|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
my rating |
|
|
|
|
|
|
|
![]() |
|
|
||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
6140126665
| 9786140126664
| B07RC9RY89
| 4.30
| 1,333
| 2018
| 2018
|
liked it
|
تبرز أهمية هذا الكتاب في كونه واحدا من أهم الكتب التي تفتح ذهن قارئه على إمكانية أن يصير كاتبا مقتدرا و لكن إذا سار على ضوء المعطيات و التوجيهات التي
تبرز أهمية هذا الكتاب في كونه واحدا من أهم الكتب التي تفتح ذهن قارئه على إمكانية أن يصير كاتبا مقتدرا و لكن إذا سار على ضوء المعطيات و التوجيهات التي دونت من وحي التأملات و التجارب. و هذا إذا أراد الناثر المبتدئ أن يكون مروضا ماهرا للغة و الأساليب، و قاصا عبقريا يدفع عن نصوصه ثرثرة الإنشاء العقيم و ضوضاء الشتات السردي . و لأهميته أيضا في كون الكاتبة فتحت النقاش فيه على مصراعيه للحديث عن عملية تحرير النص و نقد الأخطاء و تصويب الأغلاط، و قد كتب بمجهود معتبر من أجل صقل مهارات الكتاب و المنشئين و توجيههم إلى وجوب الإجادة في صناعة العمل السردي، و كتب أيضا لغاية تمكين الكاتب الناشئ الذي يقف أثناء الكتابة حائرا بين العديد من الأشياء المعقدة و الأفكار الفوضوية و المناهج الملتوية. و هذا ما حدا بالكاتبة إلى طرح تلك التمارين الكتابية المُحنكة التي جعلتها في ختام كل فصل كنوع من التدريب و التمرين على نماذج الكتابة و السرد،من أجل دفع القارئ إلى دخول مطبخ الكتابة الإنشائية و تشجيعه على ابتداء مشروعه القصصي مسلحا ببعض الأفكار و التطبيقات. و بالنظر إلى ما احتواه الكتاب فإنه يبدو و كأنه الكتاب الذي سيعطيك الأمل بأن تعيش شغفك لتحقيق حلمك في أن تصير كاتبا ناجحا يوما ما، و لكنه بالمقابل كتاب مليء بالمعلومات النقدية التي قد يبدو لك من خلالها صعوبة طريقك الذي تريد السير عليه ليصير لك إسم في عالم الكتابة و لكنه سيجعلك أيضا ترغب بأن تتبع قلبك إلى قصر أحلامك، و هذا كله سيلهمك إلى حدٍ كبير لتواصل العمل بخطى واثقة و سديدة لتستفيد من تجارب غيرك في تصحيح أخطائك و المضي قدما لإنتاج أدبك الخاص. Merged review: تبرز أهمية هذا الكتاب في كونه واحدا من أهم الكتب التي تفتح ذهن قارئه على إمكانية أن يصير كاتبا مقتدرا و لكن إذا سار على ضوء المعطيات و التوجيهات التي دونت من وحي التأملات و التجارب. و هذا إذا أراد الناثر المبتدئ أن يكون مروضا ماهرا للغة و الأساليب، و قاصا عبقريا يدفع عن نصوصه ثرثرة الإنشاء العقيم و ضوضاء الشتات السردي . و لأهميته أيضا في كون الكاتبة فتحت النقاش فيه على مصراعيه للحديث عن عملية تحرير النص و نقد الأخطاء و تصويب الأغلاط، و قد كتب بمجهود معتبر من أجل صقل مهارات الكتاب و المنشئين و توجيههم إلى وجوب الإجادة في صناعة العمل السردي، و كتب أيضا لغاية تمكين الكاتب الناشئ الذي يقف أثناء الكتابة حائرا بين العديد من الأشياء المعقدة و الأفكار الفوضوية و المناهج الملتوية. و هذا ما حدا بالكاتبة إلى طرح تلك التمارين الكتابية المُحنكة التي جعلتها في ختام كل فصل كنوع من التدريب و التمرين على نماذج الكتابة و السرد،من أجل دفع القارئ إلى دخول مطبخ الكتابة الإنشائية و تشجيعه على ابتداء مشروعه القصصي مسلحا ببعض الأفكار و التطبيقات. و بالنظر إلى ما احتواه الكتاب فإنه يبدو و كأنه الكتاب الذي سيعطيك الأمل بأن تعيش شغفك لتحقيق حلمك في أن تصير كاتبا ناجحا يوما ما، و لكنه بالمقابل كتاب مليء بالمعلومات النقدية التي قد يبدو لك من خلالها صعوبة طريقك الذي تريد السير عليه ليصير لك إسم في عالم الكتابة و لكنه سيجعلك أيضا ترغب بأن تتبع قلبك إلى قصر أحلامك، و هذا كله سيلهمك إلى حدٍ كبير لتواصل العمل بخطى واثقة و سديدة لتستفيد من تجارب غيرك في تصحيح أخطائك و المضي قدما لإنتاج أدبك الخاص. ...more |
Notes are private!
|
2
|
not set
not set
|
not set
not set
|
Jul 31, 2023
|
Paperback
| |||||||||||||||
B0DN25DBJ7
| 2.58
| 91
| Nov 01, 2002
| Nov 01, 2002
|
liked it
|
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي كتبها أيمن الغزالي ثم جمعها و نشرها، و هي تعبر عن آرائه الخاصة في ما يخص تذوقه لبعض الأعمال الأدبية المعاصرة،
الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التي كتبها أيمن الغزالي ثم جمعها و نشرها، و هي تعبر عن آرائه الخاصة في ما يخص تذوقه لبعض الأعمال الأدبية المعاصرة، و قد كان غوصه فيها عميقا و أسلوبه جيدا و ممتعا.
...more
|
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jan 25, 2022
|
Unknown Binding
| |||||||||||||||||
9776483542
| 9789776483545
| 9776483542
| 4.01
| 32,632
| Jan 2000
| 2016
|
it was amazing
|
-- غالبا ما نكون كما يقول الشاعر الأبيقوري لوكريتيوس مثل مريض يجهل سبب علته!. و لذا نلجأ إلى الأطباء لكونهم يفهمون عللنا الجسدية أفضل منا. و ينبغي أن
-- غالبا ما نكون كما يقول الشاعر الأبيقوري لوكريتيوس مثل مريض يجهل سبب علته!. و لذا نلجأ إلى الأطباء لكونهم يفهمون عللنا الجسدية أفضل منا. و ينبغي أن نلجأ إلى الفلاسفة للسبب ذاته عندما تكون روحنا عليلة و نحكم عليهم وفقا لمعيار مماثل: كما لا يكون للطب أي نفع عندما لا يتخلص من العلة الجسدية، ستكون الفلسفة غير ذات نفع إن لم تتخلص من معاناة العقل....! -- الفلسفة فن للعيش و فن للتساؤل و النقاش و تجربة حية في صميم الوجود الإنساني، و بالإستناد إلى الفهم الحقيقي للمقولة السابقة يمكننا أن نشعر بالإرتياح لفكرة أن الفلسفة تتيح للإنسان بشكل عام أن يُنضج وعيه، و يُغني فكرَه، و يُصلح مقامَه، و يضبط إيقاعَه، و يُثمر عملَه، و يقوّم مسلكَه، و يُسعد كيانَه كلَّه في حدود المسؤوليات و التحدّيات و الرهانات و الإشكالات و التعقيدات التي يواجهها في معترك نضاله اليومي، جسديا و نفسيا و روحيا. بفضل تفعيل العلاجات الفلسفية التي تقدمها له نخبة من مفكري الحضارة الإنسانية من خلال تلك القراءة الشاملة و المتناغمة للأحداث و العواطف البشرية التي تعبر عن صميم الحياة الخاصة بالمعاناة و الألم و السعادة و رغبات الإنسان و تقلبات الأقدار و تغيرات المجتمع و البيئة و المشاعر، و التي تؤثر بشكل سلبي على نفسيات البشر و حياتهم، حتى تدفعهم لارتكاب أسوء الأخطاء و اتخاذ أحمق القرارات و اعتماد أردأ التصرفات. -- صادفت قراءتي لهذا الكتاب الماتع ذكرى اليوم العالمي للفلسفة ( 18 نوفمبر ) و الذي خصصه المثقفون في العالم للإحتفاء بالفلسفة و مكانتها و قيمتها في رحاب الفكر العالمي. فكان لهذا التصادف وقع اللذة العارمة بالنسبة إلي، لكوني كنت و لازلت عاشقا للفلسفة و أهلها و كتبها و نظرياتها، و هذا لا يعني بالضرورة تبني النظرة الوردية للحقل الفلسفي ككل.... فالفلسفة كغيرها من العلوم تعرف منها و تنكر. غير أن أهميتها العظمى تكمن في كونها تعتبر الإطار المنطقي الذي يتم بداخله تقييم الأسئلة الكبرى للكون و وزن الأجوبة الفلسفية التي حاول بها كبار الفلاسفة و المفكرين أن يعطوا الحلول الموافقة للعقل و المنطق و الحس و النظر لتلك الأسئلة التي لايزال الكثير منها يؤرق الإنسان و يدفعه دائما للتساؤل و طرح الإشكاليات و خلق النقاشات و ابتكار الأفكار و تقديم النظريات. -- كتاب ( عزاءات الفلسفة ) لآلان دو بوتون يتحدث عن ست أنواع مختلفة من العزاءات الفلسفية المستخلصة من تجارب مجموعة من الفلاسفة المتنورين الذين كانت لهم مكانة كبيرة في حقل الفكر و التفكير الفلسفي. و يحاول بأسلوب بسيط و سهل و خال من التعقيد و الإلتباس أن يوظف نظرياتهم الفلسفية و تجاربهم الشخصية في تقديم الحلول الناجعة لمشاكل الروح البشرية، أو هكذا أراد الكاتب أن يكون للفلسفة كلمتها في تسوية معضلات الحياة الإجتماعية. مادام أن الحياة التي يعيشها البشر منذ خروجهم إلى هذا العالم مليئة بالعلل و الصراعات و المشاكل و الألغاز التي عادة ما تكون ناشئة عن عدم فهم المحيط الذي يعيشون فيه و قلة تفهمهم لتلك التغيرات و الإنفعالات التي تفرضها الحياة عليهم، زيادة على شعور الإرتياع من معاكسة الأقدار، و عامل التوق إلى المجهول و الخوف مما هو آت، و انعدام التفكير المنهجي في الإجابة على أسئلة النفس التي تبحث من وراء ذلك عن الراحة و الطمأنينة، و أن تكون خطاها في الحياة واثقة و مستقيمة أو مثالية. لقد رام المؤلف في هذا الكتاب المشوق أن يضع للفلسفة جانبها التطبيقي في حياة البشر، حيث يبدو الركون إلى الفلسفة لحل المشاكل تشخيصا غريبا جدا عندنا جميعا.....إلا أن نقيصة اللامبالاة و قلة القراءة و إمعان النظر في ما خلفته لنا الفلسفة، قد جنى على نظرتنا القاصرة أصلا إلى جهود الفلاسفة و ما قدموه لنا و للحياة التي نعيشها. حيث ترك هؤلاء المفكرون على مر العصور التاريخية تراثا ضخما من الآثار الفكرية احتوى في مضمونه على شتى التصورات و الأطروحات و النتائج و الأجوبة على مختلف التساؤلات و العقد و الفرضيات. و من شأن المثقفين اليوم أن يستفيدوا من تلك الآثار في تقديم الترياق الفلسفي المناسب الذي سيمنحنا الخلاص الحقيقي من مشاكل عصرنا و تحدياته. و هذا ما حدا بالمؤلف لكي يخوض غمار هذا التجربة الفكرية المثمرة ممثلة في نقله لستة أصناف مختلفة من أنماط التفكير الفلسفي لستة فلاسفة حاولوا جهدهم أن يفيدوا البشرية بما اجتهدوا فيه من المخارج و التسويات التي سعوا بها لتذليل صعوبات الحياة و عوائق العيش المريح. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Nov 23, 2021
|
Paperback
| |||||||||||||||
B0DLT9NY6D
| 4.00
| 259
| 1995
| 2000
|
really liked it
|
-- { إنه الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم، و يحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية }.....! هذه الجملة التي وردت في ختام هذا الكتاب تلخص الفكرة الرئيسية -- { إنه الشرك في السياسة الذي يرفضه الحاكم، و يحاكم عليه باسم الشرك في الألوهية }.....! هذه الجملة التي وردت في ختام هذا الكتاب تلخص الفكرة الرئيسية التي قام عليها هذا البحث الماتع و المتمثل أساسا في إشكالية العلاقة بين المثقفين و الأنظمة السياسية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية. حيث عمد المفكر محمد عابد الجابري إلى تحليل تلك الإشكالية بتوظيف نموذجين من أشهر الشخصيات الثقافية العريقة في التراث الإسلامي و هما: إمام الفقه الإسلامي الشهير: أحمد بن حنبل و فيلسوف قرطبة الغني عن التعريف: ابن رشد. و قد تولى الجابري الحديث في أول الكتاب عن مدلول الثقافة و تعريف المثقفين بشكل مختصر، لينطلق بعد ذلك مباشرة إلى ظاهرة الصراع بين المثقف و السياسي في تاريخ الآراء السياسية للفرق الإسلامية و منظريها، و التي كانت هي النواة الرئيسية لحركة المعارضة باسم الدين كالمعتزلة و الشيعة و الخوارج الذين كانوا المسمار الذي تم دقه في نعش الدولة الأموية، و التي قامت بدورها باستغلال نفر من المثقفين من الأئمة و العلماء لنصرة نظرية الجبر التي كان تتبناها للإفلات من النقد و المعارضة و لكي تحافظ على ضمان بقاء خلفائها في السلطة. ثم ينتقل المؤلف للحديث عن قضية محنة الإمام أحمد و مسألة خلق القرآن و دور المتكلمين المعتزلة في كل ذلك، و هو يرى أن الدولة العباسية و الخليفة المأمون لم ينتصرا لقضية الإعتزال إيمانا منهما بهذا المذهب و نظرياته الدينية و إنما كان ذلك لأجل محاولة كبح جماح قادة العامة من أهل الحديث و الفقهاء السنة الذين كان بعضهم قد بدأ يعارض النظام السياسي العباسي آنذاك عن طريق إعادة الإعتبار لمعاوية ( من باب عقيدة عدالة الصحابة ) و الأمويين، و الرد على عقائد الجهمية و المعتزلة الذين كانوا هم الأنصار المخلصين للثورة العباسية في أوائل قيامها على دولة بني أمية. و فيما يخص قضية ابن رشد فقد جنح المؤلف كذلك إلى صبغها بالصبغة السياسية، حيث استبعد تماما كل الروايات و الآراء التي تقول بأن سبب نكبة فيلسوف قرطبة تعود إلى ما وجد في كتبه الفلسفية من بعض النظريات التي تتعارض مع بديهيات العقيدة الإسلامية، فقد رأى الجابري أن السبب الحقيقي لنفي ابن رشد و نكبته هو سياسي بامتياز و لا علاقة له بالفلسفة التي دفعت الثمن غاليا بسبب لعنة السياسة و تقلباتها. و سبب ذلك كله هو شرح ابن رشد لكتاب ( جوامع سياسة أفلاطون ) و الذي تحدث فيه عن السياسة و أنظمة الحكم و ضرب فيه بعض الأمثلة من الواقع السياسي الأندلسي، مما اعتبره خليفة الموحدين تعريضا به و بنظامه، فكان أن وجه له تهمة التعرض لجناب الدين حتى يشرعن عقابه لابن رشد تحت شعار الدفاع عن العقيدة. -- و في الأخير فإن علاقة الحكام بالمثقفين تبدو كعلاقة قائمة على المصالح الصرفة، حيث أن السياسي كان ينظر دائما للمثقفين كأدوات يستعين بها لتثبيت ركائز حكمه حينا، حتى إذا انتهت صلاحية ذلك نكبهم أو تخلص منهم بأي طريقة، أو ضربهم بمثقفين آخرين ممن يعارضونهم في الأفكار و الإيديولوجيا، كما حدث ذلك زمن حكم بني العباس، عندما استعان الخليفة المأمون بالمعتزلة و أنصارهم و عين منهم الوزراء و القادة، ثم لما تولى الخليفة المتوكل العرش بعد ذلك قلب لهم ظهر المجن، و ضربهم بأعدائهم من الفقهاء الحنابلة و استعان بهم لقمع الفكر الإعتزالي و الذي كان إلى حين يمثل مذهب الدولة الرسمي. -- الكتاب جيد و ممتع و هو يمثل في نظري قراءة مهمة للإشكالية المذكورة، وفيه كم من التحليلات الصائبة و الآراء المنطقية، و هذا عائد لمهارة الجابري في التحليل و الإستقراء، و لكونه يعتبر قارئا حاذقا للتاريخ و هو ما ظهر جليا في استدلاله بالوقائع و الأحداث التاريخية على ما كتبه هنا. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Nov 09, 2021
|
Paperback
| |||||||||||||||||
B0DTX6JG4V
| unknown
| 3.33
| 3
| unknown
| unknown
|
really liked it
|
-- بعض الكتب مهما أسرف المستفيد منها في مديحها و تقريظ مواضيعها و تفضيل كتابها و بيان سمو و قيمة ما فيها ، ما كفى ذلك في نظر منصفيها و ما بلغ منهم الر
-- بعض الكتب مهما أسرف المستفيد منها في مديحها و تقريظ مواضيعها و تفضيل كتابها و بيان سمو و قيمة ما فيها ، ما كفى ذلك في نظر منصفيها و ما بلغ منهم الرضى عن كل ما قيل في حقها من ثناء و قيل و قال !! ، و هذا الكتاب من جنس هذه الكتب التي تتركك في حيرة من أمرك في اختيار كليمات الوصف لما تركته فيك من أثر ! ، أنت تعلم بعد ختامك لقراءتها أنه سيصاحبك ثم يصير جزءا منك سواء في وعيك الداخلي أو في فكرك عموما . هذا البحث الأدبي الذي سبك فيه الكاتب التاريخ مع الأدب سبكا محكما ، تكاد لا تستطيع تحييدهما عن بعضهما البعض و أنت تنط فيه من واقعة تاريخية إلى لفتة أدبية سرعان ما تجد بينهما رابطا لا ينفصم إلا ليعود محكما مرة أخرى ، و هذا يتجلى واضحا في تأثير السياسة و الجغرافيا و المحيط الإجتماعي في تكوين الأدب و تنوعه و تحولاته و سموه أو تدنيه !! . و في الكتاب حديث جذاب و آسر عن رقي الحياة الأندلسية و رفعة الأدب و الثقافة كعلامة حضارية بارزة تنادي بسمو الذوق الفردي و الجماعي لسكان الجزيرة السعيدة في ذلك العصر ! ، و هو حديث ملؤه الفخر و الإعتزاز بتراث أسلافنا و ما خلفوه من إرث إنساني لا يزال مصرا على البقاء في تاريخ الحياة مذكرا من فرطوا فيه من أبنائه بأن تعويض تأخرهم عن اللحاق بعجلة التقدم العصري لا يتأتى بالإنسلاخ من هويتهم و نبذ لغتهم و التنكر لدينهم و الإفتيات على تاريخهم !!! و من هنا تعلم أن الكتاب نسيج وحده في مادته و موضوعه ، و للفائدة فمؤلفه هو العلامة الأزهري الأديب البحاثة الأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي ( رحمه الله ) صاحب المؤلفات الأدبية البديعة ، و البحوث العلمية النفيسة ، و التي أربت على العشرات ، و أفاد منها أهل الإختصاص و غيرهم من طلاب العلم و شداة الأدب ، و كتابه هذا لبنة عزيزة من مشروعه الكبير ( مشروع 100 كتاب عن الأدب العربي ) ! . المؤلف - في نظري - حلل الأدب الأندلسي تحليلا تاريخيا لم يسبق إليه ! ، سلط فيه الأضواء على عوامل النبوغ الأدبي في فكر الأندلسيين ، و فصل الكلام في أسباب قوة اللغة العربية و غلبتها على أهل الجزيرة ( من عرب و بربر و مولدين و غيرهم ) عازيا سبب إنتصار اللغة و الأدب العربيين إلى منافسة خلفاء الغرب الإسلامي ( من بني أمية ) لخلفاء الشرق ( من بني العباس ) في جمع الكتب و رصد الأوقاف على المدارس و المساجد و الإنعام على أهل العلم و غير ذلك ، و يتضح ذلك في استقدام الساسة الأمويين في قرطبة للعشرات من العلماء و الأدباء و الموسيقيين المشارقة و الإحتفاء بهم و إغداق العطاء عليهم ، فكان هؤلاء هم بناة الصرح الثقافي الأوائل في البلاد ، ليخلفهم تلاميذهم ( من أبناء البلاد ) فيما بعد في قيادة سفن العلم الرشيدة حتى بلغوا بها ساحل الإمتياز و التفوق و حازوا إشادة الأعداء قبل الأوداء !! إلى جانب أسباب أخرى أجملها في تفصيل مختصر مفاده : أن البيئة الخلابة للجزيرة و عامل التمازج العرقي بين مختلف الحضارات و الثقافات ( بفعل المصاهرة و غيرها ) قد كونا في الأندلسيين طبيعة مرهفة لحب الجمال و الطبيعة أكسبتهم قدرة مدهشة على التعبير الفياض و تخليق المعاني و التحكم بالألفاظ فجاء أدبهم غزيرا متدفقا متنوعا و خصبا !! و مما زاد الكتاب أهمية في التدليل على قوة الأدب الأندلسي هو تلك القطع الأدبية الراقية التي كان المؤلف يستدل بها على صحة استنتاجاته من النثر تارة و من النظم تارة أخرى و من الخطابة تارات أخر ! . قام الكاتب بتقسيم كتابه إلى أربعة أبواب و أدار الكلام في موضوعات البحث الأدبي فيه عليها ، فجعل الباب الأول في الكلام على الطبيعة و التاريخ و الحياة في الأندلس متحدثا بإسهاب و شغف عن هذه الجنة الساحرة و خصائصها ، مدعما نظرته تلك بصور و مشاهد من حياة أهلها تنبض بالرشاقة و الحيوية ، كما لم ينس الحديث فيها عن تلك الرحلة العلمية التي قادت علامة الشرق ( أبا علي القالي الأديب العالم ) إلى الأندلس و أثرها العظيم فيه و قد خصه بترجمة مميزة أبان فيها عن مدى احتفاء أهل الجزيرة به و هو ما استدل عليه فيما بعد بحب أهل البلاد للعلم و العلماء و إكرامهم و مصاهرتهم ... الخ ، ثم انتقل إلى الباب الثاني ليتحدث مطولا عن الشعر الأندلسي و سماته و تياراته و أشهر الشعراء النابغين فيه ! و في نفس السياق أبدع المؤلف ( رحمه الله ) في الكلام عن فني الموشحات و الزجل و هما فنان مخصوصان محصوران في الأندلسيين وحدهم دون غيرهم ! ثم ختم بابه هذا بإيراد بعض التراجم الممتعة لكوكبة من الناظمين الذين شرقوا و غربوا بقصائدهم ، و صيروا القصيد بصنعتهم الشعرية عذبا زلالا ! كابن زيدون وابن عبدون و المعتمد بن عباد و ابن خفاجة و ابن سهل و ابن هانئ و غيرهم ، لينتقل بنا بعد هذا إلى الباب الثالث من الكتاب متنزها بنا في حدائق النثر الأندلسي من الكتابة الفنية إلى الرسائل و الخطابة و خصائصهما و صور حية من ذلك كله ، جعلها الكاتب كقطع خزفية جميلة تسر الناظرين ، كما أنه ذيل على مؤخرة هذا الباب بتراجم مجملة لبعض الكتاب و المنشئين من مشاهير الناثرين بالجزيرة و خص بالذكر منهم الأديبة الكبيرة ولادة بنت المستكفي صاحبة المجالس الأدبية الشهيرة كنموذج للدور الريادي الذي لعبته المرأة الأندلسية { و هن كثيرات جدا و منهن على سبيل المثال لا الحصر : حمدونة الأندلسية و اعتماد الرميكية زوجة المعتمد بن عباد ملك إشبيلية و حفصة الركونية و حمدة بنت زياد و التي كانت تعرف بخنساء المغرب و حسانة التميمية و كلهن كن مشهورات بالحسن و الجمال و الحسب و العلم و الأدب و الظرف و اللباقة } ، إيمانا منه بأهمية مكانتها التاريخية في الحضارة الإسلامية بالجزيرة ، ليختم جولته تلك بالباب الرابع و الأخير عن الأدب العربي في المغرب و جزر البحر و الذي نوه فيه باختصار ببعض أعلام المغرب الإسلامي في الشعر و النثر . و الحقيقة أنني لم أتمكن لغاية اللحظة من أن أصور لفظيا مدى الإمتاع و الترنم الذي شعرت به و دب في نفسي بعد ختم القراءة في هذا الكتاب ، فلهذا و لغيره أنا أدعوكم لقراءة هذا الكتاب القيم ، جازما بأنكم ستصنفونه ضمن كتبكم التي قرأتموها و أبت الذاكرة رفضا إلا أن تعيدوا قراءتها مرة أخرى ! .
...more
|
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Oct 30, 2021
|
Unknown Binding
| ||||||||||||||||
B0DTRXRX6Q
| 4.50
| 306
| Jan 01, 2002
| unknown
|
None
|
Notes are private!
|
0
|
not set
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
Hardcover
| ||||||||||||||||||
B0DN1QC24N
| 4.46
| 108
| 1997
| unknown
|
None
|
Notes are private!
|
0
|
not set
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
Hardcover
| ||||||||||||||||||
B0DN1JXYYK
| 4.37
| 38
| Jan 01, 1994
| 2004
|
None
|
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
Hardcover
| ||||||||||||||||||
B0DT1243LL
| 4.59
| 1,426
| unknown
| unknown
|
None
|
Notes are private!
|
0
|
not set
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
Hardcover
| ||||||||||||||||||
9953270813
| 9789953270814
| 9953270813
| 4.34
| 5,067
| 1937
| 2009
|
it was amazing
|
-- لا يختلف قراء النثر العربي الحديث و نقاده في كون عبقرية الرافعي في صناعة أدبه إنما ترجع أساسا لكونها كانت مزيجا من الإلهام النفسي المؤثر و الأسلوب
-- لا يختلف قراء النثر العربي الحديث و نقاده في كون عبقرية الرافعي في صناعة أدبه إنما ترجع أساسا لكونها كانت مزيجا من الإلهام النفسي المؤثر و الأسلوب الحر الطليق و الوصف الخيالي البليغ و التعبير الإنشائي الفخم. و كل هذه المميزات المجتمعة في قلب واحد و قلم واحد و نفس واحدة جعلت من سرديات الرافعي منجما أدبيا غنيا، عبر من خلاله و بمهارة بالغة و حرية مطلقة عن أدق المشاعر الإنسانية و الأحاسيس العاطفية و النوازع النفسية التي كان يتأثر من خلالها بأحداث محيطه ثقافيا و اجتماعيا. فقد كتب الرافعي عن الحب و الألم و الإيمان و المآسي و الفقر و الغنى و خاض معاركه في الأدب و النقد و الفكر و الثقافة، فكانت له كلمته المسموعة في كل تلك الميادين و فرض بقوة أفكاره الخاصة التي أسست لمدرسته الأدبية على بساط واسع ضم فيه نفرا غير قليل من الكتاب و المثقفين الذين شايعوه ثم بايعوه على عرش الأدب عميدا و زعيما. و الرافعي من الأدباء الذين عملوا على تكريس قداسة القلم و مكانته في دنيا الناس، فقد كان يرى أنه لسان قلب صاحبه الحقيقي و ترجمان جنان الأديب و المثقف دون غيره من الشرائح الأخرى ، فهو المعبر الأول عن الأفكار و المبادئ و هو الناقل المحسن للنوايا و السرائر، و هو في يصدر في هذا عن فهم عميق لقيمة الكلمات بالنسبة لمدى تأثيرها فى الحياة و النفس و التفكير، و لذا تجده قد أحسن أيما إحسان في اختيار دقائق المعاني و فرائد المضامين و مستجاد القول و متخير الألفاظ، ففاز أدبه بالقدح المعلى من الإعجاب و الإشادة و التنويه كونه سوى فيه بين نصيب المعنى و حظ اللفظ، فلا تجده أصاب المعاني و فرط في الألفاظ و لا تلفيه قد أبدع في رصف الكلمات و قصر في انتقاء المضامين. و هذه هي العبقرية الكبرى و الألمعية الفذة، و ما من شك في أن كتاباته كانت و لا تزال تشعر القارئ دائما بسحر لسان الضاد و ثراء معجمه و رقي أساليبه. و من هنا ظهرت جليا قوة الكلمة و إبداعها في استخدام الرافعي لها، فتحس و أنت تقرأ له أنك تسبح في مد عال من أمواج قلمه السيال و الذي لا يطاوله شيئ إلا ذلك الأنين المتوجع أو الإحساس العاصف كهبوب الرياح التي تدفع أمواج المد عاليا.....!. و إنه لمن بديه القول أن نقول إن صنفا غير قليل من الكتاب و المنشئين يكتبون لأجل أن يجمعوا حول أعمالهم أكبر عدد من القراء و المعجبين قصدا منهم إلى تحصيل الشهرة و الصيت، في حين أنك لم أمعنت النظر جيدا في أدب الرافعي نثرا و شعرا لوقفت على حقيقة أن الرجل كان يلقي إنتاجه إلقاء العارف الواثق بأن كتاباته لها قوم مخصوصون بها و لا يمكن أن تكون مشاعا للجميع، و مكمن السر في هذه الأحجية أن الأحاسيس المترجمة و المعاني الغامضة في نثرياته و مقالاته لا تخلو من الإبهام اللفظي و السرد الفلسفي و هذا عائد أساسا إلى غوصه في غياهب النوازع و الخفايا و دهاليز العواطف البشرية. -- و الحق أنني لن أضيف جديدا في حديثي هنا عن وحي القلم، فهذا الكتاب الحي و العابر للأجيال صار نارا على علم و شهرته قد فاقت في عصرنا هذا شهرة الكثير من الكتب و المؤلفات التي حبرت في زمنه، و قد لقي قبولا واسعا من طرف الكتاب و المثقفين و كتبت عنه و عن صاحبه العشرات من المقالات و الدراسات و تلقفته الأيدي و اقتنته المكتبات، و صارت بعض الكلمات من نصوصه تجري مجرى الأمثال و الحكم في الإقتباسات و الإستشهادات. و هو في أصله تجميع لمقالات الرافعي التي كان يكتبها في الصحف ( كمجلة الرسالة ) و قد بدأ في كتابتها و نشرها في عام 1934 و ذلك خلال كل أسبوع حيث كان يضعها في شكل قصص قصيرة و سرديات مختلفة و متنوعة المحتويات و المضامين، ليبوح فيها بما يعتمل في صدره من تجاربه الشخصية و مشاهداته المجتمعية و عواطفه الخاصة و تفاعلاته النفسية مع الجديد و القديم مما جرى و حدث أيام النهضة الأدبية و ما بعدها و التي كان هو أحد الذين شيدوا أساسها و رفعوا سورها عاليا.( و قد احتوى الجزء الأول من كتابه على أربعين مقالة، و الجزء الثاني على ست و أربعين مقالة ، و الجزء الثالث على خمس و أربعين مقالة ) و هو في نفس الوقت يعتبر واحدا من أهم كتبه و أثمنها على الإطلاق، فقد احتوى على عصير غني من ثمار البلاغة و البيان و الفصاحة و اللسانة التي استخدمها باحترافية بالغة في طرح كم لا بأس به من المواضيع الإجتماعية و في إنشاء تلك القصص القصيرة التي دمج فيها عامل الخيال في الوصف بعامل الواقعية في المضمون، بالإضافة إلى تلك المقالات الأخرى و التي أدار فيها الحوار على ألسنة بعض الشخصيات التاريخية و قد وفق في تطويع التاريخ بشكل ملائم لمناقشة القضايا الخاصة بالمجتمع و أوضاعه بشكل عام. فضلا عن ذلك التناول المفعم بحس الحياة الذي خص به الرافعي مواضيع مقالاته هذه فأجاد الوصف و أخلص النصيحة و أبلى بلاءا حسنا في النقد البناء و الإصلاح القويم و التوجيه السديد و الإرشاد المستقيم، فقد سعى دائما للنهوض باللغة و استنهاض همم الأجيال لفهمها و دراستها، و صرف الأنظار للعناية بها و تطويرها، فقد كانت بالنسبة إليه تمثل الدين و الهوية أولا و الإنتماء ثانيا و الفن ثالثا و الصناعة آخرا، و هو في خلال كل ذلك يضرب المثل بنفسه أولا في إعطاء العربية قيمتها العظيمة، و قد تجلى هذا في سعيه الدائم للبحث عن التعبير الجميل و العبارة المنتقاة و اللفظ الجزل و الكلمة النادرة، فيضيفها إلى قاموسه المجيد و معجمه الوافي، لتكون له عونا على ما ينشئ من الأدب الجديد الذي يريد أن يحتذيه أدباء العربية ( على حد تعبير تلميذه محمد سعيد العريان )، و من هنا يتبين لنا أن خصائص أدب الرافعي بأسرها قد ظهرت بشكل واضح جدا في ( وحي القلم ) دون غيره من كتبه الأخرى، و هذا بسبب تنوع المواضيع التي طرقها قلمه في هذا الكتاب و كذا بسبب اختلاف نقاط العرض النثري و تباين أشكال التناول و الطرح و هو ما جعلنا نقف بكل وضوح و صراحة على فسيفساء الأدب الرافعي كاملة غير منقوصة . كما كان مغرما بالجمال متيما بالفن و لذا كان من الطبيعي أن تعلو لغته تلك اللمسة الفنية المرتعشة و التي ميزت كلماته الرقيقة خصوصا عند حديثه عن فلسفة الحب و الجمال و عواطف الشغف و لواعج الكلف و ارتسامات العشق و تجليات الصبابة ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Aug 15, 2021
|
Hardcover
| |||||||||||||||
B0DTVLP4D2
| 4.12
| 17
| unknown
| unknown
|
it was amazing
|
-- صدر الأصفهاني هذا الجزء بترجمة متوسطة لنابغة بني جعدة و أخباره و هو صحابي شاعر و من المعمرين و قد عاصر الجاهلية و الإسلام معا، و قد قيل في سبب تلق
-- صدر الأصفهاني هذا الجزء بترجمة متوسطة لنابغة بني جعدة و أخباره و هو صحابي شاعر و من المعمرين و قد عاصر الجاهلية و الإسلام معا، و قد قيل في سبب تلقيبه بالنابغة أنه مكث عقودا لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله، و قيل أيضا : إنه كان ينظم الشعر في الجاهلية ثم أرتج عليه فيه ، ليعود إلى النبوغ فيه في الإسلام. ثم انتقل الأصفهاني إلى سرد شيئ من أخبار حرب البسوس الشهيرة بين بكر و تغلب و التي دامت أربعين سنة بسبب قتل جساس بن مرة البكري لكليب بن ربيعة التغلبي، ثم إلى أخبار الهذلي المغني و شيئ من قصصه و أخبار غنائه، إلى ترجمة شاعر قريش و الزبيريين عبيد الله بن قيس الرقيات الذي صار مخصوصا ببني مروان بعد أن دالت لهم الدولة و السلطان، ثم إلى حياة المغني مالك بن أبي السمح و أخبار مجالس غنائه صدر الدولة العباسية، ثم إلى نتف من أخبار النهدي و الوليد بن عقبة بن أبي معيط، إلى أن نصل إلى تلك الترجمة الحافلة التي خص بها المؤلف إبراهيم الموصلي أكبر موسيقار عربي في عصره و هي أكبر ترجمة وصلتنا للرجل و فيها قصصه مع الغناء و التلحين و التغني بالشعر القديم و مجالس الأنس و السمر و غيرها، و فيها ما يمتع القلوب و يطرب الأسماع من الحكايا و المسامرات و غير ذلك، تليها ترجمة حافلة أخرى لابنه إسحاق بن إبراهيم الموصلي و الذي خلفه على عرش الفن و الغناء و فاقه فيه، و كانت له وجاهة عظيمة عند خلفاء بني العباس و بلغ من شهرته و إتقانه لفن الغناء أن أورد له الأصفهاني قصصا عجيبة في المناظرات الفنية بينه و بين غيره من المغنين بحيث أنه كان يصحح آداءهم للأغاني و يتحداهم جميعا ثم يهزمهم في صناعة الألحان و الترنم بالأغاني و الضرب على الآلات الموسيقية و خصوصا آلة العود. -- كان هذا الجزء حافلا بالصور الحية للجوانب الثقافية و الفنية و الإجتماعية من حياة المجتمعات أيام بني أمية و بني العباس، بالإضافة إلى الجم الكثير من أخبار الحروب و بعض أيام العرب في الجاهلية و الشعر السياسي و مجالس الفن و مجامع الغناء التي كانت تعقد في قصور الخلفاء و الأمراء، و الملاحظ هنا أن الغناء العربي قد بلغ أوجه في أيام العباسيين على الرغم من أن خلفاء بني أمية كانوا يكرمون المغنين و يرفعون من شأنهم أيام كانوا ملوكا على دولة الإسلام، إلا أن بني العباس فاقوهم في ذلك و أربوا عليهم كثيرا. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Aug 02, 2021
|
Unknown Binding
| |||||||||||||||||
B0DN1RQ15W
| 3.17
| 24
| unknown
| 2013
|
really liked it
|
-- في اللحظات الأخيرة من الحياة تظهر الصور الحقيقية و الإرتسامات العفوية للإنسان الذي عاش عليها، و ذلك على مبدأ القول المأثور : يموت الإنسان على ما ع
-- في اللحظات الأخيرة من الحياة تظهر الصور الحقيقية و الإرتسامات العفوية للإنسان الذي عاش عليها، و ذلك على مبدأ القول المأثور : يموت الإنسان على ما عاش عليه، و يبعث على ما مات عليه . و تظهر هذه الصورة جلية في الكلمات التي يرددها و الأحكام التي يطلقها و المشاهد التي تمتثل فيها بعض الجوانب المعينة من شخصيته ، و كذا في الأحوال التي يعيشها في تلك اللحظات التي لا يتصورها العقل و لا تتمثلها المخيلة....!. و ما أصدق القول في تلك النهايات ، و ما أخلص شعور الفؤاد في تلك اللحظات، عندما يشعر الإنسان بأنه مفارق لهذه الحياة بكل ما فيها من مُغريات و زخارف و ما له فيها من ذكريات و مذكرات، فينطلق لسانه بما لو منح عمرا آخر لما باح به لأحد. -- وقع اختيار مؤلف هذا الكتاب على خمسة من كبار الأدباء و أعلام الثقافة و الفن ممن مروا بتجربة الموت و عانوا في أواخر حياتهم من اللوعة و الأسى بسبب الأمراض و الآلام و علموا أن النهاية قد اقتربت فحاول كلٌّ منهم أن يعيشها بطريقته الخاصة ثم نقلت إلينا تجاربهم في كتب المذكرات الشخصية و السير الذاتية و في بعض الكتب التي كتبها عنهم أشخاص من المقربين إليهم بعامل القرابة أو الصداقة أو الزمالة أو غير ذلك، و قراءتنا لهذا الكتاب و أمثاله يجعلنا نعيش معهم تلك اللحظات الخفية التي لن نطلع عليها في أي كتاب آخر أبدا، و هذا بحكم أن حياة الإنسان متسلسلة و مرتبطة بعضها ببعض و لا تنفك عن ارتباطها بحال من الأحوال، بما يمكن القول أن نهاياتها الأخيرة لتصور للمراقبين لها عصير سيرة الإنسان و خلاصة مواقفه و أفكاره جميعا. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jul 27, 2021
|
Unknown Binding
| |||||||||||||||||
4.00
| 20
| Jan 01, 2010
| 2010
|
really liked it
|
يعتبر هذا الجزء من أمتع أجزاء هذا الكتاب الفخم، حيث حوى بين طياته مجموعة من السير الأدبية الممتعة و من أهمها ترجمة حافلة لشاعر الورع و فيلسوف الزهد أب
يعتبر هذا الجزء من أمتع أجزاء هذا الكتاب الفخم، حيث حوى بين طياته مجموعة من السير الأدبية الممتعة و من أهمها ترجمة حافلة لشاعر الورع و فيلسوف الزهد أبي العتاهية و التي لو طبعت لوحدها لجاءت في جزء كبير ، و قد أثنى عليه أبو الفرج قائلا : كان غزير البحر، لطيف المعاني، سهل الألفاظ، كثير الإفتنان، قليل التكلف، و هو من الشعراء الوصافين لأصداء عصرهم و ما كان يضطرب فيه من الأحداث و الوقائع . ثم عطف المؤلف بعد ذلك على ترجمة أخرى لحكيم الجاهلية و سري ثقيف ( أمية بن أبي الصلت ) و الذي كان متألها عابدا و منصرفا إلى نظم الشعر المحشي بالحكم و الزهد و ذكر الله و الدعوة إلى توحيده و الإيمان بالجنة و النار و كتب الأنبياء ( عليهم الصلاة و السلام ) و هذا على الرغم من رفض الكثير من اللغويين الإستشهاد بشعره من أجل أنه كان يستعمل في قصائده الكلمات الغريبة و الغامضة . ثم إلى أخبار شاعر الرسول عليه الصلاة و السلام ( حسان بن ثابت رضي الله عنه ) و ترجمة وقائع حياته في الجاهلية و الإسلام كونه عاصرهما معا، و كان يذكر بإصابة القول و جودة النظم و براعة المعاني حتى أجمعت العرب على أنه أشعر أهل المدر ( أهل القرى و الأمصار ) ، و من مناقبه العظيمة إعانة جبريل عليه السلام له في مديح النبي صلى الله عليه وسلم و هجاء أعداء الدعوة الإسلامية من شعراء المشركين و اليهود، فقد روي أن النبي صل ىالله عليه وسلم قال له عن الكفار ( أهجهم و جبريل معك! ) و له في ذلك أخبار مستفيضة و قصص كثيرة. و من تراجم هؤلاء يعرج المؤلف على أخبار شعراء آخرين كان لشعرهم دور كبير في تطور حركة النظم و تقدمها كالأحوص بن محمد الأنصاري و شعره و أخباره مع الأمراء و وفوده على خلفاء بني أمية و كثرة هجائه لأعدائه الذي جر عليه محنا و بلاوي كثيرة ، و طريح بن إسماعيل الثقفي الذي نشأ في دولة بني أمية و استفرغ شعره في مديح الخليفة الوليد بن يزيد ( و له معه أخبار كثيرة جدا ) ثم أدرك دولة بني العباس ( مخضرم ) فخشي على نفسه منهم خصوصا بعد أن وبخه الخليفة المنصور على غلوه في مدح الخليفة الوليد ! فما كان منه إلى أن سل سخيمة أبي جعفر بأن راوغه و اعتذر فأحسن الإعتذار ، و إبراهيم بن هرمة الذي يعد واحدا من أبرع الشعراء المخضرمين و أوفرهم حظا من الأدب و النسب ( على الرغم من إيراد المؤلف لبعض الروايات التي تشكك في فهرية الرجل و قرشيته! ) و قد بلغ من قوة التمكن في الشعر و القصيد مبلغا جعل الأصمعي يذكره ضمن خمسة ختم الشعر بهم! ، و إسماعيل بن يسار الذي نشأ منقطعا إلى آل الزبير مداحا لهم ثم اتصل بعبد الملك بن مروان و اختص بمدحه و مدح أبناءه الذين أكرموه بدورهم و أحسنوا جوائزه و وصلوه بالأموال و العطايا ، على أن المؤلف ساق بعض الروايات التي تثبت شعوبيته و تعصبه للنزعة العرقية و تفضيله للعجم على غيرهم. -- و هذا إلى جانب ما بثه صاحب الكتاب في طواياه من تلك التراجم المبعثرة لطائفة من المغنين و المطربين الذين امتازوا بحسن الصوت و إجادة الطرب و متانة الفن و براعة الغناء و منهم : طويس مولى بني مخزوم الذي اشتهر بإجادته للغناء و براعته فيه، و كذا الدلال مولى بني فهر الذي كان أهل المدينة يفخرون به و بفنه و يصفون غناءه بالبديع و يذهبون في مديحه كل مذهب! ، و كذا ( ابن مشعب مولى ثقيف ) الذي اعتبر أحسن الناس غناء حتى قيل إن عامة الغناء الذي ينسب إلى أهل مكة إنما هو في الحقيقة من غنائه هو! ، و يضاف إليهم أبو سعيد مولى فائد الذي جمع بين نظم الشعر و غنائه و كان شاعرا مجيدا و مغنيا بارعا و ناسكا فاضلا ، و من ذكر هؤلاء إلى ذكر بعض أخبار المغنيتين المحسنتين فريدة الكبرى و الصغرى ، ثم إلى ترجمة فليح بن أبي العوراء صاحب المحل الكبير و المنزل الرفيع في صنعة الغناء و هو أحد المغنين الثلاثة الذين اختاروا المائة صوت ( أغنية ) للخليفة هارون الرشيد ( و المائة صوت هي التي قامت عليها فكرة تأليف كتاب الأغاني كما هو معروف من قصة كتابته )، و كذا أخبار يونس الكاتب و هو المعتبر عند أهل الغناء على أنه التلميذ النجيب للمغني الشهير ( معبد بن وهب مولى بني مخزوم ) و الذي وصفه الأصفهاني بأنه :صاحب الغناء الحسن و الصنعة الكثيرة و الشعر الجيد. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jul 22, 2021
|
Paperback
| ||||||||||||||||||
B0DMXW9JC5
| 4.39
| 18
| unknown
| unknown
|
really liked it
|
الكتاب ممتع جدا و له وقع السحر بلغته الجميلة و أسلوبه السلس و معانيه الفصيحة، مع ما فيه من الفوائد و المعلومات التي أوقفتني على الكثير مما سرني العلم
الكتاب ممتع جدا و له وقع السحر بلغته الجميلة و أسلوبه السلس و معانيه الفصيحة، مع ما فيه من الفوائد و المعلومات التي أوقفتني على الكثير مما سرني العلم به و ساءني جهلي به مسبقا، و قد نالني من المتعة و اللذة مالم أشعر معه بأي إحساس بمرور الوقت حتى شارفت على نهاية الكتاب و في النفس ما فيها من الأسف على انقضاء الرحلة بصحبته بعد تقليب آخر صفحاته. -- إن كتب الأمثال العربية و مدونات حكم الضاد الفصيحة و التي تمثل هذا الزخم الثقافي و الكم المعرفي الذي يغني خزانة أدبنا و يثري قيمة تراثنا ، لا نستطيع إلا أن نتلقفه بروح الإحترام و التقدير لمن دونوه و حفظوه و أدوه إلينا حتى وصلنا حاملا معه عبق أدبنا و روح أمتنا و أصالة حضارتنا. ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jul 19, 2021
|
Hardcover
| |||||||||||||||||
B0DM83FSDD
| 4.07
| 1,431
| 1032
| 1977
|
really liked it
|
-- رسالة الغفران وحي أدبي رفيع ، و نص بياني بديع ، و خيال روائي وسيع ، و منثور ثجاج سلكه مؤلفه في أرض الأدب كالينابيع . -- كان هدفي من وراء هذه القراءة -- رسالة الغفران وحي أدبي رفيع ، و نص بياني بديع ، و خيال روائي وسيع ، و منثور ثجاج سلكه مؤلفه في أرض الأدب كالينابيع . -- كان هدفي من وراء هذه القراءة التماس المتعة الأدبية ، و تذوق لطيف البيان ، و تغذية الذهن بلغة الكتاب المعجمية و الغنية ، و أيضا مشاركة المعري في أحاسيسه التي استشعرها من الحالات العاطفية التي انتابته و هو يمر ( في شخص صاحبه ابن القارح ) من الجنة إلى الجحيم و من الثانية إلى الأولى ، و هو يكلم سكان هذه و تلك ( على لسان الأخير طبع ) ! . و أيضا من أجل التعرف عن قرب على سمات المنهج النقدي عند شيخ المعرة لكونه وجه سهامه إلى نفر من الشعراء الذين درات حول آثارهم رحى معركة النقد في تلك الرحلة الممتعة . و عموما فإن الكتاب يعد واحدا من أشهر الآثار الأدبية و أغناها مضمونا و أرقاها لغة و بيانا ، و يعتبره أغلب النقاد و أهل الأدب من أعظم كتب التراث النقدي العربي . و هو عبارة عن رسالة نثرية في صورة رسالة إخوانية من الرسائل التي تجري مجرى الكتب الكبيرة الحجم ( أقرب ما تكون إلى رواية خيالية ) ، و فيها طرائف أدبية و مقاييس نقدية و لغوية و فنية ، تدلّ على عمق خيال الكاتب ، و سعة ثقافته و قوة لغته . و قد نالت رسالة الغفران شهرة كبيرة ، و عُدّت رائدة ، و معلما في درب النّثر العربي . و قدكتبها المعري ردا على رسالة صديقه ابن القارح التي كتبها إليه يذكر فيها شوقه إلى لقائه و يسأله عن عدة مسائل تتعلق بالأدب و الفلسفة و الزندقة و التصوف و التاريخ و الدين و النحو و غير ذلك ، فما كان من شيخ المعرة إلا أن أجابه بهذه الرسالة التي تخيل فيها صاحبه هذا و قد ساقته الأقدار الإلهية إلى رحلة سماوية داخل عالم العيشة الراضية و النار الهاوية ( الجنة و الجحيم ) . حيث يبدأ سفريته هذه بركوبه لجمل كريم من جمال الجنة خلق من ياقوت و در ليسير به في الجنة طولا و عرضا و يرى ما فيها من سعادة و نعيم ! و منها يقصد إلى زيارة الجحيم ليطلع على حال أهلها في الأغلال و السلاسل و الآلام و العذابات . و هو في كل هذا يمر بعدد كبير من الشعراء و أهل الأدب فيحاورهم و يسألهم و يبادلونه الحديث و يجيبون عن تساؤلاته . و يقال إن الشاعر الإيطالي دانتي أليغري أخذ فكرة ( الكوميديا الإلهية ) من رسالة الغفران ، و سنعود لبحث هذا لاحقا . -- أول ما شدني في هذا النص البديع جزالة الأسلوب و فصاحة التعابير و فخامة الكلمات و قوة المؤلف المعجمية ، و ذلك يتجلى مبدئيا في كثرة استشهاداته من كلام العرب و خصوصا من الشعر الجاهلي و الإسلامي إلى جانب إشرافه على شرح الغامض من المفردات و المستعصي من الألفاظ في فقرات الكتاب ، كما أن روافد أبي العلاء في رسالته ظهرت في عدة مصادر منها : الأساطير الجاهلية القديمة عن الجن و الغيلان و قصص الحيوان ، بالإضافة إلى الآيات القرآنية الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة ، و قصص الإسراء و المعراج ، و أخبار الجنة و النار المأخوذة من السرديات الحديثية الإسلامية ، و بعض الحكايات الأخرى التي تقود القارئ بحكم الظن اليقيني إلى أن شيخ المعرة قد استفاد من قصص كليلة و دمنة و بعض كتب الجاحظ التي حفلت بشعر العرب عن الجن و الحيوان . و قد لمست بنفسي في هذه الرسالة جانبا نفسيا يتعلق بمأساة أبي العلاء ! حيث أن الرجل بتخيله لهذه الرحلة التي قادته إلى عالمي الجحيم و النعيم السماوي ، قد حاول بذلك( حسب رأيي ) أن يخفف عن نفسه جحيم الدنيا الذي عاشه و قاسى من خلاله طويلا ، بدءا بمأساة العمى الذي ابتلي به منذ أن كان صغيرا إلى فقدان والديه ، و فشله في الإقامة بعاصمة الخلافة ( بغداد ) بعد رحلة علمية قادته إليها ، بالإضافة إلى فقره و قلة ذات يده ، و بتأثير هذه الضربات النفسية الموجعة اعتزل الرجل حياة الناس و أقبل على عزلة طويلة يراها الرائي جنة و لكنها ليست كجنان الدنيا ! بل هي جنة السجين المكبوت و الضرير المحروم ، و هي جنة حفلت بمجالس الأدباء ، و رفعت للأدب رايته العالية و جعلته عند شيخ المعرة وسيلة للتسلية الشريفة و للشفاعة و الغفران .� -- توجد في ثنايا الرسالة لمسة سخرية حادة من بعض المعتقدات و الأفكار ، و حملة قوية نوعا ما على شيوع بعض الخصال الإجتماعية السيئة كالنفاق و الرياء ، و فيها حزن بطعم الألم على غفلة الناس و حمقهم ، و هذا ما دفع بعض الدارسين إلى اتهام المؤلف بالزندقة و الإلحاد ، و الحقيقة أن هؤلاء يتناسون أن الرجل صور مجتمعه كما هو دون أن يبالغ أو يموه ، عارضا المشاكل و التناقضات التي عاشها أناس عصره في صورة نثرية ظاهرها الإمتاع الأدبي و باطنها النقد الموجه للإصلاح الإجتماعي . إلى درجة أن أحد الباحثين جزم قائلا : ( إن رسالة الغفران صورة العالم الإسلامي في القرنين الرابع و الخامس الهجريين ، بكل ما فيهما من أحداث و تناقضات ) . -- كان أبو العلاء في رسالة الغفران ناقد أدب و لغة و تاريخ و اجتماع و دين ، و نقده ممزوج بالسخرية و الهزء ، و تعد المحاوارات مع الشعراء و الأدباء و اللغويين التي تخيلها المعري في العالم الآخر و تفنن في تصويرها إنشائيا ( بأسلوب ممتع انطوى على الظرف و الرشاقة و الفكاهة و التعقيد الشديد ) مصدرا مهماً من مصادر النقد الأدبي القديم و التي تضمنت جملة من المباحث النقدية المهمة و الأساسية . و لهذا كله ارتقى شيخ المعرة من حيث كونه وضع الأسس و المقومات اللازمة لقيام نقد فني قوي و معتمد على مجموعة من الأبعاد العلمية و المرتكزات الذاتية ( و خصوصا في نقد الشعر ) إلى المصاف العالي في زمن كثر فيه النقاد الجهابذة . -- أما فيما يخص الزوبعة التي أثيرت حول تأثير رسالته هذه في الآداب العالمية ، فقد اختلفت الآراء و تضاربت المزاعم كل التضارب حول الأصول الأدبية العربية للكوميديا الإلهية ( للأديب الإيطالي دانتي أليجري ) ، و علاقتها برسالة الغفران للمعري ! فمن قائل إن رسالة المعري كانت موحية لنابغة إيطاليا في ملحمته التي كتبها متأسيا فيها بخيال شيخ المعرة ، و قائل إن دانتي لم يكن له باع في الإبداع و إنما هو محض مقلد و سارق لأصل الموضوع من المعري الذي هو المبتكر الحقيقي لهذا النوع من الرسائل ، أما البعض الآخر فقد اكتفى بالقول أن الأديب الإيطالي اقتبس من المعري فكرة الإنتقال إلى العالم الآخر فقط ثم صمم ملحمته حسب ذائقته الخاصة ، في حين نذر البعض أبحاثهم في هذا الصدد للتأكيد على أن الكوميديا الإلهية متأثرة تأثرا ظاهرا للعيان بما لا يدع مجالا للشكبالتراث الإسلامي في كثير من مصادرها . و ليس من الغريب القول بأن العلاقات بين الشرق و الغرب ترجع إلى أزمنة قديمة تمتدّ طويلا عبر غياهب التاريخ الكبرى ، و في العصور الإسلامية تعززت الإتصالات و تعددت الطرق التي عبرت عليها حضارة المسلمين في طريقها إلى أوروبا ، و التي من أهمها : الحروب الصليبية ، و الأندلس ، و جزيرتا كريت و صقلية ، و حركات الترجمة و الرحلات . و تعد هذه المعابر من أبرز السبل التي نقلت تيارات التأثير المتبادل بين الشرق و الغرب . و قد عز على أبناء الثقافة الأوروبية أن يعترفوا بالدين للثقافة العربية الإسلامية في مرحلة عطائها الخصب ، حين اعترف المستشرق الإسباني الكبير آثين بالاثيوس بما يحفل به التراث العربي الإسلامي من صور الدار الآخرة و الجنة و الجحيم و أدب المعراج و قصص الإسراء ، يكمن وراء أنضج و أقوى أثر أوروبي في العصور الوسطى ، و هي ملحمة دانتي الخالدة ( الكوميديا الإلهية ) . و من أشهر الأدباء و المستشرقين الغربيين الذين أكدوا تأثر دانتي في ملحمته بالتراث الشرقي الإسلامي : المستشرق إ . بلوشيه في كتابه ( المصادر الشرقية للكوميديا الإلهية ) ، و المستشرق المذكور ( ميغيل آثين بلاثيوس ) في كتابه الشهير ( فكرة الحشر و النشر الإسلامية في الكوميديا الإلهية ) ، كما ضم المستشرق الإيطالي فرانسيسكو كابريلي صوته إلى صوت سابقيه في المناقشات التي درات بين الباحثين حول هذه القضية ، و كذلك المستشرق الإيطالي تشيرولي في كتابه ( المعراج و مسألة المصادر العربية ـ الإسبانية للكوميديا الالهية ) ، إلى جانب نفر كبير من المثقفين العرب الذين درسوا هذه المسألة من جميع جوانبها و خرجوا بنفس ما خرج به نظراؤهم من الغربيين ، و منهم على سبيل المثال لا الحصر : عمر فروخ و جلال مظهر و محمد غنيمي هلال و عبد الرحمن بدوي و لويس عوض التي تساءل حول اعتماد دانتي على قصة المعراج أم على رسالة الغفران ! . غير أن تقييم حجم ما أخذه دانتي من رسالة المعري لا يزال قضية خلافية تستعصي على الإجماع و تبدو مختلة النتائج ، و لا تزال بحاجة إلى دراسات أخرى تقوم على أساس التماس مواطن الشبه و وجوه الاختلاف بين الأثرين ، بالإعتماد على تفحص النصين من الداخل . أما عن تأثير رسالة الغفران و قصص الإسراء و المعراج في الأدب الغربي فقد كشف عنه و أكده الغربيون أنفسهم ، و لا طائل من وراء إنكار ذلك إلا التعصب و التزمت المذمومان . -- أنصح عشاق الأدب بقراءة هذه الرسالة الفخمة كونها تعد قطعة نفيسة من فسيفساء الأدب النثري العريق ، و التي تقوي الحس الأدبي و تنمي المستوى اللغوي و ترتقي بالذوق الجمالي لقارئيها . كما أننا سنجد أنفسنا أثناء قراءتها بصدد استعارة جزء من ماضينا لنرمم به بعضا من حاضرنا . -- كان تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ ) لهذه الرسالة عملا علميا متقنا و موفقا جدا ، من حيث ضبط النص و شرح الغريب و تصويب الأغلاط و تصحيح التصحيفات و عزو الأبيات و الشواهد الشعرية ، و لم تترك شاردة و لا واردة إلا و تقصت مصدرها و تتبعت مأخذها ، زيادة على المقدمة الباذخة التي مهدت بها لعملها ، بالإضافة إلى الفهارس الفنية المطولة و التي تعتبر المفاتيح الحقيقية لجميع الكتب و خصوصا منها كتب المصادر و التراث . -- و قد كان صرف النظر هنا إلى تأثير هذه الرسالة البليغة و غيرها من ذخائر الإسلام في أدب أوربا و نهضتها داعيا ضروريا إلى ترك البكاء على أمجاد الماضي و عطاءات الأولين ! و هو ما يستدعي من المفكرين و المثقفين وجوب استنهاض الهمم و رفع التحديات لأجل ضمان استمرارية الإبداع و مواصلة العطاء . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jul 01, 2021
|
Hardcover
| |||||||||||||||||
B0DLT657B9
| 4.15
| 308
| unknown
| 1988
|
really liked it
|
-- بعد تلك السياحة التاريخية الممتعة التي ظفرنا فيها بروح الشغف و التشويق ، و أصبنا فيها ما لذ و طاب من كل ما هو مفيد و نفيس ، حيث سار بنا ويل ديوران
-- بعد تلك السياحة التاريخية الممتعة التي ظفرنا فيها بروح الشغف و التشويق ، و أصبنا فيها ما لذ و طاب من كل ما هو مفيد و نفيس ، حيث سار بنا ويل ديورانت سابقا من خلال الجزء الأول من ( قصة الحضارة ) و طاف بنا في أغوار التاريخ المجهولة ، و قام بتعريفنا على البدايات الأولى للحضارة الإنسانية بصفة عامة و وجيزة ، و هي و إن كانت مقدماتها و نتائجها مبنية في مجملها على الظنيات و التخمينات كما يصرح المؤلف بذلك و بكل صراحة و موضوعية ! إلا أن ذلك في حقيقته يعتبر هو كل ما لدينا من تصور حول تاريخ الخطوات الأولية للحضارة البشرية و بدايات الإنسان الأولى على مسرح الأرض حتى الآن . -- يواصل ويل ديورانت في هذا الجزء السير على نفس السياق في تفصيل أحوال الحضارات و تواريخ الأجناس البشرية و التطورات العلمية و الصناعية التي كانت وليدة الإبداع و الإختراع اللذين لا يزالان يمثلان القوة الدافعة في نفس الإنسان لطلب الرقي و تحصيل السمو الذي يرتقي بحضارته من حضيض البدائية إلى سلم التحضر و المدنية ، و قد خصص هذا الجزء بالتحديد للحديث عن حضارات سومر و مصر و بابل و آشور و تاريخ اليهود و بلاد فارس . و لم يكن اختياره لهذه الحضارات اعتباطيا ! بل لأنه كان يعتقد بأسبقيتها التاريخية في ميادين العلوم و المعارف و الصناعات ( كما ذكرنا ذلك في مراجعة الجزء الأول من الكتاب ) و أن البشرية عموما و أوربا خصوصا تدين للشعوب الشرقية بالكثير في تحضرها و تقدمها . -- قسم المؤلف هذا الجزء إلى سبعة أبواب و وضع تحتها مجموعة من الفصول ( على عادته ) ناقش فيها الجوانب السياسية و صور الحياة الإجتماعية و أحوال الإقتصاد و القانون و العلوم و الآداب و الفن و الصناعة و تواريخ الحروب و الصراعات و آفات التدهور و السقوط و الإنحطاط لأهم الحضارات الشرقية التي اعتبرها الأساس التاريخي الذي قامت عليه نهضة العالم و أوربا ، حيث نشأت في مهدها الحرف و الصناعات و الشرائع و الحكومات و علوم الرياضة و الطب و الهندسة و الفلك و التقويم ، و عرفت فيها الحقن الشرجية و طرق الصرف الصحي ، و ألفت في زمنها الكتب و شيدت المكتبات و المدارس ، و نشأت في ظلها الآداب و الموسيقى و النحت و هندسة البناء و غير ذلك من المعارف التي استمدت منها الإنسانية تحضرها على مدى القرون . -- و أول هذه المدنيات القديمة التي استهل بها المؤلف بداية الجزء الأول هي الحضارة السومرية العريقة التي قام شعراؤها بتدوين تاريخها القديم مسطرا في تلك الحكايا الأسطورية الجميلة التي تتضمن قصصا عن بدايات الخلق و عن جنة بدائية و عن طوفان مروع غمر هذه الجنة و خربها عقابا لأهلها على ذنب ارتكبه أحد ملوكهم الأقدمين . و هنا يلفت ديورانت انتباهنا إلى ما جاء في تلك السجلات القديمة المكونة من ألواح الطين التي كان الكهنة يحتفظون بها و التي وجدت في خرائب أور عن قصة دقيقة عن قيام ملوك المدائن و تتويجهم و انتصاراتهم و جنائزهم الفخمة في مدن : أور و لكش و أرك . و كانت هذه المدن محافظة على استقلالها الذاتي إلى أن ازدهرت تجارتها و عظمت ثروتها فاستحال عليها عندئذ أن تظل منفصلة عن بعضها ، فنشأت منها جميعا إمبراطوريات استطاعت فيها شخصيات عظيمة أن توحد المدن و الأقاليم ، و أن تؤلف من كل ذلك وحدة سياسية و اقتصادية . و من الجدير ذكره هنا أن مجتمعها كان مجتمعا دينيا كهنوتيا و كان الملك فيها هو رئيس الكهنة إلى جانب أمراء الإقطاع و كبار التجار . و قد اعتبر ديورانت أن الكتابة ( بالخط المسماري ) تعد أروع ما خلفه السومريون في الميدان الثقافي ، و قد كانت اللغة عندهم صالحة جدا للتعبير عن الأفكار المعقدة في التجارة و الشعر و الدين ، كما لم ينس المؤلف أن يشير و لو بشيئ من الإيجاز إلى أثر هذه الشعوب الآسيوية في الحضارة المصرية القديمة في الدين و الأساطير و الكتابة و صناعة الفخار و نحت التماثيل و غير ذلك . و قد استمرت مدن هذه الإمبراطورية تخرج العشرات من الصناع و الشعراء و الفنانين و الحكماء و رجال الدين ، و انتقلت حضارتها على طول مجرى دجلة و الفرات إلى بلاد بابل و آشور و كانت هي التراث الأول لحضارة الجزيرة كلها . و في حوالي 45 صفحة لخص المؤلف التاريخ الكامل لهذه المدائن و شتى التطورات التي سارت في خلالها عظمة حضارتها إلى أن أفلت و انزاحت عن مسار التاريخ العام . -- و في الباب الثاني يتناول المؤلف بشيئ من التوسع البسيط حضارة هبة النيل العريقة التي كان لها شأنها و صداها . و من حرارة طيبة و تمثال أبي الهول و أهرامات الجيزة و آثار الأقصر و معابد الكرنك و أخبار الملكة حتشبسوت و مينا و رمسيس الثاني و خفرع و أخناتون و بطليموس و كليوباترا يسير بنا المؤلف على خطى وئيدة ليلخص شيئا من تاريخها المترامي الأطراف ، و هو يلخص عظمة هذه الحضارة في تلك البنايات الضخمة التي لا تزال تذهل الواقفين على عتباتها من الزوار و السياح بقوله ( ألا ما أعظم ما كان يتمتع به أولئك المصريون القدماء من ثراء . و ما أقوى سلطانهم و أعظم حذقهم في طفولة التاريخ نفسها ! ) ، و قد كان النظام السياسي في مصر الفرعونية قائما على حكم الأسر ، حيث تشمل كل أسرة مجموعة من الملوك ( الفراعنة ) ، و كان من هؤلاء الملوك شخصيات قوية كان بعضهم بنائين عظاما شيدوا الأهرامات و القصور و الهياكل و خلفوا بعدهم للفن آيات عجيبة ، و كان منهم الفاتحون الكبار و الغزاة المغامرون الذين توسعوا في الغزو و الفتوحات شرقا و غربا ، و كان منهم كذلك الملوك الضعفاء و ذو الشخصيات الفاشلة . أما عن الحالة الإقتصادية للمصريين القدماء فقد كان أساسها متمثلا في الزراعة التي قاموا بتطويرها و كذا الصناعة التي بلغت مبلغا عظيما عندهم ، و كان فن الهندسة بالخصوص عند المصريين أرقى من كل ما عرفه اليونانيون و الرومان . إلى جانب الرقي الثقافي و تعميم التعليم و بناء المكتبات و خزائن البردي ( التي احتوت على الرسائل الرسمية و الوثائق القانونية و القصص التاريخية و الطلاسم و الترنيمات ) ، و هذا ما أثمرت نتائجه في هذه الحضارة و ظهرت في ازدهار الأدب و الشعر الديني و الهندسة و الرياضة و الفن و الرسم و النحت و التصوير و غير ذلك . و من الجدير ذكره أن كتابة التاريخ في مصر قديمة قدم التاريخ نفسه ! حيث كان المؤرخون الرسميون يصحبون الملوك و يدونون الإنجازات و الوقائع التي حدثت في العصور التي حكموا البلاد فيها . -- و أما الباب الثالث الذي افتتحه المؤلف بقوله : الحضارة كالحياة صراع دائم مع الموت ، فقد عاد فيه مرة أخرى للحديث عن واحدة من أرقى الحضارات العراقية القديمة و هي حضارة بابل العريقة ! و التي يعيد أصول عرقها إلى امتزاج الأكديين و السومريين معا ، فقد انتهت الحروب التي نشأت بينهما بانتصار آكد و تأسيس مدينة بابل لتكون حاضرة أرض الجزيرة السفلى بأجمعها . و من أهم شخصيات هذه الحضارة و التي نوه بها المؤلف كثيرا هي شخصية الملك حمورابي الفاتح المشرع الذي دام حكمه ثلاثا و أربعين سنة . و قد كشف قانونه في أنقاض مدينة السوس سنة 1902 م الذي احتوى على أرقى القوانين و أعظمها استنارة بأقصى العقوبات و أشدها وحشية . كان البابليون كما يقول المؤلف مجتمعا راقيا جدا ، فقد أوتوا نصيبا عظيما من الثروة و النعيم و خلع شعبهم على نفسه كل مظاهر الزينة و الفخامة ، و لهذا لم يعتبروا تاريخيا كمجتمع زراعي ، حيث كان الإشراف على فلاحة الأراضي الزراعية موكولا للمستأجرين و الرقيق ، فقد كان الأهالي من غير الفلاحين القلائل يعتمدون على الصناعة بكثرة ، فكانوا يحفرون الأرض و يستخرجون من باطنها : النحاس و الرصاص و الحديد و الفضة و الذهب ، و إن قطع القرميد التي طليت و صقلت بأعظم عناية و الحجارة البراقة و أدوات البرونز الدقيقة و التطريز الجميل و الأقمشة المزركشة و السجاجيد الوثيرة كلها تخلع عليها ثوبا فنيا من الجمال و الجلال ، كما كانوا ينسجون القطن و الصوف و كانت الأقمشة تصبغ و تطرز بمهارة جعلتها من أثمن السلع التي بالغ كتاب اليونان و الرومان في وصفها و مديحها حتى جعلوا مدينة بابل في موضة الملابس و المدنية كمدينة باريس اليوم ، و لهذا كثرت الصناعات و الحرف و تألفت في عهد حمورابي خصوصا نقابات خاصة بالصناع . و لكن حكومات هذه الحضارة لم تفلح في إقامة نظام اقتصادي في أرض الجزيرة كالذي أقامه الفراعنة في مصر ، حيث كانت التجارة تتعرض للعديد من الأخطار و تفرض عليها شتى الإتاوات . و من الطبيعي ( كما استنتج المؤلف ) أن مجتمعا كهذا لا تدور بخلده فكرة الديموقراطية ، ذلك أن نزعته الإقتصادية تتطلب أن تكون له حكومة ملكية مطلقة تسندها الثروة التجارية أو الإمتيازات الإقطاعية . أما الكتابة البابلية التي حيرت العلماء فظلوا مئات السنين عاجزين عن حل رموزها فقد نشأت كلغة سامية من تطور لغتي سومر و أكد ، و لكنها كانت مجرد وسيلة لتيسير الأعمال التجارية . إلا أن أروع الآثار الأدبية التي خلفتها هذه الحضارة هي ملحمة جلجميش الذائعة الصيت ، و تتألف من طائفة من القصص ضمت بعضها إلى بعض في عهود مختلفة . و على الرغم من كون البابليين مجتمعا تجاريا إلا أنهم توصلوا في الكثير من العلوم و المعارف إلى العديد من الإكتشافات في علوم الرياضة و الفلك و الجغرافية و الطب . -- و وصولا إلى الباب الرابع الذي يستعرض فيه ديورانت موجزا لتاريخ مدينة آشور و هي الأخرى حضارة عراقية كان لها صيت عظيم ذات يوم في غياهب الماضي . و التي يقول عنها المؤلف إن شعبها كان يحيا حياة عسكرية شاقة أرغمهم عليها أعداؤهم المحيطون بهم من كل جانب ، و قد ظلوا مائتي عام يسيطرون بقوتهم الوحشية على بلاد الشرق الأدنى ، إلا أن إمبراطوريتهم هذه سمحت لأقاليمها بالإحتفاظ بحظ موفور من الحكم الذاتي المحلي ، و من شأن هذا النظام المفكك أن يؤدي كل تراخ في سلطته المركزية إلى الثورات الشعبية ، و من أجل هذا كان الجيش أقوى دعامة للدولة و أهم مقوماتها ، و لم تكن الحياة الإقتصادية عند الآشوريين تختلف كثيرا عنها عند البابليين ، و ذلك لأن هؤلاء و أولئك لم يكونوا في كثير من الأحوال سوى أبناء الشمال و أبناء الجنوب من حضارة واحدة ، و كان مجتمعهم مقسما إلى خمس طبقات : الأعيان و رجال الصناعة و الطبقة الثالثة تشمل أرباب المهن و العمال و تشمل الرابعة الأقنان المرتبطين بأرض المزارع الكبرى ، و بما أنهم كانوا مجتمعا حربيا فلم يكن جو هذه الظروف ليزدهر فيه من العلوم إلا علم الحروب ، فقد كان الطب الآشوري هو الطب البابلي لم يزيدوا عليه شيئا ، و لم يكن علم الفلك الآشوري إلا التنجيم البابلي ، و معظم الألواح التي عثر عليها لا يصح ( في رأي المؤلف ) أن نسمى محتواها أدبا فأغلبها سجلات رسمية و أرصاد يقصد بها التنجيم و وصفات طبية و رقى سحرية و ترانيم و صلوات و أنساب للملوك و الآلهة . أما عبقرية الآشوريين الحقيقية فترجع إلى الفن الذي بزوا فيه البابليين كثيرا ، فقد حفزتهم الثروة التي تدفقت عليهم إلى البناء و التشييد ، فصهروا المعادن و برعوا في تشكيلها و صناعتها و بالأخص تصنيع الأثاث الفخم و التصوير بالطلاء و فن النقش ، و قد أقاموا قصورهم و هياكلهم على مساحات واسعة من الأرض و كان أعظم المحاربين الستة من ملوك آشور هم أيضا أعظم البنائين منهم . -- أما عن الباب الخامس الذي استرسل فيه المؤلف في عرض حضارة اليهود و أخبار ممالكهم و حروب ملوكهم ، من أزمان العبودية الطويلة في مصر إلى خروجهم منها مع موسى عليه السلام و التيه الذي قضوا فيه سنوات طوالا ، وصولا إلى استقرارهم في أرض كنعان ( فلسطين ) بعد أن طردوا منها سكانها الأصليين ( العماليق ) ثم استوطنوها و أقاموا عليها مملكتهم التي ازدهرت سياسيا و حضاريا أيام حكم نبيي الله داود و ابنه سليمان عليهما السلام ، ثم إنقسام المملكة الموحدة إلى دولتين متحاربتين : مملكة إفرايم و مملكة يهودا . أما عن أصولهم العرقية الغامضة فقد اكتفى ديورانت في تعريفها بقوله : كل ما نستطيع أن نقوله عن أصل اليهود من ناحية جنسهم هو ذلك القول الغامض ، و هو أنهم ساميون لا يتميزون تميزا واضحا ، و لا يختلفون اختلافا كبيرا عن غيرهم من الساميين سكان آسيا الغربية ، و أنهم لم يوجدوا تاريخهم ، بل تاريخهم هو الذي أوجدهم ! . أما لغتهم فقد مدحها المؤلف قائلا : إنها من أعظم اللغات الطنانة الرنانة على ظهر الأرض ، ألفاظها مليئة بالأنغام الموسيقية رغم ما فيها من حروف حلقية . و قد ظل اليهود زمنا طولا يؤلفون اثني عشر سبطا مستقلين استقلالا واسعا نظامهم و حكمهم لا يقومان على أساس الدولة ، بل على أساس الحكم الأبوي في الأسرة ، إلى أن دخلت الصناعة مدن اليهود فأضعفت سلطان الأسرة و اضمحل هذا النظام الذي كانت تقوم عليه الحياة اليهودية ، و حل محله نظام الدولة الملكية . و يعتبر ديورانت أن بناء الهيكل يعد أعظم الحوادث في تاريخ اليهود ، ذلك أن هذا الهيكل لم يكن مجرد بيت للإله ( يهوه ) بل كان أيضا مركزا روحيا لهم و عاصمة لملكهم و وسيلة لنقل تراثهم و ذكرى لهم . كما رأى المؤلف أن اليهود في ظهورهم على مسرح التاريخ كانوا بدوا رحلا يخافون شياطين الهواء و يعبدون الصخور و الماشية و أرواح الكهوف و الجبال ، و لم يتخلوا قط عن عبادة العجل و الكبش و الحمل ، كما أن آثار عبادة الآلهة الكثيرة البدائية قد بقيت في عبادة الملائكة و القديسين ، ثم ما لبثت فكرة اتخاذ يهوه إله اليهود القومي الأوحد أن تبلورت و أكسبت الديانة اليهودية وحدة و بساطة كانت سببا في انتشالها من فوضى الشرك التي كانت تسود أرض الجزيرة . إلا أن الظاهر من عقيدة اليهود التي عرضها المؤلف هنا أنها عقيدة قومية عنصرية و وثنية محضة ، حيث يصف اليهود إلههم هذا بصفات بشرية كثيرة و مستشنعة جدا ، فهو كثير الكلام و شره و متعطش للدماء و متقلب الأطوار . و في نهاية المطاف يصل بنا المؤلف إلى الحلقة ما قبل الأخيرة في تاريخ بني إسرائيل بعد دمار ممالكهم و إحراق مدنهم بعد أن أعمل فيهم نبوخدنصر سيف القتل و التدمير و ساقهم إلى إمبراطوريته كعبيد ، و هو ما عرف تاريخيا باسم الأسر البابلي ، ثم استقروا لسنين طويلة في أرض بابل يخدمون الشعب البابلي و يرزحون تحت ذل العبودية ، إلى أن غزا كورش ملك الفرس بلاد بابل و سمح لهم بالعودة إلى الأرض التي كانوا قد استوطنوها من قبل . -- و أخيرا نصل إلى الباب السادس و الأخير و الذي أرخ فيه ديورانت لمدنية بلاد فارس و حضارتها و اعتبر عرقها راجعا لمجموعة من الأقوام التي تنتمي للجنس ( الهندوأوربي ) قدمت من شواطئ بحر الخزر قبل ميلاد المسيح بنحو ألف عام . ثم استرسل في عرض حضارة الميديين و مملكتهم و ملوكهم و هم أول من حكم بلاد عيلام ( فارس ) و أقام فيها مدنية زاهرة عمرت طويلا ، و لما كانوا قوما أشداء بسطاء في معيشتهم فقد أخذوا يفلحون أرض السهول و سفوح التلال و عاشوا منها عيشة رخية ، و قد أخذ الفرس لغتهم الحالية عن هؤلاء الميديين كما أخذوا عنهم كذلك الكثير من المعارف الأخرى كطرق البناء و التشييد ، ثم بادت هذه الحضارة في نهاية المطاف لترثها إمبراطورية الفرس الواسعة و التي كانت تضم تحت جناحها حوالي عشرين إمارة من مصر و بلاد الشام و فينيقيا إلى بابل و أرمينيا و أفغانستان ، و يقول المؤلف إن التاريخ لم يسجل قبل هذه الإمبراطورية أن حكومة واحدة حكمت مثل هذه الرقعة الواسعة من البلاد . كما يرى صاحب الكتاب أن الفرس كانوا من أجمل شعوب الشرق الأدنى في الزمن القديم ، فقد وهبتهم حياة الجبال شدة و صلابة ، و لكن ثروتهم الطائلة رققت طباعهم ، كما كانوا محتشمين للغاية و كانوا يعدون من سوء الأدب كشف أي جزء من أجزاء الجسم ما خلا الوجه . و قد كانت حياتهم حياة سياسية و حربية أكثر منها إقتصادية ، عماد ثروتها القوة لا الصناعة ، و من أجل هذا كانت مزعزعة الكيان أشبه ما تكون بجزيرة حاكمة وسط بحر واسع خاضع لسلطانها خضوعا غير قائم على أساس طبيعي ، و كان النظام الإمبراطوري يمسك هذا الكيان بقوة و لا يوجد له شبيه ! . أما حياتهم الدينية فتروي أساطيرهم أن نبيا عظيما ظهر في إيريانا ( موطن الآريين و منه استنبط إسمها فقيل : إيران ) قبل ظهور المسيح بمئات السنين و هو الحكيم المعروف باسم : زرادشت ! الذي حملت به أمه حملا إلهيا قدسيا ، ثم ولد و نشأ على حب الحكمة و اعتزل الناس في الكهوف و الجبال إلى أن تجلى له الإله ( أهورا مزدا رب النور ) و وضع في يديه كتاب ( الأبستاق ) أي كتاب العلم و الحكمة ، ثم يعلق ديورانت قائلا : و لسنا نعرف ما في هذه القصة من حق و ما فيها من باطل ! . غير أن هذه الديانة التي جاءهم بها زرادشت كانت قائمة على تعدد الآلهة و ذلك من حيث اعتقاد المنتسبين إليها في إلهين هما إله النور و إله الظلمة ، و حيث أن رمز النور عندهم هو النار فقد قدسوها و عبدوها و بنوا لها المعابد و الهياكل و وهبوا لها الخدم و الكهنة الذين لا يدعونها تخبو أبدا . و يقول المؤلف إن الزرادشتيين صوروا العالم في صورة ميدان يصطرع فيه الخير و الشر و كانوا يمثلون النفس البشرية كما يمثلون الكون ، في صورة ميدان كفاح بين الأرواح الخيرة و الأرواح الشريرة ، و هي فلسفة تحض على الأخلاق الفاضلة بدعوتها إلى امتثال الأخلاق الطيبة المنسوبة لإله النور و التبري من الصفات القبيحة المنسوبة لإله الظلمة . و قد كانت الشرائع الفارسية صارمة في عقاب خطايا الجسد صرامة الشرائع اليهودية ، كما كان للمرأة في عاداتهم مقام سام ! حيث كانت تسير بين الناس بكامل حريتها و كانت تمتلك العقار و تصرف شؤونه و كان في وسعها أيضا أن تدير شئون زوجها باسمه أو بتوكيل منه . أما في مجال الأدب و الثقافة فقد ذهب المؤلف إلى القول بأن الأدب كان في رأي الفرس ترفا قل أن يحتاجوا إليه ، و أما العلوم فقد كانت سلعا يستطيعون أن يستوردوها من بابل ! كما كان الطب عندهم من أعمال الكهنة ، أما الشعر فقد كان يغنى أكثر مما يقرأ . و فيما يخص الفنون فقد كان نصيبها نصيب العلوم و الآداب و هذا بسبب أن وقتهم لم يتسع لغير الحرب و القتال و لذلك كان جل اعتمادهم في الفنون على ما يأتيهم من البلاد الأجنبية . إلا أنهم امتلكوا مع ذلك بيوتا و قصورا جميلة و حدائق غناء ، و كان لهم أثاث قيم غالي الثمن ، و لم يكن لهم طراز فني خاص إلا في العمارة . و في الأخير لم تكد إمبراطوريتهم التي أقامها ( دارا ) أن تعمر إلا قرنا من الزمان حتى تصدعت إثر الهزائم التي منيت بها ، و زاد الطين بلة إهمال الأباطرة شئون الحرب و انغماسهم في الشهوات ، بالإضافة إلى تردي رعاياهم في مهاوي الجمود و الفساد ، و اقترن عنف حكامهم بفساد أخلاقهم فسقطت حضارتهم و اضمحلت مدنيتهم و صاروا كغيرهم في خبر كان . -- كان هذا الجزء مهما جدا بالنسبة إلي من ناحية كم المعلومات التي كنت أجهل جزءا كبيرا منها ، و كذا من ناحية الفائدة المجتناة من تعليقات المؤلف و التي زين بها الكتاب و جعلها متماشية مع السرد الشيق و سيرورة عرض الأحداث ، و لابد أن نشير في الأخير إلى أن دراسة ماضي الجماعة الإنسانية و المجرى العام لتطور الإنسان ليؤكد أن علم التاريخ علم متغير و محير في نفس الوقت تماما مثل الناس الذين هم مادته ، و هو الذي قد وضع أساسا لتسجيل أحداث حياتهم و تاريخ حضاراتهم و تفاعلهم مع بعضهم . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jun 15, 2021
|
Hardcover
| |||||||||||||||||
4.07
| 1,086
| Jan 01, 1935
| 1988
|
really liked it
|
-- لا تزال قراءة الكتب الموسوعية تعتبر تحديا حقيقيا للقراء الجادين ، و هي في حد ذاتها امتحان عسير لصبر عشاق الكتب على مواصلة السير في ركاب عشرات الصفح
-- لا تزال قراءة الكتب الموسوعية تعتبر تحديا حقيقيا للقراء الجادين ، و هي في حد ذاتها امتحان عسير لصبر عشاق الكتب على مواصلة السير في ركاب عشرات الصفحات الثقيلة و المجلدات الكثيرة، بالإضافة إلى أن القراءة المجردة لتلك السلاسل العلمية المطولة و التي أمضى كتابها معظم حياتهم في كتابتها و جمع موادها و ترتيب مواضيعها لا يكفي لتوثيق علاقة القارئ بها ، كما أن الهضم الفكري لمحتوياتها يتطلب جهدا كبيرا و تركيزا مستمرا و هذا لا يتأتي للقارئ بالسهولة أو السرعة التي يظنها ! ، إذ يحتاج إلى خلفية علمية عنها و عن مناهج مؤلفيها و أساليبهم في صناعة المادة العلمية ، و من هنا وجب عليك أن تعلم أن التناول الصحيح لهذه الكتب سيقودك لا إراديا إلى القراءة منها ببطء و بعمق و أناة ، لأن طبيعة المحتوى العلمي فيها تجبرك على تقديم تحصيل الفائدة كأولوية تأتي مقدمة على إنهاء الكتاب بسرعة ...! فإن كنت تقرأ لمجرد التسلية و المتعة فمثل هذا الكتاب لا يناسبك ، أما إذا كنت تطالع من أجل التعلم المستمر الذي يطور من مفاهيمك و معارفك و قدراتك و نظرتك للكون و الحياة ، و الحكم الصحيح على التيارات و الأفكار فقد وقعت على المادة المناسبة في هذا الكتاب . -- موسوعة قصة الحضارة لصاحبها المفكر الأمريكي ويل ديورانت و التي تعتبر معلمة تاريخية دسمة و دراسة فكرية شاملة و دائرة للمعارف العلمية التي شملت التاريخ و الفلسفة و علم الإجتماع و تاريخ الحضارات و الآداب و العلوم و الفنون . و مع أن مؤلفها انتهج منهج المدرسة المادية في تفسير التاريخ البشري و الأحداث الحضارية الكبرى و وقائع الزمان الغابر من أحوال الأمم و سير الشعوب و تقلبات العصور و سياسات الدول و الأنظمة و حياة الفلاسفة و العلماء و أخبار الثورات و الإنقلابات و مختلف التيارات و الإيديولوجيات ، إلا أنه توصل إلى الكثير من النتائج التي اعتبرت منطقية إلى حد ما ، غير أنه قرر مبدأ عدم القطع باليقين في الكثير من الفرضيات و المقدمات و النظريات . و بمساعدة زوجته إيريل ديورانت عكف ويل على مشروع العمر و الذي اعتبره تحديا خطيرا و مجازفة كبيرة ، و على الرغم من ذلك فقد اندفع بحماس و رغبة في تدوين تاريخ الحضارات الإنسانية إلى أن توقف عند عصر الثورة الفرنسية و لم يواصل التدوين بعدها لأنه شعر أنه لم يعد يستطيع أن يتابع أكثر من ذلك ، لضخامة المادة التاريخية و استحالة الإحاطة بجميع التواريخ البشرية . و الكتاب في مجمله سرد طويل مع تحليل ممتع جدا ، جمع بين عرض الأحداث و قراءتها قراءة تحليلية إلى جانب التعليق الفلسفي و الشرح العلمي الذي أجاد فيه المؤلف نسبيا ، و قد حاول جهده أن يكون موضوعيا و أن يضع الذاتية جانبا ما استطاع ، و من هنا فقد اجتهد في محاولة إنصاف كل حضارة ، و حسبما ذكر عن نفسه فإنه قرأ ما لا يحصى من الكتب و المؤلفات ، كما قام من أجل مشروعه هذا بعشرات الرحلات العلمية ، قبل أن يكتب سطراً واحداً عن أية حضارة . -- استهل المؤلف مقدمة الجزء الأول من هذه السلسلة الطويلة بالقول أن التهور هو ما دفعه إلى الخوض في غمار هذه التجربة التي تبدو مستحيلة نوعا ما ، و قد ذكر أنه ليس في مستطاع عقل واحد أو حياة واحدة أن تقوم بهذه المهمة على الوجه الأوفى ، و مع ذلك فقد سار في هذا المشروع متأملا أن ينجزه على شيئ من الأمانة و الموضوعية و الدقة النسبية ، و مؤكدا في ذات السياق على أنه يعلم مسبقا بأنه سيقع في شيئ من الأخطاء و الزلات ! . كما أنه أنصف الحضارات الشرقية باعتبار أن مدنياتها تمثل البطانة و الأساس الذي ارتقت بفضله حضارتا اليونان و الرومان ! منبها في السياق ذاته على عدم صحة نظرية ( السير هنري مين ) و الذي أشاع في الأوساط العلمية آنذاك أن الحضارتين اليونانية و الرومانية هما الوحيدتان اللتان استقى منهما العصر الحديث ! مؤكدا أيضا على أن الكثير من نظم الإقتصاد و السياسة و العلوم و الآداب و الفلسفة و الدين إنما يرتد في حقيقته إلى حضارات الشرق ( مصر و سومر و بابل ) . -- قسم المؤلف الجزء الأول من ( قصة الحضارة ) إلى ستة أبواب ، وضع فيها مجموعة من الفصول التي ناقش فيها البدايات الأولى للحضارة و المدنية ، و في التمهيد الأولي للباب الأول عرف ديورانت الحضارة بأنها : نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي ، ثم شرح ما أسماه ب : ( عوامل الحضارة ) التي قسمها إلى أربعة عناصر : الموارد الإقتصادية ، و النظم السياسية ، و التقاليد الخلقية ، و متابعة العلوم و الفنون ، و قد اعتبرها أساسية في قيام مفهوم الحضارة ، ثم درس أحوال الإنسان البدائي و التطورات التي طرأت على حياته البسيطة ككل . ففي الباب الثاني الذي عنونه ب ( العناصر الإقتصادية في الحضارة ) عرض المؤلف الكيفيات الأولى التي حصل بها إنسان ما قبل التاريخ على قوته و رزقه اليومي و ذلك عن طريق الصيد و السماكة و استئناس الحيوان و الرعي و حتى أكل لحوم البشر !! و كيف كانت البدايات الأولى للصناعات و الحرف و الأشغال ، و شرح بايجاز جيد التنظيمات الإقتصادية الأولى للجماعات البشرية التي انحصرت بين الملكية الفردية المطلقة ثم انتقلت إلى الإشتراكية بفعل ظروف معينة و تطورات اجتماعية . و الخلاصة هنا أن ديورانت قد حصر سيرورة التاريخ الإنساني بمعنى من معانيه في تطورين خطيرين و هما : انتقال الإنسان من الصيد إلى الزراعة كمرحلة أولى ، ثم انتقاله من الزراعة إلى الصناعة كمرحلة ثانية . أما في الباب الثالث و الذي وسمه ( بالعناصر السياسية في الحضارة ) فقد انصرف فيه المؤلف إلى شرح الظروف و الغرائز التي حولت الإنسان من كونه بدائيا إلى مخلوق سياسي يحكم نفسه و غيره من خلال نظم سياسية ابتكرها ثم فرضها و حارب لأجلها ، و هو يرى أن الإنسان ليس حيوانا سياسيا عن رضى و طواعية ، و ما جاء اتحاده مع بني جنسه في نظام سياسي معين إلا بحكم العادة و التقاليد و الظروف القاهرة ، و قد عزا نشوء الدول إلى المجتمعات الزراعية المستقرة و ذلك لأن الزراعة تعلم الناس الأساليب المسالمة و تروضهم على الحياة الرتيبة و العمل و جمع الثروات ، و نرى هنا كيف جعل المؤلف العامل الإقتصادي حاسما في إنشاء الأنظمة السياسية ، و بالتالي فلا يمكن لمجتمع الرعاة مثلا أن يقيموا دولة أو نظاما اجتماعيا ، كما قرر أن القانون جاء مصاحبا للملكية و الزواج و الحكومة ، فأحط المجتمعات هي التي تدبر أمورها بدون قانون ، و هو الذي تطور زمنيا من التقاليد و الأعراف التي كونت أساسا ثابتا مكينا في الظواهر الإجتماعية كلها ، و قد عزا أولى الخطوات نحو إقرار القانون إلى عرف الأخذ بالثأر و الذي كان له فضل وضع القوانين العرفية الخاصة بإجراءات الوساطة و التعويض و قيام المحاكم البدائية و سلطة رؤساء العشائر . و من بين العناصر السياسية التي كان لها خطرها في نشأة التفكير السياسي مفهوم الأسرة الذي كان أول نظام سياسي قام في تاريخ البشرية ، و لذلك سعى المؤلف إلى بيان أهميته و تأثيره في هذا الموضوع بالذات ، حيث قرر أن معظم التقدم الذي أصاب الحياة الإقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة أكثر مما يعزى للرجل ، و ذلك لأن المرأة كانت عنصرا فعالا في الحياة من حيث قيامها بأغلب الأعمال التي كانت تعود بنفع كبير على أسرتها ، غير أن المؤلف صرف الإنتباه أيضا إلى أن ذلك كان يمثل أولى بدايات الإسترقاق للنساء في التاريخ ، كما استنتج أن الروابط الإجتماعية للإنسان البدائي مع أسرته كانت قائمة على مبدأ النفعية البحتة و ليس على شعور صلة الرحم ! . و وصولا إلى الباب الرابع الذي أفرده المؤلف لدراسة ( العناصر الخلقية في المدنية ) كالزواج و أخلاق الجنس و الأخلاق الإجتماعية و الدين و المعبودات و غيرها ، و من البديهي أن يستنتج ديورانت أن الزواج عند شعوب ما قبل التاريخ كان قائما على أساس النظرة الشهوانية الخالية من العواطف للمرأة ! و من المعلوم تاريخيا أن شعوبا بأسرها كانت تعيش حياتها الجنسية بإباحية مطلقة و دون أن تفكر بآليات الإرتباط و الزواج كما نعرفه اليوم ، كما رأى أن الزواج من ابتكار أجدادنا من الحيوان و هو أعمق في التاريخ من بني الإنسان ، و بسبب غياب الأخلاق التي تعتبر عاملا أساسيا في تنظيم العلاقة الجنسية فقد شهد التاريخ القديم حالات كارثية من الإضطراب في النظام الإجتماعي بسبب تفشي الدعارة و الزنا و الإشتراكية الإباحية و وأد الأطفال و القتل و الجرائم الجنسية و غير ذلك من ضروب الإنحلال الخلقي . كما أن الأخلاق الإجتماعية بصفة عامة كانت في رأي المؤلف مزيجا من التناقضات و الصور الغير منطقية فكما كان للرذيلة و الجشع و الخيانة و العنف و القتل و الإنتحار وجودها الفعلي فقد كان للكرم و الإيثار و الأنفة وجودها هي الأخرى أيضا ، إلا أن بدايات ظهور الأخلاق ( في رأي المؤلف ) تأثرت بالعوامل الإقتصادية أكثر من أي شيئ آخر ، و كمثال على ذلك فإن ظهور الجشع و القتل كان بسبب حب التملك و الإثراء و الإدخار و كسب الثروات . و في نفس السياق حاول المؤلف تفسير ظاهرة الدين و مبدأ نشوء العبادة و التدين ، و قد بدأ حديثه في هذا الموضوع بتقريره أن المجتمعات البدائية كانت ملحدة و لم تعرف التدين إلا قليلا ، ثم عاد و حلل ظهور مسمى الدين ببعض العوامل و التي منها ( الخوف و الدهشة و الأحلام و النفس و الروحانية ) فذهب إلى أن الخوف من الموت و التي لم يصدق الإنسان البدائي أنها ظاهرة طبيعية و عزا ذلك إلى فعل الكائنات الخارقة للعادة ، و كذلك شعور الدهشة من الحوادث التي كان من الصعب عليه فهمها و تفسيرها ، و كذا الأحلام التي يراها في منامه كرؤيته للأموات الذين رحلوا عن الدنيا ، كما أن اقتناعه ( بفعل الحوادث المشار إليها ) بأن لكل شيئ روحا و أن العالم الخارجي ليس مواتا ! بل هو كائن حي دافق بالحياة جعله روحانيا ، و من ثم فسر المؤلف هذه الروحانية بأنها عين الدين و مفهومه ( و طبعا هذا تفسير مادي لظاهرة الدين ) . و من البديهي أن الإنسان البدائي لما تصور عالما من الأرواح الغامضة و التي يجهل طبيعتها و غاياتها فقد اجتهد في استرضائها و طاعتها ، و من هنا ظهرت الصفة الروحانية فيه و عمل على كسب معونة الأرواح و رضاها بالسحر و الطقوس و شعائر القرابين و تخصيص الأعياد للآلهة و التضحية لها بالحيوان و بأخيه الإنسان . -- و وصولا إلى الباب الخامس الذي صدره المؤلف بعنوان ( العناصر العقلية في المدنية ) حيث فصل القول من خلاله في سيرورة الآداب و العلم و الفن ، و قد صرفه ذلك إلى بحث أصول اللغة و التخاطب و بدايات كل ذلك ، مقررا أن اللغة حيوانية في بطانتها ! حيث أن الرموز الصوتية التي تطلقها الدواب في الأدغال تعتبر لغات تتواصل من خلالها ، و هكذا بدأت عملية تخليق اللغة بجلوس الإنسان البدائي في كهفه محاولا خلق أول إسم من الأسماء الكلية ، إلا أنه رأى أن لغة الإشارات قد سبقت كثيرا اللغة الصوتية مما يدل على أهميتها في تلك العصور ، إلا أن اكتمال نضوج اللغة و كثرة ألفاظها و تعدد كلماتها و استعمالاتها قد رفعها إلى مصاف المقدسات عند الأجناس البشرية الأولى و التي اعتبرت أن اللغة نعمة إلهية و شيئ مقدس ، بحيث أصبحت مادة للسحر و الأسرار . أما فيما يخص البدايات الأولى للعلوم فقد نقل ديورانت رأي ( هربرت سبنسر ) في أن العلم مثله مثل الأدب قد بدأ عند طائفة من الكهنة و استمد أصوله من المشاهدات الفلكية التي كانت تحدد مواقيت المحافل الدينية ، و نقل عبر الأجيال باعتباره جزءا من التراث الديني ، غير أن المؤلف علق على صحة كل هذا بقوله :إن كل ما نستطيعه هنا هو التخمين و الظن فقط ! . فيجوز أن يكون العلم قد بدأ من الزراعة ، فالهندسة في أولها كانت عبارة عن قياس الأرض المزروعة و ربما أنشأ علم الفلك حساب المحصول و الفصول الذي يستدعي مشاهدة النجوم و إنشاء التقويم ، ثم تطور الفلك بالملاحة و طورت التجارة علم الحساب و الرياضيات ، كما وضعت فنون الصناعة أسس الطبيعة و الكيمياء . كما أن المؤلف رجح أن تكون النساء هن أول من مارس مهنة الطب ، لا لأنهن الممرضات الطبيعيات للرجال فحسب ، و لا لأنهن جعلن من فن التوليد أقدم المهن جميعا ، بل لأن اتصالهن بالأرض كان أوثق من اتصال الرجال بها ، فأتاح لهن ذلك علما أوسع بالنبات ( كالأعشاب التي استخدمت في صناعة العقاقير الطبية ) إلا أن الطب بصفة عامة كان قاصرا عند تلك الشعوب الساذجة نتيجة إيمانهم بأن سبب الأمراض إنما هو حلول قوى غريبة أو أرواح شريرة بأجساد المرضى و المصابين . و في تاريخ الفن أشار المؤلف بادي الرأي إلى صعوبة إدراك البدايات التاريخية لظهور الفنون في المجتمعات البشرية الأولى ، و قد عرفه بقوله : الفن هو إبداع الجمال ، هو التعبير عن الفكر أو الشعور في صورة تبدو جميلة أو فخمة . كما أنه اعتبر الفن عنصرا من عناصر الكماليات السامية و منها : الغناء و الرقص و الموسيقى و المسرحية و الخزف و التصوير و النحت و العمارة و حتى الأدب و الفلسفة اعتبرهما من ضمن الفنون الجميلة . و قد قرر أن أول صورة للفن عند القدامى تمثلت في ظاهرة صبغ الأجسام بالأصباغ الصناعية جذبا للنساء و لإخافة الأعداء ، و كذا وضع الوشوم و الأقراط و الثياب و أدوات التزيين تعتبر داخلة في هذا المعنى أيضا ، و قد لخص كل هذا في قوله : إذن فأول مصادر الفن قريب الشبه بزهو الحيوان الذكر بألوانه و ريشه أيام التزاوج و الدافع إليها هو الرغبة في تجميل الجسم و تزيينه . إلى أن ظهرت صناعة الخزف و تجميله بالرسومات مما ساهم في خلق فن التصوير ، و لكنه لم يكن دائما فنا مستقلا بل كان وجوده متوقفا على فن الخزف و صناعة التماثيل . و لقد عرف الإنسان لذة الإيقاع منذ زمن بعيد ، و أخذ يطور صياح الحيوان و تغريده حتى جعل منه غناء و رقصا ، و في هذا يقول ديورانت : و الواقع أنك لن تجد فنا يميز البدائيين و يعبر عن نفوسهم كما يميزهم الرقص و يعبر . و المؤلف يرى أيضا كإضافة إلى ما سبق أن العزف الموسيقي على الآلات قد نشأ عن الرقص ! و من الموسيقى و الغناء و الرقص مجتمعة خلق الهمج الأوائل ( المسرحية و الأوبرا ) . و ختم ديورانت هذا الفصل الموجز معترفا بفضل هؤلاء البدائيين الذين خلقوا لنا بوسائلهم البسيطة صورا حضارية مهمة بقوله : فنحن مدينون لهم بكل شيئ تقريبا كما يرث اليافع المحظوظ ، أو إن شئت فقل كذلك إنه اليافع المتحلل ، كما يرث هذا اليافع سبيله إلى الثقافة و الأمن و الدعة ، من أسلاف أميين ما ورثوه بكدحهم الطويل . -- و في الباب السادس و الأخير ( بدايات المدنية فيما قبل التاريخ ) من الكتاب ينهي المؤلف رحلته الماتعة بتعقب الخطوات الصناعية و الثقافية التي خطاها الإنسان البدائي عبر العصور الحجرية ( العصر الحجري القديم و الحديث ) اعتمادا منه على الدراسة الأثرية التي وصفها بالمهمة العجيبة التي يضطلع بها من يستخرجون مستحثات ذلك العصر ، من حفريات المدائن الدفينة حيث وجدت الجماجم القديمة و الآلات و الأدوات و الأسلحة المطمورة في جوف الأرض و تحت أنقاض الخرائب ، و يدرسون الصور الناصعة المرسومة على أسقف الكهوف من عهد ما قبل التاريخ ، و هو ما سماه بالشغف الشريف في سبيل العلم . حيث صورت لنا تلك الآثار الفوراق بين العصور الحجرية و التطورات التي طرأت عليها ، فقد قام إنسان العصر الحجري الحديث منذ آلاف السنين بتمزيق أحشاء الأرض ليستخرج منها الأسس المعدنية التي قامت عليها الصناعة ، كما أن الضرورة و الحاجة قد حركتاه إلى تصنيع ما يحتاجه ممثلا في صناعة الإبر و الدبابيس ليستعملها في النسيج و الحياكة باستخدام صوف الحيوان و الفراء و الجلود ، و شيئا فشيئا وسع صناعة أدواته لتشمل الفؤوس و الملاقط و المناجل و الرماح و البكرات و الرافعات و غيرها بالإضافة إلى اصطناع الأصباغ من أخلاط عصير النبات و مستخرجات الأرض ، و نفس الأمر بالنسبة لصناعة الخزف و آنية الطين المجفف و السلال التي صنعت من الحلفاء و القش لتستعمل في حفظ و تخزين الطعام، و قد استدل المؤلف هنا على كل ما ذكره بالمستحثات و الآثار القديمة التي عثر عليها في المغارات و الكهوف . و تمثل هذه التطورات المرحلة الأخيرة من العصر الحجري الحديث ، إلى أن دخل الإنسان البدائي طورا آخر بعد اكتشاف المعادن ، و التي أرجع ديورانت بدايات استعمالها إلى المصادفة ، حيث يبدأ عصر المعادن هذا بتحويرها بواسطة النار و الطرق حتى تلائم غايات الإنسان ، و قد رأى المؤلف أن أول معدن اكتشفه إنسان هذا العصر هو النحاس ، إلا أنه لم يكن المعدن الوحيد الذي قامت بفضله نهضة الصناعة البدائية ، فقد احتاج الإنسان إلى خلطه بمعدن آخر خلطا مدبرا للحصول على مركبات أصلح لأغراضه و هكذا انتقل إلى مرحلة البرونز ، و من عصر الحجر عموما إلى عصر الحديد ، و بهذا الإكتشاف المهم استطاع الإنسان أن يبني أعظم ما يعرف من ضروب الصناعة و تهيأ له غزو الأرض و البحر و الهواء . و بالإضافة إلى كل هذا أخذنا المؤلف إلى الحديث عن تاريخ الكتابة و أصولها الأولى ، منوها في هذا السياق بأن أولى محاولات الكتابة ظهرت في الخطوط المرسومة بالألوان على قطع الخزف و هذه الخطوط تمثل الكتابة بمعناها الواسع ، و التي دلت على رموز و رسوم عبرت عن أفكار كتابها ( كالكتابة الهيروغليفية ) . و هنا يبدو أن الكتابة شأنها شأن التصوير و النحت قد تكون في نشأتها فنا خزفيا إذ بدأت ضربا من ضروب النقش و الرسم ، و بهذا تكون القطع الخزفية و الألواح الطينية قد هيأت للكاتب مادته التي يخط عليها كتابته . إلى أن ظهر الشعب الفينيقي على مسرح التاريخ فطوروا الكتابة من شكلها الأولي كرموز و رسومات إلى أحرف هجائية ثم صدروها إلى كل مدينة من مدن البحر الأبيض المتوسط و أخذها عنهم اليونانيون ، و الظاهر كما يقول المؤلف أن الكتابة كانت من نتائج التجارة و هي إحدى وسائلها التي سهلت أمورها . و هكذا صار تطور الكتابة عاملا أساسيا في خلق الحضارة كونها هيأت الوسيلة الوحيدة لتسجيل المعارف و نقلها ، كما كانت وسيلة لازدهار العلم و الأدب و انتشار السلام و النظام . -- إن قصة الإنسان و تاريخه الطويل على هذه المعمورة الغامضة و المدنيات التي شيدها إلى جانب المخترعات و أسباب الترف التي توصل إليها و الدمار الذي أزال حضارات عظيمة من ذاكرة البشر ، تمثل كلها حلقات غير متكاملة الربط ، و ذلك بسبب أن معظم الماضي البشري قد تعرض للضياع و الإنمحاق ! و لذا سنجد يقينا أن تاريخ البشر يعتبر في حقيقته سفينة محطمة الأجزاء و مليئة بالترع و الظلام . -- و في الأخير فإن العبرة ليست في أن يقرأ الإنسان الكثير ، بل أن يقرأ الجيد و لو لمرات عديدة ، حتى يتخمر عقله بالمفيد من المحتويات و الحقائق ، و حتى تصبح أفكار المؤرخين و العلماء و الفلاسفة القائمة على المنطقية و الموضوعية مادة من الزاد العلمي للقارئ ، و غاية ذلك أن تصبح من نسيج أفكاره ، فيستخدمها استخداما علميا و يستشهد بها ، و هذه النقلة تعتبر الخطوة المهمة في الارتقاء الفكري للإنسان . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Jun 04, 2021
|
Hardcover
| ||||||||||||||||||
6000274122
| 9786000274122
| 6000274122
| 4.12
| 192,265
| 2009
| 2012
|
liked it
|
_ هذه الرواية التي أثارت ضجة و إعجابا عند الكثير من القراء في فترة ما ، تعتبر في الحقيقة نصا أدبيا عاديا جدا ، و هو و إن كان نصا له دلالات مؤثرة أو إي
_ هذه الرواية التي أثارت ضجة و إعجابا عند الكثير من القراء في فترة ما ، تعتبر في الحقيقة نصا أدبيا عاديا جدا ، و هو و إن كان نصا له دلالات مؤثرة أو إيحاءات معبرة تعبيرا احترافيا عن نزعة روحية متأثرة بالنسك الصوفي ، إلا أنه بعد إمعان النظر فيها لا تعدو كونها صورة نثرية رسمت فيها الكاتبة مجموعة من المقتطفات التي امتزجت فيها قصتان لهما تقريبا نفس القواسم المشتركة بين أبطالها ، و في النهاية فهي كأي رواية أخرى لها ما لها و عليها ما عليها . -- صدرت هذه الرواية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010 و قد بيع منها أكثر من 555000 نسخة ، لتصبح بذلك الأكثر مبيعًا في تركيا و قد ترجمت إلى ما يزيد على ثلاثين لغة ، عدد صفحاتها : 502 صفحة و ترجمت للعربية من قبل : خالد الجبيلي ( طبعة دار طوى ) . - تقوم حبكة الرواية في الأساس على تداخل قصتين متوازيتين : الأولى : قصة السيدة إيلا روبنشتاين و هي ربة بيت أمريكية مثقفة تحيا حياة مملة و تعيش حالة من الإكتئاب و انعدام الشغف في حياتها كنتيجة لفقدانها لشعور الحب و معناه ! ، كما تتصف علاقتها الإجتماعية بعائلتها بنوع من الفتور و التوتر . إلى أن اتخذت قرارها بتجربة حظها في الحياة المهنية بعد أن أمضت حياتها بعيدة عنها بسبب إيثارها لخدمة عائلتها على ممارسة أي عمل آخر ، على الرغم من كونها مثقفة و حاصلة على شهادة في الأدب الإنجليزي ، و يبدو ظاهريا أن هذه التضحية التي قدمتها في سبيل زوجها و أبنائها قد أحدثت أثرا نفسيا سيئا في حياتها ، إلى أن قررت إحداث تغيير جذري و ذلك من خلال العمل لصالح وكالة أدبية مرموقة ، و أسندت إليها وظيفة كتابة التقارير الخاصة بالأعمال الأدبية المرسلة إلى الوكالة بقصد المراجعة و التقييم . و يكون أول عمل يوكل إليها أمر قراءته و كتابة تقرير عنه هو مخطوط رواية صوفية تاريخية لكاتب هولندي مغمور ، حيث تعيش داخل هذه الرواية في عالم مختلف عن عالمها تماما ، و تتعرف فيه على شخصيتين شاعريتين ( جلال الدين الرومي و شمس التبريزي ) و اللذان تقوم أفكارهما الأساسية على فلسفة العشق الصوفي المثيرة للجدل ( و هي القصة الثانية في الحبكة ) . و تدور أحداث قصة هذا المخطوط في القرن الثالث عشر الميلادي حيث يتعرف جلال الدين الرومي و هو فقيه و عالم ديني على شخصية الدرويش الصوفي الجوال شمس التبريزي ( و الذي سيلقنه فيما بعد حقائق العشق الإلهي المزعوم ..! ) ، و عندما يدق القدر أجراس الصداقة بينهما تبدأ حياة الرومي في التغير تماما و بشكل جذري ، لينطلق به رفيقه ( شمس ) في رحلة روحانية تحوله من رجل دين إلى شاعر إنساني يدعو إلى العشق الإلهي و يعمل بجد على نشره ، و من هنا تتواصل وقائع هذه الرحلة الغريبة و التي تبدو لانهائية مطلقا بحسب الوقائع و مجريات الأحداث ككل . و في المقابل تتعرف إيلا على كاتب الرواية ( عزيز زاهارا ) عن طريق البريد الإلكتروني بعد أن تأثرت بشدة بروايته ، لتبدأ بينهما قصة صداقة تتقوى بمرور الأيام ، لتكتشف أخيرا أنها وقعت في الحب المنشود لها ، و تتيقن من أن عزيز بالنسبة إليها هو كشمس بالنسبة للرومي ، ما يجعلها متأكدة من استعدادها للتخلي عن كل شيئ ( بما في ذلك مطبخها و كلبها و أطفالها و زوجها و حياتها ) من أجل الحب الذي وجدته . -- العمل تشويقي و ممتع جدا من ناحية الأسلوب المهاري و طريقة السرد و تنوع الأحداث و شخصيات الرواية ، و حتى الترجمة العربية للمترجم خالد الجبيلي كانت متقنة و جيدة إلى حد ما . -- أما عن أهداف الرواية و مضامينها فهذا موضوع آخر لابد من الحديث عنه و بيان ما ينطوي عليه ! . حيث وقع الإتفاق بين أغلب المتخصصين في الفرق و المذاهب و الأديان على أن الصوفية تعتبر تيارا دينيا مضطربا يجمع في مبادئه بين كم هائل من الأفكار الباطنية و الفلسفات الشرقية القديمة ( و يجمع أيضا بين السلوك الزهدي الصحيح و بين الفكر الرهباني المنحرف ) . و الذي يعرف عادة على أنه : نسك تعبدي يقوم على مجموعة من الرؤى و المفاهيم التي تشوبها الكثير من الأخطاء المنهجية و البدع العقدية و العملية ، مثل : عقيدة الحلول و الإتحاد و وحدة الوجود و و حدة الشهود ، و الكشف و الفناء ، و تأويل القرآن بأنه له ظاهرا و باطنا . بالإضافة إلى الغلو في تقديس شخوص الأولياء و الصالحين و الإعتقاد بأنهم يملكون التصرف في الكون و غير ذلك ..! . كما أن التتبع التاريخي لظهور نحلة التصوف يظهر بوضوح أن التصوف لم يكن مقصورا على دين الإسلام فقط أو أنه قد ظهر بظهوره . بل إن التصوف في حقيقته قد وجد قبل الإسلام بقرون طويلة و بأشكال معينة و في حضارات متعددة ، فقد عرفه الفلاسفة و الزهاد القدامى في الديانات الشرقية القديمة كالبوذية و الهندوسية المهاريشية و السيخية و المجوسية و الكونفشيوسية و المانوية و غيرها ، كما كان لليهودية و النصرانية نصيب منه كذلك . و لذلك فهو دخيل على الدين الإسلامي و ليس أصلا فيه ، و مهما حاول المنتسبون إليه ربطه بالتصور الإسلامي و شعائر الدين عبثا، فسيبقى دائما مشكوكا في صلته به و محلا للجدل و الخصام و النقد ....! . و قد كان التصوف و سوف يبقى دائما محل اختلاف شديد و تباين حاد في الرأي بين المؤيدين و المعارضين و المدافعين و الناقدين . و من المعلوم أن الصوفية الأوائل كانوا متمسكين بالعقيدة الصحيحة و بالنسك المعتدل و لم يثبت عنهم تشدد أو غلو أو كفر أو غير ذلك مما يطعن في صحة معتقدهم ( كالجنيد و إبراهيم بن أدهم و سهل التستري و معروف الكرخي و مالك بن دينار و غيرهم ) إلى أن نشأ جيل جديد من المتصوفة لم يستوفوا نصيبهم من العلم الشرعي الصحيح ، و أقبلوا على العبادة بشغف مذموم و طلقوا الدنيا و رفضوا الحياة و استدبروا التكاليف و رضوا بالإقامة في الكهوف و المغارات و الأربطة و التكايا ، و هذا السلوك المنحرف دليل على عدم منطقية الأفكار التي اتخذوها شعارا لهم في الدين ، إذ إن الإسلام لا يدعو إلى التبتل و الرهبنة و التخلي عن مسؤوليات الحياة و الهرب من سنة الإستخلاف في الأرض و اعتزال الناس و العمران . و من هؤلاء المتصوفة الذين وقعوا في المحظور بسبب غلوهم و عدم التزامهم بالتصور الصحيح : الحلاج و أبو يزيد البسطامي ( الذي كان يقول : سبحاني سبحاني ما أعظم شأني ) و ابن سبعين ( الذي كان يتعبد في غار حراء طلبا للنبوة ...! ) و ابن هود ( المشهور بعقيدة الإتحاد ) و العفيف التلمساني ( الذي نسبت إليه العظائم في الأقوال كالإعتقاد بحلول الله في ذوات البشر ) و أضرابهم . و إن الناظر إلى المراحل التي مر بها تاريخ الصوفية لسوف يتيقن بأن الوثبة التي وثبتها الفلسفة على التصوف قد كانت هي السبب الرئيسي في انحرافه من كونه نسكا تعبديا عاديا إلى منهج فلسفي محض . و هذا إلى جانب معتقدات ضالة أخرى ، كتلك الرتب التي ابتدعوها و سموها بأسماء لا عهد لأدبيات العقيدة الإسلامية بها كألفاظ : المريدين ، الأغواث ، الأقطاب ، شهود الحقيقة ، خدام الآيات ، شيوخ الحضرة ، علم الباطن و الظاهر ...إلخ . و يضاف كل هذا إلى تلك الطوام التي تضاد الإعتقاد الصحيح في الله تعالى و في رسوله صلى الله عليه و سلم ، كعقيدة وحدة الوجود و وحدة الشهود و وحدة الأديان و الإتحاد بالله و عقيدة خاتم الأولياء و الحضرة و الخلوة و غيرها ، و هنا ألفت النظر إلى أن الصوفية ليسوا على حد سواء في هذه المعتقدات و الأفكار !! فكما وجد فيهم الغلاة فقد وجد فيهم المعتدلون الذين أثنى عليهم علماء المسلمين و وثقوهم و قرأو كتبهم و ترحموا عليهم و هم كثيرون ( كأبي القاسم القشيري و الحافظ أبو نعيم الأصبهاني و الإمام أبو حامد الغزالي و عبد القادر الجيلاني و أبو طالب المكي و أبو إسماعيل الهروي و غيرهم و هؤلاء يمثلون التصوف الإسلامي الصحيح بمفهومه الإيجابي ) ، فهم مجتهدون في طاعة الله و منهم المخطئ و المصيب و فيهم الضال و المهتدي . -- أما عن الطرح غير المباشر لبعض المبادئ و القيَم الخاصة ببعض أفكار الصوفية ، كفكرة العشق الإلهي و التي هي الفكرة الأساسية الموجهة لقراء هذه الرواية ، فهي بالنسبة لي شطحة كارثية من شطحات الصوفية التي حادوا بها عن الصواب و تصوروا بها تصورا خاطئا العلاقة بين الله و الإنسان . و ذلك لأن لفظ العشق لم يرد أبدا في مصطلحات العقيدة الإسلامية ، بل ورد مصطلح حب الله تعالى و حب رسوله صلى الله عليه و سلم و حب آل بيته و أصحابه ، إلى جانب الحب المأمور بها عقلا و شرعا كحب الأمهات و الآباء و الأبناء و الإخوة و الأصدقاء و عباد الله تعالى عموما ، كما ورد ذلك في الحديث الذي ذكر فيه دعاء النبي داود عليه و على نبينا محمد أفضل الصلاة و السلام : ( كان من دعاء داود صلى الله عليه و سلم : اللهم إني أسألك حبك و حب من يحبك و العمل الذي يقربني إلى حبك ، اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي و أهلي و من الماء البارد ) رواه الترمذي . أما لفظ العشق فإنه ذكر في قصائد الغزل و النسيب عند العشاق الذين هاموا غراما بعشيقاتهم ، و هو ينطوي على مفهوم جنسي في محتواه اللفظي ، و هو ما لا يجوز إطلاقه على الله تعالى و لا يصح وصفه به ، و قد يقول قائل : إن العشق المقصود في كلام المتصوفة هو المعنى المرادف للحب الذي ذكرتموه ها هنا ، فنقول : إن مصطلح الحب إذا أطلق في حق الله تعالى أو في حق الرسول صلى الله عليه و سلم فيستحيل أن ينطوي على معنى جنسي أو مادي أبدا ، بخلاف ما إذا حل محل ذلك لفظة العشق ، التي تحتمل في شقها الأول معنى الحب الشعوري و في شقها الثاني معنى الجنس المطلوب من المحبوب ، و هذا أبين و أوضح من أن يستدل على مثله ، و دونكم قصائد الشعراء الغزليين فهي طافحة بذكر لواعج المجون و الغرام التي عذبت أصحابها طلبا للتلذذ بالظفر بقلب الحبيب و جسده معا . - و لو أن هؤلاء المتصوفين الذين التزموا حب الله تعالى كما قالوا ...! إقتصروا على المعاني الإيمانية الصحيحة و سموها بالألفاظ الشرعية الواردة في القرآن و السنة لأراحوا و استراحوا من تكلفة الإجتهاد في الإبتداع و الإختراع الذي لا داعي له أصلا و لأغلقوا باب الجدل و الخلاف ، فهم بإطلاقهم لهذا اللفظ المبتدع و لغيره من الألفاظ التي ذكرنا بعضها كأنهم يزعمون أن المصطلحات الورادة في الكتاب و السنة لا تكفي للدلالة على ما أرادوه ...! . و من هنا أستطيع الجزم بأن متخصصي العلوم الشرعية لن تعجبهم هذه الرواية لما فيها من مظاهر العبث بالتدين لدى أبطالها و عدم انضباطهم عند التعامل مع أحكام الشرع ، إلى جانب الإستهتار بالتكاليف الشرعية و اعتقاد أن الحب وحده يكفي للوصول إلى الله تعالى ، حتى و لو اقترف العاشق أو المريد شتى المعاصي و السيئات و تهاون بآداء العبادات أو استحل كل المحرمات ، و هذا وحده كاف لوصف هذا المبدأ الفاسد بأنه عين عقيدة المرجئة . و أما من يصنّفون أنفسهم على أنهم ( إنسانيون )و يعتنقون فكرة قبول الآخرين على رغم كل الإختلافات العقائدية فسيرون أن هذه الرواية و ما فيها من أفكار تمثلهم و تعبر عنهم . و على الرغم من حسن نوايا هؤلاء و صحة ما ذهبوا إليه نسبيا ، إلا أن حب الإنسانية عموما و احترام المختلفين عنا دينيا خصوصا ، و معاملتهم بالود و الإحترام و القبول إنما هو في حقيقته عين الأخلاق المأمور بها في ديننا ، و الصوفية لم يكونوا أول من نادى بهذا ، بل الله سبحانه و تعالى أمر مرارا في كتابه الكريم ببذل المودة و البر و الإحسان إلى الناس و كف الأذى عن عباد الله و غير ذلك ، أما الإختلاف العقائدي فهو سنة كونية فطر الله الناس عليها و لا يمكن تجاوزها بتمييع الدين أو التنازل عن نصوص الوحي أو تشويه صورة رجاله بتعميم الأحكام الجاهزة عليهم ( و نحن لا نعتقد فيهم العصمة أو القداسة ، بل هم بشر يخطؤون و يصيبون ، إلا أن الهجمة عليهم دائما ما تكون مبررا لنقد النصوص الشرعية و تأويل الوحي و محاولة تجاوز الدين تحت ستار مشاريع التحضر و الحداثة الرامية إلى الهدم و الإفساد ) . و لاشك أن الكاتبة نجحت في تسويق فكرة الرواية بطريقة جذابة و مؤثرة إلا أنها أساءت توظيف بعض العبارات و الجمل كما أنها لم تحسن للتصوف بل أساءت إليه . -- كمسلم يتدين بعقيدة الإسلام البسيطة و الواضحة لم تعجبني أفكار هذا النص على الإطلاق ...! ، أما كقارئ يهوى أدب الرواية فلا يمكنني إخفاء إعجابي بالإمتاع المكنون في سطورها ، و الذي سيصرفك غالبا أو أحيانا عن أفكار الكتاب ليقودك شاعريا للتعايش مع الأجواء الروحية المتقلبة و اللحظات النفسية الممتعة التي حدثت فيها وقائع الرواية . -- و من الفساد العقائدي الذي انطوت عليه مفاهيم الرواية : تنفير القراء من رجال الدين عموما بتصويرهم في شخصيات متعصبة و غير مثالية . ترويج الفكر الباطني بتزيين الأوهام و تنميق التراكيب اللفظية المعبرة عن التأويلات المذمومة . الإيحاء للقراء ببعض المبادئ الباطنية الهدامة كالقول بوجود مرحلتين اثنتين للمريد أو الصوفي ( أولاهما تقوم على اتباع الشريعة و آداء التكاليف كجميع الناس ، بينما ترتكز الثانية على أساس التحلل من فرائض الدين و واجبات الإسلام و أخلاقياته ! حيث يصير المحظور حلالا للمريد كشرب الخمور و ترك الصلاة و غير ذلك ) . تسويق عقيدة الإرجاء القائمة على الإتكال المجرد على رحمة الله و الإستهانة بفعل المعاصي مع ترك العمل . تصوير علاقة الرومي بالتبريزي على أنها رباط يقوم على طاعة الأول للأخير و كأنه سيده الآمر الناهي ! و يسوقه ذلك إلى تشويه صورته الشخصية أمام الناس بارتكاب الكبائر كشرب الخمر و الرقص تعبيرا عن الزهد الذي يدعيه ..! . -- كما أن هناك مجموعة أخرى من العبارات المريبة و المنحرفة و التي استبشعت ورودها في هذه الرواية ..! و هي تنبئ من باب أولى عن قلة زاد الكاتبة من الثقافة الإسلامية عموما ، فقد انطوت بعض الكلمات و المفردات في روايتها هذه على الحط من قدر الدين و العقيدة و صفات الله تعالى و لا نقول إنها تعمدت ذلك أو أنها أرادت عمدا وقوع هذا الحط المذموم ، و الله أعلم بنيتها من وراء ذلك ، و من أمثلة تلك الجمل المستشنعة و المرذولة معا : -- كنت أنفذ الأعمال القذرة لصالح الآخرين ، حتى الله أدرك الحاجة إلى شخص مثلي في خطته المقدسة عندما عين عزرائيل ملاك الموت ، لإنهاء حياة الناس . و هكذا يخاف الناس الملاك و يلعنونه و يمقتونه ، بينما تظل يدا الله نظيفتين ، و يظل إسمه نقيا . و في ذلك جور على هذا الملاك ....!!! -- لقد هجر الله هذا المكان ! و لا ندري متى سيعود ....!! -- القراءة في هذه الرواية الحوارية كان تجربة مفعمة بالتأمل و الغرابة معا ، و هي متعة روحية تخترق حدود الزمان و المكان و تتطلب الجمع بين تفهم السمو الروحي لفكرة حب الله ، و بين حتمية نقد الفكر الباطني المنحرف الذي حوته أفكارها . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
May 29, 2021
|
Paperback
| |||||||||||||||
B0DLTB69KZ
| 4.04
| 177
| 1973
| 1982
|
really liked it
|
- بلاغة أدبية تزلزل القلوب ، و ثراء لغوي يبهر الألباب ، و مناجات رقيقة تكتسي حلة الزهد و الإيمان ، و كلمات آسرة تخاطب شغاف الفؤاد من أنفاس العارفين ،
- بلاغة أدبية تزلزل القلوب ، و ثراء لغوي يبهر الألباب ، و مناجات رقيقة تكتسي حلة الزهد و الإيمان ، و كلمات آسرة تخاطب شغاف الفؤاد من أنفاس العارفين ، المسقية من ماء معين . و هي الدليل الحي على استقرار إيمان صاحبه ، و براءته من فرية الزندقة و بهتان الكفر . في هذا الأثر الأدبي النفيس أبان أبو حيان التوحيدي عن اقتدار أدبي مذهل ، و بعد سلوكي رقيق ، و جانب تعبدي رفيع ، و قوة أسلوبية عالية في رصف الألفاظ و توظيف المعاني بعد المباني ، من خلال سلسلة من الرسائل التي امتزجت فيها براعة المناجاة بفن الدعاء ، و سحر الكلمات بروعة الدلالات ،في لغة باذخة منسابة بسلاسة و مهارة ، و اتجه فيها بأسلوب ندائيإلى الذات الإلهية تارة و إلى الرفيق الصاحب تارة أخرى وإلى المريد المبتدئ تارات أخر . - تصنف هذه التحفة النثرية في إطار أدب المناجاة ، و هو ما يعرف أدبيا بأنه : أسلوب تعبيري يذهب فيه الكاتب أو الشاعر الى مخاطبة شخص أو فكرة أو أشياء يتخيلها و ينصرف فيها عن المخاطب الحقيقي . و من خلال المناجاة يلجأ إلى عملية التجسيد للأشياء و الأفكار و إسقاط الصفات الإنسانية عليها ، فتتسع الدلالات و الرؤى في نصوص مناجاته . و يمتاز هذا الأسلوب أيضا بعاطفته القوية و شاعريته الرقيقة . و غالبا ما يرتبط بالجانب الروحي ، و هو ما يفسر ارتباط المناجاة في أحيان كثيرة بالجانب الديني أيضا ، لكنه غير مقتصر عليه . و هو مظهر أدبي شائع في الشعر العربي و نثره و في الأدبيات الدينية و الصوفية ، و لا تقل المناجاة شيوعا في الأدبيات الغربية و الأجنبية كذلك . و يعتبر فن المناجاة في اللغة و الأدب العربي من أرقى أشكال الكتابة و الإبداع رغم قلته في مقابل الأنواع الأخرى التي يكتب فيها الأدباء ، و يجدون فيها فضاء صالحا لبث نزعاتهم المختلفة و أفكارهم في الحياة .و قد توجه التوحيدي بخطاب المناجاة في رسائله الموجهة في شكل نداءات إلى ثلاثة أقسام : إلى الله ، و إلى الذات و إلى الآخر . فكلماته هذه كانت أدعية و صلوات لله تعالى ، كما أنها كانت نداء خفيا لنفسه من أجل تطويعها لله و صرفها عن الأهواء النفسية الدنيئة ، و للآخر من خلال أسلوب الوعظ و النصيحة للإنسان عموما بوصفه عاصيا لله و متطلعا لشهوات الدنيا الفانية . و لا شك أن أبا حيان قد وظف قسطا كبيرا من الوصف الأدبي في مناجاته هنا ، إذ هو أديب لامع و ناثر له قدرة هائلة على تنميق الكلمات و تزيين النصوص بجميل المفردات ، إلا أن الجانب الروحي و النفسي يبدو ظاهرا و جليا في فقرات هذا الكتاب ، حيث يبدو التوحيدي فيها و كأنه زاهد قد استشعر عبودية الله تعالى و استحلى دعاءه و التذلل بين يديه ، فتطابق الصدق في المناجاة مع الإخلاص في الدعاء ، ففاض لسانه بما اعتمل في خزائن قلبه من الأسرار و الملابسات . و قد قسم التوحيدي كتابه هذا إلى رسائل و وزعها على فصول ، و هي تعتمد في أساسها الأدبي على بناء متشابه في التركيب الأصلي ، و الرسالة غالباً ما تبدأ بالدعاء و تنتهي بالدعاء ، و تتراوح في ما بين ذلك بين الخطاب و الدعاء و أغراض أخرى ، أبرزها شكوى الحال و الزمان . و لعل مآسي الزمان و بلاوي الحياة التي مني بها التوحيدي قد صرفته بآخرة إلى العزلة و الخلوة و قادته إلى العبادة و التصوف ، فلا يخفى على أحد ما لاقاه الرجل خلال مسيرة حياته من النكسات و الويلات ، ما جعله يشعر بالنبذ و الإنكسار ، فعاش حياة ملؤها الإحساس بالظلم و الإضطهاد . إلا أن تفسير ولوجه إلى عالم التصوف و إقباله على التزهد بالأسباب التي مرت بنا فقط هو تفسير قاصر و غير منصف ، أولا : لأننا نجد أن أبا حيان كان قوي الصلة بالصوفية منذ البدايات الأولى لحياته و تأليفه للكتب ، ففي آثاره ( كالبصائر و الذخائر ، و الإمتاع و المؤانسة ) نجد كما هائلا من أخبار الزهاد و كلام المتصوفين ، مما يدل على أنه كان مخالطا للقوم و متلبسا بأحوالهم . و ثانيا : تدلنا العبارات التي استخدمها في هذا الكتاب على وجود صلة أخرى بهم و هي انتحال أساليب القوم في التعبير عن انطباعاتهم الشعورية في العبادة و الزهد ، مما يقودنا إلى الجزم بأن الرجل قد قرأ الكثير من أدبيات القوم ( و ربما أتيح له ذلك بفضل اشتغاله بمهنة الوراقة ، فقد كانت مهنته الذي غطى به على عورة الفقر الأبدي الذي لازمه حتى الممات ) ، و من ثم تعلقت نفسه بأدبهم و اشرأبت إلى التعبد على منهجهم ، هذا زيادة على أن أغلب المؤرخين و كتاب التراجم قد ذكروا أن التوحيدي كان متصوفا و له قدم صدق في التصوف . و تكمن القيمة المعرفية لهذا الأثر النفيس في أنه يعتبر الأول من نوعه الذي استفاد فيه مثقف من لغة الصوفية أكثر من أساليبهم ، و من تقنيات القول أكثر من القول نفسه . و مع ذلك فإن أبا حيان لم يستطع أن يلغي كل تقنيات أسلوبه الخاص الذي درج على الكتابة به ، فقد استخدم الكثير من التشبيهات و الإستعارات ، و مزجها بعبارات التذلل و إشارات التصوف ، حتى أخرج للقارئ هذه الخلطة الأدبية المحكمة . و لأن أبا حيان التوحيدي ناثر بارع و لغوي لا يشق له غبار في اللغة و الأدب و علوم اللسان ، فقد جاء كتابه هذا في غاية الروعة و البيان ، مستمدا في إنشائه من حديث الزهاد و لغة القرآن ، مرصعا بالعبارات الحسان ، أو كأنه معزوفة موسيقية من أعذب الألحان . و على الرغم من أن ياقوت الحموي وصف أبا حيان في معجمه بشيخ الصوفية ، و هذا كنوع من رد الإعتبار لهذا الأديب الذي انضم إلى ظلم الحياة له ظلم معاصريه له و انصرافهم عن أدبه و عن التنويه بذكره . و مع ذلك فلا يزال التوحيدي يُحسب في الثقافة العربية الكلاسيكية على أنه واحد من كبار الأدباء بسبب هذا الكتاب و غيره من كتبه الأخرى . و بسبب ذلك أيضا لم يندرج إسمه نهائيا في طبقات الزهاد و المتصوفين . و لعل هذا كان لازما لمثله ، حيث أن شهرته الأدبية قد طبقت الآفاق ، و سجنته في زنازين الأدب بأوثق الوثاق . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
May 04, 2021
|
Hardcover
| |||||||||||||||||
9771482815
| 9789771482819
| 9771482815
| 4.22
| 1,409
| 2004
| 2004
|
really liked it
|
-- سيد قطب الشهيد الحي في قلوب المظلومين ، و الأديب الأريب الذي وقعت كلماته موقع الخلود من نفوس المعجبين ، و غصة الحق التي غرس الله شوكتها في حلوق أهل
-- سيد قطب الشهيد الحي في قلوب المظلومين ، و الأديب الأريب الذي وقعت كلماته موقع الخلود من نفوس المعجبين ، و غصة الحق التي غرس الله شوكتها في حلوق أهل الباطل من الظالمين ، و هو صاحب الإرث الأدبي الذي هو بمنزلة العين للشاربين. كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم يعتبر درة فريدة من درر الشهيد ، و هو في الأصل كتابة جديدة لنفس الموضوع الذي كان سيد رحمه الله قد كتب عنه مقالتين كبيرتين في إحدى المجلات العريقة ( المقتطف سنة 1939 ) و ما زالتا تحتفظان بأهميتهما ، خاصة أنه تناول فيهما هذه النظرية من جانب أدبي بحت كما قال . و قد كان هذا قبل انضمامه إلى التيار الإسلامي ، ثم لما من الله تعالى عليه بالإنابة و الولوج إلى رحاب الإسلام رأى أن يعيد تناول هذا الموضوع القيم ( من منظور إيماني مشوب بالروح الأدبية التي ملكت عليه قلمه و لسانه ) في كتاب آخر يفيض فيه الحديث عن نظريته في التصوير الفني و حيثياتها القرآنية ، و ليبرز فيه أهم النتائج التي توصل إليها و التي من شأنها ( في رأيه ) أن توثق الصلة التأملية بالقرآن الكريم، و هو ما يعتبر كشفا عن لون فني جديد في الدراسات القرآنية و الأدبية . و قد أشار سيد قطب في بداية كتابه هذا إلى أن القرآن دُرس دراسة لا بأس بها من نواحي التشريع و اللغة و التاريخ ، و لكنه لم يدرس من الناحية الفنية دراسة حقيقية ، و قلما تناوله العلماء من هذه الناحية ، اللهم إلا ما كان من الإمامين عبد القاهر الجرجاني و الزمخشري اللذين تناولا جانب البلاغة فيه و أبدعا في ذلك أيما إبداع ( رحمهما الله ) . إعتبر سيد قطب أن التصوير الفني هو القاعدة العامة في السرد التعبيري للقرآن الكريم ، حيث يستخدم القرآن الكريم طريقة التصوير في مختلف أغراضه و موضوعاته و هذا ما جعل حوالي ثلاثة أرباع آياته معروضة بطريقة التصوير ، و هو في نظره القاعدة الأساسية المُتَّبعة في جميع الأغراض ( فيما عدا غرض التشريع بطبيعة الحال ) فليس بحثه تجميعا لتلك الصور أو ترتيبا لها ، و لكنه تأصيل علمي لقاعدة أدبية مطردة في كتاب الله تعالى . و هو يرى أن المشاهد و الحوادث و المناظر الواردة في سور الكتاب الكريم ما هي إلا حقيقة تصويرية للقصص التي دارت بين الحق و الباطل و صيرها أسلوب القرآن الكريم في صورة حية دبت فيها الحركة و شخصت فيها الحياة . و ما تكاد الألسنة تتلو الآيات حتى يخيل لقارئيها كأن المشاهد تحدث أمام أبصارهم و كأن أصوات الحوارات و الإلهامات تجري مجراها على أسماعهم في جمال تصويري بديع . و قد قسم سيد قطب التصوير الفني في القرآن أربعة أقسام هي: صور فنية مجردة ، و قصص فني تتابع فيه الصور و تتلاحق ، و نوع بينهما هو الحوار يميل إلى القصة تارةً ، و إلى الصورة المجردة تارةً ، و تعبيرات فنية عن حالات نفسية أو مناظر طبيعية . و هذه الرؤية الفنية العالية التي اعتمد عليها سيد قطب من خلال تعامله المباشر مع النص القرآني جعلته يتأمل في دقائق هذا التصوير و أبعاده على نفس المؤمن و شعوره الروحي بالعالم الآخر و ما يزيد ذلك من يقينه في ما عند الله و في ما يلقي في روعه من السكينة و الطمأنينة و الراحة عند تدبره لسور القرآن . تميز الكتاب بشدة التقصي و الإجتهاد في الإحاطة بالجزئيات المختلفة للموضوع ، و بكثرة الصور و الإستلالات من القرآن الكريم ، و يبدو أن التوفيق قد حالف صاحب الظلال الورافة في عرض نظريته القرآنية بأسلوب شاعري يغوص على المعاني و بحجة بالغة تستهوي النفوس . و مما يجدر ذكره هنا تعميما للفائدة أن الكتاب حين ظهر لأول مرة سنة 1945 إنفجرت شرارة الصراع بين سيد قطب و مدرسة الأمناء ( نسبة إلى أمين الخولي ) ، ففي الشهر نفسه الذي طبع فيه الكتاب نشرت عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطئ و هي زوجة أمين الخولي الثالثة ) مقالة عن الكتاب في جريدة الأهرام ، أشارت فيها إلى أن الكتاب مجرد محاولة للبحث في جمالية القرآن ، و أن موضوعه ليس جديدًا أو مبتكرًا ، و أن هناك أبحاثا جامعية قد سبقته حول نفس الموضوع . و هذا ما أغضب سيد قطب و اضطره إلى الرد على المقال بعد شهر واحد فقط . و في سياق رده على كل من نجيب محفوظ و عبد المنعم خلاف رد أيضًا على بنت الشاطئ ، و لكن دون ذكر اسمها طبعا . فكان هذا بداية لمعركة أدبية حامية الوطيس بينه و بين مدرسة الشيخ أمين الخولي و هو ما تسبب في صراع نقدي و ردود و تعقبات طواها الزمن على صفحات الرسالة الغراء و غيرها من المجلات الأدبية العريقة . -- الأسلوب الإنشائي للفقيد كان رائعا و مميزا و دقيقا جدا ، و هو من الكتاب الذين يحسنون الوصول إلى دقائق المعاني و التعبير بجواهر الألفاظ و محاسن الكلمات . و قد تمكن من خلال ذلك و ببراعة أدبية فائقة أن يظهر المقصود من مضامين الكتاب في بيان مشرق ، و عرض جميل و تفصيل مؤثر و مدهش . و لا شك أن الحالة الشعورية الرقيقة التي كانت تنتاب المؤلف عند تأمله للآيات القرانية و غوصه في معانيها قد أثرت في طريقته البديعة في تحليل ظاهرة التصوير الفني . هذا و الحقُّ أن كتاب التصوير الفني ممتع للغاية ، يلتذُّ القارئ بقراءته حتى إنه ليكاد يستعيد بعض فصوله مرات و مرات ، فإن الصور الجميلة التي ساقها مؤلِّفه ، و المشاعر السامية التي أودعها صفحاتِه ، و التأملات الدقيقة التي أمتع بها الأعين و الأسماع ، و التعابير القرآنية الجياشة التي استعان بها في التفصيل لنظريته ، دلَّت على قدرة أدبية مذهلة ، و فطنة قرآنية بالغة ، و روح إيمانية شديدة الإعتداد و الإجتهاد . ...more |
Notes are private!
|
1
|
not set
|
not set
|
Apr 28, 2021
|
Paperback
|
|
|
|
|
|
my rating |
|
![]() |
||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
4.30
|
liked it
|
not set
not set
|
Jul 31, 2023
|
||||||
2.58
|
liked it
|
not set
|
Jan 25, 2022
|
||||||
4.01
|
it was amazing
|
not set
|
Nov 23, 2021
|
||||||
4.00
|
really liked it
|
not set
|
Nov 09, 2021
|
||||||
3.33
|
really liked it
|
not set
|
Oct 30, 2021
|
||||||
4.50
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
|||||||
4.46
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
|||||||
4.37
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
|||||||
4.59
|
not set
|
Aug 28, 2021
|
|||||||
4.34
|
it was amazing
|
not set
|
Aug 15, 2021
|
||||||
4.12
|
it was amazing
|
not set
|
Aug 02, 2021
|
||||||
3.17
|
really liked it
|
not set
|
Jul 27, 2021
|
||||||
4.00
|
really liked it
|
not set
|
Jul 22, 2021
|
||||||
4.39
|
really liked it
|
not set
|
Jul 19, 2021
|
||||||
4.07
|
really liked it
|
not set
|
Jul 01, 2021
|
||||||
4.15
|
really liked it
|
not set
|
Jun 15, 2021
|
||||||
4.07
|
really liked it
|
not set
|
Jun 04, 2021
|
||||||
4.12
|
liked it
|
not set
|
May 29, 2021
|
||||||
4.04
|
really liked it
|
not set
|
May 04, 2021
|
||||||
4.22
|
really liked it
|
not set
|
Apr 28, 2021
|