السادس أحمر للكاتب : أحمد خيري العمري عدد الصفحات ٢٧٨ بدايةً ليست الرواية الأولى التي أقرئها للكاتب أحمد ، قرأت له عدد مؤلفات وجميعها كانت تنال إعجابي السادس أحمر للكاتب : أحمد خيري العمري عدد الصفحات ٢٧٨ بدايةً ليست الرواية الأولى التي أقرئها للكاتب أحمد ، قرأت له عدد مؤلفات وجميعها كانت تنال إعجابي ، كأسلوب و رواية للقصة و أحداث واقعية كانت بزمنٍ ما ..! عن الرواية : تحكي الرواية عن حياة سبعة شخصيات كانت يوماً ما في مدرسة المنصور التأسيسية الابتدائية المختلطة في العراق ، وكل شخصية الأن تتواجد في بلدٍ مختلف عن الآخر ، جمعتهم صورة التخرج من مدرستهم في عام ١٩٧٩م بسنة تولي صدام حسين للحكم في العراق ، لتبقى هذه الصورة التي جمعهتم هي الذكرى لهم من بلدهم الذي رحلوا عنه .. بعد مرور سنوات طويلة يجمعهم شخصٌ ما باسم السادس أحمر في مجموعة على الفيس بوك بهدف لم شملهم و إعترافهم لبعضهم البعض عن الألام والصراعات الذي عايشوها في السابق إلى يومهم هذا .! ولكن الألم الوحيد الذي اجتمعوا جميعاً عليه هو الذي كان في سنة استلام صدام للرئاسة ، وماحصل بعدها لكل واحدٍ منهم !! في الحقيقة منذ صغري كانت شخصية صدام تجذبني جداً لا أعلم لماذا ! أذكر فقط مشاهدة الناس للتلفاز عند إقرار المحكمة بإعدامه وتنفيذ الحُكم وتصويره ليُبث على شاشات التلفاز بهدف مشاهدة الكبير والصغير له ،ظل هذا المقطع عالقاً بذاكرتي و زادتني حيرة و تساؤل حول هذا بأن لماذا ؟! ليأتي العمري وبروايته الصغيرة هذه يزيح عني بعض إشارات الإستفهام الموجودة داخل عقلي . كما أن الكاتب سلط الضوء على تأثير الأمراض النفسية على الإنسان نفسه و ما تجلب له من أمراض جسدية . أحببت الرواية جداً وأنصح بقرائتها ....more
ساحرٌ أو مجنون للكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : ٥٦٨ عن الكاتب : كما عهدتُ العتوم من قبل ،إختياراته للشخصيات الملهمة التي يكتبُ عنها موفقة دوماً ،وللساحرٌ أو مجنون للكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : ٥٦٨ عن الكاتب : كما عهدتُ العتوم من قبل ،إختياراته للشخصيات الملهمة التي يكتبُ عنها موفقة دوماً ،وللحقيقة العتوم هو نفسه كاتبٌ ملهمٌ جدًا بالنسبة لي وأعتقد لكثيرٍ من القُراءِ أمثالي . أُحب ما يكتب وتستهويني مفرداته اللُغَوية المنتقاة بحرصٍ وعناية لتزيد من إبداعهِ وتثقل من سحر كلماته ،لن أطيل بمدحهِ أكثر من ذلك لأنه يعرف حق المعرفة بأنني لنْ أوفيه حقهُ ككاتبٍ روائي .
الرواية هي المخطوطة الثالثة من المخطوطات التي جمعها الكاتب عند سفرهِ من بلدٍ إلى آخر وكتب عن شخصياتها الملهمة من قبل ..! الأولى كانت برواية أرضُ الله _ حكاية عمر بن سيد الفوتي والثانية رواية مسغبة _ حكاية عبد اللطيف البغدادي أما المخطوطة الثالثة فهي ؛ ساحرٌ أو مجنون _ حكاية الشاعر الثائر أحمد بن الحسين الجعفي ( الملقب بأبي الطيب المتنبي )
عن الرواية : بدايةً ..!! الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ #أبوالطيبالمتنبي ساحرٌ أو مجنون .. تحكي الرواية قصةُ حياة الشاعر أحمد بن الحسين منذ صغره إلى مماته ،بلسانه هو ولكن بقلمِ الكاتب وكأن روح المتنبي كانت بداخله تُستنزف . هو أحمد بن الحسين أو ( بن محمد ) الملقب بالمتنبي ولد في الكوفة لوالدين مجهولين لم يعرفهما ،كبُرَ وترعرع عند جدتهِ فهي من حرصت على تربيتهِ وتعليمهِ على يد أفضل معلميين ،تمييز عن باقي أقرانه بعلمه و ذكاءه وحفظه السريع لما يُقرأ أمامه مباشرةً و إلقاءهِ للشعر العربي الفصيح وهو فتى لم يتجاوز العشر سنوات ،أصبح يشّك في نفسه هل هو جنيٌّ أم بشري !! أم جنيٌّ بهيئة بشريٍ صعلوك !! فقد كان جسدهُ شديد النحول من شدةِ الفقر والجوع الذي عاناه بصغرهِ ..! كَفى بِجِسمي نُحولاً أَنَّني رَجُلٌ لَولا مُخاطَبَتي إِيّاكَ لَم تَرَني كما ظَلَ طيفُ أبيه يلاحقهُ في صحوتهِ ومنامهِ وحتى في خُلوتهِ مع نفسه ،حاول جاهداً معرفة ماذا حل به ولماذا جدتهُ تُصِّرُ عليه بأن يثأرَ له !! دخل القرامطى إلى الكوفة و استولوا عليها و قتلوا الكثير من ناسها ،أصرت عليه جدتهُ بأن يهرب من بطشهم خوفاً على حفيدها ،من هنا قرر الترحال إلى بلاد الشام ،ضرب عرض الصحراء الخاوية بقدميه فقد صاحبَ القمر والنجوم السابحات في السموات فوق رأسه ،شهِدَ تبدُلَ الليل والنهار ،الظلام والنور ،وحتى اقتراب الوحوش المفترسة منه التي فغرت فاهها أمام وجهه ،جاع كثيراً و عَطِشَ أكثر من ذلك ولكن لذة الوصول والأمل الذي كان يعتمر داخل قلبه كانا أكبر من كل ما عايشه من مخاوف . برحلته هذه وصل إلى مدنٍ عديدة منها ( سَلميّة ) جلس فيها وأسس حزب لنفسه ألتحق به عددٌ ليس بالقليل من الرجال والشباب والفتيان ،وهو فتى الخمسة عشرة عاماً قادهم جميهاً دَرَّبهُم على الفروسية والقتال وعندما وصلَ خبرهُ إلى والي بلاد الشام أمر أمير حِمص بأن يأتي به ويسجنه ..!! تحركَ جيشٌ كبير منهم إليه وخاضوا معركةً معه وجيشه الذي هرب معظمه ومات الكثير منه و لم يبقى إلا عددٌ قليلٌ جداً تحارب معه ،كان الموت حليفهم إلا أن سمعوا منادي ينادي بأنه يريده هو فقط ،يريد أحمد بن الحسين من بينهم جميعاً وكان لهم ما أتوا لأجله . نُقل إلى مدينة حِمص و سُجِن هناك و اتُهِم بإدعائه للنبوة وبأنه رسول الله الذي ارسله هدايةً للناس و نصرةً للحق في زمانه هذا !! ولهذا لُقِبَ بالمتنبي . بقيى في السجن مدة عامين ولم يخرج منه إلا عندما كَتَبَ قصيدةً لأمير حِمص .. بعض منها : دَعَوتُكَ عِندَ اِنقِطاعِ الرَجاءِ وَالمَوتُ مِنّي كَحَبلِ الوَريدِ دَعَوتُكَ لَمّا بَراني البَلاءُ وَأَوهَنَ رِجلَيَّ ثِقلُ الحَديدِ خرج من السجن ومن حِمص بأكملها مطروداً منها . رماهُ بالكفر كل ذي لسانٍ و نكرهُ كل أحدٍ ، تلفت يمينةً و يُسرى فلم يجد إلا الفراغ يحاصره من كل جانب ،كان وحيداً بلا رفيقٍ ولا معين ولا حتى حبيبةً تنتظره ليلاً بدارهِ ،وحدهُ كما جاء وكما سيموت . بعد كل هذه الوحدة أتاه خبرٌ من جدته أرادت له بأن يتزوج ويكون له ولدٌ صالحٌ يدعوا له امتثل لأمرها وتزوج وأصبحت زوجته شريكة الترحال من هنا لهناك ،بعد مدةٍ قصيرة وصله خبرُ وفاتها ومن ثم توفيت زوجته بعدما أنجبت لهُ ابنه الوحيد ( مُحسد ) أصابتها الحُمى ولم يقوى جسدها عليها فوافتها المنية ،فحزُنَ حزناً شديداً عليهما ،ولكن الحياة ستستمر أكمل ترحالهُ فكانت وجهته إلى حلب ،أقام عند سيف الدولة الذي أكرمه و خصهُ عن بقيى الشعراء الموجودين ،خاض معه عدة حروب مع الروم وكان يلازمه دوماً ليكتب له قصائدَ مدحٍ فيه ،ويصف الحروب التي خاضوها سوياً . كان المتنبي يطمح في الولاية أن يكون له مدينةٌ أو حصنٌ و جنود !! ولكن كما نعلم بأن الملوك يجّودونَ في كل شيء عدا المُلك والسلطة . أحب خولة أُخت سيف الدولة ولكن الحسد والبغض من المحيطين به كانا أقوى منه ومن حبهِ لها ،فحاولوا قتله والظفر به فشاءت أقداره بأن يولي ظهره لحلب و لسيف الدولة الذي خذله !! يا أعدلَ الناسِ إلا في معامَلتي فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخَصْمُ والحَكَمُ لقد أحبه كثيراً و أحب سنواتهِ معه فقد وُجَدَ بحلب ما لم يجده ببلدِ أخر و لقيى من أميرها كل حُبٍ و عطاء و مودة . مالي أكَتِّمُ حُبّاً قَد بَرى جَسَدي وتَدَّعي حبَّ سيفِ الدَولَةِ الأمَمُ ضربَ لجامَ فرسهِ إلى مِصر الذي دعاه إليه العبد الذي يُدعى كافور ، أمِلاً به بأن يحظى بولايةٍ عنده و صرّح بذلك في شعرهِ تصريحاً ؛ إِذا لَم تَنُط بي ضَيعَةً أَو وِلايَةً فَجودُكَ يَكسوني وَشُغلُكَ يَسلُبُ منعه كافور الخروج من مصر لكي لا يمدحَ ملكاً غيره .! لكنه استطاع الهروب منه رغم الحصار الشديد عليه و ضبط أبواب الفسطاط فلما صار في طريق العراق قال ؛ وَبِتنا نُقَبِّلُ أَسيافَنا وَنَمسَحُها مِن دِماءِ العِدا لِتَعلَمَ مِصرُ وَمَن بِالعِراقِ وَمَن بِالعَواصِمِ أَنّي الفَتى اتجه إلى وطنه الذي تركه قبل ثلاثين عاماً للكوفة إلى بيتِ جدته وعادته ذكرياته معها ،للذكرى وقعٌ مؤلمٌ في دواخلنا فلم يألف المكان من بعدها فشد رحالهِ إلى بغداد فلم يلقى بها ضالته ومن هناك دُعيىَ إلى فارس و حَلَ عند عضد الدولة الذي كان ملك بني بويه في شيراز ،أراد من المتنبي مثل ما أراد أسلافه من الملوك بأن يُخلده بشعره ويكتب عنه وعن بطولاته ،لم يعجبه البقاء هنا وهو الذي أعتاد الرحيل والبحث عن نفسه ،لم يكن لهُ أحدٌ في هذه البلاد ولم يألفها فلم يكونوا يتكلمون اللغة العربية ووطن الشاعر لغته لهذا لم يبقى طويلاً في كنفه فتركه وترك ما أمناه عليه من أموال و ذهب ،ورحل دون أن يدري إلى أين !! أرادوا أكثر الملوك قتله والتخلص منه وكان ما أرادوه فقد رويَّ بأنه وأثناء عودتهِ إلى بغداد هو وابنه مُحسد واثنين أخرين معه واجههم شخص يُدعى ( ضُبّة ) و عددٌ ليس بالقليل من اللصوص الذي يريدون سرقته وقتله واجههم كثيراً ولكن لم تمهله سيوفهم ولا رماحهم بأن يعيش أكثر من سنونه هذه . كان المتنبي شُجاعاً مِقداماً ذو علمٍ وشأنٍ عظيمٍ وهمة ،لا يقبل بالذل والإهانة ،عاش حياته وفي داخله حلمٌ بأن يكون ملكاً لولاية ما ولكن حُلمه كان بعيدَ المُنال . حرص المتنبي على أن تُخلد أشعاره وحياته فتكفل بهذا شخصٌ يدعى علي بن حمزة البصري فقد لزمه في أواخر حياته لربما عامين أو أكثر من ذلك ! كتب عنه أشعاره الذي أراد المتنبي بأن تبقى له في هذه الحياة الدنيا وأمَنَهُ عليها . في الختام .!! أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ ممتنة للعتوم على كل ما يكتب لولاه لما حظيت بمعرفة هكذا شخصية تستحق المعرفة والكتابة عنها ،كانت معرفتي به كشاعرٍ عادي مثلهُ مثل البقية ولكن اليوم هو بنظري شاعرٌ ليس كسائر الشعراء و يستحق بأن يُخلده التاريخ لقوة وجمال شعرهِ ،كما أنني أرى بأن الروائي والشاعر أيمن يسير على هذا النهج في حياته . ...more
كعادتي في البدء سأتكلم عن الكاتب قليلًا علني أوفيه حقه ككاتبٍ مبدع ..!! هو أيمن بن علي العتوم درس الهندسة في بلدته إربد بالأردن تخرج عام ١٩٩٧م وعمل بمكعادتي في البدء سأتكلم عن الكاتب قليلًا علني أوفيه حقه ككاتبٍ مبدع ..!! هو أيمن بن علي العتوم درس الهندسة في بلدته إربد بالأردن تخرج عام ١٩٩٧م وعمل بمجال الإنشاءات عامين على التوالي ، بعد ذلك قرر السفر لجنوب إفريقيا لعرض عمل ولكن لأسبابٍ من عنده تعالى شاءت أقداره أن تحط رحاله بدول غرب أفريقيا لزيارة مدينة موريتانيا ومالي وغينيا والسنغال ، وبالطبع اختيارهِ لهذه المدن لم يكن عشوائيًا بل لشدة شغفهِ بالعلم والمعرفة والإستكشاف .. ولأنه مهووسٌ بالكتب والمكتبات تعرف على موقع لبيع مخوطات ثمينة جدًا تعود لزمنٍ بعيد ، على الفور و دون تفكيرٍ مسبق قرر اقتنائها من أحد الأشخاص .. عند شراءه لتلك المخطوطات لفتَ نظرهُ واحدة من بينهم كانت كبيرة بالنسبة لأخواتها حرص على أن يأخذها ولو كلفته ثمنًا باهظًا وكانت كذلك سأل البائع عنها لمن تعود ؟ أجابه صاحبها إن واحدًا من أحفاد كاتبها مازال حيًا .. سأله إن كان بمقدورهِ أن يقابله !! رد بالإيجاب و أعلمه أن منزلهُ بالقرب من نهر السنغال .. لم يتردد بزيارة حفيد هذه المخطوطة القديمة قابله و طلب منه أن يحدثه عن صاحبها وبكل سرور راح يقص عليه ما يعلم عنها ..! إنها لـ " عمر بن سيد الفوتي " المسلم الإيفريقي صاحب البشرة السوداء القاتمة .. تتحدث الرواية عن عمر الفوتي الذي ولد بمدينة فوتاتور غرب أفريقيا التي تطل على نهر السنغال تربى وسط عائلة صغيرة جدًا من أب مُتدين و ثري ، أجداده أهل دين وعقيدة وفقهاء ، كان ' سيد الفوتي ' كريم بطبعه ومعطاءً لايبخل على أحد يطرق بابه ، حافظ للقرآن الكريم ومن الصالحين المشتهرين في قريته متعلم للكتابة والقراءة ، يمتلك منزل كبير وفيه مكتبة خاصة به تضم عدد ليس بالقليل من الكتب والمخطوطات وأيضًا نسخ من القرآن وتفسيراته التي ورثها عن أجداده ، متزوج من امرأة صالحة ولديه ولدين عمر وآمنه البكر ، كان حريصًا عليهما وعلى كسبهما علمًا نافعًا ، أتى لهم بكبار الشيوخ ، العلماء والفقهاء والخطاطين لتعليمهم الكتابة والقراءة وحفظ كلام الله ورسوله .. كانت حياتهم هادئة تسير على رتابتها إلى أن أتى قدر الله المحتوم ، حرك كل ما هو ساكن و قلب كل الموازين بوفاة ابنتهم آمنه ، لقد أسلمت روحها لبارءها وهي فتاة لم تبلغ خمسة عشرَ عامًا من عمرها ..!! كانت الرفيقة والعزيزة لعُمر ، السمراء المدللة لأبويها ، بعد وفاتها أصبح كل شيء مظلم وقاتم لم يعد يُرى ، ذبُل الشجر والغصن وحتى الروح وسكن البيت وبات بلا روح بدونها ، الكل انخرط بإكتئابٍ شديد لفراق آمنه .. لم تعد ثمة دروب ليسلكها عمر دون شقيقته .. بعد شهور عن الفاجعة التي أصابت العائلة قرر الرحيل إلى " توبا " لدراسة العلوم الدينية والفقه والعقيدة على يد شيوخها ، و رحل ..!! وصف لنا حياته وهو عبدٌ يعمل في بيت الله و لله ، تجردهُ من قشرته الخارجية ليعود إلى ربه روحًا صافية دون شوائب ، معاناته من شُح الطعام واللباس ومجاهدة النفس لكل ملذات الحياة ، تصوفه بالكامل وزهدهُ بالحياة الدنيا هذا ما كان يسعى لتحقيقهِ عُمر الفوتي في توبا ' أرض الله ' .. عودته إلى أبويه بعد كل تلك السنوات الغابرات وشوقهما لرؤية ابنهما الذي افنى شبابه وهو غائبٌ عنهما لطلب العلم مايقرب من عشرين عامًا .. كل تلك السنوات كانت كافية لإقناع عمر بالزواج بفتاة صالحة مثله و إنجاب الحفيد المنتظر للعائلة الصغيرة التي عانت من الفقد ما عانت . تزوج عمر من أمارا أو بالعربية كما يقال ( أميرة ) أحبها جدًا ، أعادت لروحه حُب الحياة ، و للمنزل ضحكته المسلوبة ، نثرت عطرها في الأرجاء وبلطافة كلماتها طردت كل همٍ وغم كان يحط على صدر أحدٍ منهم . كما العادة بعد كل هدوءٍ وسلام هناك يدٌ قاسية تخبط على الطاولة وتقلبها .. ! نفسٌ هادئة يسكنها جنيٌّ ليسلب منها حياتها الهانئة .. ! ( لطخةٌ من سواد في بياضٍ لا ينتهي ) ..!! من نومه قام فزعًا هو و زوجته وابنه الذي أطل من بطن أمه ليرى ماذا هناك !! استيقظ أهل البيت جميًعا على أصوات الجنود الفرنسيين ، كان مذهولًا وجاهلًا عما يجري من حوله راح يركض نحو صوت أبيه لم يمهلوه ولو ثوانٍ أن يسأله لماذا كل تلك الجنود في منزلنا يا أبي ؟ بثوانٍ معدودة كانت الرصاصة مستقرة في جبهة والدهِ ، فجرت رأسه أمام عينيه لم يقوى على النظر راح يتخبط يمنة ويسرى ، احرقوا المكتبتة ولم يبقوا على شيءٍ فيها ، صراخُ أمه وزوجته حريقٌ بكل مكان ، مناداة أحد الجنود بأن لا تقتلوه إنه يلزمنا ، أخرجوه من منزله وتم نقله على متن سفينةٍ بالبحر إلى جزيرة غوريه ، لقد اختطف ليباع عبدًا لأمريكا ..!! من هنا بدأت معاناة عُمر بن سيد مع العبودية المُكرهة...more
كعادتي دائمًا كل ما يكتبه د.أيمن اقرأه بشغفٍ مبالغ وأحاول كتابة مراجعة بسيطة لما قرأت ..!
رواية جميلة و بسيطة مقارنة برواياتهِ الأخرى ، تُصنف من الأدبكعادتي دائمًا كل ما يكتبه د.أيمن اقرأه بشغفٍ مبالغ وأحاول كتابة مراجعة بسيطة لما قرأت ..!
رواية جميلة و بسيطة مقارنة برواياتهِ الأخرى ، تُصنف من الأدب الساخر ، فيها عبرة لمن اعتبر .
تُحكى الرواية بلسان حمارٍ للشيخ علي ، يدعى بأبو صابر ، لم يكن حمارًا عاديًا ، كان يتكلم اللغة العربية بطلاقةٍ وفصاحةٍ بالغة ، فاجئ الكثير من البشريّن الذين صادفهم خلال حياته بقدرته على التحدث مثلهم .. حفظِ من الشيخ علي الكثير من دروس العقيدة والتفقه بالدين ، وأيضًا الكثير من القصائد التي طُرب عند سماعها ، كان عهده مع الشيخ علي مليئًا بالأحداث الفكاهية وغيرها من التجارب اللطيفة والطريفة . توفيّ الشيخ وتركَ أبو صابر وحيدًا يجول بشوارع قريته � سُوف � التي كان يسكنها ، حاولوا أهل قريتهِ استغلاله والتقليل من شأنه ولكن أبى أن يكون كذلك، قرر أن يشكل حزبًا خاصًا لدعم اقرانه من الحمير، حقق بهِ شهرةً كبيرة، كما أسس أيضًا إذاعة تختص بالحديث عن معاناتهم وإنجازاتهم ومدى صبرهم وتحملهم للكائن البشري الذي لا يعترف بفضلهم و اسماها � صوت الحمير � ..!
تزوج أبا صابر من صعدة وعاش وعيّشنا حالة الحُب والمودة التي تبادلها مع زوجته ..
كانت الداعم الأول لمسيرته في هذه الحياة، امسكت بيده عندما أفلتها الجميع، وانطلقا معًا .. توفيت صعدة، ولكم أن تتخيلوا لون الحياة بدون معشوقته !! زهدِ في الحياة وماعليها، ولم يعد يرغب بالعيش دونها وقرر أن ينئى بنفسه عن الجميع ويعتزل بأحد الكهوف التي زارها في القديم مع شيخه، وأن يدوين يومياته وما عايشه، ولكن كيف يكتب وهو حمار لا يقدر على حملِ ورقةٍ وقلم، تمنى لو يلتقي ببشريٍّ كشيخهِ الراحل رحمه الله، وكان لهُ ما تمنى ، ظهر من بين عزلته شابٌ يعزفُ على نايه يغني ما حفظه من الشِعر بصوتهِ العذب، أعاد ابو صابر لأيام شبابه، خرج إليهِ من كهفه وتعارفا وأصبحا صديقين حميمين لبعضهما، عرض عليه عرضه بالكتابة وقَبِلهُ الشاب، ولكنه لم يكن شابًا عاديًا إنه � أيمن العتوم � ....more
مَسّغَبة-أيمن العتوم إنها المخطوطة الثانية من المخطوطات التي اشتراها الكاتب لغرض البحث والنبش عن حياة أصحابها، وكتابة وصياغة ماهو موجودٌ فيها من حقائق مَسّغَبة-أيمن العتوم إنها المخطوطة الثانية من المخطوطات التي اشتراها الكاتب لغرض البحث والنبش عن حياة أصحابها، وكتابة وصياغة ماهو موجودٌ فيها من حقائق حدثت سابقًا عبر التاريخ ليعيد صياغتها في قالب روائي وكانت بالنسبة لي مشوقة في لغتها و سلسة في احداثها.
تحكي المخطوطة هذه أفكار و رؤى عايشها صاحبها عبد اللطيف البغدادي (الشخصية الرئيسية) ، ماذا حصل في مصر بدءً من وباء الطاعون الذي اصاب القاهرة وأهلها وما عاناه خلال رحلته هذه.
كما أُحب أن أعرف بالشخصية الرئيسية كاتب المخطوطة؛ إنه عبد اللطيف البغداي ولد في مدينة بغداد العباسية، ترعرع وسط عائلةٍ متدينة، كان ذكيًا يحب التعلم منذ صغرهِ ولم يكن والده يتوانى لحظةً عن تقديم التعليم له على ايدي كِبار العُلماء والفقهاء وحتى الاطباء .. كبر الصغير واصبحَ شابًا درسَ الأدب والفقه والطب ، أحب العراق كثيرًا وبغداد أكثر من ذلك ولكنه أراد أن يكمل ما بدأه و يرتحل عنها ليختار طريقهُ إلى مِصر أم الدنيا ، ودع أبويه وحمل معه دُعاء إمه و رضا أبيه و رحل .!
تتحدث الرواية عن وباء الطاعون الذي أصاب مصر بوجود عبد اللطيف فكان طبيبًا يدرس الطب ويتعلم ماهو جديدٌ عليه ، لم يقدر أن يتخلى عن مِصر في هذه المحنه ويكف يد المساعدة لأهلها فقد أحبها وأحبهته .. انتقل المرض إلى الإنسان عن طريق الفئران والبراغيث وانتقل من إنسانٍ إلى آخر عن طريق الهواء الملوث واللمس أو حتى استخدام أدوات الشخص المُصاب وخلال ثلاثة أو أربعة أيام يتضح وجود المرض على صاحبه بعدة مؤشرات تكون ظاهرة على جسده ، لا تمهله كثيرًا ليذهب إلى البيمارستان ( المشفى حديثًا ) ليتشافى ثم ما يلبث حتى يسقط في سكونه الأبدي .. أعداد الوفيات التي تحدث كل يوم بدأت بالعشرات ويومًا بعد يوم ارتفعت بالمئات لوصولها لعشرات الآلاف ! الأعداد كبيرة و ضخمة وتفوق قدرة الإنسان على التخيل أو التصديق ، ولكنني كما عهدت الكاتب بمصداقية ما يكتب فإن كل ما كُتب بتلك الرواية من موتٍ أسود و حرائق و نهشٍ للحوم البشرية إنما هو حقيقةٌ مطلقة كانت يومًا ما بزمانٍ ما ليس بالبعيد كثيرًا .. مع معاناة أهلُ مِصر بطاعونها الذي أدى إلى تسكير محلاتها و فرض الحظر الإجباري على أفرادها والمكوث بمنازلهم وعدم مخالفة القوانين اصابهم الجوع و نخر عظامهم و بدأ النحول يظهر على أجسادهم ، ومن هنا أَعلنت مِصر عن مجاعةٌ كبيرة حلت بها ، فمن لم يمت بالطاعون مات من شدة جوعه .. صارت الناس تأكل لحوم كلابها ،حميرها وقططها وكل ما وجد أمامهم يمشي أو يطير أو حتى يزحف لم يردعهم شيء عن ذبحه وشويه ، لم يكن هذا فقط .. تفنن هنا العتوم بحديثهِ عن فئة من البشر ولو أنني لا أعتقد بأنهم كذلك .. سُميّوا (آكلي لحوم البشر) مالم يكن بالمنطق ولم يصدقهِ عقلي بدايةً أنه يوجد من يأتي بأخيه ليقطع أعضاءه واحدةً تلوى الأخرى ويشويها ويتلذذ بأكلها ، و الأُم تنهشُ بجسد رضيعها تغرز بأظافرها أحشائه لتضعها بفهما الملطخ بالدماء ، فإن لحمُ الرُضع بالنسبة لهم أكثر لذةً و طراوة ، والأب يأتي بولده ويذبحه أمام أعين والدته ليتقاسموا بعد ذلك لحمَ جسده بإنصاف .. كانوا يتفننوا بصيد فرائسهم من اللحوم البشرية وطريقة أكلهم لها .. مشاهدٌ كثيرة جدًا ذُكرت على ذلك ولكنني أتركها لكم لقراءتها والذهول بها ..!
صراحةً أخذتُ وقتًا ليس بالقليل لتصديق ذلك ، ولولا ذِكر الكاتب في نهاية الرواية بأنه لم يكتب شيئًا قبل أن يتأكد من مصداقية الكلام الموجود في المخطوطة برجوعهِ إلى كتب تاريخ معروفة تحدثت عن نفس الأحداث وبتلك البشاعة لما صدقت كل هذه الأهوال ..!
يكفي بأن أقول أن الإنسان تجرد من إنسانيته وفغر فاه وأصبح وحشًا مفترسًا بلا قلب ولا عقل .. وهنا في الخِتام أذكر قوله تعالى : ( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا ) الأية ١٣٣ سورة النساء .
أراد الله أن يتخلص من كل مجرمٍ وسفاحٍ يعيشُ على أرض مصر المباركة .. يومًا من تلك الأيام السوداء الحالكة تبدلت السماء غير السماء امتلئت بالنجوم ، أسقطت نيازكًا على أرضها أحرقت ما تبقى منها ، وتخلصت من لم يكن فيه خيرٌ لها ولأهلها .. ومن جديد أشرقت شمسُ الصباح وكأن ماكان لم يكن ، اختفى مرض الطاعون و انجلى معه كل همٍ وغم ، وبدأت الحياة تعود إلى مِصر التي خلت من أهلها ولم يبقى إلا قلةٌ قليلة فيها ، وليكن.. سيأتي من أولى بها وبجمالها .
كان توقيت كتابة ونشر الرواية رائع ومذهل حقيقةً أتى مع انتشار(فايروس كورونا)في العالم بشكلٍ مشابه جدًا من حيث طريقة العدوة بمرض الطاعون و فايروس كورونا ليفتح أعيننا على حقائق وقعت والآن تتكرر ولكن أراها بأقل مما حصل سابقًا لم يكن اختيار العتوم عشوائيًا فإنه يعلم تمامًا ماهي الوجبة الدسمة التي تشبع عقل قُراءه وتُرضي نفسهم وتجيب عن تساؤلاتهم وترضي فضولهم .. عاد بي إلى أول ايام الحجر من الوباء و أعداد المصابين التي أمتلئت المشافي بهم، و نسب اعداد الموتى الذين كان يعلن عنهم كل يوم على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الإجتماعي ..
و في الختام كما تعودت أن اقرأ كل ما يكتب أيمن العتوم و يسحرني بطريقة كتابته و اختياراته ، مراجعتي البسيطة لروايتهِ هذه لا تنصفهُ حقه فيما يقدمه لنا من أعمال مذهلة.. ♥️...more
للكاتبة : إليف شافاق ترجمة : د.محمد درويش باختصار تتحدث الرواية عن شقيقتين من التوائم هما ( جميلة وبمبي ) تعيش كل واحدةٍ منهن حياة خاصة بها ولكن بتشابكللكاتبة : إليف شافاق ترجمة : د.محمد درويش باختصار تتحدث الرواية عن شقيقتين من التوائم هما ( جميلة وبمبي ) تعيش كل واحدةٍ منهن حياة خاصة بها ولكن بتشابكٍ مذهل ، تصيب الأولى ظروف معينة لتعيشها الأخرى بشكلٍ مختلف .. بسن المراهقة إلتقت جميلة مصادفةً بشاب من المدينة انجذب لها ولجمالها ورقتها أراد الزواج بها ولكن شاءت الأقدار أن يكون زوجًا لأختها بمبي ، لظروفٍ خرجت عن سيطرة الطرفين ، وهذا ما ستكتشفه عند قرائتك للرواية .. فإنني لا أريد حرق حدثٍ مهم مثل هذا ..! تتزوج بمبي و تسافر مع أطفالها وزوجها إلى لندن لتعيش هناك فاقدة مشاعر الحب و الاهتمام و حتى المودة بينها و زوجها ، ليهجرها مع أطفالها ويمضي لحياته التي شغلها بلعب القمار و مساكنة انثى أحبها عوضًا عنها .. رزقت بمبي بثلاثة أطفال يعيش كلٌ منهم حياته الخاصة بطريقته الخاصة وخصوصيته المفرطة ، كبيرهم الكسندر الذي لطالما اعتبرته سلطانها و فؤادها و حبيب قلبها المدلل لربما لأنه أكبر أبنائها والذي كان سببًا في طعنها عندما علم بأنها على علاقةٍ غير شرعية مع شخصٍ ما .. تنقلت بنا شافاق بين تركيا حيث عاشت جميلة حياتها هناك وهي تعمل قابلة للتوليد ، من ثم ننتقل فجأة إلى لندن حيث بمبي وأولادها ، وحتى زوجها الذي هاجر أخيرًا إلى أبو ظبي وكان من وراء اختفاءه ذكرياتٌ طفولية بائسة ومؤلمة تثقب داخله دومًا ، لم تكن الأحداث بهذه البساطة وبتلك السرعة في الرواية ولكن يجب عليَّ أن اختصر .. تنتهي الرواية بمشاعر مختلفة ومتخبطة جدًا بين حزن و آسى وقليلًا من التفاؤل للمستقبل المبهم و آخر لا أعلم ما هو و لكنها تركت أثرًا لطيفًا بداخلي .. أعجبت بشخصيات الرواية فكان لكلٍ منهم شخصية مستقلة عن الآخر ، وبمشاعر وعادات ومعاناة مختلفة تمامًا ، وبهذا عايشت عدة شخصيات وتغلغلت في بواطنها ، لطالما أُعجبت بأسلوب شافاق الروائي وسردها للأحداث بطريقة سلسة ومشوقة ، ربطها للوقائع رائع جدًا ، في الحقيقة أحببت روايتها .. ...more
أرضُ الله للكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : ٥١٦ كعادتي في البدء سأتكلم عن الكاتب قليلًا علني أوفيه حقه ككاتبٍ مبدع ..!! هو أيمن بن علي العتوم درس الهأرضُ الله للكاتب : أيمن العتوم عدد الصفحات : ٥١٦ كعادتي في البدء سأتكلم عن الكاتب قليلًا علني أوفيه حقه ككاتبٍ مبدع ..!! هو أيمن بن علي العتوم درس الهندسة في بلدته إربد بالأردن تخرج عام ١٩٩٧م وعمل بمجال الإنشاءات عامين على التوالي ، بعد ذلك قرر السفر لجنوب إفريقيا لعرض عمل ولكن لأسبابٍ من عنده تعالى شاءت أقداره أن تحط رحاله بدول غرب أفريقيا لزيارة مدينة موريتانيا ومالي وغينيا والسنغال ، وبالطبع اختيارهِ لهذه المدن لم يكن عشوائيًا بل لشدة شغفهِ بالعلم والمعرفة والإستكشاف .. ولأنه مهووسٌ بالكتب والمكتبات تعرف على موقع لبيع مخوطات ثمينة جدًا تعود لزمنٍ بعيد ، على الفور و دون تفكيرٍ مسبق قرر اقتنائها من أحد الأشخاص .. عند شراءه لتلك المخطوطات لفتَ نظرهُ واحدة من بينهم كانت كبيرة بالنسبة لأخواتها حرص على أن يأخذها ولو كلفته ثمنًا باهظًا وكانت كذلك سأل البائع عنها لمن تعود ؟ أجابه صاحبها إن واحدًا من أحفاد كاتبها مازال حيًا .. سأله إن كان بمقدورهِ أن يقابله !! رد بالإيجاب و أعلمه أن منزلهُ بالقرب من نهر السنغال .. لم يتردد بزيارة حفيد هذه المخطوطة القديمة قابله و طلب منه أن يحدثه عن صاحبها وبكل سرور راح يقص عليه ما يعلم عنها ..! إنها لـ " عمر بن سيد الفوتي " المسلم الإيفريقي صاحب البشرة السوداء القاتمة .. تتحدث الرواية عن عمر الفوتي الذي ولد بمدينة فوتاتور غرب أفريقيا التي تطل على نهر السنغال تربى وسط عائلة صغيرة جدًا من أب مُتدين و ثري ، أجداده أهل دين وعقيدة وفقهاء ، كان ' سيد الفوتي ' كريم بطبعه ومعطاءً لايبخل على أحد يطرق بابه ، حافظ للقرآن الكريم ومن الصالحين المشتهرين في قريته متعلم للكتابة والقراءة ، يمتلك منزل كبير وفيه مكتبة خاصة به تضم عدد ليس بالقليل من الكتب والمخطوطات وأيضًا نسخ من القرآن وتفسيراته التي ورثها عن أجداده ، متزوج من امرأة صالحة ولديه ولدين عمر وآمنه البكر ، كان حريصًا عليهما وعلى كسبهما علمًا نافعًا ، أتى لهم بكبار الشيوخ ، العلماء والفقهاء والخطاطين لتعليمهم الكتابة والقراءة وحفظ كلام الله ورسوله .. كانت حياتهم هادئة تسير على رتابتها إلى أن أتى قدر الله المحتوم ، حرك كل ما هو ساكن و قلب كل الموازين بوفاة ابنتهم آمنه ، لقد أسلمت روحها لبارءها وهي فتاة لم تبلغ خمسة عشرَ عامًا من عمرها ..!! كانت الرفيقة والعزيزة لعُمر ، السمراء المدللة لأبويها ، بعد وفاتها أصبح كل شيء مظلم وقاتم لم يعد يُرى ، ذبُل الشجر والغصن وحتى الروح وسكن البيت وبات بلا روح بدونها ، الكل انخرط بإكتئابٍ شديد لفراق آمنه .. لم تعد ثمة دروب ليسلكها عمر دون شقيقته .. بعد شهور عن الفاجعة التي أصابت العائلة قرر الرحيل إلى " توبا " لدراسة العلوم الدينية والفقه والعقيدة على يد شيوخها ، و رحل ..!! وصف لنا حياته وهو عبدٌ يعمل في بيت الله و لله ، تجردهُ من قشرته الخارجية ليعود إلى ربه روحًا صافية دون شوائب ، معاناته من شُح الطعام واللباس ومجاهدة النفس لكل ملذات الحياة ، تصوفه بالكامل وزهدهُ بالحياة الدنيا هذا ما كان يسعى لتحقيقهِ عُمر الفوتي في توبا ' أرض الله ' .. عودته إلى أبويه بعد كل تلك السنوات الغابرات وشوقهما لرؤية ابنهما الذي افنى شبابه وهو غائبٌ عنهما لطلب العلم مايقرب من عشرين عامًا .. كل تلك السنوات كانت كافية لإقناع عمر بالزواج بفتاة صالحة مثله و إنجاب الحفيد المنتظر للعائلة الصغيرة التي عانت من الفقد ما عانت . تزوج عمر من أمارا أو بالعربية كما يقال ( أميرة ) أحبها جدًا ، أعادت لروحه حُب الحياة ، و للمنزل ضحكته المسلوبة ، نثرت عطرها في الأرجاء وبلطافة كلماتها طردت كل همٍ وغم كان يحط على صدر أحدٍ منهم . كما العادة بعد كل هدوءٍ وسلام هناك يدٌ قاسية تخبط على الطاولة وتقلبها .. ! نفسٌ هادئة يسكنها جنيٌّ ليسلب منها حياتها الهانئة .. ! ( لطخةٌ من سواد في بياضٍ لا ينتهي ) ..!! من نومه قام فزعًا هو و زوجته وابنه الذي أطل من بطن أمه ليرى ماذا هناك !! استيقظ أهل البيت جميًعا على أصوات الجنود الفرنسيين ، كان مذهولًا وجاهلًا عما يجري من حوله راح يركض نحو صوت أبيه لم يمهلوه ولو ثوانٍ أن يسأله لماذا كل تلك الجنود في منزلنا يا أبي ؟ بثوانٍ معدودة كانت الرصاصة مستقرة في جبهة والدهِ ، فجرت رأسه أمام عينيه لم يقوى على النظر راح يتخبط يمنة ويسرى ، احرقوا المكتبتة ولم يبقوا على شيءٍ فيها ، صراخُ أمه وزوجته حريقٌ بكل مكان ، مناداة أحد الجنود بأن لا تقتلوه إنه يلزمنا ، أخرجوه من منزله وتم نقله على متن سفينةٍ بالبحر إلى جزيرة غوريه ، لقد اختطف ليباع عبدًا لأمريكا ..!! من هنا بدأت معاناة عُمر بن سيد مع العبودية المُكرهة...more