد حبيبها وطفلها أم هو حظها السعيد أن تقابل بسبب ذلك الحظ السيء تحديدا رجل حياتها؟ وهل فقد تاو تشين زوجته الأثيرة هو حظه السيء؟! أم هو حظه السعيد لأنه لولا ذلك لما قابل إلزا أبدا وأحبها؟! على مدار الرواية تخلط إيزابيل الليندي الأوراق وتضعنا وسط متاهات وبينما يواجه أبطالنا أقدارهم غارقين في تعاستهم نفكر نحن إذا ما كانت طول الوقت تعمل لصالحهم دون حتى أن يفهموا ذلك. لم ينهزم أي من شخصيات الليندي أمام الحياة، واجهوها بشجاعة وتقبل رغم كل شيء، ربما اضطر بعضهم إلى الهرب وربما صار بعضهم أسوأ وأسوأ لكنهم لم يسقطوا قط في فخ العدمية ولم ينسحبوا مكتئبين إلى الأبد، هل هذا هو الاختلاف بين حياتهم في ذلك الزمن وحياتنا الحديثة؟ لطالما كانت هناك كوارث بشعة ومآس مرعبة لكن الحياة كانت تستمر، تستمر ببعض جودتها على الأقل، أما الآن فالإنسان كأنما أصابته حمى غياب المعنى، صار أكثر هشاشة وضعفا، كل عائق مهما كان تافها يضعه في مواجهة الحياة مباشرة ويجعله يتساءل في هوس أحمق: ما معنى الحياة إذا كانت بهذه الصعوبة؟! لا أدري إن كنت أحمّل الرواية ما لا تحتمل؟! لكني على كل حال مدينة لإيزابيل الليندي بكثير من الشغف والمتعة والتأمل الذين افتقدتهم منذ فترة، ومدينة لها كذلك بكثير من االتشبيهات البديعة والتفاصيل المدهشة والعبارات الحكيمة التي دستها برفق بين السطور التي تلتهم على عجل، لن أنسى تلك الشخصيات بسهولة ولا الأحداث العجيبة التي وقعت لها، ولا ذلك التاريخ غير المشرف ولا الباعث على الفخر للمدن الأمريكية، سأظل أتذكر كيف بدأت هذه الحضارة الزائفة القائمة حصرا على عبادة الذهب والسعي وراء كل ما هو مادي، وسأظل أفكر كيف نشرت عدواها تلك عبر العالم مؤملة أن ينتهي كل هذا عما قريب.
(3) خاتمة وبعد، فثمة اعتراف لا بد منه، فعلى الرغم من وصفي الرواية بأنها ثرثرة نسائية عذبة فإنني لم أتقبل بسهولة أن تنتهي هذه الثرثرة فجأة بهذا الشكل الغامض بينما أمور كثيرة معلقة في فضاء الرواية لم تحل، لقد شعرت بفراغ قاتم وتمنيت لو استمرت ثرثرتك تلك طويلا يا سيدة إيزابيل ....more
والصحراء القاسية كيف تخلق كل هذه الهشاشة في نفوس أهلها؟!، كيف يبكي هؤلاء الناس ويمرضون ويفقدون عقولهمىأمام الصدمات والنكبات دون مقاومة؟ لماذا هرب متعبوالصحراء القاسية كيف تخلق كل هذه الهشاشة في نفوس أهلها؟!، كيف يبكي هؤلاء الناس ويمرضون ويفقدون عقولهمىأمام الصدمات والنكبات دون مقاومة؟ لماذا هرب متعب الهذال؟ كيف قتل الخوف ابن الراشد؟ كيف فقد هاجم عقله بعدما دفن أخاه؟ لماذا يمرض أمير حران وتتلف أعصابه بمجرد أن يسمع صوت الرصاص في معسكر الأميركان؟ وهذا الحزن الذي يغزو حران ويطبق على قلوب أهلها كيف تكون له كل هذه السطوة؟ لم أستمتع بالرواية أبدا، لم يتح لي منيف الفرصة، في كل تفصيلة وفي كل عبارة يزرع داخلي الأسى على هؤلاء البشر وعلى هذه الأرض وعلى نفسي، الأرض البريئة المنسية يدنسها الأميركان ليفجروا تحتها آبار النفط ويستخرجون الذهب وأهلها الذين لم يطلبوا من الحياة إلا الخبز والماء نفوا من أوطانهم وعاشوا غرباء مشردين لاجئين في بلادهم يذلهم الأميركان ويتحكمون في حياتهم، لم أتصور أبدا أن تكون الأمور قد جرت على هذا النحو من الذل والمهانة والقسوة، لم أتصور أبدا مدى الجهل الذي عاش فيه هؤلاء المساكين من أهل الصحراء، لم أتخيل كل هذا الرضوخ والانبطاح لأمراء وملوك هذه البلاد أمام الأميركان ورسلهم، كيف سلموا بلادهم وأهليهم غنيمة باردة للغرباء يعيثون فيهم فسادا دون رحمة ولا شفقة، كيف محوا بيوتا وتاريخا وعادات وتقاليد دون أي شعور بالذنب؟ إنها نكبة حقيقية لا تقل مأساوية عن نكبة فلسطين لولا أن الناس تخدعها الأسماء وتغفل عن حقيقة الأعداء إذا غزوهم متنكرين. إن مدن الملح ملحمة أدبية كبرى وأعتقد أنه لولا الحزن الهائل الذي يسكنها لحققت رواجا وشهرة أكثر من ذلك بكثير، يؤسس عبد الرحمن منيف في رواية "التي" ملحمته ويبدأ حكايته الطويلة من وادي العيون حيث الماء والخضرة، وأهل وادي العيون البسطاء في طرق عيشهم وتفكيرهم، الذين مازالوا يعرفون معنى المروءة والوفاء والشجاعة والإخلاص، الفقراء الذين يعيشون على هامش البلاد بعيدا جدا عن اهتمام الملوك والأمراء، يفاجأون ذات يوم بالأميركان يغزون واديهم الساكن ويقلبون كل شيء رأسا على عقب دون حتى أن يفهموا لماذا يحدث كل ذلك، وبعد أن يتشردوا في البلاد ويصيروا غرباء منفيين ينقل منيف الحكاية إلى "حران" البلدة المهجورة بجوار البحر التي يمحو الأميركان بيوتها الطينية في غمضة عين ويبنون مكانها بيوتا وقصورا ويجعلونها مقر شركتهم وميناءهم الرئيسي، وكأن البلاد والعباد ملكهم يتصرفون فيهم كما يشاءون فتبا لهم وتبا لمن ركع أمامهم وسلم كل شيء لهم. هناك في "حران" يتوافد البشر على البلدة المهجورة لتنمو وتكبر كل يوم وتصير ثلاث بلدات حران العرب وحران الأميركان وحران العمال، أما العرب فيقفون أمام كل هذه التغيرات مذهولين خائفين محزونين لا يرون المستقبل إلا في أسوأ حال، وأما الأميركان فيحتقرون الجميع ويحاولون في نفس الوقت أن يسيطروا على عقولهم ونفوسهم، كما يحاولون أن يخففوا من وطأة الصحراء القاسية عليهم بشتى وسائل الترفيه وبأحدث إنجازات العلم والتكنولوجيا، وأما العمال فقد سحقتهم غربتهم البائسة عن الأهل والعشيرة حيث يعيشون حياة فقيرة كئيبة لا تشبههم ولا يشبهونها، هذا التناقض الذي رسمه منيف بإتقان كان مثيرا للأسى والغضب في آن واحد، كنت أجد نفسي متواطئة مع مواقف ابن نفاع ومتعب الهذال ومفضي الجدعان وكل الذين أخذوا موقفا غاضبا لدرجة الجنون من غزو الأميركان لبلادهم، كنت متفهمة تماما للشتائم التي لا يكفون عنها ولردات الفعل المجنونة وللمقاومة اللانهائية وحالات الحزن القاتل التي وقعوا فريسة لها، لم أكن أتخيل نفسي _لو واجهت ما وجهوا_ إلا مثلهم . شخصيات الرواية بديعة في تكوينها رغم كل البؤس، وأنا ممتنة حقا منيف أن عرفني لأول مرة على سمات شخصية كثيرة لأهل هذه البلاد في ذلك الزمن، وأعترف أنني لأول مرة أشعر بأنهم بشر حقا من لحم ودم يتألمون ويفرحون ويغضبون، لهم مزاياهم ولهم عيوبهم ولهم آمال ومخاوف وأحزان، ولهم تاريخ وعادات وتقاليد ، وتصورات بائسة ومظالم لا تحصى ولا تعد. لن أنسى بسهولة كل هؤلاء المنكوبين بدءا من أم الخوش وحتى هاجم ومفضي الجدعان، لن أنسى كل هذا الحزن الذي ملأ قلوب الناس في حران وملأ قلبي من أجلهم، لن أنسى أن الأميركان هم أصل العلة وأصل كل بلية كما يردد ابن نفاع، وأضيف أنا ذيولهم ومشايعيهم والراضين عنهم. وبعد، فيبقى سؤال منيف في روايته هو التعليق الأنسب والأكثر إيجازا عليها: "وهذا الحزن كله من أين يأتي ولماذا هو كثيف وطاغ هكذا؟!". ...more
الأدب والارتياب: الأدب والارتياب؟ كم يبدو هذا العنوان غريبا، ليس فقط لأنه لا علاقة ظاهرة في تصوراتنا بين الأدب والارتياب، بل كذلك لأننا في عصر تمتع فيهالأدب والارتياب: الأدب والارتياب؟ كم يبدو هذا العنوان غريبا، ليس فقط لأنه لا علاقة ظاهرة في تصوراتنا بين الأدب والارتياب، بل كذلك لأننا في عصر تمتع فيه الأدب بانتشار واسع وبرزت فيه الكتابة كإمكانية متاحة لكل أحد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي كيف يمكن لعبد الفتاح كيليطو أن يقنعنا هنا بأن الكتابة _أي كتابة_ تحمل مخاطرة من نوع ما وأن العلاقة بين الكاتب والقاريء تحمل شيئا من الحذر الخفي والتربص الذي قد يصل إلى حد العداوة؟!!! حسنا، إنها لعبة كيليطو الأثيرة ، حين يعود بنا إلى كتب التراث ويقرأها بطريقة مختلفة تماما عما يمكن تخيله من قراءات، وهو هنا يختار نماذج من كتب الجاحظ وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وقصة حي بن يقظان ليبحث في كل منها عن شيء مريب :) ولأن الكتاب على صغر حجمه ممتليء بالملاحظات البارعة شديدة الجدة ولأن المؤلف لا يلتزم موضوعه الرئيسي على طول الخط فقد آثرت أن أعرض هنا العشرة عناوين الرئيسية في الكتاب مع تعليقات مختصرة عليها:
***نموذج: يستعرض المؤلف هنا كيف تحول العرب إلى التدوين وكيف انتقلوا من الثقافة الشفوية أساسا إلى ثقافة الكتابة والقراءة وكيف مثلت الكتابة حينئذ فعلا متوجها للخاصة من الناس دون العامة لما يحتمل من تأويلات وفتنة للنفس وللآخر، ويورد نماذج عديدة لكتب من نوعية "البيان والتبيين" و"كليلة ودمنة" و"الإمتاع والمؤانسة" تحمل مقدماتها أسبابا يبرر بها المؤلف إقدامه على تأليف هذا الكتاب وكأن أمر الكتابة في حد ذاته يحتاج إلى تبرير!!! ( قارن ذلك بنوعية الكتب التي صارت تتكون من منشورات متفرقة على فيسبوك دون سبب واضح إلا استغلال شهرة المؤلف)، هنا تبرز الكتابة كسلطة من نوع ما لابد أن يتحكم فيها الأقوى فيأمر بها أو يمنعها أو يظهرها أو يخفيها، كحرفة تحتاج إلى إجازة كي تقوم بها، وهنا تبرز العلاقة بين القاريء والكاتب كعلاقة تربص وحذر يحاول فيها المؤلف استرضاء القاريء وإثارة اهتمامه وإبطال كراهيته وكأن كل كاتب هو شهرزاد وكل قاريء هو شهريار.
***صورة البخيل بطلا: لا يمكن فهم نص كهذا إلا بقراءته مباشرة لذلك سأكتفي بملاحظتين جذبتا انتباهي: الأولى متعلقة بصورة البخلاء التي حاول الجاحظ رسمها في كتابه "البخلاء" وكيف أنها لم تكن بالسوء المتوقع بل حملت نوعا من البطولة والعقلانية والزهد أحيانا حيث نقل الجاحظ حكايات يحكيها البخلاء يبررون بها بخلهم وحرصهم ليتفهم الناس مواقفهم، أما الملاحظة الثانية فهي متعلقة بما يسببه التحول الحضاري من تحول ثقافي بالضرورة، فتحول الحياة العربية من البادية إلى الحواضر الكبرى حول ثقافتهم من الشعر الذي يحتفي بمظاهر الشجاعة والسخاء المبالغ فيها (ثقافة البوتلاتش) إلى ثقافة النثر المؤسس على العقل والاستدلال والمبني على الحجة والبرهان.
***الرقيب: نحن هنا على موعد مع كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم لنستعرض مع المؤلف فكرة الرقابة على المكتوب بدءا من الرقابة الذاتية للمؤلف على نفسه وما يكتبه حيث يكرر ابن حزم أنه أعرض عن ذكر كثير من أسرار الحب التي يعلمها في كتابه بل ويذكر أن البعض أنكر عليه ما نقله في الكتاب ولذلك يقسم أنه لم يقدم على فعل حرام قط ويستغفر الله مما يكتبه الملكان ويحصيه الرقيبان وكأن فعل الكتابة كالحب لابد أن ينطوي على رغبة في الكتمان وشعور بالذنب.
***الدر: عبر قصة المعتمد بن عباد ملك إشبيلية الذي ضاع ملكه ونفي إلى أغمات فقيرا شريدا يروي لنا المؤلف نظرة الشعراء والكتاب إلى الدهر وصروفه وكيف تكمن المفارقة في أن خلود قصة المعتمد وأشعاره راجع بالأساس إلى ذله ذلك وفقره بعد عز وغنى وجاه وكأن أحوال الدهر التي انقلبت عليه هي نفسها التي كتبت له الخلود.
***العائد: يورد المؤلف هنا قصصا عن الغائبين الذي يغادرون الأهل والبلاد ثم يعودون بعد ذلك وما أثر تلك العودة على أهلهم وما الأسباب التي دفعتهم أصلا إلى الرحيل؟ تعلقت فكرة الرحيل هنا بالزهد والتصوف وكانت مفعمة بالأسى واللوعة.
***في كل سنة كذبة: وهو فصل شيق وخفيف الظل حيث يعود بنا كيليطو ثانية إلى كتابه المفضل "ألف ليلة وليلة"، ليحدثنا عن قصة كافور العبد الذي يخلق الأكاذيب في نفس الموعد من كل عام عند بداية الربيع، والعجيب أن كافور لا يخجل من أكاذيبه ولا يتراجع عنها بل يصر عليها حتى نهايتها وكأنها جزء من شخصيته لا ينفك عنه.
***الليالي كتاب ممل؟
يحكي كيليطو عن قصته مع "ألف ليلة وليلة" وكيف وجدها في صباه مملة وتافهة ولكنه غير رأيه حين أعاد قراءته بعد اطلاعه على الأدب الأوربي واكتشافه لاحتفائهم به واعتباره كنزا حقيقيا، ويستعرض المؤلف باختصار الأسباب التي جعلت الليالي في وضع أقل مما يستحقه في الأدب العربي قديما وكيف تغير ذلك الوضع حديثا حتى صار يعد من مفاخر العرب.
***الاغتراب: هاهنا كلام عن الترجمة وهل تستطيع حقا نقل جوهر النص الأصلي وروحه أم يبقى ذلك عسيرا مهما بلغت جودتها، بينما في حالات نادرة تتسبب الترجمة في إعادة اكتشاف النص الأصلي كما حدث في حالة ألف ليلة وليلة حيث لم يعرف الأدب العربي قيمتها الحقيقية إلا بعد ترجمتها للغات الأجنبية واحتفائهم بها.
***يوم في حياة ابن رشد: يخلق المؤلف علاقة غير مألوفة أبدا بين ابن رشد الفيلسوف وأرسطو وبين بورخيس حيث يحكي بورخيس قصة يحاول فيها ابن رشد قراءة أرسطو ليقع في فخ الترجمة ولا يستطيع تفسير كلمتي الكوميديا والتراجيديا إلا بالمديح والهجاء وكأنه يرد الأدب اليوناني إلى الأدب العربي وما ألفه من تقاليده وأساليبه.
***المتطفل حي بن يقظان:
كأنني ما قرأت قصة حي بن يقظان ولا عرفتها من قبل، القراءة المختلفة دائما لعبد الفتاح كيليطو تدهشني وتحبطني في وقت واحد :D لكني أتعلم مرة بعد مرة كيف أقرأ القصص والروايات وأربط بين الأشياء وأخلق علاقات غير مألوفة بين شخصيات لم تعرف بعضها البعض أبدا إلا عبر أوراق الكتب وخيالات الكتاب.
وبعد، فحتى هذه اللحظة لم يخيب "عبد الفتاح كيليطو" أملي في قراءة ممتعة ومثمرة تحفز العقل وتبهج الروح، وحتى هذه اللحظة أتعلم معه من جديد كيف أقرأ وأفهم ما أقرأ فهما عميقا متأملا، وحتى هذه اللحظة يدفعني كل مرة إلى رغبة قوية في إعادة قراءة ما قرأت من قبل دون تأمل، إنه باختصار وكما يطلق عليه "أحمد شاكر"_فك الله أسره_ "بورخيسنا العربي" ....more
الكتاب عبارة عن دراسات مختلفة لباحثين مختلفين يجمعها موضوع واحد ألا وهو علماء السنة في الشرق الأوسط في العصور الححراس العقيدة: العلماء في العصر الحديث
الكتاب عبارة عن دراسات مختلفة لباحثين مختلفين يجمعها موضوع واحد ألا وهو علماء السنة في الشرق الأوسط في العصور الحديثة، يتألف الكتاب من أربعة أبواب رئيسية تندرج تحتها ثلاثة عشر فصلا بالإضافة إلى مقدمة المحرر،
***الباب الأول عن ورثة الأنبياء في التاريخ الإسلامي وهو بشكل ما يستعرض مكانة العلماء ودورهم في العصور ما قبل الحديثة ويحتوي : الفصل الأول بعنوان "العلماء بين الدولة والمجتمع في الإسلام السني في العصور ما قبل الحديثة" : في هذا الفصل يحاول الباحث تعريف العلماء وعلاقتهم بالمذاهب والمدارس الدينية ثم علاقة العلماء بالحكام وكيف كانت مكانة العلماء وصورتهم في نظر أنفسهم أولا وفي نظر الحكام وفي نظر العوام كذلك، يستعرض الكاتب هذه المكانة في عصري المماليك والعثمانيين وهو يرى أن مكانة العلماء انحدرت عبر هذه العصور حتى وصلت لأدنى شيء قبل عصر التحديث، خاصة أن العلماء اكتفوا في عصر العثمانيين بتحريض الناس على مواجهة الظلم لكن دون تورط في الفوضى أو العنف.
الفصل الثاني بعنوان "موقف الجبرتي من علماء عصره" وهو يركز على رؤية الجبرتي للعلماء المسلمين في عصر المماليك والعثمانيين عبر كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، الجبرتي في هذا الكتاب يعتبر العلماء ورثة الأنبياء ويقدمهم في التراتبية المجتمعية على الحكام والأمراء لكنه في الوقت نفسه يسجل انحرافات علماء عصره عن جادة الدين والأخلاق معتبرا أنها السبب الرئيس في وقوع الأمة الإسلامية فريسة للقوى الأوربية، بعد ذلك تنقلب المكانة التقليدية للعلماء رأسا على عقب على يد "محمد علي" الذي استبدل بهم موظفين تلقوا تعليمهم في أوربا.
***الباب الثاني كان عن التحديث والإصلاح والخطاب الوطني وكيف واجه العلماء ذلك ويحتوي خمسة فصول:
_الفصل الثالث بعنوان "العلماء والنشاط السياسي في أواخر عهد الامبراطورية العثمانية" وفيه يركز الباحث على المسيرة السياسية لشيخ الإسلام مصطفى صبري وكيف حاول تدعيم دور الدين في إدارة شئون الدولة والتدخل في الإصلاحات السياسية والتشريعية وكيف قاوم كثيرا الحركة الكمالية حتى انتهى به الحال منفيا إلى اليونان ثم إلى مصر حتى وفاته 1954
_الفصل الرابع بعنوان "علاقة الاستعمار الإيطالي بالنخبة الإسلامية في ليبيا بين العداء والعمالة" وفيه نجد أنه بالرغم أن الإسلام كان عنصرا مهما في السياسة الاستعمارية في ليبيا وبالرغم من أن سلطات الاحتلال أولت أهمية خاصة للنخب الإسلامية إلا أنها لم تستطع تحديث النخب التقليدية ولا تشكيل نخب ناشئة حديثة وبالتالي لم تؤثر الإدارة الإيطالية المحتلة في بنية النخب الإسلامية الليبية بأي شكل من الأشكال.
_الفصل الخامس بعنوان "التعليم والسياسة والصراع من أجل الزعامة الفكرية"، يركز هذا الفصل على علاقة الأزهر وشيوخه بالنظم الحاكمة في مصر ابتداء من الملكية وانتهاء بالجمهورية التي غيرت وجه الأزهر إلى الأبد 1961 وقزمت دوره في المجتمع وسيطرت عليه تماما، يستعرض الفصل سيرتي شيخين للأزهر هما "مصطفى المراغي" و"محمد الأحمدي الظواهري" ويتوصل إلى أن كلا منهما لم يسع إلى إصلاحات حقيقية بقدر ما سعى إلى المحافظة على مكانة الأزهر ودوره في الدولة المصرية .
_الفصل السادس بعنوان "تلاميذ الأفغاني ومحمد عبده في العراق" يركز هذا الفصل على علاقة العلماء السنة والعلماء الشيعة بالعلم والحداثة أثناء العقود الأولى من القرن العشرين وذلك من خلال سيرة العالم الشيعي "هبة الدين الشهرستاني" والعالم السني "محمد الهاشمي" ونقاط الاتفاق في مواقفهما ونقاط الاختلاف .
_الفصل السابع بعنوان "الباحثون الغربيون ودور العلماء في تطويع الشريعة لخدمة الحداثة" وهو من أمتع فصول الكتاب بالنسبة لي وفيه يعرض الباحث للنماذج التشريعية المعاصرة في الدول الإسلامية بمنطقة الشرق الأوسط ويركز على نماذج مصر والسودان والسعودية ويتساءل أي هذه النماذج الأقرب إلى تطبيق الشريعة فعلا أم أنها كلها نماذج حداثية ضلت عن روح الشريعة بالفعل؟، في الحقيقة اصطدمت هنا من جديد بآراء وائل حلاق التي فصلها في كتب متنوعة خاصة كتاب "الدولة المستحيلة" كما أنني شعرت برغبة كبيرة في إعادة الكتاب الأيقونة في نظري "منهج عمر ابن الخطاب في التشريع" كونه يحمل ردا ما على ما طرحه الباحث من احتمالات وتساؤلات، كان فصلا ممتعا ومثيرا للأفكار ومستدعيا للتأمل .
*** الباب الثالث وموضوعه كان غريبا علي قليلا وهو عن حراس العقيدة في المجتمعات شبه القبلية ويحتوي فصلين :
_الفصل الثامن بعنوان "العلماء والقبلية والنضال الوطني في المغرب بين عامي 1944و1956"، وقد استفدت منه معلومات جديدة تماما علي خاصة وأني أجهل التاريخ الحديث للمغرب العربي بالذات، تفاجأت بالعلاقة الوثيقة بين العلماء وبين الحركة الوطنية في المغرب وكيف تمسكت الحركة الوطنية المغربية بتقاليد المجتمع وثقافته في مواجهة الاحتلال عكس معظم الحركات الوطنية العربية وكيف اعتمدت على الهوية الإسلامية بل والغريب كيف أصرت على وجود الملك في النظام السياسي المقترح، تفاجأت كذلك بعلاقة الريف بالحضر في المغرب وعلاقة القبائل بالحركة الوطنية وأعتقد أني محتاجة للتثبت مما قرأت والاستزادة من قراءات أخرى حول نفس الموضوع.
_الفصل التاسع بعنوان "المواءمة بين القبلية والدين في كتابات العلماء السعوديين المعاصرين" وأعتبره فصلا مهما للغاية لفهم أدق لما يحدث فعلا في المملكة العربية السعودية، في هذا الفصل يعرض الباحث لكتابات العلماء السعوديين ويبين لنا كيف حاولوا إجراء عملية أسلمة للقبلية في المجتمع السعودي بحيث يستبدلون مفاهيم العصبية القبلية والتحكيم بما يناظرها من مفاهيم دينية كالولاء والبراء والمحاكم الشرعية، كما يبين كذلك كيف حاولوا أيضا كسب هذه القبائل لصالحهم وإعطاء شيوخ القبائل بعض الصلاحيات، أعجبتني جملة الختام حين أنهى الفصل بقوله "بمعنى أنه عند التقاء الدين والقبلية تكون الغلبة للدين، لكن الأسرة الحاكمة تطوعهما معا لمصلحتها، وتشكل بهما أيدولوجية تدعم بها أركان حكمها".
***وأخيرا الباب الرابع وهو من أكثر أبواب الكتاب إثارة للاهتمام كونه يتحدث عن إشكاليات معاصرة وهو ما يظهر من عنوانه "أيديولوجيات متنافسة" ويحتوي أربع فصول :
_الفصل العاشر بعنوان "الوهابيون والصوفيون والسلفيون في دمشق مطلع القرن العشرين" وفيه يعرض العداء الذي واجهه المذهب الوهابي في دمشق خاصة من العلماء المدافعين عن الصوفية والمرتبطين بالسلطة وكيف ارتبط علماء سلفيون في دمشق بالمذهب الوهابي ودافعوا عنه معتبرين أن ثمة جذور مشتركة تجمعهم (مدرسة ابن تيمية) وإن ظلوا يختلفون مع الوهابيين حول دواعي التكفير ومآلاته.
الفصل الحادي عشر بعنوان "خيانة رجال الدين: الإسلاميون والعلماء والسياسة" وفيه يرصد الباحث صعود الإسلاميين في مواجهة علماء السلطة كما يطلق عليهم وكيف حاول العلماء المحافظة على الروح الإسلامية في المجال العام مواجهين للسلطة وطغيانها حينا ومكافخين للحفاظ على مكتسباتهم ومؤسساتهم حينا ومعتمدين على إمدادات السلطة ودعمها خاصة في مواجهة الإسلاميين أحيانا أخرى .
_الفصل الثاني عشر بعنوان "الجدل بين الكتاب الليبراليين والعلماء حول الإسلام في العالم العربي المعاصر" ويتناول هذا الفصل موقف علماء السلطة في التعامل مع الكتاب الليبراليين وقراءاتهم المشوهة(الوصف من عندي) للنصوص الدينية والتاريخ الإسلامي والأساليب التي فضلوا استخدامها في المواجهة خاصة عبر المناظرات ومواجهة الفكر بالفكر والأساليب التي ترددوا في استخدامها كحظر الكتب والملاحقة القضائية والأساليب التي أنكروها كفتاوى التكفير واللجوء إلى العنف، وقد ضرب أمثلة متنوعة وضحت هذه الأساليب .
_الفصل الثالث عشر بعنوان "دفاعا عن محمد(صلى الله عليه وسلم): العلماء والدعاة والتدويل الجديد للإسلام" وهو يركز على العلاقة بين العلماء والدعاة الجدد الموجودين على ساحة الإعلام الإسلامي من حيث سعي كلا الفريقين لإحداث تدويل جديد للإسلام ويستعرض نماذجا للدعاة الجدد الذين حققوا نجاحا إعلاميا لافتا وعلاقتهم الحقيقية بالدين كعلم ومرجعية وموقفهم من قضايا أمتهم واعتمادهم على أفكار التسويق والترويج الإعلامي لبرامجهم فيما عرفه باتريك هايني باسم "إسلام السوق"، كان فصلا ممتعا ومثيرا للاهتمام خاصة أنه يناقش إشكالية لا تزال مستمرة في حياتنا وأحب أن أنقل الفقرة الأخيرة التي ختم بها لدلالتها "وهكذا نرى نرى أنه حتى لو عاد العلماء إلى المسرح عودة قوية على خلفية الصحوة الإسلامية الكبرى فإن العلم لم يعد هو السبيل الوحيد لكي يصبح الواحد منهم مرجعا دينيا يرجع إليه المسلمون حتى بين العلماء أنفسهم، ويبدو أن بعض المؤهلات مثل المواءمات السياسية والجاذبية التليفزيونية هي التي تضمن للواحد منهم اعتراف الجماهير به أكثر من تميزه في العلم عن أقرانه".
وبعد، فالكتاب على جدية موضوعاته وأهميتها وجدة معلوماته وغزارتها إلا أنه سلس الأسلوب للغاية وممتع في بعض فصوله (لم أتوقع أن يكون ممتعا أصلا :D) وأعتقد أنني رغم الإحباط الذي لازمني جراء الصورة القاتمة نسبيا التي رسمها لعلماء الإسلام في العصر الحديث ومواقفهم المترددة ومكانتهم المتراجعة ودورهم الضعيف في مواجهة السلطات المستبدة الحالية داخليا والثقافات المادية الاستهلاكية خارجيا إلا أنني استفدت من هذه الصورة ذلك الشمول الذي جمع عقودا زمنية ودولا مختلفة كما استفدت منها إدراك الزاوية التي ينظر الآخرون من خلالها إلينا، يعني أعتقد أن أعظم ما استفدته ليس ما طرحته الأبحاث المختلفة فقط بل دلالة هذا الطرح في المقام الأول من إجابة على سؤال شديد الأهمية: كيف يرانا الآخرون؟ ما الصورة التي يحملونها لنا في مخيلتهم؟ وكيف يحللون أزماتنا الراهنة شديدة الخصوصية؟ وما الذي يتوقعونه منا وما الذي يستبعدونه؟ وما علاقة كل ذلك بالحقيقة أو ما نتوقع نحن أنه الحقيقة؟! **ملاحظة أخيرة: الترجمة رائعة وسلسة جدا فشكرا لمن نقله إلى العربية د.محمود عبد الحليم، إخراج الكتاب جميل ومتقن خاصة الخطوط العربية ....more
لطالما رأيت أن الأمومة هي أنبل غريزة خلقها الله في نفس الأنثى، لقد كان دوما تصوري عن الأمومة مثاليا للغاية فهي تعني لي الحب والعطاء بلا حدود ودون أغرالطالما رأيت أن الأمومة هي أنبل غريزة خلقها الله في نفس الأنثى، لقد كان دوما تصوري عن الأمومة مثاليا للغاية فهي تعني لي الحب والعطاء بلا حدود ودون أغراض ولذلك اعتبرت أن تخلي الأم عن طفلها وحبه ورعايته لأي سببٍ كان هو الابتلاء الحقيقي للإنسان لأنه يعني فقدان الطفل لسكنه الذي يفترض أن يكون مضمونا ومتاحا طول العمر ولا أتصور أن سكنا آخر يمكن أن يعوضه بسهولة. حسنا، كتاب إيمان مرسال هذا ليس عن تصوراتي المثالية أو ما تسميه هي "المتن الثقافي العام"، إنه يركز حديثه على "الهامش" أي على خبرات الأمومة الشخصية المرهقة الضجرة التي تشعر بالذنب وتعاني من التمزق بين نفسها وبين أولادها، الأمومة التي تضحي أحيانا لكن دون إيمان بجدوى التضحية. القسم الأول من الكتاب عن "الأمومة والعنف" وفيه تحكي الكاتبة عن رعب الانفصال بين الأم وطفلها سواء عن طريق الولادة أو الفطام وما يتضمنه ذلك من شروخ نفسية وآلام جسدية، تحكي كذلك عن الشعور بالذنب الذي يلازم الأم في حياتنا المعاصرة ليس فقط بسبب عجزها عن التوفيق بين عملها وأطفالها ولكن لانتشار النماذج المثالية للأمومة حيث لا نهاية لما يمكن أن تقدمه الأم لطفلها من حب وحماية واستثمار للوقت بينما يتصارع داخلها طموحها الشخصي وأمومتها التي تحد منه رغما عنها، هاهنا تشير الكاتبة إلى فشل الحركات النسوية في استيعاب هذه الأزمات النفسية للأمهات ومحاولة علاجها كونها لا تنتمي إلى دعواها الزائفة للمساواة بين الرجل والمرأة، ومن ثم لا تجد الأمهات متنفسا إلا في السرد الشخصي، أعجبتني كذلك إشارتها إلى "مرجعية الأمومة" حيث تمتلك كل أم نموذجا في ذهنها لما يجب أن تكون عليه الأمومة سواء استقته من أمها أو جدتها أو حتى من تصوراتها الشخصية. القسم الثاني عن "الأمومة والفوتوغرافيا" وقد مثل لي سردا مختلفا تماما عن أي شيء قرأته من قبل، ربما ليس الأفضل بل ربما كان صادما لكنه كان مختلفا، هنا ترصد الكاتبة علاقة الأم بصورتها الفوتوغرافية ودلالة ذلك في المتن الثقافي العام، فتبدأ بذكر الأم المستبعدة من ألبوم العائلة إما لأنها ماتت في سن مبكر أو لأنها هربت من مسئولياتها تجاه أطفالها، ثم تذكر "الأم المخفية" وهي الأم التي يتم إخفاؤها عمدا من صور أبنائها ليظهروا وحيدين في صورهم ودلالة ذلك على معنى التضحية الأمومية الخالصة، بعد ذلك تتحدث عن صورة الأم في المتن الثقافي العام حيث المشاهد المعتادة لأم تلاعب طفلها أو تحمله على كتفها أو ترضعه فتلك الصورة تمثل أمومة بديهية يعرفها الجميع ويقدرها، أما إذا اعترض تلك الصورة المعتادة عائق فنحن ننتقل إلى صورة "الأم الأداة" حيث يصبح للصورة قصة درامية أو متناقضة أو تحمل رسالة معينة مثل صور الأمهات الفلسطينيات أو الأمهات اللاتي يحملن أطفالهن أثناء الكوارث أو أمهات ساحة مايو اللاتي كن يبحث عن أولادهم المختفين قسريا في الأرجنتين، ثم تحكي الكاتبة عن تجربتها شديدة الخصوصية مع صورة أمها الوحيدة حيث تضع يدها على فكرة دقيقة جدا لطالما شغلتني وهي "كيف تعبر الصورة عن علاقتنا الحقيقية بمن نحب" يعني هل تستطيع الصورة فعلا أن تظهر حقيقة مشاعرنا تجاه من نحبهم في تلك اللقطة بالذات؟ هل نتعرف عند مشاهدة الصورة على تاريخنا الشخصي معا وذكرياتنا المشتركة الحقيقية أم تحجب الصورة ذلك عنا وتوهمنا وتوهم الآخرين بأشياء مختلفة؟ تقول الكاتبة أنها لم تتعرف على أمها أبدا في الصورة الوحيدة التي تجمعهما بل شعرت دوما أن شبح أمها "التي ماتت وقد بلغت الكاتبة فقط سبع سنين" في الصورة غريب عنها، بينما تتذكر أمها في خيالها بشكل مختلف وتراها أوضح وأوضح في الأشياء التي صنعتها بيديها، لمستني هذه الفكرة جدا وجددت ارتيابي تجاه جدوى الصور في حفظ مشاعرنا واسترجاع ذكرياتنا. القسم الثالث بعنوان"يوميات" وهو سرد شخصي للكاتبة يمزج بين تجربتين شخصيتين لها إحداهما بوصفها ابنة فقدت أمها وهي في السابعة من عمرها والأخرى بوصفها أما لطفل يعاني من الاكتئاب ويفقد الرغبة في الحياة، كان سردا حزينا للغاية ومؤلما ورغم أني شعرت أحيانا بالحنق تجاه الكاتبة إلا أنني لم يسعني سوى التعاطف البالغ معها ومع شعورها العميق بالذنب تجاه ابنها وبالفقد تجاه أمها. القسم الرابع بعنوان "كيف تمشي في طريق الحداد" تمزج الكاتبة في هذا الجزء بين ما يعنيه موت الأم في الحكايات الشعبية وبين موت أمها وموت زوجة أخيها لتتكرر تجربة يتم أخيها ثانية مع ابنته، كما تحكي عن الكيفية التي تسربت بها حكايات جدتها الحزينة إلى أطفالها الذين ولدوا ونشأوا في كندا وكيف أثرت في تربيتهم رغم الفجوة الزمانية والمكانية والحضارية الهائلة بينهم، هذا الجزء كان حزينا ومرعبا بعض الشيء لكنه كان رقيقا شديد العذوبة كذلك. وبعد، فكما أخبرت صديقتي هذا كتاب مختلف في سرده وموضوعه ومنهجه، أحببته أحيانا ونفرت منه أحيانا أخرى، خفته أحيانا وأنست إليه أحيانا أخرى، شعرت أني قرأته لأحذر مما جاء فيه بدلا من أن أتعلم منه، وعلى الرغم من كل ذلك لا يمكنني التفكير فيه إلا بوصفه كتابا مدهشا ومميزا ويستحق الاهتمام....more
قراءة التاريخ متعة خالصة، ليس فقط لطابعها القصصي ولكن لأنك كلما قرأت في التاريخ كلما تعلمت عن الماضي، وكلما تعلمت عن الماضي كلما أدركت كم يشبه الماضي قراءة التاريخ متعة خالصة، ليس فقط لطابعها القصصي ولكن لأنك كلما قرأت في التاريخ كلما تعلمت عن الماضي، وكلما تعلمت عن الماضي كلما أدركت كم يشبه الماضي الحاضر وربما المستقبل، بمعنى آخر يقلل التاريخ من شعورك بالاغتراب في الحاضر ومن قلقك نحو المستقبل، فهو يخبرك بطريقة ما أن ما يحدث الآن ليس بدعا من الأمور وإنما حدث مثله وأسوأ منه من قبل أو كما نقول في مصر : "ياما دقت ع الراس طبول"، ولابد أن هذا _ويا للمفارقة_ يخفف عنا ولو قليلا بؤس عالمنا المعاصر ويساعدنا على فهمه بصورة أفضل وبذل ما نستطيع في سبيل إصلاحه. كتابنا هذا _حسب ما أوردته المؤلفة في الخاتمة_ قراءة في تاريخ مصر والشام في أواخر العصر المملوكي، وهي قراءة من أسفل تدخل تجارب العوام في سردية التاريخ، لا بدراسة التاريخ الاجتماعي وحسب بل وبتحليل نظريته السياسية كذلك، أي أن الكتاب يبرز أهمية دراسة تاريخ العوام ليس فقط لدراسة تاريخ الثقافة الشعبية أو تاريخ الأسرة والحياة الخاصة ولكن أيضا لمناقشة التاريخ السياسي. يتألف الكتاب من تمهيد وستة فصول وخاتمة، الفصل الأول بمثابة مقدمة عن القرن الخامس عشر حيث تدور أحداث الكتاب والأزمات الاقتصادية التي ضربت دولة المماليك خلاله وبعده، الفصل الثاني بعنوان "الدولة المملوكية تتغير" وترصد فيه المؤلفة التغيرات الحادة التي أصابت النظام الاقتصادي للدولة المملوكية والتي أدت بدورها إلى تغير في النظام السياسي بحيث صارت الدولة المملوكية أقل مركزية وثراء مما أتاح مساحة من المشاركة السياسية تبدت في احتجاجات حضرية ومفاوضات حول السلطة، تركزت هذه التغيرات الاقتصادية في انتشار الإقطاع والرشوة وبيع المناصب ونقص السيولة والاحتكار وزيادة الضرائب بالإضافة إلى الآثار القاتلة لانتشار الطاعون وحصده لأرواح البشر . الفصل الثالث بعنوان "مجتمع يتغير" وفيه ترصد المؤلفة آثار الأزمات الاقتصادية والسياسية وانتشار الطاعون على المجتمع وكيف أفضى ذلك إلى بروز شرائح مجتمعية جديدة، هذه التحولات المجتمعية تمثلت في اتساع سيطرة البدو وارتفاع شأنهم في السلطة، وتغيير تركيبة الجيش المملوكي، وتواصل التحول من المسيحية إلى الإسلام، وقد خلقت هذه التحولات بدورها شعورا بالقلق والضيق الاجتماعي مما أدى إلى ارتفاع معدلات العنف والانتحار والاحتجاج الحضري " و ما أشبه الليلة بالبارحة :)". الفصل الرابع بعنوان "حضور العنصر الشعبي في الثقافة المكتوبة والتوجه البرجوازي" وهو من أمتع فصول الكتاب وأشدها تأثيرا في وأكثرها تداخلا في ذهني مع واقعنا المعاصر، هاهنا ترصد المؤلفة آثار التغيير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على الثقافة في أواخر العصر المملوكي، فنلاحظ اصطباغا أكبر بالطابع الشعبي في الأدب والتاريخ حيث تغيرت لغة الكتابة وصارت أقرب إلى العامية سواء في الشعر أو النثر، كذلك برز اهتمام المؤلفين بتأريخ الحياة اليومية وأحداثها وتأريخهم لحيواتهم الشخصية والتي رأت فيها المؤلفة انعكاسا لاضطراب أيامهم ومعاناتهم منها إلى حد جعلهم يرون تجاربهم الشخصية تستحق التسجيل محاولين فهم ما يحل بهم من نوازل ومعبرين عن ضعفهم في مواجهتها، الحقيقة لم أستطع عند هذه الفكرة سوى ربطها بموقع "فيسبوك" وما يمثله الآن بالنسبة لنا من تأريخ للحياة اليومية بتفاصيلها وأحداثها وتجاربها حتى التافهة منها، وكأننا صرنا جميعا مؤلفين من العصر المملوكي تضطرب أيامنا فنضطرب ولا نجد مهربا إلا في الكتابة عن أنفسنا، كذلك أصبحت كتابة التاريخ في ذلك العصر نوعا من الاحتجاج على فساد الحكم وظلم الحكام. الفصل الخامس بعنوان "بين الشغب والتفاوض: السياسات الشعبية والاحتجاج" وفيه ترى المؤلفة أن الاحتجاجات الشعبية مثلت شكلا من أشكال التفاوض حول السلطة وإعادة توزيعها في المراكز الحضرية ورغم أن هذه الاحتجاجات تعلقت أكثر بمظالم اقتصادية معينة سواء بفرض ضرائب جائرة أو غلاء السلع الأساسية ورغم أنها لم يستجب لها أحيانا بل وقمعت أحيانا أخرى فإنها مثلت تنفيسا للناس عن غضبهم بالتجمع والصياح رأت فيه الدولة حفظا للتوازن ومنعا للانفجار، لقد رأت المؤلفة في تلك الاحتجاجات بداية لتشمل رأي عام في تلك المدن يحاول أن يدمج اللانخبة أو العوام كما يطلق عليهم في معادلات السلطة وحساباتها و توازناتها السياسية، الفصل السادس بعنوان "الاحتجاج والمخيلة الاجتماعية في العصور الوسطى" وفيه ترصد المؤلفة أشكال الاحتجاجات سواء كانت مقاومة سلبية أو سلوكا مناهضا أو اعتداء على موظفين رسميين للدولة أو محاكاة وشعارات ساخرة وكيف استطاعت بعض تلك الاحتجاجات التفاوض حول السلطة ومراجعة بعض السياسات والقرارات المملوكية كتخفيض ضريبة ما أو إلغائها تماما وكيف نقرأ في كل ذلك الطريقة التي تخيل بها أهل ذاك الزمان النظام الاجتماعي الأمثل وكيف سعوا إلى تحقيقه في أرض الواقع.
الكتاب كما قلت وافر المتعة وقد اشتمل على أحداث ومعلومات تفاجأت بها حقا وقد استطاعت المؤلفة نقل صورة واضحة دقيقة التفاصيل لتلك المجتمعات بعوامها وسلاطينها وأسبغت عليها من الملاحظات ما يساعد كثيرا على فهمها جيدا والتأمل في معانيها والاعتبار بها، شكر خاص المترجم على ترجمته السلسة التي لم أشعر معها أبدا بكون الكتاب مترجما. وبعد، فمع كل كتاب جديد عن التاريخ المملوكي يزداد شعوري بالتشابه بين أحوال عصرنا وأحوال العصور المملوكية المتأخرة وتزداد رغبتي في المعرفة أكثر وأكثر عن تلك الفترة التاريخية رغبة في الفهم وبحثا عن العزاء، ولعلنا إذ نتعلم عن تاريخنا نفهم حاضرنا وننقذ مستقبلنا ولعلنا ولعلنا :)...more
لم تشركني السيدة أجاثا في حل ألغازها، انفردت هي بالمعلومات التي لا يعرفها أحد غيرها وبطريقة التفكير الموسوعية التي لا يستطيعها سوى عميل سري، ببساطة لملم تشركني السيدة أجاثا في حل ألغازها، انفردت هي بالمعلومات التي لا يعرفها أحد غيرها وبطريقة التفكير الموسوعية التي لا يستطيعها سوى عميل سري، ببساطة لم أكملها إلا لجاذبيتها واستثارتها لفضولي لمعرفة السر، أما حبكتها كرواية بوليسية غامضة فلم تعجبني، بل أظنها تصلح أكثر كفيلم سينمائي يتعمق في تاريخ الشخصيات ويستعرض دوافعهم النفسية ويضيف لمسات من التشويق تدفع المشاهد إلى استنتاج الحل أو استشعاره قرب النهاية أو حتى الاصطدام به....more
القراءة الأولى لدكتور طه جابر العلواني وقد حرصت على أن تكون كتابا صغير الحجم موجزا أتعرف من خلاله على أسلوب هذا المفكر الشهير وأفكاره، وأظنني وفقت في القراءة الأولى لدكتور طه جابر العلواني وقد حرصت على أن تكون كتابا صغير الحجم موجزا أتعرف من خلاله على أسلوب هذا المفكر الشهير وأفكاره، وأظنني وفقت في اختياري وستعقبها قراءات أخرى إن شاء الله. الكتاب صغير الحجم سلس الأسلوب لكنه يحمل أفكارا في غاية الجدة والعمق والأهمية، ينطلق الكاتب هنا من فكرة مركزية تتلخص في الآيات الأولى لسورة العلق _أول ما نزل من الوحي_ والمتعلقة بفعل القراءة: "اقرأ باسم ربك الذي خلق(1)خلق الإنسان من علق(2) اقرأ وربك الأكرم(3)الذي علّم بالقلم(4)علّم الإنسان ما لم يعلم(5)". يتتبع كاتبنا تفسيرات الآيات باختصار منحازا إلى التفسير الذي يؤكد أن تكرار فعل اقرأ ليس للتأكيد وإنما التنويه إلى اختلاف المعنى أي إلى وجود قراءتين مطالب بهما النبي صلوات الله وسلامه عليه. ثم يفصل الكاتب في المقصود بالقراءتين حيث تشير إحداهما إلى قراءة الوحي تعلما وتعليما وتلاوة وتدبرا وعملا وتطبيقا، وتشير الأخرى إلى قراءة الكون والتفكر في خلق الله والاعتبار بآثار الأمم السابقة وقصصهم وتتبع سنن الله في خلقه وأرضه مع الاختراز ، من مفهوم الإعجاز العلمي للقرآن الذي لا يتوافق معه أبدا إذ يراه محاولة لفرض النزعة العلموية على كتاب الله بينما يجب أن يكون كتاب الله حاكما على غير ومهيمنا . بعد ذلك يتعرض الكاتب العواقب الوخيمة التي تنتج عن إهمال إحدى القراءتين أو الاقتصار على واحدة دون الأخرى وكيف يؤدي ذلك إلى طغيان الإنسان وفساد الأرض، بعد ذلك يحدد الكاتب مداخل لقراءة القرآن ومداخل لقراءة الكون، أما مداخل قراءة القرآن فهي: تنزيل القاريء للقرآن على قلبه، الإيمان بالوحدة البنائية للكتاب المجيد، الانطلاق من وحدة السورة، مدخل القيم العليا وهي التوحيد والتزكية والعمران، مدخل إدراك العلاقة بين الله عز وجل والإنسان والكون المسخر، مدخل التصنيف الموضوعي لآيات القرآن، مدخل البحث في المناسبات بين السور والآيات، أما مداخل قراءة الكون فهي مدخل الخلق ومبدأ ومنتهاه، ومخل العناية والتدبير الإلهي. بعد ذلك يحاول الكاتب توضيح كيفية الجمع بين القراءتين وإدراك التداخل المنهجي بين قراءة الوحي وقراءة الكون فالقرآن ضم قواعد الوحي التي جاء بها المرسلون كافة، والكون مجال كلمات الله ومظهر إرداته ومشيئته، والإنسان مستخلف للاهتداء بالوحي في إعمار الكون. من هنا يبدأ الكاتب في وضع قواعد لما يسميه المنهج القرآني المعرفي وهي بحسبه: إعادة بناء الرؤية الإسلامية المعرفية على أركان العقيدة التي حددها القرآن وحسب خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، إعادة فحص وتشكيل وبناء قواعد المناهج الإسلامية بعرضها على منهجية القرآن المعرفية، بناء منهج للتعامل مع القرآن المجيد، بناء منهج للتعامل مع السنة النبوية المطهرة، إعادة دراسة وفهم تراثنا الإسلامي، بناء منهج للتعامل مع التراث الإنساني المعاصر. وبعد، فالكتاب على صغر حجمه ووجازة عباراته غني بالأفكار وعصي على الاختصار إذ كل فكرة فيه تفتح آفاقا لأفكار أخرى وتلهمك معاني عميقة لا يستطيع صياغتها بهذه السلاسة والجاذبية غير القليل، إن دكتور طه جابر العلواني يؤسس هنا لمشروع طموح وهو بناء رؤية إسلامية معرفية أصيلة قائمة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والنظر في الكون والاعتبار والاهتداء إلى سنن الله في خلقه والتأمل في مراده منا والسعي إلى التحقق به، وهو يرى أن هذه ليست فقط مهمة خاصة بالمسلمين وحدهم بل يرى فيها حلا لمشاكل الإنسانية كلها لو كانوا يفقهون ....more