كتاب لطيف وحميم قراءة المصيف لهذا العام، قراءة مؤنسة للنفس، بسيط، خفيف، ماتع، مثير للوجدان، مهدئ للعقل. قراءة سكون على هامش الصخب، ومستراح على حين غفلةكتاب لطيف وحميم قراءة المصيف لهذا العام، قراءة مؤنسة للنفس، بسيط، خفيف، ماتع، مثير للوجدان، مهدئ للعقل. قراءة سكون على هامش الصخب، ومستراح على حين غفلة من الملاحقة. مصادفة موفقة للغاية لرجل اقترف جرم نسيان كتابه الورقي (تعرية الحب) ليلتقط هذا الكتاب الذي وجده بجهازه الالكتروني...more
- أدب من العيار الرفيع، بل إن بدايتها وصفحاتها الأولى هي ربما من أجمل ما يمكنك قراءته في ابتداء الروايات بلاغة وطرافة وذكاءً. يعيبها فقط فرط الميل لاست- أدب من العيار الرفيع، بل إن بدايتها وصفحاتها الأولى هي ربما من أجمل ما يمكنك قراءته في ابتداء الروايات بلاغة وطرافة وذكاءً. يعيبها فقط فرط الميل لاستخدام المشتقات (اسم الفاعل والمفعول) وإعمالها في الربط النصي كثيرًا بشكل أكثر من اللازم، خرج به من القص "المبني على الحدث" إلى الثبوت الملازم لاستخدام تلك المشتقات في الوصف. فبين أن تقول (التحرق المستغر بخيالاته) وأن تقول (خيالات حارة تستعر بذهنه) فرق بين الثبوت اللصيق للصيغة الأولى والتجدد النابع من حكي وحدث الذي تصدره الصيغة الثانية، وزيدان قد استخدم الصيغة الأولى بإفراط في مقدمة الحكي، بل ربما نقول أنها عادته إن حاول أن يحبِّر الحروف ويضفي البلاغة على نظمه الروائي وأن يمسح بفرشاة الحسن على بيانه السردي.
انظر إلى بعض جمله (الملوخية الخضراء اللامع سطحها، أخته المتزوجة من ابن عمها، الأيام ثقيلة الوطء عسرة التحمل، العدمية التامة النابعة من انعدام نفعه، المنطوق اسمها امبابة، المصادف في ظن الناس، المشكوك في حدوثه، المختلف في توقيته... ) وهكذا .. وكأن زيدان تعمد تمامًا ألا يستخدم أفعالًا وإنما فقط مشتقات. ما إن ركزت حتى أدركت أن الرجل لا يمكن أن يكون هكذا يكتب عفوًا، بل ربما كل ذلك لقصدٍ ما له أثر دلالي أو وظيفي؟ إنني انتظر أن يكون قصديًا فيكون عبقريا أو تلقائيًّا فيفقد البداية المذهلة بعض روعتها.
- كانت تحمل خلل سخيف في الإلتفات أحيانًا بضمير المتكلم بدلا من ضمير الغائب، وبالتالي يخرج من الراوي العليم نحو تيار الوعي بصيغة المتكلم طويلًا. وهو إلتفات أضعف وظيفة الراوي السردية وصنع ارتباكًا واضطرابًا، ولفت القاريء للنظر وبالتالي أخرجه من انسيابه مع الحكي. كما في أواخر ص ٢٨
- القفزات غير المنطقية في الزمن والحدث، فلقاء راضي وأمنية الأول متسارع ومتعجل، والحب يتطفل أسرع مما ينبغي، فيجعل اللقاء لزجًا وما بعد اللقاء مراهقًا برومانسية نزقة، ناهيك عن قفزات حكي شخصين يتعرفان للمرة الأولى عن الآباء والأمهات والإلحاد!... لم تقنعني تلك القفزة "العضة" والتي يمتليء بها أدب زيدان، حتى تستشعر أن بعض صفحات رواياته كتبها أحد أبنائه المراهقين لا نفس الكاتب الذي كتب الصفحة السابقة، سواء في الحدث أو اللغة السطحية، كما يمكنك أن تلاحظ ما يجري في ذهن راضي ص ٢٩ من تفاهات أشبه بعبث طفولي أو اضطراب مراهق.
أما عن لقائهما التالي فقد جاء أسخف ما يكون، كأحد أفلام السبكي أو سيت كوم للمراهقين، أعذرني يا سيدي لا شيء يدور هكذا بين طلاب الدراسات العليا بعد خمس سنوات من التخرج، يكونون أكثر ثباتًا واستقرارًا من مشهد "درس الأحياء في الثانوية" الذي ذكرته. كما أن المشهد لا يناسب وصف راضي الطويل بالخجل، فلا أرى إلا فتى سريع التعلق نزق شديد الانفعالية ومندفع وسهل الانجراف.
- يمكنك القول أننا أمام روايتين لا رواية الأولى المعاصرة في زمن راضي وأمنية: رواية مختلفة مصنوعة لتدخل بنا للرواية الحقيقية، وبسبب اصطناعها جاءت أحداثها متسارعة وشخصياتها سطحية وحوارها باهت. ولكن ما أن تدلف للرواية الحقيقية، ما أن يظهر مطيع حتى يتحول كل شيء، تجد نفسك قد انتقلت لعالم مذهل سحري أخاذ، يسحبك بشكل غير طبيعي، كثير من التساؤلات، والتشويق والمتعة.
أمتعتنى للغاية المقدمة التاريخية التي بدأ بها مطيع ليمهد المسرح للقصة. يتباهى زيدان بحرفية وذكاء بثقافته وعلومه، فيدهشك بإشارات تاريخية ممتعة للغاية حول الأسماء والأماكن والوقائع، لا تملك إلا أن تتنهد أو تمسك هاتفك لتبحث أكثر، أو تغلق الكتاب لتسمح للاندهاش أن يغمرك لوهلة، فللدهشة سكرتها، وخطيئة هي إهدار لذتها بالاعتياد، لذا فإن أول حق الدهشة علينا هو التوقف ربما لاتقاط الأنفاس وارتشاف رحيق الدهشة أكثر. حين يحدثك عن قصر الشوق، وعن تسمية القاهرة، وعن حكايا الملوك، وعن منشأ الدول، والهجرات والانتقالات، وحين يحدثك عن اختلاف العقائد والفرق والنسيج الاجتماعي... حين يفعل زيدان هذا فلن تجد له منافسًا. لا أدري لماذا يترك منطقته ويذهب للعلاقات العاطفية المعاصرة السمجة فيصير مفضولًا، ولو بقى في موضعه حيث يتميز بشدة فأنا لا أظن أن بإمكان أحد يناظره، وكل مقارنة بسواه سيعلو فيها كعبه وربما تربع على عرش الرواية العربية بلا مكافيء بواقعيته السحرية الخلابة! زيدان يتمكن من أن يصنع من روايته آلة زمن صغيرة، بل ربما أسميها ثقبًا زمنيًّا أو هوة زمنية تبتلعك بأناقة وغواية ودون قدرة منك على كبح السقوط!...more
لا يمكنني أن أصفها بالروعة، فتلك كلمات لا تليق، كلمات لا تحمل وصفًا ملائمًا أو كافيًّا، ربما.
هي البؤرة الأعمق للإبداع، المولد الحقيقي لعبقرية أحمد مرالا يمكنني أن أصفها بالروعة، فتلك كلمات لا تليق، كلمات لا تحمل وصفًا ملائمًا أو كافيًّا، ربما.
هي البؤرة الأعمق للإبداع، المولد الحقيقي لعبقرية أحمد مراد، طورٌ جديد وجليل دلف إليه شيطانه.
أنت هنا أمام روائي عملاق بحق، أمام مبدع أصيل، أمام قطعة فريدة.
هي رائعة بقدر ما تشعرك بكونها سيئة، ومخيفة ومقززة ومرعبة، وهو ما يجعلها رائعة، رائعة للغاية، رائعة بشكل لا يوصف. هي رائعة بقدر ما تعيث في القلب فسادًا وفي الشعور تخليطًا!
سيتضايق الفزاليك، سيغضبون، سيكرهون مراد، وسيكرهونني، وسيكرهون كل من أحبها، وسيكرهون كل ما رأى في تلك الرواية هناك شيئًا ما، وذلك بالضبط هو سرها.
كل نفساني يدرك بالظبط ما الذي فعله مراد هناك، لقد غاص إلى أعمق مساحات الاضطراب العنيف جدًا، وروض وحوشها وجاء بهم إلى هنا حيث كنا ننتظر أن نشاهد الراقصة الناعمة، فوجدنا مسوخًا بشعة طاردت الإنسان البدائي في أعمق خيالاته شطحًا وجنونًا وجعلها ترقص أمامنا، وتتسافد، وتتناكح، وتصلي!
مشهد غريب ومخيف ومؤرق، ولكنك لن تملك أن تغلق عينيك! فالأدب الحقيقية هو ما يفتح حواسك عنوة.
نفور.. هي كلمة بسيطة، هو أراد فزعًا لدى القاريء، فزعًا كالذي يصيبنا أمام مشاهد سيكوباتية خالية من أي تعاطف، فزعًا مخلوطًا بالتقزز والاشمئزاز، فزعًا حد الدهشة، لأول مرة تأتي إلى قاع الفزع والنفور فتتذوق الجمال! تبًا له، لا أدري كيف فعلها!
هي جميلة بقبح، وقبيحة بجمال آخاذ، كأفلام هيتشكوك ومشاهد تارانتينو، كعوالم كافكا، وكسبحات في أحبار رورشاك.
ولكنك ستكملها رغمًا عنك. أنت ممسوك، أنت متورط، ما الذي يجبرك أن تكملها؟ - لأني بدأتها، وأريد أن أرى إلى أين سيذهب بي هذا البطل المخبول. = دعك من هذه الإجابة الرخيصة، أنت تكملها لأنك تريد -لاواعيًا- أن تفعل. أنت تكملها فقط لأنه استطاع أن يستحوذ عليك، أن يَمَسَّك، أن يتلبسك، أن يحاوطك ويحتلك بكائناته البشعة ومخاليقه المخيفة.
تلك الرواية هي حالة فريدة، أسوأ وأجمل حالة وضعتني فيها حكاية بشعة من قبل! بغيضة للغاية، بغيضة بشكل مؤرق، بغيضة بأقصى ما يمكن للقبح أن يكون جميلًا!
مراد! يا له من كاتب، ويا لعمق ما اقترفت حروفه هناك.
أنا منتشٍ، بالاشمئزاز والرعب والدهشة، أنا متضايق، منزعج، مرهق، مأخوذ، مرتبك... فلا عجب. فأنا أقرأ لمراد!
بالطبع مراد -حمدًا للرب- لا يؤمن بأخدوعة الكتابة النظيفة، فالحياة ليست نظيفة. الرب نفسه لم يخلق الحياة نظيفة ليخلق الأدباء أدبًا نظيفًا. من أراد الكتابة الوعظية فليذهب إلى أحد روادها المنفصمين عن الواقع، المتمسكين بطفولة مثالية غائبة.
فما يدهشني أكثر هو رأي البعض ممن يبحثون عن كتابات الأطفال وعوالمهم الطهرية المفعمة بالصوابية، فيلعنون الرجل دائمًا وأبدًا: يشبهون رجلًا قابلته يومًا عند بوابة حانة يلعن الحانة ويسب أصحابها لأنها لا تحوي على مكان مخصص كمصلى للسيدات!
Merged review:
لا يمكنني أن أصفها بالروعة، فتلك كلمات لا تليق، كلمات لا تحمل وصفًا ملائمًا أو كافيًّا، ربما.
هي البؤرة الأعمق للإبداع، المولد الحقيقي لعبقرية أحمد مراد، طورٌ جديد وجليل دلف إليه شيطانه.
أنت هنا أمام روائي عملاق بحق، أمام مبدع أصيل، أمام قطعة فريدة.
هي رائعة بقدر ما تشعرك بكونها سيئة، ومخيفة ومقززة ومرعبة، وهو ما يجعلها رائعة، رائعة للغاية، رائعة بشكل لا يوصف. هي رائعة بقدر ما تعيث في القلب فسادًا وفي الشعور تخليطًا!
سيتضايق الفزاليك، سيغضبون، سيكرهون مراد، وسيكرهونني، وسيكرهون كل من أحبها، وسيكرهون كل ما رأى في تلك الرواية هناك شيئًا ما، وذلك بالضبط هو سرها.
كل نفساني يدرك بالظبط ما الذي فعله مراد هناك، لقد غاص إلى أعمق مساحات الاضطراب العنيف جدًا، وروض وحوشها وجاء بهم إلى هنا حيث كنا ننتظر أن نشاهد الراقصة الناعمة، فوجدنا مسوخًا بشعة طاردت الإنسان البدائي في أعمق خيالاته شطحًا وجنونًا وجعلها ترقص أمامنا، وتتسافد، وتتناكح، وتصلي!
مشهد غريب ومخيف ومؤرق، ولكنك لن تملك أن تغلق عينيك! فالأدب الحقيقية هو ما يفتح حواسك عنوة.
نفور.. هي كلمة بسيطة، هو أراد فزعًا لدى القاريء، فزعًا كالذي يصيبنا أمام مشاهد سيكوباتية خالية من أي تعاطف، فزعًا مخلوطًا بالتقزز والاشمئزاز، فزعًا حد الدهشة، لأول مرة تأتي إلى قاع الفزع والنفور فتتذوق الجمال! تبًا له، لا أدري كيف فعلها!
هي جميلة بقبح، وقبيحة بجمال آخاذ، كأفلام هيتشكوك ومشاهد تارانتينو، كعوالم كافكا، وكسبحات في أحبار رورشاك.
ولكنك ستكملها رغمًا عنك. أنت ممسوك، أنت متورط، ما الذي يجبرك أن تكملها؟ - لأني بدأتها، وأريد أن أرى إلى أين سيذهب بي هذا البطل المخبول. = دعك من هذه الإجابة الرخيصة، أنت تكملها لأنك تريد -لاواعيًا- أن تفعل. أنت تكملها فقط لأنه استطاع أن يستحوذ عليك، أن يَمَسَّك، أن يتلبسك، أن يحاوطك ويحتلك بكائناته البشعة ومخاليقه المخيفة.
تلك الرواية هي حالة فريدة، أسوأ وأجمل حالة وضعتني فيها حكاية بشعة من قبل! بغيضة للغاية، بغيضة بشكل مؤرق، بغيضة بأقصى ما يمكن للقبح أن يكون جميلًا!
مراد! يا له من كاتب، ويا لعمق ما اقترفت حروفه هناك.
أنا منتشٍ، بالاشمئزاز والرعب والدهشة، أنا متضايق، منزعج، مرهق، مأخوذ، مرتبك... فلا عجب. فأنا أقرأ لمراد!
بالطبع مراد -حمدًا للرب- لا يؤمن بأخدوعة الكتابة النظيفة، فالحياة ليست نظيفة. الرب نفسه لم يخلق الحياة نظيفة ليخلق الأدباء أدبًا نظيفًا. من أراد الكتابة الوعظية فليذهب إلى أحد روادها المنفصمين عن الواقع، المتمسكين بطفولة مثالية غائبة.
فما يدهشني أكثر هو رأي البعض ممن يبحثون عن كتابات الأطفال وعوالمهم الطهرية المفعمة بالصوابية، فيلعنون الرجل دائمًا وأبدًا: يشبهون رجلًا قابلته يومًا عند بوابة حانة يلعن الحانة ويسب أصحابها لأنها لا تحوي على مكان مخصص كمصلى للسيدات!...more
في مصادفة عجيبة أبحث فيها عن كتاب لأطفالي، يخبرني الصغير: لا أريد هاري بوتر الليلة فوحوشه وكائناته الخرافية تطاردني في أحلامي حين نقرؤه بالمساء، فالتقفي مصادفة عجيبة أبحث فيها عن كتاب لأطفالي، يخبرني الصغير: لا أريد هاري بوتر الليلة فوحوشه وكائناته الخرافية تطاردني في أحلامي حين نقرؤه بالمساء، فالتقط كبيرهم هذه الرواية الملونة وصمم أن نقرأها، والعجيب أنه رغم عمق الرواية وطريقة السرد المختلفة والاستثنائية إلا أن البيت بأكمله قد تعلق بها جدا وأصبح موعد قراءة (حمادة) هو موعد قدسي، يمنع الجميع عن النوم حتى انهي عملي وأبدأ في القراءة وشرح المعقد منها على أفهامهم، رواية للكبار تعلق بها بيتنا كبيره وصغيره على السواء، تسحبني في رواية تفاصيل الوقائع التاريخية وتبسيطها للأطفال، رواية مليئة بالنوستالجيا الاستثنائية، نعم أنا هو، لقد عشت حياته تلك بكافة تفاصيلها، لقد حلمت بما حلم به وحملت ما حمله من حفريات الذكرى، رواية غريبة ويدهشني في غرائبيتها تعلق أطفالي بها وبخاصة أكبرهم، قد رأيت أثرها على حياته وفي طريقة قراءته لطفولته، فقد التقت طفولتي مع طفولتهم حين يجدونني أشرد مع كلمة أو إشارة لشيء عشته ونسيته وذكرتني به، رواية مذهلة لجيل الثمانينيات، وقدرتها فريدة على حياكة عوالم متداخلة ومتراكبة ومتقاطعة، بصراحة أحمد عبد المجيد عمل الجزء التاريخي بعبقرية وبطريقة مدهشة في الرواية دي. لازلت في منتصفها ولكني حبيتها جدا....more
هو الكتاب الذي اقترض مني عنوة زمنًا، فكُتِب على مدار أربعة أعوام أو أكثر، كان أخيرها هو الأكثر تركيزًا وإرهاقًا
كثيرًا ما كرهته، وكرهت قرار كتابته، وكهو الكتاب الذي اقترض مني عنوة زمنًا، فكُتِب على مدار أربعة أعوام أو أكثر، كان أخيرها هو الأكثر تركيزًا وإرهاقًا
كثيرًا ما كرهته، وكرهت قرار كتابته، وكثيرًا ما شعرت بالتورط، وكأنني محاصرٌ في مستنقع ذلك لا أملك قوة أو اتجاهًا للخروج! وفي النهاية أحببته كما لم أحب شيئًا كتبته قط، ففي عادتي أني لا أقرأ شيئًا كتبته، ولا أراجعه، ولا أنقحه، فقط أدفعه إلى صديق وأنفذ مقترحاته بكامل التفتح الذهني لئلا أخوض تجربة قراءته مرة أخرى، إلا في تجربتي مع هذا الكتاب، ربما أكون قد قرأته وراجعته ونقحته كاملًا أربع أو خمس مرات، وفي كل مرة منها كان يخرج ككتاب مختلف كليًّا عما كان عليه قبل القراءة!
أخبرني صديقي أنني مع عملية كتابة هذا الكتاب بالذات وبعيدًا عن محتواه كنت وسواسيًّا، مهووسًا، كريهًا، متفحصًا بافراط، مصابًا بملاحقة كمالية، حتى أنه قذفني بعبارة لعلها من أكثر ما ساعدني على إنهائه بعد تأخير لشهور طويلة حين قال: " أخشى أن تفسده وتشوهه من حيث أردت اصلاحه"
بقيت أِشباح الخوف والتردد تطاردني، وأصنام المثاليات تنهشني طويلًا، لم يراودني معشارها مع أي شيء كتبته قبلًا؛ المنشور منه والمؤجل محنطًا على رفوف الكف والمكابح والظروف. أتذكر جيدًا زفرة أطلقتها في النهاية؛ تنهيدة، نفخة من صعداء سيزيف الذي قرر أن يترك صخرته لتسقط كيفما اتفق! ولكن تلك الزفرة أورثتني محبة عجيبة له، محبة معروفة بين الأدباء والكتاب، نبوءة ملعونة أخشاها بشدة: "لا يمكنك أن تحظى بكتاب رائجٍ ثانٍ" ورغم أنني قد كسرت تلك النبوءة في علاقة سابقيه، إلا أنني هذه المرة أخشى أن تصدق، فهناك جزءٌ خفيٌ من تلك النبوءة يقول: "أن تلك الأعمال والمنجزات التي ننفق عليها الجهد والوقت، ونعاقر فيها سهاد البحث والتحبير، في الأغلب تعاملها دنيانا بالتجاهل" ولكن العجيب أن ذلك لا يؤرقني اليوم، لست منشغلًا بقبوله ورواجه ومردوده واستجابة القاريء له مثلما انشغلت فيما سبقه
فهذا الكتاب كان بوابة، أغلق بها مشروع التعافي وأدلف بها لمشروع جديد؛ بلورة أخيرة لتلك الثلاثية (ذات الألوان المشتركة عمدًا على الأغلفة) تزيح الستار عن الهوس، والسلوك القهري، والإدمان الذي أراه - وربما تلك بعض مبالغاتي المعتادة كمتمسح بالأدب- بات يصبغ مساحة واسعة من حياة الإنسان الحالي، الحياة السرية والمزدوجة والممزقة والمشظاة!
يخبرني صديق آخر: "هل تظن أنك قد جازفت اليوم بكتابِ حول هذا الموضوع، ألا ترى الموضوع خصوصيًّا قد لا ينجذب له عموم القراء؟" ربما يكون لتساؤله وجاهة ما، وقد أكون مقامرًا بطرحٍ نخبوي، ولكن حدسًا عميقًا غير مبرر داخلي يخبرني : لا بل ذاك ميقاته، وما نظنه خصوصيًّا إنما هي خصوصية زائفة، وما نراه نخبويًا لا يتصل بالجميع إنما هي نخبوية كاذبة، فكثيرٌ منا يعاني في صمت مع هوسٍ من نوع، أسر لسلوك ما، شعور بأنه ممسوك من جهة ما، لا يملك منها فكاكًا، وهذا الكتاب في تناوله الخارج عن المألوف والدارج لظاهرة (الأسر السلوكي) و(التورط الإدماني) لعله يساعد أولئك الذين يعانون في صمت أن يفهموا أنه لا علاقة للأمر بالسلوك الذي يأسرنا، أو الهوس الذي استحوذ علينا، بل كل الأمر يتعلق ببنائنا النفسي السابق عليه، والذي نهرب منه عبر الارتماء في هذا السلوك، ولعل هذا الكتاب يقدم خارطة تفحصية لهذه البنية السابقة والمركبة، وعل تلك الخارطة تساعدنا في الفرار.
الساعات بطيئة والدقائق مشلولة والثواني تتثاقل في غنجٍ وتشفٍ أمامي قبيل أن أراه هناك على أرفف المكتبات، يخاطب مسافة من نفوسنا، تدرك جيدًا ذلك الوصف المتناقض (ممتلئ بالفراغ) مساحة يحتشد فيها الخواء، فنحن بين ازدحام وفضاء قارص، قد يجد صدى له في هذا العنوان والغلاف الملقى هناك في استفزاز لتلك المساحة، وغايتي ليست تصفيقًا وحفاوة تلك المرة، قدر ابتغائي أن أجد روحًا وحيدة شعرت ببعض امتلاء، أو ربما خفوت شاحب لإلحاحات الخواء داخلها.
ليس لأن المترجم سيء، بل على العكس، يبدو مترجمًا جيدا ولكن للأسف هو غير ملم تمامًا بالاصطلاح الفرويدي فتساءتني الترجمة العربية بقلم الاستاذ الحسبن خضيري
ليس لأن المترجم سيء، بل على العكس، يبدو مترجمًا جيدا ولكن للأسف هو غير ملم تمامًا بالاصطلاح الفرويدي فتاهت الكلمات وتمزق المعنى وأصبحت ألهث وراء كل صفحة أحاول إعادة ترجمتها في ذهني لأدرك ما الذي كان يريد فرويد قوله
المترجم قام بجهد مميز في البحث تجلى في هوامشه لكن التصدي لترجمة فرويد لا تقتضي فقط كفاءة في العربية والانجليزية فحسب بل احاطة باصطلاح. التحليل ومعانيه
أرهقني هذا الكتاب وكنت أحاول قراءته للاستجمام لما أعلمه من جماله ولطفه ولكنه خرج مضطربا للأسف، الجمل مقطعة، والفقرات مقسمة لجمل صغيرة تائهة في الصفحات بلا روابط الانتقال بينها كان عناءً
بكل أسف لا أنصح باقتنائه وأتمنى لو أعاد السيد المترجم ترجمته ولكن مع الاستعانة بشخص له باع في الاصطلاح التحليلي وفروقاته
وأخشى أن يقرأ المترجم مكتوبي فيستاء، ولكن كان هذا انطباعي الذي منعني حتى من استكمال الكتاب
كل من قرأ فرويد بترجمات اسحاق رمزي وسامي علي وطرابيشي يدرك أنه هنا لا يوجد.فرويد إنما شبح له مختلط الصوت تحاول تمييز صوته من تخبط الترجمة مرهقة الصياغة ...more
إن اريك فروم شخص يعييك تصنيفه هو لا يحمل تعقيدات الفلاسفة وأنساقهم وبناءاتهم المنهجية
ولا يحمل كذلك النَفَس التحليلي المعتاد فلا تجد نزوعًا للتأويل واللإن اريك فروم شخص يعييك تصنيفه هو لا يحمل تعقيدات الفلاسفة وأنساقهم وبناءاتهم المنهجية
ولا يحمل كذلك النَفَس التحليلي المعتاد فلا تجد نزوعًا للتأويل واللامرئي ولا دوران حول ميكانيزمات دفاع ورموز أحلام
وكذلك لا تجد الماركسية أو الاشتراكية في خطابها السياسي
تجد شخصًا يخيل إليك أنه لم يجلس مع نفسه قبل أن يكتب ليفكؤ فيما سيكتب! فهو يكتب هكذا كيفما اتفق، عفوي، سلسال، منساب، متنقل
تنهي الكتاب فلا يمكنك أبدا أن تضعه في نقاط، بل انطباع وآخر فكرة تسلمك لأخرى كتاب لا يمكنك اختصاره أو تهذيبه! كتاب لن يعلمك قدر ما يدفعك للتفكير
هذا الكتاب جريء شجاع، ولكن في نفس الوقت بدهي وقريب! لا يقوم بتقديم رؤية تحليلية للدين ولا يمنحك قراءة من منظور تحليلي للممارسة الدينية فالتحليل هنا هو رؤية فروم، لا المشترك التحليلي ولا الخطاب المعتاد في التحليل
يمكنك أن تدرك في النهاية أن ما تعتبره دينا، يقف وراءه دين ءحر، دين أبوي بدوال حاكمة لرؤيتك لدينك تحكمنا تجاربنا وآلامنا ونصوصنا الخفية قبل أن تحكمنا شرائعنا وديناتنا وانتماءاتنا المذهبية
كتاب مثير، وسهل، يمكنك إنهائه في بضعة جلسات لغته بسيطة، ترجمته جيدة، أفكاره تكاد تخلو من الالتواء حتة تخالها من بسيطة وليست البساطة سوى في عرضها ...more
إن اريك فروم شخص يعييك تصنيفه هو لا يحمل تعقيدات الفلاسفة وأنساقهم وبناءاتهم المنهجية
ولا يحمل كذلك النَفَس التحليلي المعتاد فلا تجد نزوعًا للتأويل واللإن اريك فروم شخص يعييك تصنيفه هو لا يحمل تعقيدات الفلاسفة وأنساقهم وبناءاتهم المنهجية
ولا يحمل كذلك النَفَس التحليلي المعتاد فلا تجد نزوعًا للتأويل واللامرئي ولا دوران حول ميكانيزمات دفاع ورموز أحلام
وكذلك لا تجد الماركسية أو الاشتراكية في خطابها السياسي
تجد شخصًا يخيل إليك أنه لم يجلس مع نفسه قبل أن يكتب ليفكؤ فيما سيكتب! فهو يكتب هكذا كيفما اتفق، عفوي، سلسال، منساب، متنقل
تنهي الكتاب فلا يمكنك أبدا أن تضعه في نقاط، بل انطباع وآخر فكرة تسلمك لأخرى كتاب لا يمكنك اختصاره أو تهذيبه! كتاب لن يعلمك قدر ما يدفعك للتفكير
هذا الكتاب جريء شجاع، ولكن في نفس الوقت بدهي وقريب! لا يقوم بتقديم رؤية تحليلية للدين ولا يمنحك قراءة من منظور تحليلي للممارسة الدينية فالتحليل هنا هو رؤية فروم، لا المشترك التحليلي ولا الخطاب المعتاد في التحليل
يمكنك أن تدرك في النهاية أن ما تعتبره دينا، يقف وراءه دين ءحر، دين أبوي بدوال حاكمة لرؤيتك لدينك تحكمنا تجاربنا وآلامنا ونصوصنا الخفية قبل أن تحكمنا شرائعنا وديناتنا وانتماءاتنا المذهبية
كتاب مثير، وسهل، يمكنك إنهائه في بضعة جلسات لغته بسيطة، ترجمته جيدة، أفكاره تكاد تخلو من الالتواء حتة تخالها من بسيطة وليست البساطة سوى في عرضها
قرأته بترجمة محمود منقذ الهاشمي عن دار الحوار وهي ترجمة ممتازة لا تخلو من خلل سببه عدم الاختصاص وكانت الترجمة أفضل كثيرا مما توقعت...more
واحد من أسوأ الكتب التي طالعتها عن الإدمان دخلته بتوقعات عالية، فوجدته محبِطًا للغاية، ربما لم أستفد منه سوى بضعة نقاط لا يمكن إن كتبتها أن تتعدى صفحة واحد من أسوأ الكتب التي طالعتها عن الإدمان دخلته بتوقعات عالية، فوجدته محبِطًا للغاية، ربما لم أستفد منه سوى بضعة نقاط لا يمكن إن كتبتها أن تتعدى صفحة أو صفحتين كتاب متخبط وحائر، كخطيب على المنبر لا يجد ما يقوله فهو يميل يمنة ويسرة دون وجهة واضحة لم يعجبني البتة
يمكننا أن نشيد فقط بالمساحات المخصصة للكتابة والتأمل الذاتي، ولكن كتاب عملي بدون إطار نظري هو لا شيء في النهاية
استخفاف بعقل المدمن، واختزال له في أمور سلوكية سطحية تافهة جدا، ولعب على شعور المدمن بعدم القيمة يصلح لنوعية من السطحيين والذين ربما لا أقابلهم في الحياة الواقعية فمعظم المدمنين يحملون عمقًا غير مشبع وهذا خطاب سخيف مسطح، ومحاولته التحرر من تأثيرات الخطوات الاثنى عشر ومنحنا كتابا علمانيًا علمويا أزاحه نحو الضحالة والغباء أحيانا
لا أمنح تقييما كهذا إلا فيما ندر، ولا أرى لنفسي الحق في مثل ذلك دون أن أقدم شيئًا مقابلًا يمكنني أن أعده أكثر قيمة ولكني سأتجاوز هذه القاعدة الذاتية مؤقتا
اللي بيدور على حاجة تشبهه ولكن بعمق أكبر ككتاب عملي مكمل لإطار نظري طويل وعميق فعليه بكتاب A gentle path لللعبقري Patrick Carnes ولكنه لم يُترجم للأسف نسأل الله أن يبعث للمكتبة العربية من يترجم اسهامات باتريك كارنز عن الإدمان فنحن بأمس الحاجة لها بحق
أظن أن هناك كتب أفضل كثيرا تستحق الترجمة في مساحة الإدمان
وسيبقى خير ما تمت ترجمته حتى الآن هو كتاب أرنولد واشنطن الصادر عن المركز القومي للترجمة بعنوان (إرادة الإنسان في علاج الإدمان)...more
المقالة الأخيرة هي الاكثر سطحية ولكن لكونها تحمل أسماء فرويد وأينشتاين فهي تعد جديرة بالنظر، ولكن ما بعد فرويد الكتاب عظيم جدا والمقالات مختارة بعناية
المقالة الأخيرة هي الاكثر سطحية ولكن لكونها تحمل أسماء فرويد وأينشتاين فهي تعد جديرة بالنظر، ولكن ما بعد فرويد تم تناول السياسة والسلطة والقانون والحرب بشكل أعمق كثيرا
أنهيته في ثلاثة أيام ممتعة
المقالات مذهلة، والترجمة ممتازة اللهم من بعض الازاحات البسيطة عن المتعارف عليه في أروقة التحليل النفسي كاستخدام كلمة (الروحية) بديلا عن (النفسانية) للتعبير عن كلمة Psychic
المقالات مركزة ومكثفة ولا أظن أنها قد تنفع غير المختصين أو أولئك الذين لا يحملون كبير باع في مطالعة أدبيات التحليل النفسي
يمكن اختصار الكثير من آراء فرويد في بعض المقالات المركزة والمختارة بعناية
استمتعت بشدة بكل لحظة قضيتها مع هذا الكتاب المحفز
ما صعب عليّ فقط هو الجزء الثاني من مقالته عن الاكتئاب والتي خصصها لاقتصاد الليبيدو في الهوس، كانت صعبة قليلة وتحتاج بحث أعمق
أما باقي المقالات فممتعة ومركزة ككبسولات خلاصة لبعض مرتكزات التحليل النفسي الكبرى
كتاب صغير الحجم عظيم الفائدة، لا يصلح أبدا لمبتديء في التحليل فهو بخلاف كتب فرويد الأخرى الشارحة البسيطة السهلة، فهو مركز ودقيق يمكننا أن نعده كمتن يشبه متون العلوم القديمة التي تكون مركزة ولكل جملة فيها أهمية دقيقة وتقوم على الحذف والاختصار ولا تصلح لاستهلال الطريق وتحتاج لشروح وحواشي
وامتع مقالة هي (بعض النتائج النفسية للاختلاف التشريحي الجنسي)
هذا الكتاب جميل بحق، دافيء، ومحبب، وحميم، ورقيق، وعذبٌ للغاية أحببته كما لم أحب كتابًا منذ زمن
حملني إلى مساحات نفسية وروحية عجيبة، كان الرجل يتحدث عن نهذا الكتاب جميل بحق، دافيء، ومحبب، وحميم، ورقيق، وعذبٌ للغاية أحببته كما لم أحب كتابًا منذ زمن
حملني إلى مساحات نفسية وروحية عجيبة، كان الرجل يتحدث عن نفسه وإذ به يعيث في ذكراي فسادًا، لا ليس فسادًا، فتلك كلمة قبيحة، بل قد عاث بعثرةً في ذكرياتي، أوقظ طفولة نائمة، ومراهقة ضامرة، وشبابًا خمل مني قبل أوانه، وكهولة مبكرة طغت على العڨل عنوة، فأستخلصني منها أورهان
كتابه الأول بعد إنجازه، لأقرأه بعد مصيبتي كتبه بعد إعتراف العالم، وقرأته بعد إنكاره! كتبه من مقعد الشبعان، وقرأته من بقعة الجائع كتبه وهو يعرف من هو، ويؤمن بقدْرِه وقدَرِه، وقرأته وأنا مرتبكٌ حول قدْري ومتحيرٌ من مداعبات قدَري
ورغم كل ذلك التباين بيننا أبهجني وأفزعني، وأطفأني وأدفأني
جعلني أريد أن أكتب، وأريد أن اتحدث، وأريد أن أبكي، وأريد أن أحب. والأهم أريد أن أكون.. أن أكونني فقط وأخلص نفسي من كل ما علق بي مما ليس مني
أحببت الرجل كاتبًا وإنسانًا وأظنه سيرقى بعد قراءة كتابه هذا لأن يكون أحد كتابي المفضلين، إن لم يكن على رأسهم فأنا أحب أولئك الذين يكتبون بقلمٍ شفافٍ موصولٍ بأرواحهم!
أظن أن ما فعله شامبليون في فك رموز حجر رشيد، لا يقل في عظمته مما فعله الدكتور عبد الله عسكر في هذا الكتاب من فك رموز وطلسميات لاكان!
كان لاكان ولا يزالأظن أن ما فعله شامبليون في فك رموز حجر رشيد، لا يقل في عظمته مما فعله الدكتور عبد الله عسكر في هذا الكتاب من فك رموز وطلسميات لاكان!
كان لاكان ولا يزال مستغلقًا، يشير ويرمز، ويحتاج خلفية لغوية استثنائية وجهد عقلي مضني لفك شفرات رؤاه مما حدا ذلك للبعض لاعتبار اللاكانية لغة مستقلة، فيقول أحد المثقفين متسائلًا لزميله : هل تتحدث اللاكانية
وقد جربت فهم اللاكانية فأعيتني وبقيت أؤجل الخوض فيها وألملم بعض شتاتي فيها من هنا وهناك حتى سقطت على طرح الدكتور عبد الله عسكر في هذا الكتاب، فمنحني دفعة إنقاذ، ووهبني مفتاح فك الشفرة، فأخذت السدود تتساقط بيني وبين لاكان واحدًا تلو الآخر.
الكتاب عظيم جدا، ومبسط إلى أقصى ما يمكن أن يناله التبسيط لأطروحات معقدة كإطروحات لاكان الكتاب مركز وملخص، تمامًا كما وعد أن يكون (مدخلًا) ولغته جميلة وسلسة ورقراقة وتتدفق بيسر اللهم إلا في بعض المواضع التي استصعبت قليلًا لا لخلل في الدكتور عبد الله قدر ما هو صعوبة شديدة في المعنى والفكرة المطروحة لدى لاكان أصلًا
استمتعت بهذا الكتاب حتى النخاع واستحوذ عليّ تمامًا، حتى أني كنت أسارع لبيتي لا لشيء إلا لأكب عليه وألتهم منه المزيد
لا يمكنني أن أنسى هذا الكتاب وعظمته ما حييت
ولا أرى إلا يد الاه وأقداره في اختياره لي في نفس الوقت الذي تشغلني فيه اللغة وعلومها وفلسفتها وعلاقتها بالنفس والتعافي ليأتي هذا الكتاب إكليلًا لتلك الفكرة ومبلورًا لما كان يشغلني ليصيغه في رؤية كبرى....more
سعدت بقراءة الرواية وكتابة مقدمة لها، وأرى أن الكاتبة بلغتها الرائقة الراقية الرقراقة، واقتحامها لمساحات غير مطروقة ستكون من الكتّاب المهمِّين للغاية سعدت بقراءة الرواية وكتابة مقدمة لها، وأرى أن الكاتبة بلغتها الرائقة الراقية الرقراقة، واقتحامها لمساحات غير مطروقة ستكون من الكتّاب المهمِّين للغاية مع الوقت، فقط إن تجاسرت في كتابة ما تعتقده، والرواية بشفافية لما أظنه يحتل عقلها من كائنات راقصة عكس السائد. أحببت لغة الرواية وأسلوبها للغاية، ووجدتها شيّقة خفيفة الظل، متعددة الشخصيات مثيرة للتفكير ومحركة للراكد.
يعيبها ما يعيب كل كاتب شاب ولا أراه عيبًا إنما مرحلة نمو طبيعية (فما كان عموميًّا يشمل الجميع فهو ليس عيبًا إنما خصيصة من مراحل النمو، فلا يُعاب الشباب بالعنفوان). والعيب الذي أقصده هو "الخطابية"؛ بأن نقول ما نعتقده مباشرة فننقد ونغضب وندعو ونرفض بشكل مباشر أحيانًا يلحظ فيه القاريء أثر الكاتب، فيعلم أن الشخصية الروائية في موقف ما أو منطوق ما كانت وعاءً لبث ما يعتقده الروائي، فتمنحها الخطاببة تضييقًا لتجسيدها، وبالذات إن أوتي الكاتب أسلوبًا بديعًا كما أوتيت نيفين، وهو ذات العيب الذي تم توجيهه للمنفلوطي والرافعي (وإن لم يكتب كلاهما الرواية) وإن لم يستطيعا التخلص من ذلك العيب أبدًا.. ولكنك ستجد غيرهما قد تخلص منه بمرور العمر، فأصبح يُشير ولا يوجّه، يصف ولا يخبر... والخطابية قد لا تبدو للعيان في المقالات والكتب، ولكنها تظهر في الرواية والحكايا بلا شك، ويسقط بعضًا منها مع كل حكاية جديدة.. وأنا ألحظ تطور واضح في أسلوب الكاتبة حتى بعد الرواية بدا فيه التخلي عن الخطابية الزاعقة والارتحال نحو المسحة الوجودية والواقعية ووصفية الموقف الإنساني المتأزم دون خطابة، وهو ما أظنه سيتبلور ويتجلى في رواياتها القادمة.
وما أخشاه هو أن تكون الكاتبة من رواد "الكتابة النظيفة". فلا جنس ولا جريمة ولا شرور لدى الأبطال ولا ظلام ولا بغض ولا خطايا ولا شيء ينفرني منهم، ولا شيء يستفزني!
مقدمتي للعمل: هل يمكن أن نكتب مقدمة لعمل روائي كما نكتبها للكتب؟ ذلك التساؤل الحائر هو ما أصابني بالتردد كثيرًا قبل قبول التقديم. العمل الروائي نوع من الولادة، يبدأ بفكرة تتلقح بالذهن، ثم تتناسل وتتقاسم وتتفرع، ثم تتعلق ببطانة العقل وتعاني من محاولات متعددة للإجهاض بفعل تشكيكنا بأنفسنا وربما بفعل التردد والتخوف والتوجس، ولكنها تواصل البقاء. هي ككل ولادة تحمل الألم والحيرة، بل والندم والغضب، والشعور بالنقص، وخوف الرفض، وترقب هائل الوطأة للمنتج الإبداعي وأثره على الناظرين؛ لذا أجد العمل الروائي نوعًا من الإبداع مغايرًا تمامًا للكتابات البحثية، فهو حالة متفردة مكتملة كما هي مهما حملت من نقص ككل مولود، فهو كيان كامل وإنسان معتبر مهما كان يحمل من عطب أو تشوه جيني لا يمكنك إعادته للمصنع، ولا يمكنك تقييمه دون أن تعرّضه للرفض، ولا يمكنك كذلك تقديمه أو منحه استهلالًا تحضيريًا لنزوله، هو هكذا فقط.. كما هو، قد تحبه أو لا تحبه، ولكنه كيان كليّ، تتواصل معه بكليته وجمعيته، لا يمكنك أن تزيح بعضه عن الصورة وتنتقي مساحة منه لتقبلها رافضًا النظر للمساحات الأخرى التي ليست على المقاس من تقييمك. يمكننا أن نحب الروايات.. أو نكرهها، أما عن تقييمها ونقدها وتقديمها فتلك محاولات عبثية لعقلنة ما لا سبيل لعقلنته. وكما قيل إن "الشعر ما أشعر" فكذلك كافة مساحات الإبداع الأدبي إنما هي متعلقة بحواس خاصة فينا بعيدة عن التقييمات المنطقية والمعايير الاحترافية، إنما تتعلق بالحالة والدفقة الشعورية ومذاقات الحدس السابح فيها؛ لذا فأنا هنا لا أقدم رواية إنما فقط أحببت المشاركة في التعبير. أحاول كتابة مقدمة دون المساس بالعمل لأنني كما أوضحت أنظر إلى الرواية كوليد حديث الطلة على عالمنا، أتحدث عما تنفعل به نفسي تجاهه دون تقييم وتقويم كطبيعة الأطباء؛ لذا أردت فقط التعبير عن حفاوتي الذاتية بدخول معانٍ جديدة لحيز الحكي الروائي، كمعنى التعافي والنمو النفسي ومعاني القبول الذاتي والبوح والعلاقات الشافية. فالرواية هي إفراز إبداعي للوعي الجمعي الحالي اتخذ طريقه للنور عبر استخدام وعاء توصيل متمثل في الروائي، بغض الطرف عن فعالية وعاء التوصيل وجاهزيته لتلقي الفيض الإبداعي، فلست ناقدًا مؤهلًا لمثل ذلك، ولكن لا بد أن نحتفي بذلك المنتَج الإبداعي الذي يمثل دلالة على دخول تلك المعاني للوعي الجمعي وتبرعمها في الأذهان حتى باتت تفرض نفسها على الأعمال الروائية. يمكنني أن ألحظ أيضًا تلك الظواهر التي يمكنك أن تشمها في الأجواء والتي استطاعت الكاتبة هنا استلهامها أو ربما فرضت نفسها عنوة على الفعل الإبداعي، يمكنني أن ألحظ المسكوت عنه، والذي أضحى يتحرك في أدمغتنا وتطل رائحته على مجتمعاتنا من أمثال: الغضب تجاه الرموز الدينية التقليدية، إعادة تعريف الذكورة والأنوثة، الفقد والرفض والوصم، أزمة الهوية والتأرجح بين الهويات المعلبة المفروضة، التحيز والتحيز المضاد، التصنيفات وقوالب الانتماء، التفريق بين الحب والتعلق.. وبين التجاوز والتعافي.. وبين النسيان والتلاهي. تركتني الرواية منتبهًا ومتيقظًا أن ذلك الدائر في مجتمعاتنا علامة ارتقاء، وإرهاصات لثورة نفسانية قد تتخبط في بداياتها كعادة الثورات، وقد تضل طريقها، وقد يتكاثر على مغانمها الأدعياء، ولكنها في النهاية ستجد طريقها كخطوة لازمة للتطور والنمو. والسلام. عماد رشاد عثمان...more
بكل الاستحقاق جميلة سيرة ذاتية شبه روائية، أو رواية تشبه سيرة ذاتية هي تقف هناك عند المنتصف، تدعوك لإعادة تقييم كل شيء.
الأدب الجيد هو الذي يستفزك لتحاولبكل الاستحقاق جميلة سيرة ذاتية شبه روائية، أو رواية تشبه سيرة ذاتية هي تقف هناك عند المنتصف، تدعوك لإعادة تقييم كل شيء.
الأدب الجيد هو الذي يستفزك لتحاول أن تصنع مثله، والفن الجيد يوقظ فيك الفنان لا محض الرائي.
وتلك الرواية حقًا تداعب المبدع الخفي فيك، يمكنك أن تعتبرها كلمات تقرأها قبل أن تدلف لمعملك الخاص، لتبدأ في إنتاج إبداعك، مقادير شديدة السرية يساعدك استنشاقها على طبخ مذاقك الذاتي.
لابد لكل كاتب من جعبة من المقبلات؛ هي أشياء يستخدمها لتحفزه، لتستثير الحالة الإبداعية فيه، لتجعله في مواجهة مباشرة مع الكائن المبدع المراوغ داخله، يمكننا أن نعتبرها تعويذات لاستحضار ربة الإلهام
وتلك الرواية تصلح بشدة أن تحصد مكانها في جعبتك، على رأس طاولة مقبلاتك...more
هذا الكتاب هو الأحب إليّ حتى اللحظة، وأقرب ما كتبت لنفسي
لم تزل تتملكني بعد ذلك الكتاب حالة تستمر لبضعة أشهر حتى الآن وهي "أنه لم يعد لديّ شيءٌ آخر لأقهذا الكتاب هو الأحب إليّ حتى اللحظة، وأقرب ما كتبت لنفسي
لم تزل تتملكني بعد ذلك الكتاب حالة تستمر لبضعة أشهر حتى الآن وهي "أنه لم يعد لديّ شيءٌ آخر لأقوله"
مخيفة هي تلك الحالة، كاقتراب الموت، كتهديد بالفناء، فأنا أعترف أن الكتابة بالنسبة لي مرتكز وجودي ولكن تلك الحالة التي لم تطل عليّ قبل الآن طيلة ما يقرب من عشرين عامًا أمارس فيهم عملية الكتابة بشكل شبه يومي "أو تمارسني هي" ولم أشعر "بحصر" أو "جمود كتابي" أبدًا، إلا في هذه الفترة بعد ذلك الكتاب
وذلك ينبئني بأن شيئًا ما حدث هنا عبر هذا الكتاب، مختلفًا عما سواه، تحتاج نفسي لاستراحة ربما، أو لاستشفاء، أو لإلتقاط الأنفاس
أكاد أوقن أن بانتهائه كانت مرحلة مفصلية ونقطة فاصلة في تكويني وفكري، وأظن أنني سأدخل بعده طورًا آخر.
أترقب في توجس...
ممتن للغاية لوجود هذا الكتاب في مشروعي، وفخورٌ به.
وإن كنت مستاءً لعدد من الأخطاء اللغوية والنحوية وأخطاء الطباعة (التي تغير المعنى في بعض الأحيان) والتي فاقت في تعداها غيره مما أنتجت، وأتمنى أن تسمح الدار بتلافيها في الطبعات المقبلة....more
يا له من كتاب تزداد حلاوته كل يوم .. واحد من أجمل أبسط الكتب التي طالعتها .. مُلهم بشكل لا يمكن وصفه
يحوي بعض الأفكار التي أدهشتني والتي أظن أن بإمكانيا له من كتاب تزداد حلاوته كل يوم .. واحد من أجمل أبسط الكتب التي طالعتها .. مُلهم بشكل لا يمكن وصفه
يحوي بعض الأفكار التي أدهشتني والتي أظن أن بإمكان كل فكرة منها ان تقوم بكتاب بأكمله .. بل ونظرة شمولية للعالم
الكتاب مسيحي بالأساس ولكن إلهاماته المشعة يمكنها أن تتعدى حيز الدين وحدود الانتماء العقائدى
إن أمكنك أن تكون مرنا بما يكفي لتتقبل المشترك وتركز على التشابهات وتتجاوز الإختلافات فأنصحك بهذا الكتاب البسيط الممتع سهل الهضم والذي ينساب بسلاسة لروحك .. سيكون محطة هامة في قراءاتك
أما بالنسبة الترجمة فلا يمكنني إلا ان أنحني احتراما لدار أوفير التي لم تخذلني يوما ترجماتها لأي شيء طالعته فيها احترافية وأدبية وممتعة وتعتمد على روح النص حتى تتساءل هل من الممكن ألا تكون تلك هي اللغة الساحرة للكتاب الأصلي !!
ثم أعود للصفحة الأولى لأطالع اسم المترجم فإذ هو د.اوسم وصفي !
نعم الآن أفهم .. فكل هذا الجمال لابد أن يكون قد اقتبس من روحه العطرة المشعة قبل أن يصلنا.. أن تمتزج قبسات روح بوب غوف في التأليف مع شذرات متسربة من روح دكتور اوسم في الترجمة .. لهو بحق كتاب يستحق أن يُلتهم مرارا ومرارا
ممتن جدا لهذا الكتاب الذي ترددت في شرائه في البداية لأني لم أسمع عنه من قبل .. ولكني لم أندم مطلقا عليه بل رأيته رسالة نورانية وهبة سماوية تعثرت بها قصدا من حبكة حكيمة بمطبخ القدر ...more
يمكنني القول بأريحية أنها من أفضل ما قرأت عمرًا، إن لم تكن الأجمل. شهادتي في الرجل دومًا مجروحة، وفي كل ما كتبه، يمكنني أن أتخيل أنه لو سعل لأخرج نورًايمكنني القول بأريحية أنها من أفضل ما قرأت عمرًا، إن لم تكن الأجمل. شهادتي في الرجل دومًا مجروحة، وفي كل ما كتبه، يمكنني أن أتخيل أنه لو سعل لأخرج نورًا يستضاء به! ففضل الكاتب على عقلي قد لا يتعداه سواه.
الرواية قد تكون مملة قليلة في أولها، ولكن مع الوقت تنشأ بيني وبين شخصياتها علاقات حميمة للغاية، متدرجة، خطرة. أحببت نيتشه، وبروير، وبيرثا، وماتيلدا (فرويد) قد ظُلِم كثيرًا فلم تأخذ شخصيته حقها من الألق والعمق الذي كان بإمكان (يالوم) أن يضفيه عليها، فذاب تمامًا جوار كاريزما بروير ونيتشه رغم كونه ربما يفوقهما في الحقيقة عمقًا وألقًا ووعورة وأبعادًا.
الحوار في الرواية هو البطل الحقيقي، فكعادة روايات يالوم ليست روايات (حدث) وإنما (حوار)، وهو ما يرضيني كثيرًا ويداعب ذوقي. أتذكر جيدًا الحالة التي وضعتني بها الرواية على مدار أيام قراءتها، ألتقط بضعة منها ثم أغلقها رغم شغفي بالمزيد لأتمكن من هضم ما قيل، أواجه نفسي، هواجسي، وساوسي، هوسي ، وأشاهد (بيرثا) الخاصة بي التي تحتلني، فتستغرقني الأفكار وتجرفني خاطراتي لتستعيدني الرواية ثم تقذفني ثانية نحو نفسي!
الرواية قد لا تكون الأعظم في بنية السرد الروائي وعوامل الإبداع الحكائي الذي يجعل من الروايات تحفًا فنية، ولكنها رواية ذوقية، نوعٌ مغاير من التجارب النفسية كعادة كتابات يالوم، تجربة علاج نفسي مصغر أو بالأحرى تجربة استكشاف ذاتي مكثف.
أظن أن الفصل الخامس عشر تحفة حقيقية.
أحببت الرواية.
الفيلم البغيض التي صنعوه لها ظلمها للغاية وأفسدها ومنعني طويلًا من مطالعتها، فهو فيلم بائس ضعيف للغاية، ممل، وسخيف....more
كتاب مذهل ، عميق وبسيط رغم أنه ليس سهلا ، ففارق كما يقول بين البساطة والسهولة .. ينبغي أن يكون الإيمان بسيطا ولكنه ليس سهلا على الإطلاق
الكتاب مسلٍ للكتاب مذهل ، عميق وبسيط رغم أنه ليس سهلا ، ففارق كما يقول بين البساطة والسهولة .. ينبغي أن يكون الإيمان بسيطا ولكنه ليس سهلا على الإطلاق
الكتاب مسلٍ للغاية ويضع بين دفتي أقاصيص عادية للغاية معاني عميقة ومحفزة وملهمة .. وباعثة على الراحة والبهجة
اعتقد أن الكتاب المسيحيين بالذات يمنحونني شيئا أحتاجه بشدة حين يتحدثون عن معاني مثل الخدمة والمحبة والقدرة الشفائية للمحبة وهي أمور لا توجد في مكتبتنا العربية والإسلامية المساحات الواسعة لها ولم يحمل ما كتب فيها ذات العمق والدسامة .
المرة الأولى التي أقرأ فيها لبوب غوف .. وأنا مستمتع بالكتاب جدا .. منساب وظريف وخفيف الطلة وسهل الهضم وممتليء بالمعاني العادية الغائبة ... كنت متردد جدا وأنا اشتري الكتاب ولكن اتضح انه تجربة تستحق وقتها والمجازفة فيها
وبعيدا عن كل هذا .. فالترجمة مبدعة . مذهلة ايضا .. وممتعة وشيقة وأمينة واحترافية وتفقه معنى (روح النص) .. متوازنة بشكل نادرا ما نقابله .
زيدان حكّاءٌ ممتاز، وكان للرواية متعة استثنائية رغم أن "المتن الحكائي" والقصة الأصلية -التي يحكمه إطارها- عادية للغاية، لذا فأن تمنح مسحة المتعة والتشزيدان حكّاءٌ ممتاز، وكان للرواية متعة استثنائية رغم أن "المتن الحكائي" والقصة الأصلية -التي يحكمه إطارها- عادية للغاية، لذا فأن تمنح مسحة المتعة والتشويق لقصة عادية هي دلالة عبقرية! لقد تركتني الرواية حائرًا: أي شيء من التاريخ وأي مسافات هي من إبداع خيال الكاتب فقط، وتلك أيضًا علامة نجاح فريد هنا!
البطل الحقيقي لهذه القصة هو الزمن، فلم يسر الزمن بشكله الخطي، وإنما امتلأ بالتعريجات: فاسترجاعات (فلاش باك) كثيرة ممتعة، ثم عودة، ثم استباقات وسباحة نحو أحداثٍ لم تقع بعد ثم عودة فاسترجاع وهكذا! وتلك الطريقة هي ما كسر ملل القصة الأصلية المعروفة للبعض والمتوقعة شديدة العادية.
ولكن يعيبها أن تلك الاستباقات (حكي ما لم يحدث بعد) كانت ضعيفة سرديًّا وكأنه يقولها على استحياء في هيئة موجز لعناوين أخبار تاريخية سريعة كما حدث وقال عن موت ابن سينا، وموت أبيه وغيرها، فظهرت مواضع الاستباقات مقحمة و"متكروتة".
- المكان كان حاضرًا بقوة ابتداءً من الفضاء التاريخي بتفصيلاته التي تنم عن علم وبحث وثقافة وإطلاع، بل تفيدك كقاريء وتغذيك، بل ربما تفتح لك مغالق فهم تلك الحقبة بخرائطها وتضاريسها وكذا الفضاء المغلق ممثلًا في قلعة فردقان، وبيت ابن سينا، وصحراء الفرار، وقصر نوح وبيت سندس وغيرها... يمكنني أن أراهم جميعًا وأتخيل تفصيلاتهم.
أنا أحب (كيف يحكي زيدان)، فالرجل راوي مثقف لا مجرد حكّاء ماهر، ولولا تهوره في التعرض لما لا يتحمله الوعي الشعبي واستفزازه لغريزة الحنق الجمعي لتضاعف الإعجاب به وبحكاياه ولكن كثيرون يقرؤون له فقط رغبة في تصيد أخطائه وتتبع ما يثيره من جدل -عن عمدٍ في اعتقادي-. وإني كنت أرى أن يخبيء كل ما يريد قوله في رواياته وعلى ألسنة أبطاله فيحرك راكد الفكر دون مسئولية مباشرة ودون أن يتحسس التقليديون مسدساتهم كلما فتح زيدان فمه!
لغته رائقة عذبة، وأظنها تطورت أكثر وأكثر عما أعتدته منه، فكان الوصف في القصة شاعريًّا للغاية. ومعجمه اللغوي شاسع وممتع، وإن كان أقرب للصنعة منه للطبع والموهبة. وأبدع حقيقة في وصف الأطعمة والأجواء والمكان، وبالأخص في الأطعمة والملابس الفارسية وإن بالغ قليلًا في الأمر حتى خرج عن حدود المعتاد في السرد ووصل حد المباهاة، ولسان حال بعض السطور يقول: (أنظروا إليّ، كم بحثت، وكم جمعت، وكم توغلت في التحضير للرواية، انظروا إلى ما أملك من مصطلحات فارسية)، وتكرر هذا الأمر في حديثه عن بعض مستحضرات ابن سينا الدوائية وعن بعض الأمراض وعلاجاتها، فقد كان الأمر جميلًا في البداية ثم زاد عن حدوده فبالغ فيه الكاتب خارجًا عن حدود السرد إلى حد المباهاة. . وهكذا التفاصيل دومًا، لها ميزان دقيق للغاية إن انخفضت عنه عابت الرواية، وإن زادت عن الحد وصلت حد الاستعراض أو الحشو الباعث على الملل، وقد تكرر الأمر في بعض الأحيان.
- يشغلني أنه منح ابن سينا بُعدًا مثاليًّا، وجعله شخصية أكثر حكمة وألقًا من المساحات الإنسانية، وبالذات في البدايات، فكان حواره حكيمًا مفرطًا في الحكمة، فلم أستطع كقاريء التطابق معه وتقمصه ورؤية الكون من عينيه!
- أما عن الجنس في الرواية، فهو هنا عبقري بحق، فزيدان لا يميل للكتابة المسماة بالنظيفة، حيث يجرد الحياة من مساحة الجنس ويحول الرواية نحو مساحة وعظية مملة تنم عن عدم تصالح الكاتب مع جنسانيته، وفي نفس الوقت هو لا يميل للعهر الكتابي والوصف الاستنمائي فيخرجها عن الحكي نحو الابتذال، إنما هو عبقري بحق في توسطه، فيتكلم عن الجنس دون أن يتكلم، ويمنحه صبغة راقية للغاية دون أن تشعر بأي نوع من الحرج أو المفاجأة في مشاهده، شيء يشبه في عبقرية محفوظ في حديثه عن الجنس، بل ربما يفوقه. فجاءت المشاهد الجنسية في الرواية بلا جنسانية فجة، يقول كل شيء دون أن يقول شيئًا، بل إن بعض مشاهد اللقاءات العاطفية والجنسية كانت إبداع لغوي وسردي ووصفي وبلاغيّ آخاذ بحق! وهو لم يمنح الجنس المساحة المشهورة أصلًا عن ابن سينا (كان زير نساء بحق بل ربما أشبه ما يكون بمدمن جنس شديد النهم في المواقعة)، وتصور زيدان عنه وتصويره له في الرواية منحه مسحة من المثالية! "وهو عكس تصوير سينويه الذي جاء على النقيض فتجد ابن سينا (في رواية (الطريق إلى أصفهان) يكاد يطارح كل شيء الفراش فقط إن كان يحمل التاء المربوطة"
- فصل (سندس) يكاد يصنع رواية وحده، عظيم جدًا ومن أروع مساحات القصة، بل من أجمل مساحات الحكي العربي.
- وهناك بعض المشكلات التقنية في القصة (أو ما يسمى بالعضات)، منها مثلًا أنه ذكر كل جلسات ماهتاب مع ابن سينا، وكل ما دار بينهما من حوارات ثم يقول حين كانت تحاول اغوائه (أما ذكرتِ أمامي من يومين أنك لا تصدقين بالرسالات) ولا أظن أنها ذكرت ذلك، ولك يذكر وجود حوارات لم يروها في القصة، فهي إحالة -خاطئة- على ما لم يُذكر. وكذلك الصدفة غير المنطقية في أن يذهب خاطف روان الجركسي لقلعة فردقان، وكذلك في كم المعلومات التي يعرفها المزدوج عن كل شيء والتي تأتيه حتى بابه مصادفة، أخرجنا هنا عن الحد الواقعي!
- لا وجود للصفات الشكلية والجسدية للأب، والتلامذة، وربما لابن سينا نفسه (التشخيص العضوي أو الوصف الجسماني) مع الاحتفاء بذلك في حالة النساء.
- استطاع أن ينقل إلينا بغض محمود الغزنوي، فظهر سيكوباتيًا شريرًا بغيضًا للغاية، مع كثير من التلميع لأمراء بني بويه، فشعرت بنوع من الإنحياز، لا رفضًا لخبل الغزنوي، ولكن رفضًا للمعة البويهيين المثالية. (ولكنه لو ضمن روايات آراءه المثيرة للجدل كما فعل مع الغزنوي لكان خيرًا له وأخف وطأة على الجموع)
* الرواية أعجبتني وصاحبتني في بدايات ٢٠٢٠ وفي فترة امتحاناتي، ربما قرأت فيها قبيل لجان الإمتحان أكثر مما أمضيت الوقت للمراجعة.