الرواية: السّراب الكاتب: نجيب محفوظ عدد الصفحات: ٢٥٥
(كانت أمي وحياتي شيئًا واحدًا وقد ختمت حياة أمي في هذه الدنيا ولكنّها لاتزال كامنة في أعماق حياتي...الرواية: السّراب الكاتب: نجيب محفوظ عدد الصفحات: ٢٥٥
(كانت أمي وحياتي شيئًا واحدًا وقد ختمت حياة أمي في هذه الدنيا ولكنّها لاتزال كامنة في أعماق حياتي... فهي دائمًا أبدًا وراء آمالي و آلامي وراء حبي وكراهيتي أسعدتني فوق ما أطمع وأشقتني فوق ما أتصور وكأنّي لم أحبّ أكثر منها وكأنّي لم أكره أكثر منها فهي حياتي جميعًا وهل وراء الحبّ والكراهية من شيء في حياة الإنسان؟!).
ما يُعرف عن الأمّ أنّها مصدر الحياة والسّعادة والأمان والحبّ، ولكنّها قد تكون مصدر الضياع والتعاسة والشّقاء والبغض، وهذا ما حصل مع (كامل رؤبة لاظ) ذاك الطفل الّذي لم يعرف من الحبّ سوى الأمّ ومن الهناء إلّا قربها ومن الأمان سوى الاستظلال بظلّها. كانت مساحة حرّيته هي تلك الّتي رسمتها أمّه، ففي تلك المساحة الضيقة كان يلعب ويبتسم للحياة. لم يتعلّم من دروس الحياة إلّا دروس أمّها المسكينة المعقدة المطلقة ولم يعرف عن حنان الأبّ إلّا ما مدّه به جدّه العجوز، وكان الأبُّ في نظره وحش كاسر مدمن شراب سلب أخوتيه من أمّه وقد يأتي الدور عليه قريبًا. نشأ كامل نشأة غير سويّة في كنف أمّه الّتي كانت تخاف عليه من نسيم الريح وجدّه الذي كان يأمل منه أن يكمل دراسته كي يلتحق بالسلك العسكري؛ فكانت النتيجة أن أنهى كلّ مرحلة دراسية بعامين. كانت المدرسة بالنسبة له أشبه بسجن يتمّ تعذيبه فيه؛ بسبب تعرّضه المستمر للتنمّر من الطلاب فضلا عن سخرية المعلمين له بسبب بلادته وشرود ذهنه. كان مظهر كامل يوحي بالكتمان ولكن كان في داخله سيل متدفق من القلق والمشاعر والأسئلة، عجزه عن التعبير كان عائقًا أمام تكوين صداقات أو علاقات، فبعد مضي عامين من مراقبته لفتاة أحبّها، أوقفها ذات يوم وبعد صراع داخلي طويل نطق فأخبرها برغبته في التقدم لخطبتها. عجزٌ في حضور الخطبة والعرس والحياة الزوجية، صراعات داخلية للتغلب عليه، الخيانة الزوجيّة المتبادلة، ثمّ النّهاية المأساوية غير المتوقعة كلّها تعود لسبب واحد في حياة كامل هو الأمّ.
*الاقتباسات: -لقد ضاعت الحياة، والقلم ملاذ الضائع. هذه هي الحقيقة إنّ الذين يكتبون هم في العادة من لا يحيون.
-وأعلم علم اليقين إنّي سأبعثُ حيًّا في اليوم الموعود ولست أخشى آلام ذلك اليوم وأهواله -اذا تجردت أمام الله بما في يميني وبما في شمالي- قدر ما أخشى أن أبعث على الحال التي عانيتها في دنياي.
-لقد مات أبي غاضبًا عليّ، ويقولون أنه لا يظفر بالسعادة من حُرّم رضاء الوالدين.
-وانقبض قلبي وأنا أنظر إلى الماء الجاري وقد بدأ تحت النظرة العمودية سريعًا صاخبًا فدار رأسي واحد اثنان وسرت في بدني قشعريرة ترى ما إحساس الإنسان إذا هوى من شاهق؟ وكيف يكون اصطدامه بالماء؟ وكيف إذا غاص تحت لجته؟
-وقد قلت لأمّي يومًا، وهي الحبيب والصديق والأنيس الذي لم أظفر بسواه: لا صديق لي التلاميذ يزدرونني!
-وكأنّي أنتبه إلى قلبي لأول مرة فأحسّ به عضوًا حيًا مثل بقية الأعضاء يجوع جوع المعدة ويرق رقة النفس ويتشوف تشوف الروح فتمنيت أن أكرّس حياتي لسعادته وأن أستسلم لحنان المتعة التي تنفجر عنها ينابيعه.
-ولكنّي لا أنفك عن التفكير فيما ينقصني فيعميني ما أتطلع إليه عما أنعم به، إنّي شخص لم يقدر له أن يعرف شيئًا عن حكمة الحياة، فلم يخرج قط عن دائرة نفسه الضيقة؛ وذلك سر دائي.
-وكنت أتساءل في يأس وجزع متى تنتبه لوجودي؟ متى تدري أنّ هنالك قلبًا غريبًا يكنّ لها من الوداد أضعاف ما يكنه لها الوالدان؟ أليس غريبًا أن يمر شخص مرّ الكرام بقلب يودّ لو يفرش شغافه تحت قدميه؟
-اللّهمّ اذا كانت حبيبتي ملاكًا فلتحرقني بنقمتك، وإذا كانت شيطانًا فلتحرقنا جميعًا، ولتحرق الدنيا معنا فما يكون بها شيء يستحق الرحمة، وارتفعت عيناي إلى السماء وغمغمت: ربي إذا شاء حكمتك أن تذر سموم الغدر في حنايا هذا الجمال فلتغفر لي الجنون والثورة.
-ومع ذلك داخلني ارتياح عميق لأنّي زحزحت أضخم سد اعترض حياتي. تكلّمت، نطق الحجر ولو بعد حين.
تقييمي: أربعة نجوم. رأيي: أبدع نجيب محفوظ في تكوين شخصيّة قد تكون منتشرة في مجتمعاتنا، الشخصيّة الهامشية بسبب تربية الأم الخاطئة، شخصية تغدق الأمّ وتسرف في الحنان اتجاهها فيبقى متصلاً اتصالاً شاذًا بالأمّ كما لو أنّه جنين مرتبط بحبل أمّه السّرّي فإذا انقطع الحبل مات الجنين، وهكذا كان كامل الطفل والمراهق والشاب. يلفُّ نفسيته عجزٌ تام، عجزٌ في البوح والرغبة والمشاعر والألفة، خشيته المستمرة من أمّه ورأيها؛ جعلته شخصًا هامشيًا مسلوب الأرادة، تميّز بخجله المفرط وكأنّه العذراء في خدرها، صعوبته في الإفصاح عن آماله وآلامه، عدم قدرته على الانسجام مع الآخرين بسبب الخجل والخوف، حتّى الحبّ الّذي كان يلهب قلبه لم يستطع أن يعبّر عنه وعمّا يقاسيه من الكمد والأسى لا للأمّه؛ بسبب خوفه من رأيها ولا لحبيبته بسبب عيّيه. سرابٌ كانت أيّامه وغدت أحلامه سرابا!!
Merged review:
الرواية: السّراب الكاتب: نجيب محفوظ عدد الصفحات: ٢٥٥
(كانت أمي وحياتي شيئًا واحدًا وقد ختمت حياة أمي في هذه الدنيا ولكنّها لاتزال كامنة في أعماق حياتي... فهي دائمًا أبدًا وراء آمالي و آلامي وراء حبي وكراهيتي أسعدتني فوق ما أطمع وأشقتني فوق ما أتصور وكأنّي لم أحبّ أكثر منها وكأنّي لم أكره أكثر منها فهي حياتي جميعًا وهل وراء الحبّ والكراهية من شيء في حياة الإنسان؟!).
ما يُعرف عن الأمّ أنّها مصدر الحياة والسّعادة والأمان والحبّ، ولكنّها قد تكون مصدر الضياع والتعاسة والشّقاء والبغض، وهذا ما حصل مع (كامل رؤبة لاظ) ذاك الطفل الّذي لم يعرف من الحبّ سوى الأمّ ومن الهناء إلّا قربها ومن الأمان سوى الاستظلال بظلّها. كانت مساحة حرّيته هي تلك الّتي رسمتها أمّه، ففي تلك المساحة الضيقة كان يلعب ويبتسم للحياة. لم يتعلّم من دروس الحياة إلّا دروس أمّها المسكينة المعقدة المطلقة ولم يعرف عن حنان الأبّ إلّا ما مدّه به جدّه العجوز، وكان الأبُّ في نظره وحش كاسر مدمن شراب سلب أخوتيه من أمّه وقد يأتي الدور عليه قريبًا. نشأ كامل نشأة غير سويّة في كنف أمّه الّتي كانت تخاف عليه من نسيم الريح وجدّه الذي كان يأمل منه أن يكمل دراسته كي يلتحق بالسلك العسكري؛ فكانت النتيجة أن أنهى كلّ مرحلة دراسية بعامين. كانت المدرسة بالنسبة له أشبه بسجن يتمّ تعذيبه فيه؛ بسبب تعرّضه المستمر للتنمّر من الطلاب فضلا عن سخرية المعلمين له بسبب بلادته وشرود ذهنه. كان مظهر كامل يوحي بالكتمان ولكن كان في داخله سيل متدفق من القلق والمشاعر والأسئلة، عجزه عن التعبير كان عائقًا أمام تكوين صداقات أو علاقات، فبعد مضي عامين من مراقبته لفتاة أحبّها، أوقفها ذات يوم وبعد صراع داخلي طويل نطق فأخبرها برغبته في التقدم لخطبتها. عجزٌ في حضور الخطبة والعرس والحياة الزوجية، صراعات داخلية للتغلب عليه، الخيانة الزوجيّة المتبادلة، ثمّ النّهاية المأساوية غير المتوقعة كلّها تعود لسبب واحد في حياة كامل هو الأمّ.
*الاقتباسات: -لقد ضاعت الحياة، والقلم ملاذ الضائع. هذه هي الحقيقة إنّ الذين يكتبون هم في العادة من لا يحيون.
-وأعلم علم اليقين إنّي سأبعثُ حيًّا في اليوم الموعود ولست أخشى آلام ذلك اليوم وأهواله -اذا تجردت أمام الله بما في يميني وبما في شمالي- قدر ما أخشى أن أبعث على الحال التي عانيتها في دنياي.
-لقد مات أبي غاضبًا عليّ، ويقولون أنه لا يظفر بالسعادة من حُرّم رضاء الوالدين.
-وانقبض قلبي وأنا أنظر إلى الماء الجاري وقد بدأ تحت النظرة العمودية سريعًا صاخبًا فدار رأسي واحد اثنان وسرت في بدني قشعريرة ترى ما إحساس الإنسان إذا هوى من شاهق؟ وكيف يكون اصطدامه بالماء؟ وكيف إذا غاص تحت لجته؟
-وقد قلت لأمّي يومًا، وهي الحبيب والصديق والأنيس الذي لم أظفر بسواه: لا صديق لي التلاميذ يزدرونني!
-وكأنّي أنتبه إلى قلبي لأول مرة فأحسّ به عضوًا حيًا مثل بقية الأعضاء يجوع جوع المعدة ويرق رقة النفس ويتشوف تشوف الروح فتمنيت أن أكرّس حياتي لسعادته وأن أستسلم لحنان المتعة التي تنفجر عنها ينابيعه.
-ولكنّي لا أنفك عن التفكير فيما ينقصني فيعميني ما أتطلع إليه عما أنعم به، إنّي شخص لم يقدر له أن يعرف شيئًا عن حكمة الحياة، فلم يخرج قط عن دائرة نفسه الضيقة؛ وذلك سر دائي.
-وكنت أتساءل في يأس وجزع متى تنتبه لوجودي؟ متى تدري أنّ هنالك قلبًا غريبًا يكنّ لها من الوداد أضعاف ما يكنه لها الوالدان؟ أليس غريبًا أن يمر شخص مرّ الكرام بقلب يودّ لو يفرش شغافه تحت قدميه؟
-اللّهمّ اذا كانت حبيبتي ملاكًا فلتحرقني بنقمتك، وإذا كانت شيطانًا فلتحرقنا جميعًا، ولتحرق الدنيا معنا فما يكون بها شيء يستحق الرحمة، وارتفعت عيناي إلى السماء وغمغمت: ربي إذا شاء حكمتك أن تذر سموم الغدر في حنايا هذا الجمال فلتغفر لي الجنون والثورة.
-ومع ذلك داخلني ارتياح عميق لأنّي زحزحت أضخم سد اعترض حياتي. تكلّمت، نطق الحجر ولو بعد حين.
تقييمي: أربعة نجوم. رأيي: أبدع نجيب محفوظ في تكوين شخصيّة قد تكون منتشرة في مجتمعاتنا، الشخصيّة الهامشية بسبب تربية الأم الخاطئة، شخصية تغدق الأمّ وتسرف في الحنان اتجاهها فيبقى متصلاً اتصالاً شاذًا بالأمّ كما لو أنّه جنين مرتبط بحبل أمّه السّرّي فإذا انقطع الحبل مات الجنين، وهكذا كان كامل الطفل والمراهق والشاب. يلفُّ نفسيته عجزٌ تام، عجزٌ في البوح والرغبة والمشاعر والألفة، خشيته المستمرة من أمّه ورأيها؛ جعلته شخصًا هامشيًا مسلوب الأرادة، تميّز بخجله المفرط وكأنّه العذراء في خدرها، صعوبته في الإفصاح عن آماله وآلامه، عدم قدرته على الانسجام مع الآخرين بسبب الخجل والخوف، حتّى الحبّ الّذي كان يلهب قلبه لم يستطع أن يعبّر عنه وعمّا يقاسيه من الكمد والأسى لا للأمّه؛ بسبب خوفه من رأيها ولا لحبيبته بسبب عيّيه. سرابٌ كانت أيّامه وغدت أحلامه سرابا!!...more
الرّواية: مسغَبَة الكاتب: أيمن العتوم عدد الصّفحات: ٤٦٤
(لم يعدْ لي من النّوم بعدَ اليومِ إلّا اليسير، إنّها سنواتٌ، وهذا الجسد يختم رِحلته، أريد أن أرى الرّواية: مسغَبَة الكاتب: أيمن العتوم عدد الصّفحات: ٤٦٤
(لم يعدْ لي من النّوم بعدَ اليومِ إلّا اليسير، إنّها سنواتٌ، وهذا الجسد يختم رِحلته، أريد أن أرى اللّه في كلّ مكان، أريدُ أن أعرف حكمته في كلّ سبيل، لقد جئنا لنراه فيما صنع، فهل نظرنا إلى ما صنع بعيون القلوب؟ ها أنذا أعودُ إلى ملاذي وحيدًا، خاليًا من كلّ شيء إلّا منك، فلماذا أملأ أُذُنيّ بطنين البشر الّذين يحجبون عنّي حِكمتك؟!).
رحلةٌ بدأت منذ قرون بعيدة، بدأ صاحبها سفره من بغداد وعاد إليها، انتهت قصّته منذ تلك القرون، ومرّ عليها غبار الزّمن، وتلاشت من الأذهان، ولكن حصل ما أعاد تلك القصة للحياة بعد تلك القرون، معجزةٌ تجلّت في رؤيا. ذات ليلةٍ وعلى غفلة من بال الأديب أيمن العتوم زار روحه ثلاثة رجال، كانت أرواحهم موجودة في مكتبته مذ ما يقارب عقدين من الزمن، حاوروه فعرفهم، طلبوا منه أن يظهرهم للحياة مرّة أخرى فلبّى طلبهم؛ فكانت (أرض اللّه) المخطوطة الأولى، ثم لحقتها أختها (مسغبة) المخطوطة الثّانية، أمّا الثّالثة ما زالت تنتظر دورها كي ترى النّور.
*الرّواية تتحدّث: عبد اللطيف البغدادي، طفل حالم من درب الفالوذج في بغداد، ترعرع في أزّقته، وأنهل من علم عُلمائه؛ فحفظ القرآن وأتمّ علم الحديث وتعلّم الفقه وارتوى من اللّغة على يد كبار عصره وحفظ ديوان المتنبيّ عن ظهر قلبه، وعندما أتمّ له ما أراد من العلوم في بغداد ولم يرتو عطشه؛ تاقت نفسه إلى المزيد من العلوم كالطّب والفلسفة والمنطق؛ فعزم أمره واستأذن والديه وشدّه رحاله ماضيًا في دروبٍ قدّره اللّه له منذ الأزل، انطلق من بغداد إلى المَوصل فدمشق، ثم القدس فعكّا، ثمّ الغاية المنشودة مِصر. استقرّ عبد اللطيف في القاهرة، في بيت قريب من مسجد الصّالحي الّذي كان يٌعلّم الأولاد فيه في حلقات متنوعة متوزعة على أيّام الأسبوع، حلقة للنّحو بمستوياته وأخرى للطب. انشغل بالعلم والتّعلم ولم يفكّر بالزّواج من امرأة تعينه في غربته رغم افتقاده لـ(درّيّة) الطّباخة الّتي كانت تزوره؛ فعلّمته فنون الطبخ، والكاهنة الّتي تكهّنت بتبدل أحوال مصر وانقلابها رأسًا على عقب ويوم قالت ذاك ومصرُ ضاحكةٌ مستبشرةٌ من النّعم الّتي تحيط بها من كلّ الجهات. بدأت هزات بسيطة تقضّ مضجع أهل القاهرة، فهزّات أقوى، فزلزال مدمّر راح ضحيتها عشرات الموتى، ثمّ سكون أعقبه هزة أسقطت السقف الذي كان يضم تحته أطفال صغار يعلّمهم البغدادي دروسًا في النحو، فطارت أرواحهم إلى السماء. هرج ومرج بعد الزّلزال؛فالكل يريد أن يفلت بجلده، منهم من ذهب إلى القرى ومنهم من احتمى بالشّعاب. خسف ابتلع قرية بأكملها وحرائق اندلعت وضحايا تحت الردم .. تعطلت الحياة وتوقفت، ورائحة الحرائق صارت تزكم الأنوف. حريق أودى بحياة ما يقارب من ألفي كتابٍ في مكتبة عبد اللطيف البغدادي، كتبٌ جمع أغلبها في حلّه وترحاله. كارثة أودت بحياة الكثير من الّناس، ثّم أعقبها جوع، وشّحة ماء؛ لأنً الرّدم لم تبقي الآبار صالحة. وصلت البضائع إلى الأسواق من ميناء الأسكندرية ولكن لطول بقائها صارت فاسدة، فجاءت مع البضائع الفِئرانُ الّتي بات منظرها مألوفًا في الشوارع والبيوت بعد أن سببت الفزع عند زيارتها المفاجئة أوّل الأمر، رافقه ظهور الجرذان، ثمّ جلبت معها تلك الكائنات مرضًا فتّاكًا الطاعون. لم يرحم الّطاعون صغيرًا ولا كبيرًا شريفًا ولا وضيعًا، حصد الأرواح بكل ما أوتي من قوة، مشهد تساقط الأجساد البشرية في الشوارع والبيوت والأسواق صار مألوفًا، عربات تنقل المرضى إلى البيمارستان وأخرى تنقل الجثث إلى المقبرة والّتي صارت عزيزة في نهاية الأمر، فالبيوت صارت مقبرة لساكنيها، فأغلب العائلات كانت تموت فجأة وبصمت. مصر كانت تئِنّ وتنزِف وتستنجِد من هول ما أصابها دفعة واحدة، ثمّ حصل ما لا يخطر على عقل بشري أن يصدقه، دفعَ الجوعُ والمرض بالإنسان إلى أن يخرج أسوأ ما فيه من صفات الشيطنة، بعد أن شّحت الأرض والأسواق ولم يبق سوى مواجهة شبح الموت ظهرت عادة اختطاف الناس وأكلهم، ثمّ التفنن في الاصطياد ونوع الفريسة، لم تجدِ محاولات السلطة من قتل وإعدام الذين كانوا يمارسون هذه الطقوس من ردعهم، بل صاروا يأكلون اللحم البشري لأجل اللذة لا غير. كان الطاعون يجرّ ثوبه من الخيلاء وقد حصد ما يقارب من تسعة أعشار البلاد، ألقى عليها ابتسامة خبيثة ثم غادرها.
*الرّاوي يحكي وراوٍ آخر يكتب: الرّواية هذه مخطوطة عبارة عن يوميّات كتبها عبد اللطيف البغدادي، وما رافق يوميّاته من أمور وحوادث عاينها وشاهدها أو سمعها خلال رحلته تلك، تأخذك المشاهد الأولى إلى بغداد العلم وبغداد الحضارة وبغداد الفنون، يرسم لك العتوم بريشة اللغة لوحةً متكاملةً عن حياة بغداد آنئذٍ من مسكنٍ وملبسٍ ومأكلٍ ومبنى، ويتركك تصاحب عبد اللطيف، هذا الطّفل الذّي يعشق الفالوذج، ويحبّ العلم، فتجلس جنبه في حلقاته الّتي كان يتعلّم فيها القرآن والنّحو، وتتعرّف على شيوخه عن كثب، وترافقه عند صعوده القارب في نهر الدّجلة عند غروب الشّمس وتستذكر معه الأبيات الّتي حفظها من ديوان المتنبيّ، ترى شغفه في طلب العلم، وتستمع لحوارته الدّافئة مع والديه. في رحلة العلم حطّ البغدادي رحاله في القاهرة، وهنا لا تخفى اللمسات السّحرية للعتوم في وصف القاهرة وصفًا زمانيًّا ومكانيًّا ووصف أهلها وسوقها وأكلها وحال النّاس يومئذٍ، ثمّ يأخذك الأسلوب الأخّاذ ويقحمك في الأحداث فتشعر بكل تفاصليها وتشاهدها عيانًا، فتجلس في ركن المسجد الّذي كان يُعلّم البغدادي فيه، ثمّ ترى تعامله مع المصريين وبساطتهم في الصّعيد، ثمّ همومه الثقيلة الّتي أتعبته، والهمة العظيمة الّتي كانت نفسه تتمتع بها من مداواة ومواساة وتخطيط للتعامل مع الظروف عندما بدأت النّوازل تترا على القاهرة وأهلها.
*بين العتوم والبغدادي: عند قراءتي للرّواية، كثيرًا ما كنت أرى العتوم نفسه في شخصية البغدادي، تعظيم الأب العالِم، إجلال العلماء، حبّ العربيّة وما يتعلّق بها، التّعلق بالكتب والمكتبة ومعرفة قدرها، عطشٌ روحي دائمٌ لما هو جديد، غربةٌ العارفين وهمومهم. كنت أقرأُ أبيات المتنبيّ في الرّواية وأسمع صداها بصوت العتوم في أذني، مشهد ركوب البغدادي القارب والتّغني بأبيات المتنبيّ أتخيل أن العتوم فعلها عند زيارته بغداد في عام ٢٠١٩م. فالرّواية تكشف عن خيوط متشابهة مترابطة بين الشخصيّتين، فرحم اللّه البغدادي، وبارك في عمر العتوم وعلمه، ودام نبراسًا يضيء جوانب الجمال المخفي.
*الاقتباسات -آه يا بغداد، كم عليّ أن أركض في حواريك وأزقّتك القديمة من أجل أن أجدني، أبحثُ عنّي في الدّروب الضّائعات، في دجلة، في الرّصافة، في الجسر، في عيونِ المَها، في درب الورّاقين، في اللّيالي المُقمرة، وفيّ ... مُتشابهان نحنُ.
-ولقد قال الشّافعيّ ليونس بن عبد الأعلى: "يا يونس، دخلتَ بغداد؟". فقال: " لا". فقال: "ما رأيت الدّنيا". ولقد صدق، ولكنّ هذا كان فيما مضى، أمّا اليوم فعاثت فيها الفئران، وجاسَتْ خلالها الجُرذان، وقلّ ماؤها، وما ماؤها إلّا علماؤها، وذاب في فِجاج الأرض أخيارُها، وعدتْ عليها أشرارُها، وغاب في البؤسِ سَعدُها، وغار في الحُزنِ فرَحُها، وقبلت بشُذّاذ الأرض بعد أن كانت مُتمنّعة، وباللّصوص بعد أن كانت مُتحصّنة، وبالزّناة الخَطاة بعد أن كانت عفيفة، وإنّها كما قال السّائل الأوًل: " جميلةٌ لا تردّ يد لامِس".
-فضحك، وسرّه القول، وهتف: "إنّك سترتحلُ في بلادٍ كثيرةٍ مثلي، فإذا فعلتَ فاكتب ما تمرّ به، فإنّ الكتابة عُمرٌ آخر يُضاف إلى أعمارنا".
-لا، لا يمكن أن أكون قد أحببتُها... يُمكنني أن أقول إنّني أفتقدها؛ لكنّ الافتقاد علامةٌ من علامات الحبّ، لو لم تكن تحبّها فلماذا ستفتقد امرأةً ما وتشتاق إليها...؟!
-كان منظر الكتب مُحزنًا، يُقطّع القلب حسرة، إنّ للكتب أرواحًا، ولا بُدّ أنّ لها قلوبًا، وإنّني أتخيّلها ليلة أمس وهي تبكي كالبشر، وتخافُ مثلهم، وتموت تحتَ الّردم كما يموتون.
-وكانوا يرمون الألثمة الّتي تنفّسوا فيها ولطّخوها بصديد دماملهم إلى الشّرفات، أو أمام الأبواب: "لِنَمُت جميعًا أيّها النّاس، إنّ يوم القيامة قريبٌ، وإنّه لا فائدة من الحياة، لماذا عليكم أن تعيشوا بعدنا؟!.
-روحي طائرٌ مهاجر، لا وطن لها غير الكُتب.
--هل يقطعون الصّحراء؟ أيّ صحراء تقصد؟ صحراء اليأس، أم صحراء النّفس، أم صحراء الموت، أم صحراء الخوف، أم صحراء الذكريات الموجعة... كلّ هذه صحارى، إذا كنت تقصد صحراء سيتاء؛ فهي أقلّ هذه الصّحارى أثرا، كان يُمكن أن تُقطع لولا بقيّة الصّحارى المُهلكة!
-انتشرَ أكل لحم الصّغار إلى الحدّ المُذهل. قد لا تصدّق ذلك. أنا أعرفُ ما أقول، وأدرك أنّ الأمر يفوق قدرة البشر على التّصديق، أعني البشر الأسوياء، ولكن هل تعلمون بأنّ الكوكب يضجّ بالبشر المجانين، وأنّ الجوائح قمينةٌ بأن تخرج أسوأ ما فيهم.
رواية صغيرة الحجم بعدد صفحات ١٣٥ صفحة عن الجدّ سميث الّذي نجا من طاعون اجتاح الأرض قبل ستة عقود يحكي لأحفاده البدائيين عن عمله بروفيسورًا في الجامعة ورواية صغيرة الحجم بعدد صفحات ١٣٥ صفحة عن الجدّ سميث الّذي نجا من طاعون اجتاح الأرض قبل ستة عقود يحكي لأحفاده البدائيين عن عمله بروفيسورًا في الجامعة وعن تطور العلم على سطح الأرض وعن تلك الجراثيم الّتي هاجمت البشرية على شكل طاعون قرمزي، المرض الّذي لم يبق على الأرض من إنسان سوى عدد قليل جدًّا، فمن بين كلّ مليون هناك ناج واحد، والجد سميث من بينهم، ونجا هو بعد أن رأى مئات الأشخاص وهم يصابون بالطاعون ويسقطون صرعى خلال ساعات.. يحكي لأحفاده عن القناع الذي أزيل على الوجوه في تلك المحنة وأنّ بشريتهم تحوّلت إلى حيوانية شرسة.. فالكل يريد أن يعيش ولكن لا هروب من الموت .. أمّا أحفاده الجالسون حوله لا يعون ما يقوله الجد كثيرًا لأنّ المصطلحات الّتي يتفوّه بها ليست دارجة في كلامهم وهم يرتدون أسمالًا بالية والقذارة تغطّيهم.. عودة الإنسان إلى البدائيّة بعد العلم والتّطور.
كاتب هذه الرّسالة متوف في عام ١٩١٦ والرّواية كُتبت في عام ١٩١٢ أمّا أحداث الرّواية تدور عن ذاك الطاعون الذي يجتاح الأرض في عام٢٠١٣.. رؤية ثاقبة لما يكون عليه العلم والإنسان بعد عقود من السنوات.. ولعلّ ما تنبأ به الكاتب متفق في بعض ملامحه مع مرض الكوفيد ٢٠١٩....more
الخيانة هي محور أغلب القصص في هذه المجموعة، فلولا خيانة أحدهم في المخيم وتواطئه مع الموظف الأمريكي في هيئة الإغاثة لسرقة الطحين لما تأخرّ الطحين واشتكالخيانة هي محور أغلب القصص في هذه المجموعة، فلولا خيانة أحدهم في المخيم وتواطئه مع الموظف الأمريكي في هيئة الإغاثة لسرقة الطحين لما تأخرّ الطحين واشتكى النّاس الجوع ولما حُرم الطفل من قميص جديد، قميص مسروق . وقصص أخرى تحكي المعاناة الإنسانية في وقت النزوح والحروب وتحديدا ..قضية فلسطين ....more
مجموعة قصصيّة في خمس عشرة قصة منشورة في عام ١٩٦٥، هي مجموعة رمزية فالكاتب لا يعرض لك قضيته علنًا بل يجعلك في نهاية كلّ قصة تقف متأمّلًا ومتألّمًا لتدرمجموعة قصصيّة في خمس عشرة قصة منشورة في عام ١٩٦٥، هي مجموعة رمزية فالكاتب لا يعرض لك قضيته علنًا بل يجعلك في نهاية كلّ قصة تقف متأمّلًا ومتألّمًا لتدرك أنّه قد أخذك إلى ملعبه وعرض عليك قضّيته-تلك القضية الّتي عاش لأجلها ومات لها- دون تصريح بل بالإيحاء والتلميح. بإهداء بسيط في مبناه، عميق في معناه يستهلّ مجموعته هذه ويقول : إلى فايز، إلى لميس، إلى كل الصغار الّذين نطمح بعالم لهم. غ.ك. ومجموعته هي: جدران من حديد، الصّقر، كفر المنجم، ذراعه وكفه وأصابعه، عشرة أمتار فقط، المنزلق، علبة زجاج واحدة، عطش الأفعى، لو كنتَ حصانًا، نصف العالم، الشّاطئ، رسالة من مسعود، جحش، رأس الأسد الحجري، العروس....more
مجموعة قصصيّة في قسمين: القسم الأوّل موضوعاتها مرتبطة ببعضها البعض، عن أبي قاسم وابنه الأكبر الطبيب قاسم، وابنه (ابن الحقول) ابن مجد الكروم منصور، الذمجموعة قصصيّة في قسمين: القسم الأوّل موضوعاتها مرتبطة ببعضها البعض، عن أبي قاسم وابنه الأكبر الطبيب قاسم، وابنه (ابن الحقول) ابن مجد الكروم منصور، الذي يكبر وفي نفسه روح المقاومة والدفاع والقضية وهو بذاك يختلف عن أخيه الأكبر الّذي اعتاد حياة الرّفاهية مع صديقاته الإسرائيليات في حيفا. أبو قاسم وعد ابنه منصور أنّ يهديه مرتينة ليلة زواجه، وأنّى له ذلك وهو لا يمتلك مرتينة له!. يستأجر من رجل شره مرتينته ويرهنه على محصول الزّيتون على أن يرجع مرتينته سالمة .. هناك عند قلعة جدّين يلتقي الابن بالأب الّذي سبقه خلسة إلى موقع المعركة كي يفي بوعده، المعركة غير متكافئة فيدا منصور عارييتين من السلاح والطائرة تمطرهم بوابل من المتفجرات، يُصاب الأب فيفقد وعيه نتيجة النّزف أمّا يده المتصلبة فوق المرتينة تحافظ عليها من الهلاك لأنّه وعد بإرجاعها.. يستمر نزف الأب تحت شجرة متصلبة والابن يشاهد دون حيلة والسماء تبكي لمشهد لم يُكتب لها نهاية مُرضية ..
أمّا القسم الثّاني فيحتوي على خمس قصص، قصص الطفولة البائسة لأطفال القضية الأشقياء حياة، المتمثلة بقصة (الصغير يذهب إلى المخيّم) تلك القصة الّتي ما أن شرعت في قراءتها حتى حفّزّني دماغي ببعض أحداثها الّتي بدأت تتكشف لي فعلا ..لا أدري إن كنت قد قرأتها مسبقًا أم لا وإلّا كيف أعرف تفاصيلًا عن هذه القصة ولم أسمع أو أقرأ تفاصيل القصص الأخرى في الكتاب كلّه .. يبدو إنّي ابتعدت عن الموضوع، نعم، ذاك الطفل وعائلته الكبيرة وفقرهم الأزلي عندما صاروا من أهل المخيمات، يبحث عن لقمة عيش مع ابن عمّه، لقمة عيش يعثرون عليها مّما تبقّى من الفواكه والخضار التّي تتُرك في شوارع السّوق بعد أن تكون الدكاكين قد أغلقت أبوابها. تحت قدم شرطي واقف، تلمع خمس ليرات نائمة بأمان، يندفع الطفل كالسهم ويلتقط الكنز، الكنز الذي يكاد أن يسبب مشكلة عائلية، ينام الطفل ويستقيظ ويده تمسك بليراته الخمس في جيبه، ذات يوم تكاد سيّارة أن تدهسه في بحثه المحموم عن لفمة العيش، وعندما يفتح عينيه لا شعوريًّا يدسّ يده في جيبه الفارغة فيسقط الحلم . أمّا القصة الثّانية (الصغير يكتشف أنّ المفتاح يُشبه الفأس) مفتاح يُخيّل لذاك الطفل أنّه كالفأس، لم يكن وحده قد تخيّل هذا الشيء فقد سبقه إلى ذلك أبوه من قبل وجدّه، الكل في القرية يعرف قدر المفتاح وصاحبه، وهو ليس مفتاحًا فقط بل يتم استخدامه لأغراض أخرى وقت الضرورة... يكبر الطفل الذي يدرس في المدينة، فيأتيه أحد أبناء قريته ويخبره بأنّ المفتاح قد أُسقط منه ال(ال) فصار مفتاحًا، يعود لداره الّذي صار مهجورًا بعد وفاة والداه ورحيل أمّه وإخوته، الرّحيل القسري خوفًا وطمعا . يبقى هو والمفتاح، وعندما يرزق بحسّان ذات يوم يلحظ ابنه كذلك أنّ المفتاح يشبه الفأس.
أمّا القصص الثّلاث الأخرى (صديق سلمان يتعلّم أشياء كثيرة في ليلة واحدة) و(حامد يكفّ عن سماع قصص الأعمام) و(أم سعد تقول: خيمة عن خيمة ..تفرق). فهي كلّها قصص عن واقع االشّعب المتمثّل بأفراده الّذين يقاسون صعوبة العيش في ظل الاحتلال الصهيوني وما يرتبط بذلك عمليات فدائية يقوم بها الابناء تجاه قضيتهم وبلدهم ودينهم. القصص في مجملها تبدأ بأسلوب المتكلم، وكأنّك تقرأ اعترافات سرّية .. وكانّ غسّان هو طفل المخيّم في شقائه، وكأنّه أم سعد في شعورها بتقديم ولدها قربانًا إيمانا بالقضية، وكأنّه منصور في لهفته لحمل المرتينة، غسّان يمثل بقلمه كلّ فرد في القضية ويجعلها قضية كبرى في قصصه وهي كذلك ....more
أبى قلم غسّان أن يكتب إلّا في الحقيقة، قصص تعرّي شواهد الواقع المأساوي في ظل ظروف الاحتلال والهجر والمعركة والنزوح .. لا يقول لك غسّان هناك تهجير بل يأبى قلم غسّان أن يكتب إلّا في الحقيقة، قصص تعرّي شواهد الواقع المأساوي في ظل ظروف الاحتلال والهجر والمعركة والنزوح .. لا يقول لك غسّان هناك تهجير بل يعرض لك القضية في هيئة أناس تلفحهم الشمس ينتظرون ترحيلهم، ولا يقول لك هكذا فعلت الصهيانة، بل يذكر آثار وجودهم في وجوه الناس وحياتهم ومعاشهم وواقعهم المزري من تهجير وقتل وترحيل وتدمير .. كاتب عانى وعاش معاناة أمّته فقصصه الواقعية تحدّث كل يوم في فلسطين .....more
موت سرير رقم ١٢ القسم الأول (فلسطين) ١. البومة في غرفة بعيدة قصة ذكرى، مرتبطة بدخول الصهاينة لقرية ، وهو صغير ومشاعر الخوف تتملكه يسمع نعيق البومة فيراهموت سرير رقم ١٢ القسم الأول (فلسطين) ١. البومة في غرفة بعيدة قصة ذكرى، مرتبطة بدخول الصهاينة لقرية ، وهو صغير ومشاعر الخوف تتملكه يسمع نعيق البومة فيراها مبتلة على الشّجرة وتنظر إليه بعينين زائغتين، في تلك الغرفة العارية كروحه يرى صورة بومة، هذه الصورة تأخذه لما قبل عشر سنوات.
٢.شيء لا يذهب الطموح والنضال والإرادة قد يفتقد إليها بعض الرّجال، ذاك الّذي أحبّ ليلى وأحبّته هي، لكم يكن جديرًا بها، في القطار إلى الطهران يقرأ في الرباعيات، وذاكرته تأخذه إلى حيفا حيث ليلى، قصة ليلى المناضلة في حيفا التي اعتقلت وتمّ الاعتداء عليها لتسع ليال ٣.منتصف أيّار قصة صداقة .. صديق لم يكن شجاعًا كما ينبغي في اللحظة المناسبة، دفع عمر صديقه ثمن لجبنه عندما ذهبا في عملية إلى إحدى المستوطنات اليهودية، كلّ عام يأخذ شجرة حنّون على قبر صديقه، ولكن في هذا العام أفشى بين وبين نفسه السّرّ الذي يأكل روحه كل تلك السنوات ..عجزه عن حماية صديقه.
٤.كعك على الرّصيف طفل فقير ماسح للأحذية بثياب رثّة يجذب انتباه بطلنا، وسبب هذا لأنه كان هنا قبل عشر سنوات .. بطلنا صار مدرسًا في مدرسة نازحين بالصدفة لذاك الطفل الماسح الأحذية، يتعقبه كي يرى ويكتشف ذاك العالم الذي يخبؤه الصغير في جنبيه، فهو لم يكن يتيم الأب ولم تشتغل أمّه كما كان يدّعي الصغير، بل في غمرة حنق أستاذه عليه أعترف الصغير أنّ أمّه توفيت أثناء الولادة ، وأنّ أخاه كان يعمل في أحد الأدوار وعند نزوله في المصعد علق رقبته فقطع، فرآه والدهم بذاك المنظر فصار مجنونًا يطوف الشوارع.
٥.في جنازتي قصة حبّ أعطى الحياة لصاحبه الذي لم يعرف من الحياة غير أنّها لفظته ، فقد قاسى كثيرًا ولكن حبّه الذي عثر عليه أعطاه حافزًا لمواصلة الحياة والعمل ..ولكن ..في الغربة، يكتشف أنّ دمه غير صالح للحياة، وأنّ جسمه أيضا بدأت بلفظه، يصارحه محبوبته آملًا في نفسه أن تتمسّك به، تصمت..فيهدم آخر صرح كان يبقيه على قيد الأمل.
٦.الأرجوحة مشاعر متضاربة في إخبار محبوبته والبوح لها بأنّه كان على علاقة بإحداهنّ، وهو لم ينته من تلك العلاقة بعد، يعترف لها كي لا تسمع ذاك من مصدر آخر ... لا ترضى أن تكون السطر الأخير في ورقة حياته البيضاء الذي يكون قد ملأها بالتجارب .. يهرع إلى ماضيه كي يخبرها بأنّ يحب فتاة أخرى ولكن تلك لا تصدّقه لأنّها ماضيه فترتمي في صدره .
القسم الثّاني (تدور أحداثه في الخليج). موت سرير رقم ١٢ الرّاوي في القصة مصاب بمرض تقرحات في الأمعاء فلزم المستشفى، فتعرف على شاب لا يرد على أحد يناديه إلا عندما يتم مناداته باسمه الثلاثي محمد علي أكبر، ولديه صندوق خشبي يحافظ عليه من نظرات الناظرين، هذا الإنسان الذي كان له وجوده واسمه تسوء حالته وتخرج روحه ليصبح رقمًا يُكتب عنه في السجلات موت سرير رقم ١٢، فيتخيل صاحبنا الرّاوي قصة من مخليته سبب تعلقه بذاك الصندوق واسمه الثلاثي.
_لؤلؤ في الطريق الرّاوي مع أصدقائه يتحدث عن ذكرى وفاة صديق له، ذكرى عالقة في ذهنه، صديقه الذي يأتي للدولة الخليجيّة التي يسكنها الرّاوي ويبحث عن وظيفة رغم أنّه لا يملك ما يؤهله، وبعد أن ينفد ما لديه من مال لأنّه لم يحصل على عمل أو ظيفة يساعده صديقه الرّاوي في ترتيب أمور عودته لبلدته، وفي طريقهم إلى المطار يرتجي صاحبه أن يلعب آخر لعبة من الورقة المتبقية في جعبته، فيشتري بالمال مجموعة محار قام بعرضه أحد الصيادين، عسى ولعلّ الحظ يحالفه، وبعد أن تتفتح المحارات على بطن خاوٍ، تبقى محارة أخيرة، تتصاعد دقات قلب الصاحب وتتشنج اضلاعه وعيونه لا تزالان تنظرة ثاقبة في يد الصياد ويخر ميتًا، فينشغل الراوي بصديقه، أمّا الصياد فاختفى هو ومحاراته.
_الرجل الذي لم يمت السيد علي يركب في السيارة نفسها التي ركبتها السيدة زينب، تلك الفلاحة التي كانت تعمل في أرضه، وعندما علمت ذات يوم بأنّه يريد أن يبيعها ليهودي أخبرته كي لا يبيعه، ولكنّه أبى، ففي ظلمة أحد الليالي أطلق ولدها على السيد علي طلقات لم تقتله ولكن ترك في جسده جرحًا تذكره بخيانته، أما الولد فتفجرت في وجهه رصاصة علقت في السلاح، السيدة زينب تماسكت ودفن زوجها ابنه دون أن يشعر أي أحد .. عشر سنوات .. والجرح على وجه السيد علي وفي قلب السيدة زينب .
العطش قصة عن إنسان كئيب يعيش عاريًا من الحياة، في جدران أربعة، مرارة الفشل في حلقه، صنبور الماء يكركر عن فراغ الصنبور من الماء، العطش يزداد، يخرج راغمًا، وعندما يقال له عن سبب عزلته فيجيب بأنه يحب الوحدة.
المجنون طفل مجنون أو (كلب صغير) لا يحب القطط، فيدفع بجنونه ذات يوم أخته (القطة) فتقع في مسبح البيت، يخرج من فمها فقاعات، تلطم الأم وتصل متأخرة، والكلب الصغير لا يعي، فالكلب الصغير هو سبب وفاة أخته، والكلب الصغير يتعرض لتعنيف مستمر، يشاهد كلاب صغيرة قيد إنملة يطلبون منه أن يخرج معهم إلى خارج البيت، يبتعد كثيرًا، ويصير كلبًا خارج المنزل، يحتل مساحة في الزقاق، فيأتي له طفل صغير ذو عينين أزرقين بطعام كل يوم ويعيش بذاك حياة الكلاب.
القسم الثالث أكتاف الآخرين أحدهم، ذات يوم يلقي بالثقل الذي ينوء بكاهله بأن يقول نعم، نعم ، إنّه يرغب أن يعيش كما النّاس، ولكنّه يذهب لمطعم، فيتعجب من النادل العجوز الذي يرمي بفتات الخبر إلى البحر المجاور للمطعم، عشرون عامًا يفعل هذا، يفعل الخير ويرميه في البحر، صاحبنا الرّاوي يخبره بمفاجئة صاعقة بأنّ الخبز تقتل الأسماك ، استفهم العجوز بنظرة حزن وندم كيف يحدث هذا، فأكد صاحبنا هذا .. ولكن ..هل الخبز يقتل السمك!!
قلعة العبيد رجل عجوز يعتزل المدينة ليعيش في كوخ يبنيه لنفسه ويعيش على البحر، تتضارب الرّوايات في اعتزاله، صاحبان يذهبان للسياحة في المنطقة، يعرض عليهما العجوز بيع محاراته مقابل رغيفين، المحارات فارغة، فيعاتبه أحدهما فيجيبه العجوز بحكمة: (لو كانت هذه المحارات حياتك. أعني لو كانت كلّ محارة عبارة عن سنة من عمرك، وفتحتها واحدة إثر الأخرى فوجتها فارغة، أكنت تحزن حزنك لفقد رغيفين؟ ).
ستة نسور وطفل أستاذ يدرس في قرية، يمر في طريقه كل يوم بمحاذاة صخرة كانت تقف عليها نسرًا، وتتعدد الرّوايات في سردها، رغم ملل صاحبنا من سماع تلك الحكايات ولكن بسبب كثرة تكرارها غرست في نفسه حتى جاء يوم وصاحبنا المدرس، صار يسرد القصة في النهاية ..
القط رجل بغي يمرّ في طريقه لأمرأة بغية تعيش في حي بعيد وضيّق، يشاهد الرجل قطًّا مقعيًا على مؤخرته، فيجد أن رجليه قد دهستا، هذا المشهد يسلبه الرّغبة، وفكرة كيف وصل القط من الشارع إلى هنا ..
الخراف المصلوبة أطباء في رحلة مبتعثة في الصحراء للحج، يمرّون برجل بدوي كأنّه مصلوب من بعيد، فيقتربون ويشاهدونه مع خرافه، يسألونه عن سبب وجوده، فيخبرهم أنّ خرافه عطشى، يعرضون عليه سقيه هو فقط فيخبرهم بأن خرافه عطشى فسيموتون، فيطلب منهم الماء لخرافه بعد أن وجد أن خزانات الماء مركونة في السيارة، فيأبون لأن السيارات تحتاج للماء، فيستغرب من ذلك ويقول بأن خرافه عطشى.. يتركونه وحيدا مع خرافه.
_ثماني دقائق تجربة قفز من شرفة لشرفة أخرى لأجل فتح باب الشرفة من أجل الحصول على إكرامية.. تجربة الحياة والموت.. تجربة الغنى والفقر....more
مجلد من ٨٨٢ صفحة، استعرته لمدة شهر تقريبا، قرأته في فترات متقطعة .. مدّني بالمزيد من الشّعور والحسّ، تقريب الزّمن الماضي ومقارنته بالحاضر .. غسّان ..كمجلد من ٨٨٢ صفحة، استعرته لمدة شهر تقريبا، قرأته في فترات متقطعة .. مدّني بالمزيد من الشّعور والحسّ، تقريب الزّمن الماضي ومقارنته بالحاضر .. غسّان ..كاتب القضية ..كاتب إنساني، متفرّد بقلمه السّهل الممتنع، حكاياه باردة ودافئة مشوّقة ومملة، رتيبة ومتسارعة.. الآثار هذه تحتوي على خمس مجموعات قصصية، وفي كلّ مجموعات مواليد جدد من القصص، وهذه المجموعات هي: ١.موت سرير رقم ١٢ ٢.أرض البرتقال الحزين ٣.عالم ليس لنا ٤.عن الرجال والبنادق ٥.قصص أخرى...more