هذا ليس مجرد كتاب قرأته، إنه صديق لطيف ورفيق ليالٍ طويلة آنسني فيها وأسعدني، منذ كم لم أحظ بكتاب أعتبره صديقا! منذ كم لم يجتمع في قلبي فرح بكتاب وخوف هذا ليس مجرد كتاب قرأته، إنه صديق لطيف ورفيق ليالٍ طويلة آنسني فيها وأسعدني، منذ كم لم أحظ بكتاب أعتبره صديقا! منذ كم لم يجتمع في قلبي فرح بكتاب وخوف من الانتهاء منه كما اجتمعا هاهنا؟! منذ فترة قرأت بحثا موجزا للمؤلف بنفس الاسم (معنى الحياة في العالم الحديث) وكان عيبه الوحيد في نظري أنه لم يكن أطول، أذكر أني تمنيت ساعتها لو توسع المؤلف في بحثه وأفاض في الشرح، ولذلك فإن الإعلان عن صدور كتابنا هذا كان بمثابة فرح صغير بتحقق أمنية لم أبح بها
كتابة مراجعة عن مثل هذا الكتاب مغامرة صعبة، أولا لأن الكتاب ثري جدا في أفكاره ورؤيته، وثانيا لأني تأثرت للغاية بنقولات المؤلف واقتباساته وحتى هوامشه (وما أدراك ما الهوامش!) وكذلك المقتطفات التي صدر بها كل فصل من فصول الكتاب، كل ذلك كان رائعا، مما جعل صفحات الكتاب كلها تقريبا محددة بالقلم الرصاص ومحاطة بالتعليقات غريبة الأطوار :)) لكني سأحاول عرض الكتاب بإيجاز لتثبيت أفكاره الرئيسية في ذهني وللتعريف بها لمن سألني عنها من الصديقات
يبدأ الكتاب بمدخل نظري يشرح فيه المؤلف مفهوم معنى الحياة وحاجة الإنسان الفطرية لفهم هذا المعنى والاحساس به والبحث عنه إن فقد، وكيف ساهمت الحداثة في تجريد العالم من هذا المعنى، ثم يعرض المؤلف بعض المواقف الحياتية مثل الملل والألم والموت التي يشعر فيها الإنسان بحاجته إلى فهم المعنى من وراء حياته والتي تضطره بعد ذلك للإجابة عن سؤال المعنى بما يوافق تصوره عن الحياة والكون، هذه الإجابات عن سؤال المعنى هي آخر ما نجده في مدخل الكتاب النظري
الفصل الأول بعنوان (الأنا في العقود الأخيرة) وفيه يرسم المؤلف خارطة تمهيدية للظروف التي تأزم ضمنها سؤال المعنى واعتبر أن التحول الواسع نحو التمركز الذاتي، وتضخم موضع الأنا في بنية الهوية والسلوك، وهوس الإنسان المعاصر بتحقيق ذاته منقطعا عن أي روابط روحية واجتماعية هو من أهم أسباب تفجر أزمة المعنى في عالمنا الحديث
الفصل الثاني بعنوان (الذات الحديثة: الجذور والآثار) يعود المؤلف إلى الوراء محاولا استكشاف الجذور التاريخية لأزمة المعنى الحديثة خاصة فيما يتعلق بإثبات الذات وتأسيس الهوية الشخصية، فيعرض نموذجين رأى كل منهما في الباطن الفردي تميزا يمكنه من الوصول للحق سواء كان سماويا في حالة أوغسطين أو أرضيا في حالة ديكارت، ثم يتتبع مفهوم الذات وعلاقتها بالهوية والمعرفة في (بنية النظرية القانونية والسياسية الحديثة، وفي الاهتمام بدراسة الانفعال والعواطف في الفلسفات الحديثة، وفي الحركة الرومانتيكية وأثرها في ترويج فكرة الأصالة ثم كيف تجلى ذلك عبر فنون الرواية وأدب الاعتراف واليوميات وشبكات التواصل الاجتماعي) ثم يختم الفصل بملامح التكوين النفسي لفردانية تحقيق الذات وقد كانت رغم إيجازها مهمة وكاشفة حقا
الفصل الثالث بعنوان (مآزق الأصالة) وفيه يعرض المؤلف طبيعة العلاقة بين (الأنا) و(النحن) في فردانية تحقيق الذات ومخاطر حصر تحقيق القيمة والهوية في الاختيار الذاتي للفرد، ثم يعارض ذلك بشرح مدى ارتباط الفرد بالمجتمع في تكوينه من خلال تمثله لللغة وبنائه لسرديته الذاتية (قصة حياته ورحلة سعيه بتبسيط مخل) وفي نهاية الفصل يعرض لملمحين أساسين من ملامح أزمة المعنى وهو حاجة الإنسان الحديث وجوعه للاعتراف، وفردنة مشكلات المجتمع العامة ونفسنتها أي ردها إلى أسباب فردية ومحاولة علاجها كحالات نفسية، هذا الجزء كان مهما جدا لفهم كثير من سلوكيات الناس في مجتمعاتنا المعاصرة
الفصل الرابع بعنوان (الطريق نحو الجسد) وفيه يعرض المؤلف أثر النسبوية المعرفية والأخلاقية (حيث لا حقائق دائمة وصارمة وإنما معايير مختلفة من شخص لآخر للحكم على الأشياء) وأثر النزعات العدمية (وتجلياتها في الآداب والفنون) في التركيز على الجسد كموقع أخير لتحقيق اليقين والمعنى، وفي هذا الإطار يمكن فهم الإقبال على العمليات التجميلية وشيوع الوشوم والاهتمام المحموم باللياقة البدنية ومراقبة الوزن ومحاربة الشيخوخة واللهاث وراء المغامرات الرياضية الخطرة وتحقيق الأرقام القياسية
الفصل الخامس بعنوان (اختلاق المقدس والأديان البديلة) وهو أحب فصول الكتاب إلى قلبي وأشدها تأثيرا في نظري، فكرة الفصل الرئيسية أن الإنسان بفطرته يحتاج إلى أن التدين والتأله والتقديس، وإذا كانت الفلسفات الحديثة حاربت الدين وحاولت تنحية الإله من مركز الوجود الإنساني ونفت المقدس فإنها لم تستطع قط نفي هذه الفطرة الإنسانية وبالتالي وقعت في اختراع مقدسات وأديان بديلة تلبي شوق الإنسان الغريزي لكن بلا التزامات ولا تضحيات يعرض المؤلف لمحة عامة عن سياق اختراع المقدسات والأديان البديلة ثم يعرض أشهر نماذجها متمثلة في الأديان السياسية (الشيوعية والاشتراكية كمثال) وتقديس الانتماء الوطني وتأليه الدولة القومية وتقديس السوق والفلسفات القديمة والروحانيات البديلة والتحليل النفسي بوصفه دينا وأخيرا الملامح الدينية في بعض الرياضات المعاصرة (هذا الجزء لطيف جدا ومهم أن يقرأه المهووسون بتشجيع كرة القدم :))
الفصل السادس بعنوان (المشاعر والرومانسيات المعاصرة): إذا كان المؤلف في الفصل الخامس عرض بعض المقدسات البديلة فإنه في هذا الفصل والذي يليه يركز على مقدس بديل معين ويناقشه باستفاضة فيبدأ بشرح الحيز الكبير الذي استغرقته المشاعر والأحاسيس والوجدانيات من اهتمامات الذات المعاصرة وأثر ذلك في تحول الدين عند البعض إلى تجربة عاطفية، ثم يبين موقع الحب في الثقافة الحديثة وعلاقته بأزمة المعنى وارتباط ذلك بزواج الحب وطبيعة العلاقات العاطفية الجديدة ومن ضمنها علاقات الأبوة والأمومة، ويشير أخيرا إلى أزمات علاقات الحب وآثارها على الذات والهوية والمعنى
الفصل السابع بعنوان (الفن والمعنى المؤجل) وفيه يركز المؤلف على مقدس آخر يحاول أن يحل محل الدين في الثقافة الروحية المعاصرة ألا وهو الفن، وهو يبدأ الفصل بعرض علاقة الفن بالدين عبر التاريخ، ثم كيف استقل الفن بقيمته بعيدا عن الدين ليتحول إلى غاية ومصدر للمعنى وكيف قدسه المعاصرون لكونه يؤجل سؤال المعنى ويلهي الإنسان عن التفكر فيه والتعاسة بسببه، أبرز ما لفت نظري في هذا الفصل كان رؤية أئمة الدين المسلمين للفن ممثلا في سماع الغناء والمعازف ومقارنتهم ذلك بأثر القرآن والذكر في النفوس وانفعال الإنسان بذلك
الفصل الثامن بعنوان (المعنى والزمان) وهو فصل ماتع يشرح فيه المؤلف كيف يساهم الوعي بالزمان في إحساس الإنسان بمعنى حياته وكيف اختلف هذا الوعي بالزمان في العالم الحديث بسبب التطورات التقنية في وسائل الاتصال والمواصلات وحركة المال والأعمال، أيضا يشير المؤلف إلى محاولات الروحانية المعاصرة لحصر وعي الإنسان بالزمن في اللحظة الآنية وتجاهلها لذكريات الماضي ومخاوف وأمنيات المستقبل وأثر ذلك في فقد الإنسان للمعنى، كما يوضح أهمية البناء السردي المعتمد على تتابع الزمان واتصاله بين الماضي والحاضر والمستقبل ومساهمته في إيجاد معنى الحياة
الفصل التاسع بعنوان (من المعنى إلى التعبد): أخيرا نصل إلى إجابة شافية عن سؤال معنى الحياة، إجابة ترتكز بشكل أساسي على السردية القرآنية التي يتضح من خلالها غاية الوجود ومعنى الحياة في ظل التصورات الإسلامية عن الدين والإيمان، إجابة يلخصها المؤلف في براعة شديدة بأن معنى الحياة لا يتحقق على جهة الكمال إلا بالإذعان والاستسلام لمقتضى العبودية بتصحيح القصد والإيمان بالرسالة وضبط بوصلة القلب على جهة العلو طاعة ومحبة وإخلاصا وتوحيدا
ثم الخاتمة الأجمل على الإطلاق التي تستحق كل فقرة فيها أن تقرأ بتأمل وتمعن وتفكر وتكرر قراءتها مرة بعد مرة، تلك الخاتمة التي توافقت نهايتها مع شعوري تجاه هذا الكتاب منذ بدأت قراءته، شعور الفرح الذي لازمني طول الوقت رغم عمق المأساة الكامنة بين سطور الكتاب وأطروحاته ونظرياته وأفكاره، فرح بالفهم الصحيح لما يجري من وقائع وسلوكيات حولنا فتتسرب آثارها إلى نفوسنا وتتسلل إلى قلوبنا، فرح لأن هذا الفهم الصحيح المتبصر المترابط صادر من عقلية عربية مسلمة متشربة لمعاني الوحي ومنطلقة من مرجعيته في تصوراتها للأمور وتقييمها لها وحكمها عليها لقد ختم هذا المزيج الهائل والمتناغم من الأفكار والنظريات والاقتباسات والمعاني والانتقادات بقول المؤلف: (فعلى المؤمن أن يتمسك بالحق، وأن يعلل نفسه ويتصبر ويقاوم، فإن الزمان قصير، ولا مفر له من هذا الطريق، وسيصل إلى نهايته يوما ما، فليجاهد ما استطاع ليكون وصوله حينئذ في موكب الفرح)
نعم، فلنجاهد ما استطعنا ليكون وصولنا حينئذ في موكب الفرح...more
كتاب ممتع ومفيد يتناول موضوعا شيقا غير مألوف وهو كيف تحدد العلاقة مع الطعام والجسد هوياتنا وعلاقاتنا بوصفها رجالا ونساء، الكتاب عبارة عن مقالات متنوعةكتاب ممتع ومفيد يتناول موضوعا شيقا غير مألوف وهو كيف تحدد العلاقة مع الطعام والجسد هوياتنا وعلاقاتنا بوصفها رجالا ونساء، الكتاب عبارة عن مقالات متنوعة تدندن حول الموضوع الرئيسي لكن من زوايا مختلفة للنظر ولذلك لم تكن جميعا على نفس المستوى من الإقناع والمتعة، كما أن ثمة أفكار للمؤلفة لم تعجبني أبدا إلا أن الكتاب إجمالا كان لطيفا
هذه بعض التعليقات السريعة على الكتاب:
* أهم ما وجدته في الكتاب هو الطريقة المختلفة التي نظر بها إلى المرأة في عالمنا الحديث ووسائل تحقيقها لهويتها والإحساس بأهميتها في المجتمع، لقد قارن الكتاب بين ثلاثة أجيال مختلفة من النساء وتبين من خلال تلك المقارنات حجم التغير الهائل الذي تعرضنا له على مدى السنوات في طريقة تفكيرنا وطموحاتنا واحتياجاتنا، كما تبين في نفس الوقت أن ثمة فطرة أنثوية مركوزة داخل كل امرأة تقاوم التغيير ويؤلمها هذا السحق المتواصل لها تحت شعارات التحرر وتحقيق الذات
* أدهشني كذلك هذا التشابه الغريب بين مجتمعات دول حوض البحر المتوسط وكيف أن النساء في إيطاليا في تطور حياتهن الاجتماعية يشبهن النساء المصريات كثيرا
* علاقتي بالطهي والمطبخ مرتبكة، وأظن أنني من خلال اطلاعي على بعض المقالات استطعت أن أفهم بعض الأسباب وراء ذلك واستطعت أيضا تحصيل بعض الدوافع لبدء علاقة جديدة مع الطهي :))
* العلاقة المضطربة بين النساء والطعام في دول الغرب ناشئة من التناقض بين رغبة عارمة في الحصول على جسد نحيف يناسب مقاييس الجمال العصرية وبين استهلاك طعام سريع التحضير وغير صحي ومليء بالسعرات الحرارية
* كل وصفات الأكلات التي ذكرتها المؤلفة في سياق الكتاب وضحتها بالتفصيل في نهاية الكتاب، لقد استمتعت كثيرا بسماع حكايات النساء عن طرق تحضيرهن للطعام وتغييرهن في الوصفات وإبداعهن في ذلك :))
* المقال الاخير كان رائعا حيث ركز على طرق مقاومة النساء في الولايات المتحدة الأمريكية على التغلب على اضطهاد الجسد، وتناول روايتين لامرأتين توضحان كيف يمكن للحمل والولادة أن يمكنا النساء من التغلب على تشيؤ أجسادهن والتصالح مع أجسادهن والشعور بدورهن المجتمعي الفعال، لا شك أن المؤلفة كانت تقصد غاية مختلفة عن غايتي تماما، لكني أعجبت بهذه الرؤية المختلفة للحمل والولادة وكيف أنهما ليسا فقط الوظيفة الطبيعية والأشد أهمية لكل امرأة بل وكذلك هما الوظيفة التي ترسخ دورهن المجتمعي وهويتهن الأنثوية، وهو ما يناقض كل دعوات تحرر المرأة وأحقيتها في العمل واعتباره الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذاتها في المجتمع
* ثمة إشارة لطيفة إلى دور الطعام وصناعته وتوزيعه وطريقة تقديمه وارتباطه بالمناسبات المختلفة في تعزيز العلاقات المجتمعية وكيف أنه بتغير أساليب هذه الصناعة تراجعت كثير من العلاقات واضمحلت وتفسخت...more
كتاب عجيب حقا، ولا أعرف حتى الآن كيف يمكن تصنيف الكتاب وكيف يمكن فهم دوافع المؤلف وغاياته، لكن الذي أعرفه جيدا أن أدلة الكتاب ونتائجه كانت مدهشة وغير كتاب عجيب حقا، ولا أعرف حتى الآن كيف يمكن تصنيف الكتاب وكيف يمكن فهم دوافع المؤلف وغاياته، لكن الذي أعرفه جيدا أن أدلة الكتاب ونتائجه كانت مدهشة وغير متوقعة من ناحية ومعززة لمعرفتنا الدينية ومدعومة بها من ناحية أخرى إن الأطروحة الأساسية التي يجادل عنها جستون باريت هي أن الأطفال يولدون بميل نحو الإيمان بالله وأن هذا الميل لا يمكن تبريره بالتلقي أو التقليد أو التعليم، بل هو مترسخ في طريقة فهمهم للعالم والحياة من حولهم ومتجذر في فطرتهم
ينقسم الكتاب إلى جزأين: الجزء الأول وهو الأدلة ويتضمن خمسة فصول عن قدرة الأطفال على إدراك العوامل الفاعلة، وعن بحثهم عن الغاية وراء كل فعل، وعن قدرتهم على معرفة الخالق وتصورهم لأفعاله وصفاته، كل هذه الفصول مدعمة بالتجارب التي تجرى على أطفال من أعمار مختلفة وبطرق مختلفة لإثبات أفكارها، كان مدهشا هذا التأكيد الذي ظهر على إيمان معظم الأطفال بوجود إله خالق قادر عليم بالرغم حتى من نشأتهم في بيئة غير متدينة بل وداعية للإلحاد، لطالما آمنت بقدرة الأطفال على التفكير السليم والشعور الصادق لكني تفاجأت بمعرفة هذا القدر منهما وانتفعت بهذه المعرفة الجزء الثاني من الكتاب وهو النتائج يناقش النتائج المترتبة على ما قرره المؤلف في أطروحته ويجادل الملحدين ويفند نظرياتهم حول الدين والإيمان، النتائج هنا مدهشة للغاية وربما أعجب ما يمكن أن تجده أن مؤلفا غير متدين أصلا يصرح أن الإلحاد غير طبيعي وغير منطقي وأن الملحدين قلة وليس كما يحاول البعض الترويج له من كثرتهم وقوتهم، وفي نهاية هذا الجزء فصلان ممتعان للغاية عن تعريف الأطفال على الله وتشجيع النمو الديني عندهم، لو تتبعنا أفكار المؤلف عن تشجيع الأطفال على التدين سنجد أن لكل منها أصلا في الدين وهذا أكثر ما أدهشني وأعجبني، أنصح الآباء والأمهات والمعلمين بالاطلاع على هذا الكتاب والاستفادة منه في تعزيز تنشئة الأطفال على الإيمان والتمسك بالدين والالتزام بشرائعه هناك سلبيات بالطبع في الكتاب منها ذلك الخلط من المؤلف بين الإيمان والدين وإقراره بالإيمان ورفضه للدين، أيضا عدم التفرقة بين تصورات الناس عن الإله واعتبارها كلها في نفس الاتجاه، لكن عموما الكتاب مهم ونافع ومدهش...more
قرأت الجزء الأول من الكتاب ضمن برنامج كفاية المبتدي لعلوم القرآن، وتوقفت عند بداية سرد المؤلف لأسباب النزول لكل سورة بالتفصيل، الكتاب ضخم جدا وفي أصلهقرأت الجزء الأول من الكتاب ضمن برنامج كفاية المبتدي لعلوم القرآن، وتوقفت عند بداية سرد المؤلف لأسباب النزول لكل سورة بالتفصيل، الكتاب ضخم جدا وفي أصله رسالة دكتوراه وكنت أتمنى لو تسنى لى الاطلاع عليه كله
الكتاب عبارة عن تمهيد وقسمين، قرأت التمهيد والقسم الأول وتبقى القسم الثاني وهو أكثر الكتاب التمهيد يتناول خمسة مباحث وهي مكانة أسباب النزول وأهميتها وفوائد معرفتها ونشأة علم أسباب النزول ومصادره وبواعث الخطأ فيه القسم الأول عبارة عن فصلين: الفصل الأول عبارة عن قواعد في أسباب النزول يبدأ بتعريفها ومفهومها عند العلماء، ثم مبحث عن صيغة أسباب النزول وكيف تؤثر في اعتبارها من الأسباب، ثم مبحث عما يسمى تعدد الآيات والسبب واحد، ثم مبحث عن العكس أي تعدد الأسباب والآية واحدة، ثم مبحث عن عموم اللفظ وخصوص السبب وهو مبحث مهم جدا ومتعلق للغاية بأسباب النزول ويوضح أهميتها، وأخيرا مبحث عن تكرر النزول وإن كان يجوز ذلك أصلا أم لا الفصل الثاني عبارة عن ضوابط الترجيح في أسباب النزول وهو فصل مشوق جدا بالنسبة لي ومباحثه جديدة عليّ، المبحث الأول تكلم عن ترجيح الصحيح على الضعيف، والمبحث الثاني عن الترجيح بتقديم السبب الموافق للفظ الآية، والمبحث الثالث عن تقديم قول صاحب القصة، والمبحث الرابع عن تقديم قول الشاهد للسبب عن الغائب عنه، والمبحث الخامس عن ترجيح بدلالة السياق القرآني، والمبحث السادس عن ترجيح بدلالة الوقائع التاريخية هذا الفصل استفدت منه فهما مختلفا للآيات وقدرة على تمييز الراجح من المرجوح في أسباب النزول، وعموما فقد أحببت الكتاب رغم أنه دراسة أكاديمية متخصصة ولم أشعر في قراءته بتعقيد أو ملل واستفدت كثيرا منه خاصة فيما يتعلق بأهمية العلم بأسباب النزول ودورها الكبير في فهم الآيات وفهم أسرار الشريعة وحكمها في أحكامها، وكما قلت كنت أتمنى لو أتيحت لي الفرصة لإكماله والتمعن في أسباب النزول التي فصلها تفصيلا طويلا لكل سورة وبتعدد الأسانيد والروايات....more
قرأتها لأني شعرت أني بحاجة إلى أن أقرأ لربيع جابر، ثمة سؤال يلح عليّ كل حين: أين اختفى ربيع جابر؟ لماذا لم يعد يكتب الروايات؟ هل هناك من يعرف عنه شيئاقرأتها لأني شعرت أني بحاجة إلى أن أقرأ لربيع جابر، ثمة سؤال يلح عليّ كل حين: أين اختفى ربيع جابر؟ لماذا لم يعد يكتب الروايات؟ هل هناك من يعرف عنه شيئا أم أنه اختفى تماما كأحد أبطال رواياته الكثيرين؟ الرواية بسيطة الحبكة لكن المأساة تكمن فيها ككل روايات ربيع جابر، لابد أن تشعر بهذا الحزن الذي يتوغل في القلوب ويفوح من كل شيء، هذا الحزن غير المفهوم الذي يقبع في خلفية الأحداث مهما كانت عادية ومألوفة، لا أعرف، أبدو متناقضة، أحداث روايات ربيع جابر ليست عادية ولا مألوفة، إنها غريبة فعلا، فلماذا أحمل هذا الانطباع عنها بكونها عادية؟! ربما لأنه يسردها ببساطة ودون تكلف، أو ربما لأنه يقصد ذلك، يقصد أن يقول أن حياتنا اليومية المألوفة تنطوي طول الوقت على أحداث غريبة ومأساوية يمكن أن تفاجئنا في أي لحظة لتحرف مسار حياتنا وتقلبها رأسا على عقب. رالف رزق الله مواطن لبناني عمل بالجامعة والصحافة، لأسباب غير معروفة لأي أحد يقرر فجأة الانتحار، ربيع جابر أو الراوي يشغله ذلك ويحاول أن يفهم لماذا انتحر رالف رزق الله فيقترب من عائلته ويفتش في ماضيه ويسمع حكايات عنه من أهله وزوجته وأولاده، أنا شخصيا لم أفهم لماذا انتحر رالف رزق الله ولا أرى أي حكمة أو فائدة أو معنى وراء القصة، وهذا ما جعلني أراجع تاريخ قراءاتي العديدة لربيع جابر وأتساءل عن المعاني التي حصلتها منها من قبل، لقد كنت دوما أشعر بأن المعاني في قصص ربيع جابر لا يمكن استخلاصها، لأنها جزء من نسيج القصة نفسه، فأحداث القصة بعاديتها ومأساويتها وتفاصيلها التي يبرع في وصفها ربيع جابر هي الثمرة الحقيقية من القراءة كان ربيع جابر يصف مشهدا عاديا جدا في هذه الرواية، أظن أنه كان يشرب القهوة مع والد رالف رزق الله، كان يحكي بعباراته القصيرة البسيطة لكنني فجأة بكيت، لقد حاولت أن أفهم لماذا أبكتني عبارات عادية تصف مشهدا عاديا فلم أستطع، هل هي المشاعر الغامضة التي ينتزعها منا بعاديته المفرطة؟ هل هو الحنين الحزين الذي يدفعنا إليه طوال القراءة؟ هل هو التعاطف العظيم الذي ينمو داخلنا تجاه شخصياته كسيرة القلب وهي تعيش مأساتها بذهول واستسلام؟
على العموم كل هذه أسئلة لا إجابات لها، عايزين نسأل الأسئلة المهمة التي لا إجابات لها أيضا: أين اختفى ربيع جابر؟ ولماذا لم يعد يكتب روايات؟!...more
منذ صدر هذا الكتاب عن دار مدارات وأنا عازمة على قراءته، ورغم أنه مر ثلاث سنوات على صدوره فإنني لم أنس عزمي الأول أبدا حتى أهدتني إياه أختي الحبيبة أقرمنذ صدر هذا الكتاب عن دار مدارات وأنا عازمة على قراءته، ورغم أنه مر ثلاث سنوات على صدوره فإنني لم أنس عزمي الأول أبدا حتى أهدتني إياه أختي الحبيبة أقر الله عينها بما تحب
كالعادة مقدمة ثرية وممتعة للدكتور أحمد العدوي الذي نقل الكتاب إلى العربية(آثرت استعمال نفس التعبير المكتوب على الغلاف) ولا أظن أنني أبالغ إذا قلت أن هذه المقدمة هي أفضل ما في الكتاب على الإطلاق، في هذه المقدمة تناول المترجم تاريخ اكتشاف چورچ مقدسي ليوميات ابن البناء ثم يأخذنا في جولة للتعرف على معنى اليوميات بشكل عام وتاريخها ودوافع تدوينها وارتباطها بالعصر الذي تدون فيه وسماته النفسية والاجتماعية، ثم جولة أخرى للتعرف على اليوميات في التراث العربي وقد كانت جولة مدهشة حقا اطلعت فيها على معارف لم تخطر لي على بال ولم أتوقع أن ألقاها هنا. ثم يحدثنا بالتفصيل عن الشيخ الحسن بن البناء الحنبلي البغدادي صاحب اليوميات ويعرض لنا سيرة حياته وطلبه للعلم ومناصبه العلمية وعلاقاته بالعلماء والوجهاء وأولي الأمر وأهل الحكم في ذاك الوقت وكذلك تفاصيل حياته الشخصية، بل ومن خلال يومياته يستنتج المترجم الكثير من الأمور ومنها الصفات النفسية والعلمية التي ميزت صاحب اليوميات والتي ربما كانت عاملا مهما لفهم كثير من أحداث اليوميات كذلك، وفي النهاية وصف لمخطوطة اليوميات الأصلية ومنهج الدكتور في إخراج الكتاب طوال قراءتي لهذه المقدمة الممتعة كنت أستدعي كل ما استقر في ذاكرتي البعيدة عن كتابة اليوميات، لقد أغرمت ذات يوم بتدوين اليوميات تأثرا بما قرأت من سير ذاتية وبدأت بالفعل في طفولتي تدوين بعض المذكرات المعتمدة على تحديد اليوم والساعة، كانت يوميات ساذجة للغاية لا أستطيع حتى الإفصاح عنها دون أن أضحك من نفسي وأسخر منها :)) لكن العجيب أن قراءتي للكتاب استدعت هذا الغرام القديم المضحك بشكل مغاير تماما كله حنين وتأمل وندم أنني لم أستمر في تدوين يومياتي ونوايا غير أكيدة على البدء ثانية في هذا التدوين :)) هذه المقدمة أيضا دفعتني للتأمل في مغزى اهتمامنا بكتابة المنشورات على فيسبوك وتسجيل ما يمر بنا من مواقف يومية عادية أو مشاعر لحظية عابرة أو لقاءات بالأصدقاء أو أحداث مؤثرة سعيدة أو حزينة، هل يمكن اعتبار حساباتنا على فيسبوك بمثابة دفاتر يوميات الكترونية تتفق وروح العصر الذي نعيش فيه؟ هل يمكن الربط بين حرصنا على الكتابة والتدوين فيها رغم اختلاف قدراتنا التعبيرية واهتماماتنا وأساليبنا على أن الأمر ليس متعلقا بالكتابة الأدبية وغاياتها البيانية بقدر ما هو متعلق بالكتابة بوصفها وسيلة للتوثيق والاحتفاظ بالمواقف والذكريات؟! وما علاقة ذلك كله بالفردية التي تتنامى في العصر الحديث؟!
بعد ذلك هناك مقدمة أخرى لمحقق اليوميات وهو چورچ مقدسي، وعليك أن تتماسك عزيزي القاريء حتى تصل إلى نص اليوميات نفسه لأن المقدمة مهمة أيضا فلا تمل
ثم نص يوميات الفقيه الحنبلي ابن البناء، وعليّ أن أعترف أولا أنني أوشكت على الملل عند بعض المقاطع والشذرات وأنني تهت أحيانا في ما يحكيه ابن البناء من تفاصيل لا تعنيني كثيرا ولا تجذب انتباهي، كما أنني وجدت صعوبة في فهم بعض الألفاظ والأسماء وما المراد بها وكنت أتمنى لو روعي ذلك في هوامش الكتاب لكن بالرغم من ذلك فالنص كان ثريا ومدهشا وغير متوقع، لقد أعطاني صورة لم أتخيلها من قبل عن هذا العصر وهذه الظروف، فبغداد في القرن الخامس الهجري وأحوال الناس والعلماء والفقهاء وأصحاب السلطة فيها تبدو لك هنا على هيئة واضحة ومستغربة في نفس الوقت، وأظن أن قيمة هذه اليوميات تكمن أساسا في تلك الصورة التي استطاعت رسمها للناس في ذلك الزمان البعيد، إننا بحاجة إلى مقارنة الصورة التي ترسمها هذه النصوص التاريخية النابعة من حياة الناس ويومياتهم العادية وبين الصورة التي نتخيلها نحن عن ذلك الزمن دون استناد إلى أي منطق أو علم أو تاريخ مؤكد، مهم جدا أن نفهم تاريخنا كما كان بالفعل لا كما نتخيل أنه كان عليه
سأكتفي الآن بتعليقات سريعة عن أكثر ما لفت انتباهي في يوميات ابن البناء: أولا: اهتمامه الفائق بتدوين مناماته وتأويل أحلامه، لقد تكرر ذلك كثيرا في اليوميات مما ينبيء عن اهتمام متعاظم بالأحلام في حياة الناس حينذاك، أظن أنني سمعت في أحد دروس الشيخ بدر الثوعي أن الناس في عصور الضعف والخوف يهتمون أكثر بما يرونه أثناء نومهم من أحلام ورؤى، وأظن أنه تكلم أيضا في شرحه لحديث نبوي شريف عن العلاقة بين رؤيا المؤمن ونهاية الزمان وأنها لا تكاد تكذب بل تتحقق كما هي، كان تلك المقاطع مثيرة للاهتمام ومستدعية للتأمل والتحليل وتكشف عن كثير من دواخل نفس الفقيه الحنبلي وأعماق مشاعره وأفكاره
ثانيا: اهتمام ابن البناء بتسجيل الظواهر الكونية من زلازل وفيضانات وأثرها على الناس في مختلف البلاد وما خلفته من دمار ووفيات، لقد هالني هذا التكرر لوقوع الزلازل وآثارها التدميرية وأعداد الوفيات الناتجة عنها، لاسيما الزلزال الذي وقع في فلسطين والذي وقع في الحجاز، لاحظت أيضا أن الأخبار حينذاك كان تأخذ وقتا طويلا حتى تنتقل من بلد إلى بلد ومع ذلك فلم يدفع هذا الناس إلى اللامبالاة، بل بالعكس كانوا مهتمين بتبادل الأخبار رغم مرور أوقات طويلة على وقوع الحوادث نفسها
ثالثا: الصراعات العلمية والسياسية في ذلك الوقت أخذت حيزا واسعا من يوميات ابن البناء وبدا أنه غارق تماما في الاهتمام بتلك الصراعات لدرجة أنها اقتحمت عليه أحلامه، طبيعة هذه الصراعات بين أصحاب المذاهب وبين العلماء في المذهب الواحد وأثرها على العامة ومدى تدخل أولي الأمر فيها كان يكشف عن أمور لم تتبين لي من قبل، ولا أعرف إن كان يمكن مقارنة كل ذلك بما يحدث في عصرنا الحالي أم لا؟! ثمة أمور مشتركة بين عصور الضعف السياسي لكن ثمة اختلافات كبيرة جوهرية كذلك بل تناقضات لا يمكن تجاوزها
رابعا: اهتمام ابن البناء بتدوين الوفيات لاسيما من الجيران والأصدقاء كان لافتا للانتباه خاصة أنه كان يرفق ذلك بنبذة بسيطة عن المتوفي أو تفاصيل مرضه وموته وجنازته، كما أنه كان لديه وفاء كبيرا لمعلميه وشيوخه وأصحاب الفضل عليه وقد استغربت بعض الأمور التي لم أتوقع أن تصدر من حنابلة :)) مثل زيارتهم للقبور والاستغاثة بأصحابها (ص180) ولعلني لم أفهم جيدا ما حدث لكن لفت نظري ذلك واستغربته فأردت تسجيله
خامسا: لم يكن ابن البناء متملقا للسلطة رغم لين خطابه وحرصه على علاقات جيدة مع الوجهاء والحكام، لاحظت أن لديه قوة في قول الحق وتقريره وحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كان ذلك بوسائل متلطفة ورفيقة
هذه تعليقات سريعة غير كاملة على نص اليوميات نفسه، ثم ينتهي الكتاب بملحوظات على اليوميات في الكتابة التاريخية الإسلامية وعلاقتها برواية الحديث النبوي وأنماط كتابة التاريخ الإسلامي وتطورها
وبعد، فهذا كتاب مدهش ممتع يستدعي أفكارا وذكريات وتأملات، ويدفع القاريء إلى مزيد من التفكير والتحليل والبحث وهو أعظم ما يمكن أن يستفاد من كتاب بشكل عام....more
قرأت الكتاب ضمن مواد برنامج كفاية المبتدي التابع لموقع إنه القرآن وقد أفدت منه كثيرا بفضل الله ربما يكون كثير مما جاء في الكتاب ليس غريبا علي وذلك لأنهقرأت الكتاب ضمن مواد برنامج كفاية المبتدي التابع لموقع إنه القرآن وقد أفدت منه كثيرا بفضل الله ربما يكون كثير مما جاء في الكتاب ليس غريبا علي وذلك لأنه سبق لي قراءة عدة كتب لدكتور مساعد الطيار والتي تضمنت نفس موضوعات مقدمة الموسوعة تقريبا
أعجبني جدا ترتيب المباحث وتفصيلاتها وإعادة تعريف المصطلحات وتحديدها بشكل بسيط وواضح، وقد ساعدني ذلك في تصور مباحث المقدمة جيدا واستيعابها
سأمر سريعا على موضوعات المقدمة ومباحثها لكي أتذكرها معكم وأعرضها لعل هناك من يحتاج إلى القراءة فيها فتكون بداية يسيرة له إن شاء الله
تبدأ المقدمة العلمية بعد مائة صفحة ببحث لدكتور مساعد الطيار عن تعريف التفسير المأثور وأهميته ومصادره وطرقه وأنواعه وحجيته، وكعادة الدكتور ستشعر بالأصالة والتمكن والوضوح والرصانة في عرضه للمعلومات وترتيبها والاستدلال لها
بعد ذلك لدينا بحث لدكتور خالد بن يوسف الواصل عن تاريخ تفسير السلف ومراحل تدوينه وقد كان ترتيب المراحل وتحديدها التاريخي وشرح معالمها المهمة والمؤثرات فيها بسيطا وواضحا بفضل الله
ثم بحث لدكتور خالد الواصل أيضا عن مفسري السلف ومراتبهم في التفسير وقد قسمهم أولا إلى ثلاثة أقسام كبيرة وهي: المكثرون في التفسير، والمقلون في التفسير، والمشاركون في التفسير ثم قسم كلا منهم إلى طبقات على حسب عدد آثارهم التفسيرية في الموسوعة كما ينوه على انتماء كل منهم إلى الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين ثم يعقب كل قسم جدولا موضحا بكل مفسري السلف الذين تضمنهم كان تقسيما واضحا ولله الحمد
ثم بحث لدكتور نايف بن سعيد الزهراني عن التعريف بأئمة التفسير الخمسة وطريقة تعاملهم مع آثار السلف بالتفصيل، وهؤلاء الأئمة هم: الإمام الطبري، والإمام ابن عطية، والإمام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، والإمام ابن كثير رضي الله عنهم جميعا
ثم بحث لدكتور نايف الزهراني أيضا عن مستندات التفسير وتعريفها وتصنيفها والأصول التي حكمت تعامل الأئمة معها، وقد عنى بمستندات التفسير هنا مصادر التفسير التي اعتمد عليها أئمة التفسير في تفسيراتهم المعروفة
ثم بحث لدكتور محمد صالح محمد سليمان في منهج المحدِّثين في نقد مرويات التفسير وهو بحث مهم جدا ورغم صعوبته الظاهرة إلا أن الدكتور تناوله بطريقة جيدة ومبسطة
وبعد، فهذا المجلد الأول من الموسوعة تضمن مقدمتها العلمية التي شرحت بوضوح وبساطة كل ما يتعلق بالتفسير المأثور تقريبا نفعنا الله بها ونفع بنا وجزى عنا خيرا شيوخنا القائمين على برنامج كفاية المبتدي الذين دلونا على هذا الخير الوافر آمين...more
معركة النص هنا هي مع التحريف المعاصر للأحكام والمفاهيم الشرعية ويالها من معركة! لقد شغلني هذا التحريف طويلا وكان أشد ما أبغضه وأكثر ما يدفعني إلى الرغبمعركة النص هنا هي مع التحريف المعاصر للأحكام والمفاهيم الشرعية ويالها من معركة! لقد شغلني هذا التحريف طويلا وكان أشد ما أبغضه وأكثر ما يدفعني إلى الرغبة في الرد والدفاع، ولقد ارتحت كثيرا لاختيار هذا الكتاب للقراءة في برنامج البناء المنهجي
دكتور فهد العجلان خاض المعركة عبر أربعة محاور هي: قضايا وأسس منهجية، أصول الاستدلال وقواعده، المفاهيم والأحكام الشرعية، أسلمة العلمانية وكل محور تضمن مجموعة من المقالات المهمة التي تعرض ما يتعلق به من أفكار داخلة ضمن سير المعركة
صعب أن أعرض كل المقالات لأنها كثيرة وأفكارها كثيفة لكني أقول أن محاولات الالتفاف حول النصوص الشرعية وتحريفها عن معانيها وتأويلها وفق أهواء العلمانيين والليبراليين بما يناقض أصلا دلالاتها الأصلية هو أكبر معركة نواجهها في واقعنا الإسلامي اليوم، ذلك أنها محاولات تتستر تحت لباس الإسلام وتتحدث بلسانه وتراوغ وتداهن لتبث سمومها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي دون أن يشعر أحد بمدى خطر هذه السموم، إنها معركة غير شريفة لا يسفر فيها العدو عن وجهه القبيح ولا يصرح بعداوته وبغضه الكامن للإسلام، بل بالعكس يتظاهر أحيانا بأن منطلقه هو مصلحة الدين وتقديس الشريعة، هذا التلبيس هو أشد الأسلحة المعاصرة مكرا وفتكا ويتطلب جهودا كبيرة وسعيا مستمرا ومهارات فائقة للتغلب عليه وتخليص الناس من سحره وتأثيره وتشويشه عليهم خاصة وقد وصل تأثيره إلى دين العامة ولم يعد مقتصرا على النخبة كما كان من قبل
اللهم ألهم علماء المسلمين ومصلحيهم رشدهم وسدد رميهم ولا تجعل بأسهم بينهم واجمع كلمتهم واجعلهم شوكة في نحر أعداء الدين تدفع عن المسلمين مكرهم وكيدهم آمين...more
كالعادة هي خلطة آلان دو بوتون السحرية القادرة على جذبك من أول الكتاب إلى آخره، أسلوب الكتاب هذه المرة مختلف فقد جعله المؤلف على هيئة قصة حب بين رابح وكالعادة هي خلطة آلان دو بوتون السحرية القادرة على جذبك من أول الكتاب إلى آخره، أسلوب الكتاب هذه المرة مختلف فقد جعله المؤلف على هيئة قصة حب بين رابح وكريستين تنشأ وتنمو وتنضج وتمر بمنعطفات خطيرة أحيانا وكل ذلك ونحن نراقب من خلالها دروس الحب التي يحاول آلان دو بوتون تمريرها إلينا حسنا، أيضا كالعادة لم تعجبني أفكار كثيرة وتحفظت على بعض القصص لكن في المجمل شعرت كم تلامس هذه الدروس واقعنا المعاصر وكم تعبر عنا وعن معاني الحب المعقدة والهشة في نفس الوقت التي باتت حياتنا تطفح بها
بعض الأفكار _خاصة فيما يتعلق بعلاقة أفكارنا عن الحب وسلوكياتنا من خلاله وأساليب تعبيرنا عنه وبين طفولتنا والطريقة التي ربينا عليها_ كانت عميقة الصدق والتأثير لقد توقفت أحيانا ودمعت عيناي وأنا أتذكر كيف أحبني أبي وعمي وكيف أثر ذلك في رؤيتي للحب نفسه بعد ذلك
أحببت كذلك هذا الاهتمام بالأبناء الذي بذله الأبوان وكيف ربطه المؤلف بطفولتيهما وبأفكار المجتمع الحديث عن الحب والأبوة والأسرة
في النهاية وأيا كانت السلبيات التي حواها الكتاب فقد استمتعت به فعلا ورأيته مهما للغاية في فهم كيف يمكن للإنسان أن يحافظ على علاقته بشريك حياته ويتجاوز العثرات التي لابد أن يواجهاها في حياتهما المشتركة إنه ثمة تناقض جوهري بين ما تتطلبه العلاقات الإنسانية ومن ضمنها الحب من ثبات واستقرار وسكينة وصبر وبين السرعة والضجر اللذين يسمان عالمنا اليوم، وربما ذلك هو السبب الأهم في فشل كثير من علاقات الحب والوقوع في خيبات أمل متكررة
خلاصة الأمر أن الحب لكي يدوم يحتاج إلى كثير من اللين والتفهم ورقة القلب والتسامح وإلى كثير وكثير من الصبر...more
من أجمل وأعظم ما قرأت شرح لا يشبهه شرح لسورة غافر حتى نهاية قصة موسى عليه السلام لم أكمل الكتاب ومع ذلك فقد قرأت القسم الأول منه مرتين، مرة منذ عدة شهومن أجمل وأعظم ما قرأت شرح لا يشبهه شرح لسورة غافر حتى نهاية قصة موسى عليه السلام لم أكمل الكتاب ومع ذلك فقد قرأت القسم الأول منه مرتين، مرة منذ عدة شهور وهذه المرة ضمن برنامج كفاية المبتدي يتجول د.محمد أبو موسى في حدائق البلاغة الغناء ويستكشف معان باهرة وفوائد بديعة في الآيات ويربطها معا في سياق واحد متصل بطريقة شديدة الإحكام والجمال أسأل الله أن يبارك في عمر شيخنا ويتقبل منه ويجزيه عنا خير الجزاء ويحسن إلى أهل برنامج كفاية المبتدي وما يسروه لنا من كتب ممتعة نافعة بفضل الله ورحمته...more
كتاب مهم وطويل ومفصل عن الإمام البخاري وحياته وكتابه الجامع الصحيح وشيوخه ومكانته بين العلماء ومؤلفاته ومذهبه في كتابه وطريقته كانت هناك آثار جميلة ومكتاب مهم وطويل ومفصل عن الإمام البخاري وحياته وكتابه الجامع الصحيح وشيوخه ومكانته بين العلماء ومؤلفاته ومذهبه في كتابه وطريقته كانت هناك آثار جميلة ومواقف عجيبة شاحذة للهمم، ربما العيب الوحيد هو التكرار وذلك لأن الأثر الواحد كان يتضمن أحيانا أكثر من شاهد ودلالة فيكرره المؤلف أكثر من مرة في أكثر من فصل جزى الله المؤلف خيرا وبارك في أهل البناء المنهجي...more
كتاب مهم وممتع خاصة لطلبة العلم وقد جعله المؤلف في أربعة محاور فبدأ بمفاتيح التكوين العلمي ثم تعرض للآثار السلبية للجدال ثم تحدث عن غيوث الإيمان الرباكتاب مهم وممتع خاصة لطلبة العلم وقد جعله المؤلف في أربعة محاور فبدأ بمفاتيح التكوين العلمي ثم تعرض للآثار السلبية للجدال ثم تحدث عن غيوث الإيمان الربانية التي سماها البوارق وأخيرا تحدث عن آفات القلوب وسماها العوارض
في محور التكوين كان للمؤلف مقالات ممتعة عن المعرفة الشاردة وكيف يمكن للطالب الاحتفاظ بالمعلومات لمدة أطول بالتلخيص والإختصار وغير ذلك، ثم المعرفة الكامنة وكيف نتدرب على استحضار معلوماتنا، ثم تأملات في الارتخاء المعرفي واهتمام المتعلمين بالملح والنكت والغرائب قبل إحكام أصول العلم وقواعده
أما في محور السجال فقد تحدث عما سماه سمسرة المدافعين وكيف تتسبب أحيانا المغالاة في الدفاع عن الإسلام وإرادة إفحام الخصوم في ضمور المعاني القرآنية الشريفة في القلب ثم مقالتين عن معارف المتجمهرين وطاقات مهدرة وكيف تنفق طاقات المرء في معارك صغيرة لا أهمية لها
في محور البوارق يحاول الكاتب دلالة طالب العلم على ما ينفع قلبه في رحلته ويدفع عنه الآفات فكانت مقالة عن تسييج الحصن والانشغال ببناء الإيمان وتعمير القلب قبل الدخول في معترك الطلب وأثناءه، ومقالة عن أهمية التعرف على سير الصالحين وغيرهم وتتبع آثارهم للاستفادة من خبرتهم، ومقالة عن ضرورة الصبر على الطريق ومشاقه وتكليفاته وعدم استعجال الغيوث
في محور العوارض تكلم الكاتب عن عوائق التعلم والآفات القلبية التي تعرض لطالب العلم وكان أولها الزهو ورؤية الذات وحب الظهور ثم خطورة حب الاختلاف والسعي وراء الاستقلال دون تمييز
ثم يختم المؤلف كتابه بخلاصات منتخبة رائعة من الكتاب وهي اقتباسات مهمة جدا تلخص موضوعات الكتاب تقريبا، وبالمناسبة يبتديء المؤلف كل محور وكل مقال باقتباسات رائعة لكبار العلماء والمفكرين، هذا غير ما بث في الكتاب من ذلك الجمال
الكتاب رائع حقا وقد وقع في قلبي موقع الغيث في الأرض فكأني التقيته في الوقت المناسب تماما حيث كنت في أشد الحاجة إليه.. قرأته في صمت وأتذكر أني بينما أقرؤه أشعر كأنه يخصني وحدي وذلك من شدة ما وجدتني محتاجة إلى أفكاره
أوصي به وبشدة جزى الله عنا مؤلفه خير الجزاء...more
لم أعد مفتونة بالروايات.. لا أعرف ما الذي تغير .. فجأة وجدت نفسي زاهدة فيها لا أقبل عليها إلا إذا يئست من شغفي أو خفت على نفسي الملل .. صرت أكثر ترددالم أعد مفتونة بالروايات.. لا أعرف ما الذي تغير .. فجأة وجدت نفسي زاهدة فيها لا أقبل عليها إلا إذا يئست من شغفي أو خفت على نفسي الملل .. صرت أكثر ترددا وحيرة قبل اختيار رواية للقراءة .. صرت أقل صبرا على خيبات الأمل المحتملة وأضعف تحملا لأفكار ومشاهد لا تعجبني
ثم اخترت فجأة قطار الليل هذا إلى لشبونة..هكذا بدون تردد وبثقة مدهشة شرعت في قراءتها في إحدى ليالي الشتاء الباردة.. ومن أول صفحة أيقنت أنها رواية ليست فقط تروق لي ولكن جاءت في الوقت المناسب تماما، لقد كانت نفسي تموح بأسئلة وأفكار ظننتها ساذجة وغريبة لكن أبطال هذه الرواية كانوا يسألونها لأنفسهم باهتمام عميق محتفين بها غارقين في دواماتها وكنت أنا بينما أقرؤها يغص قلبي بدموع امتنان عذبة لا تجرحه
فلأكن واضحة حتى لا يغتر أحد.. هذه ليست رواية ممتعة رواية لا تجذبك فيها الأحداث ولا تشوقك الحكايات، لكنها رواية التساؤلات التي لا إجابات لها، رواية تضعك في مواجهة نفسك وتجبرك على الحفر عميقا في داخل ذاتك حيث تفاجئك صور وذكريات وأحلام ومخاوف وعقد ينبني عليها جوهرك الحقيقي الذي ربما تاه منك وسط زحام الحياة المفروضة عليك
الأشخاص في الرواية كأنهم مزق شخصيات وليست شخصيات كاملة، سيمن عليك المؤلف بشذرة من حياة هذا ولمحة من قصة ذاك، سيتحدى سير الزمن ويختار ترتيبا غير منطقي للأحداث وسيتركك حتى آخر لحظة تسردها في عقلك كأنك تركب قطع بازل وحين تظهر أخيرا الصورة الكاملة سيكون ذلك غير مهم على الإطلاق لأن النهاية مفتوحة والرواية بلا أفق
الذي تقوم عليه الرواية كلها هو سحر الكلمات، كيف يمكن لرجل سويسري يعيش في پيرن نذر حياته كلها للغات قديمة يدرسها ويترجمها أن يقلب حياته رأسا على عقب ويترك كل شيء وراءه مسافرا عبر قطار الليل إلى لشبونه البرتغالية لأنه افتتن بنص مغمور لكاتب مجهول لا يعرفه أحد، كيف كان يجد في كل فقرة من النص أسئلة كأنها موجهة إليه ويكتشف أفكارا كأنها خطت هاهنا من أجله، والأغرب كيف شعرت أنا أن كثيرا منها كان مكتوبا من أجلي أيضا، كأننا من خلال الرواية نحفر عبر مستويين: برادو في زمن بعيد يكتب من أجل غريغوريوس، وغريغوريوس في زمن قريب يقرأ من أجلي ومن أجل كل قاريء عثر على بعض أفكاره الشاردة في هذه الرواية برادو يحاول اكتشاف نفسه بكتابة نص عجيب، وغريغوريوس ينبهر به فيلح في السعي لمعرفة قصة برادو الحقيقية وفي أثناء ذلك يفاجأ بأنه يكتشف نفسه هو لا برادو، ونحن عبر كل ذلك البحث وإذ نتصور أننا نعرف المزيد عن برادو وعن غريغوريوس نكتشف أننا كنا في الحقيقة نعرف المزيد عن أنفسنا نحن
بعض أفكار الرواية لم تعجبني أبدا وبعضها لم أستوعبه جيدا وبعضها رأيتها محض سفسطة لكن المؤكد أن بعضها كان ملحا للغاية بالنسبة لي وضروريا أن أراه مبسوطا هكذا للمناقشة والمراجعة والتأمل
عزيزي المسافر في قطار الليل إلى لشبونه لا أعدك برحلة ممتعة ولا مشاهد جميلة ولا رفاق لطفاء، لكني أقول لك أنك ربما تقابل في هذا القطار أهم شخص يجب أن تعرفه في حياتك، ربما تقابل نفسك....more
سمعت شرح الشيخ سليمان العيوني لها ضمن برنامج كفاية المبتدي في علوم القرآن وكان شرحا جميلا لكني استصعبتها ووجدتها كثيفة ودسمة جدا وأظن أني لم أستوعبها سمعت شرح الشيخ سليمان العيوني لها ضمن برنامج كفاية المبتدي في علوم القرآن وكان شرحا جميلا لكني استصعبتها ووجدتها كثيفة ودسمة جدا وأظن أني لم أستوعبها كما ينبغي لكني استفدت مراجعة لمعلوماتي في النحو وتأكيدها وتجديدها وتوضيحها بالأمثلة...more
سمعته من الشيخ ضمن مقررات برنامج طليعة الكفاية في علوم القرآن، كان شرحا ماتعا جميلا جدد حبي لعلوم البلاغة وبين لي طرفا من جمال العربية وإعجاز لغة القرسمعته من الشيخ ضمن مقررات برنامج طليعة الكفاية في علوم القرآن، كان شرحا ماتعا جميلا جدد حبي لعلوم البلاغة وبين لي طرفا من جمال العربية وإعجاز لغة القرآن للعرب جزى الله عنا الشيخ خير الجزاء وشكر الله القائمين على برنامج طليعة الكفاية حسن اختيارهم وتوجيههم...more
كتاب عظيم كعادة كل كتب كيليطو أفكاره متفردة وأصيلة تماما لقد حاول كيليطو تحديد معنى المقامة والأسباب التاريخية لنجاحها في القرن الرابع والأنساق الثقافكتاب عظيم كعادة كل كتب كيليطو أفكاره متفردة وأصيلة تماما لقد حاول كيليطو تحديد معنى المقامة والأسباب التاريخية لنجاحها في القرن الرابع والأنساق الثقافية التي قامت عليها وعلاقتها بأنواع أخرى من تراث الأدب
انقسم الكتاب لثلاثة أقسام: في القسم الأول عقد كيليطو موازاة بين المقامات ونصوص من القرن الرابع وحاول من خلال هذه الموازاة أن يستجلي عددا من الأنساق التاريخية والجغرافية والاجتماعية والشعرية وفي القسم الثاني بحث في الأنساق تلقى بها معاصرو الهمذاني مقاماته وفي القسم الثالث الذي خصص للحريري نظر في الأنساق القديمة للقراءة بالقياس إلى الأعراف الحديثة للقراءة
ربما للمرة الأولى لا يمكنني كتابة مراجعة تفصيلية لكتاب من كتب كيليطو لكنه كان كتابا مدهشا ودسما وكثيف الأفكار ولا يمكنني تجميع أفكار معينة حوله حتى الآن...more
لم أكمله لكني أسجله هنا لأنني ربما لا أستطيع إكماله بسبب الترجمة السيئة التي أفقدت بعض أفكار الكتاب وضوحها الكتاب أطروحته ونظرياته وأفكاره متميزة لكن لم أكمله لكني أسجله هنا لأنني ربما لا أستطيع إكماله بسبب الترجمة السيئة التي أفقدت بعض أفكار الكتاب وضوحها الكتاب أطروحته ونظرياته وأفكاره متميزة لكن يعيبه التعقيد والترجمة
أنقل هنا خاطرة طويلة بعض الشيء تأثرت فيها بأطروحته الأساسية:
كنت أقرأ آية سورة آل عمران: «ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله» لما خطر لي أن في «قد أهمتهم أنفسهم» يكمن أساس من أساسات مآسي عالمنا الحديث، لقد فكرت أنه ربما يكون أبرز سمة للناس في هذا الزمان أنهم قد أهمتهم أنفسهم وشغلتهم إلى حد فقدوا عنده القدرة على الحب حقا والإيمان يقينا، والأدهى أن هذا الاهتمام والانشغال لم يعد معيبا كما كان من قبل، بل على العكس صار مقبولا تماما بل مطلوبا ومحتفيا به. إننا نجد في هذه الآية الكريمة أن الطائفة التي أهمتهم أنفسهم هم قوم ملأهم الشك والارتياب وظن السوء في ربهم، وقد وصفتهم بعض التفاسير بالنفاق وبعضها بضعف الإيمان، والدليل الذي يؤيد هذا الوصف هو ذلك السؤال: «هل لنا من الأمر من شيء» ثم تفصيله في موضع تالٍ: «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا»، وقد يتساءل أحدهم: وماذا في سؤالهم هذا من خطأ؟ ما الدليل فيه على النفاق أو ضعف الإيمان؟، وإني على جهلي أجيب بما استشعرته من الآية، وهو أنهم بقولهم هذا يوازنون بين أمرين: أمر أنفسهم وأمر الله، ولذلك كان الرد قاطعا: «قل إن الأمر كله لله»، وإذا كان المرء يؤمن حقا أن الأمر كله لله فكيف يزعم لنفسه أمرا؟ وكيف يتحسر على فواته وفقده؟ لقد انشغل هؤلاء بأنفسهم وأهليهم وسلامتهم الشخصية ولم يشغلهم ما أصاب المسلمين من قرح وغم وبلاء، لقد رأوا بأعينهم إخوانهم يقتلون ورسولهم يجرح وأمتهم الناشئة تتعرض لزلزلة شديدة فغضوا الطرف عن كل ذلك وتذكروا أمرا واحدا فقط: أمر أنفسهم وما تمنوه من حياة طويلة ونصر عظيم وظهور على الأعداء إن مشكلة عالمنا الحديث قائمة في نظري على هذا السؤال المريب المفعم بأوهام الاستحقاق والمسكون بهواجس الأنانية ونوازع الاستقلال [هل لنا من الأمر من شيء؟] لقد ولد هذا العالم من رحم النفس المهمومة بذاتها المشغولة بما تستحقه من نصر وفتح وظهور، ولا يمكن لهذه النفس أن تتحقق بالعبودية المحضة لله، لأنها في قلقها ذاك يصعب عليها أن تخضع وتنقاد لأمر الله القدري والشرعي، ولأنها في انكفائها على ما تستحقه من متاع الدنيا غافلة عن حقوق الله عليها، إنها تعيد صياغة علاقة العبودية الرأسية (أمر الله فوق أمر الإنسان) ليصير علاقة مواجهة أفقية(أمر الله أو أمر الإنسان)، ولقد اختار هذا العالم أن يكون مرتكز قيمه ومبادئه وتصوراته عن الوجود هو الإنسان، ومن ثم فليس مستغربا أبدا أن تحوز النفس كل هذا الاهتمام وأن يبالغ في التمحور حولها والدوران في فلكها رغبة في فهمها وتنميتها وتطويرها وتدليلها وإشباع رغباتها وهلم جرا. في كتابه (عصر الفراغ) يضيف چيل ليبوفتسكي عنوانا فرعيا: (الفردانية المعاصرة وتحولات ما بعد الحداثة)، وهو يقيم معظم نظرياته عن عالم ما بعد الحداثة على أساس واحد: نرجسية الإنسان في هذا العالم، أي أنه يعتبر ببساطة أن أزمة ما بعد الحداثة تتجسد في تمحور الذات الحديثة حول نفسها وعدم قدرتها على تجاوز أناها وانطلاقها في جل سلوكياتها من دوافع شخصية بحتة لا تضع في حسبانها مصلحة أي شخص آخر أو منفعته.
هل هذا يعني أن الإسلام يطلب منا أن نهمل أنفسنا ونزدريها ونقلل من شأنها؟ لا أبدا، بل على العكس أنت كمسلم مطالب بأن تنجو بنفسك وألا تلقيها في التهلكة وأن تجاهد من أجل تزكيتها وتطهيرها من أدرانها، لكن كل ذلك الاهتمام يحكمه أمران: الإيمان بالله وحده وإرادة الدار الآخرة، فنجاتك بنفسك تعني ألا توردها مواطن الضلال وألا تخسرها بحجبها عن مولاها الحق في الدنيا وذوق العذاب في الآخرة «فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ»، وعكوفك عليها لا يكون إلا لتزكيتها «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)» وأنت في كل ذلك تعلم يقينا أن الله اشترى منك نفسك ومالك بأن لك الجنة «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» فلا ترجو لها نجاة إلا في طاعته ولا تشغلك إلا بقدر ما تصلحها، تهون عليك في سبيل الله وتبذلها راضيا ابتغاء مرضاته. وبعد، فلعلنا نستطيع بتتبع كلام الله عن نفس الإنسان أن نبني نموذجا معرفيا نتصور من خلاله كيفية سلوكنا مع أنفسنا وعنايتنا بها دون إغراق في أنانية بغيضة ونرجسية عاتية. ولعلنا إذ نفعل ذلك نستطيع من جديد أن نفهم معاني التسليم لله والانقياد لأوامره والخضوع لمحابه، ونحب أنفسنا حقا ونحب الآخرين، ونمتليء عطفا ومودة ورحمة لكل البشر، وأن نتبصر ونتأمل في اسم هذا الدين الخاتم (الإسلام) الذي اختاره الله لهذه الأزمنة بالذات وما يتضمنه هذا الاسم من معاني عميقة تواجه أوسع أدواء هذه الأزمنة انتشارا وأشدها تعقيدا (الانشغال بالنفس والانكفاء على الذات)...more
كتاب رائع يتناول موضوعات السور المكية وموضوعات السور المدنية ثم نماذج لكل من هذه السور ويفصل في دراسة كل سورة تفصيلا جميلا عجيبا يسلك فيه مسلكا دقيقا كتاب رائع يتناول موضوعات السور المكية وموضوعات السور المدنية ثم نماذج لكل من هذه السور ويفصل في دراسة كل سورة تفصيلا جميلا عجيبا يسلك فيه مسلكا دقيقا في تأملاته وخواطره حولها
قرأت بعضا منه تبع برنامج المشوق إلى رمضان وأثر في كثيرا
وأظن أن الأفضل قراءته حسب السور ومعايشتها وسماع وقراءة تفسيرها والتدبرات حولها...more